ما كان أهنأني وأسعدني
لو كان ينفع معشري قلمي
أنا لي فؤاد لا أنزهه
لكن يراقب ما يقول فمي
يظلم الناس بعضهم منذ كانوا
طال ظلم الإنسان للإنسان
متى يعرف المرء حقه فيصون حق أخيه ومتى يعرف الإنسان حده فيعيش سعيداً بما يكفيه ؟
عفا الله عن دهرٍ باد ولم يرضع أبنائه إلا جهلاً، وعهدٍ مضى لم تكن دروسه ومواعظه إلا أعتسافاً وظلماً، فشبت النفوس على ذلك، وأصبحنا معذبين باكين نطلب أصلاحاً ونقوم اعوجاجاً متنقلين من موضوع إلى موضوع، ومن وخزة إلى وخزة، ومن حديث إلى حديث، وما حديثنا اليوم إِلا عن (الأذناب) وهل أتاك حديث الأذناب؟ وهل سمعت بما تجنيه الأذناب؟ وهل شاهدت تلاعب الأذناب؟ وهل اكتشفت كيف يدسون السم في الدسم؟ أم هل دققت كيف يصطادون من وراء الستار؟
ثم هل أبصرت كيف يصولون ويجولون في مضمار النفاق!؟ أم هل أطلعت كيف يبرزون أمام العامة؟ وكيف يغشّون على أعين السذج من بني الإنسان؟ بل هل لمحت كيف يتملقون؟ وكيف يزلفون؟ وهل أتقنت كيف يجتذبون المنافع؟ وكيف يبسطون سيطرتهم على هذا وذاك ممن ابتلاهم الله بقصر البصر.
نعم أولئك هم الأذناب، بل هم عصابة اللصوص فلا تلمني إذا ما تحاملت عليهم هذا التحامل الشديد، ولا تلمني إذا ما تهاجمت على تلك الطائفة السافلة، وقمت لمحقهم والقضاء عليهم فقد علمت بما لم تعلم، وقد سمعت بما لم تسمع، وما كلما يعلم يقال.
فإن شئت فأدع الأذناب بشياطين الأنس، وإن شئت فقل هم الجراثيم الفتاكة، وإن أردت فقل عنهم اصلالاً لاسعة، أو ذراريح سامة، ثم أعينك يا أخي- إذا ما كنت مدير شركة أو رئيس محل- من الأذناب ومن شر الأذناب ، فإنهم السبب الوحيد الذي يمطر عليك سخط الخالق والمخلوق! فاذا ما كنت يا مولاي موظفاً اجتمعوا حولك وأحاطوا بك إحاطة الأهلة بالقمر، وقدسوك وعظموك لا شغفاً بسواد عينيك، ولا طمعاً باصالة رأيك بل توصلاً لمأرب شخصي ونيلاً لطمع ذاتي. يمشون من ورائك إذا ما مشيت ويجلسون بالقرب منك إذا ما جلست، ليوهموا البسطاء من الناس بأنهم هم المسيطرون عليك ، وبأن إرادتهم فوق إرادتك، وبذلك يصطادون ويقتضون، ولو سمعتهم من ورائك ما يقولون، لغضبت ولويت منهم فراراً ولحرمت النظر إليهم. أتعلم يا سيدي ماذا يقولون إلى العامة! يقولون لصاحب الحاجة- وصاحب الحاجة أرعن- : لا تخف ولا تحذر فحاجتك مقضيه مهما كانت، وفق القانون أو ضد القانون، ولكن على شرط كذا وعلى عهد كذا، وعلى أن تكون المصلحة الفلانية مشتركة المنفعة ، وعلى أن يكون لنا من المصلحة الأخرى حصة مقدارها كذا وإن فلاناً طوع إرادتنا ومنفذ كلماتنا وإن لم يجمعنا النهار فسيجمعنا الليل تحت ستاره، وموعدنا الصبح، أليس الصبح بقريب؟ فيؤمن بذلك البسطاء مفوضين الأمر إلى الله ، فإذا ما أقنعوك شياطين الأنس، – وأعيذك أن تكون كذلك- وإذا ما تلاعبوا بك – وأجلك عن ذلك- كنت ويا للأسف قد جنيت على نفسك وجنيت على غيرك، والعياذ بالله إن ذاك من سخط الخالق والمخلوق فإذا ما توقفت يا مولاي على قطع الأذناب وعلى محق الأذناب، وبرهنت للملأ على قوة إرادتك وعدم التلاعب بمشيئتك قطعت لسان الناس عنك وأصبحت منزهاً مقدساً في نظر القوم وتلك هي السعادة فجر في الكلام ليس له التأم.
جراحات اللسان لها التأم
ولا يلتأم ما جرح اللسان
أما إذا أهملت الأذناب وتركتهم يفعلون ما يشاءون وخدعوك وسيطروا عليك فقد أصبحت من الخاسرين الذين ضلت أعمالهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون إنهم يحسنون صنعاً وهناك الويل والثبور.
* صدى الجمهور ، العدد 29 ، الخميس 2 حزيران 1927م الموافق 2 ذي الحجة 1345 هـ .