لا ينكر عاقل ما للمعارف من الأهمية بمكان وتأثيرها على عقلية الأمة ورقيها وقد ينادي معتوه إلى أمر رجعي بقتل المدارس ، إلا أن أمم الأرض قاطبة أجمعت على لزومها لحيوة الشعوب. يقرر المنصف بتقدم المعارف في العراق بالنسبة لما كانت عليه في الدور البائد إلا أن أنه ينكر على هذا التقدم بأن وجهته نحو غاية الأمة المادية والأدبية والروحية فالمدارس التي لا تدرب الناشئية حسبما تتطلب البيئة وحاجة البلاد لهما مدارس آمن بها أن تدرس من عالم الوجود.
ينهج الفرنجة في تهذيب ناشئتهم مناهج تناسب الحاجة والبيئة ثم يحذو العراق حذوهم وشتان بين حاجة الفريقين وبيئتهما.
فالعراق لا يستطيع أن يتخلق بأخلاق السويسريين وإن جادت مديرية المعارف بالمعجزات والمكرمات. فنحن نأكل الكبسة وهم يتلذذون بالرز المسلوق. لقد وضعت مديرية المعارف العراقية أمام الناشئية الجديدة هويتين سمينتين لابد أن تهوى فيها إذا لم يتدارك العقلاء الأمر فتتحطم فيها الآمال القومية وتضيع في قعرهما الجهود التي بذلت في سبيل اليقظة العربية المقدسة.
الهوة الأولى: المدارس الطائفية. فيالها من هوة تفرق بين أبناء قوم واحد وبلاد واحدة ووطن واحد. البلاد في حاجة إلى التكاتف والتآزر والتحابب. ومعارفنا تعمل على تفريقنا وبتبديد شملنا. فحجة دائرة المعارف على تأييد خطتها هذه أن الطوائف تريد هذا لهي حجة لا يقوم لها وزن فإذا أراد الطفل أن يلعب بالموس أو يرمي نفسه في النار أفما يصده أبواه عن ذلك إن كان في قلبهما ذرة من الحب والشفقة؟؟
ومع هذا فالرأي العام ناقم على هذه المدارس السامة وينتظر الساعة التي يتخلص من أذاها. فهل لمديرية المعارف أن توحد المدارس في البلاد ينشأ منها رجال ذوو مبادئ واحدة ومرام متجانسة وطرق موحدة لخدمة هذه الأمة التي أمانتها التفرقة ليسود عليها أفاكون.
الهوة الثانية: منهج التدريس: تعمل مديرية المعارف على تعليم الفتيات العلوم النظرية قبل العملية منتشية الابنة على إتباع المودة وقراءة روايات الحب والتواسل معرضة عن الانشغال بتربية الطفل وتدبير المنزل والاقتصاد في المعيشة. ويشب الشبان وفي يدهم الجزروانة يقرعون بها أبواب الوظيفة فإذا أوصدت بوجههم شاغبوا وأقلقوا البلاد، البلاد تحتاج إلى علوم عملية صناعية أكثر منها إلى نظرية فهي تفتقر إلى الميكانيكي والمهندس الزراعي و….و … كما أن أبناء الأرياف يحتاجون إلى علوم زراعية عملية أكثر منها إلى التاريخ والجغرافية… فعسى الحكومة تعتني بهذا الأمر وتحمل مديرية المعارف على المنهج في أعمالها طبقاً للبيئة وحاجة الأمة والسلام على من أخلص الخدمة لبلاده ولم يكن آلة بيد أعدائها.
صدى الجمهور ، العدد 10 ، 24 آذار 1927م الموافق 20 رمضان 1345هـ .