أن قلة نفوس العراق واختلال صحة سكانه لما يشغل فكر من يغار على مستقبل هذه البلاد العزيزة. في العراق كنوز ثمينة مطمورة تحت الأرض تتطلب أياد عاملة كثيرة وأدمغة مفكرة لاستخراجها والانتفاع بها. فكثرة عدد السكان تأتي من الاعتناء بالطفل والعقل الصحيح في الجسم الصحيح فإذا لم تزداد سكان العراق عدداً ولم تكتسب أجساماً قوية وصحة حسنة تعذر عليها الوصول إلى أدمغة وقادة وأياد عاملة تقوم بمشاريع عمرانية.
يتكاثر عدد الفرنجة تكاثراً محسوساً وهم لم يقولوا بتعدد الزوجات بينما يتقلص عدد نفوس العراق وتنحل أجسام سكانه وتعتل صحتها. فلهذه الحالة السيئة سبب مادي يمكن الوصول اليه وتلافيه.
يعود السبب الأعظم لقلة نفوس العراق ونحول أجسام معظم سكانه إلى جهل أكثر الأمهات في أصول تربية الطفل. وهذا الجهل المطبق يؤدي كل عام بحيوة جزء لا يستهان به من أطفال العراق ورجال المستقبل وينحل جسم من يتخلف منهم ويتركه عالة على المجتمع البشري. يولد الطفل صحيحاً نشيطاً منزهاً عن العمل فتعمل أمه على تشويه جسمه الفض وتلويثه بجراثيم العلل بطرق شتى من حيث تقصد إنمائه وتقويته.
تقتل الأمهات أولادهن بطريقتين رئيسيتين أذكرها في هذه العجالة لعل بهذه الذكرى ينشط الوالدان إلى رفع الضرر عن ذريتهما فتعود الفائدة عليهما وعلى بلادهما.
الطريقة الأولى: كثرة إرضاع الطفل وإطعامه مواداً غريبة عما يخلق إليه في الثدي فتفسد معدته وأمعاؤه ويتسرب الضعف إلى أعضائه وتتسلط عليه الجراثيم القتالة فتقصف عمره – وإن كتب له عمراً طويلاً – تشوه جسمه فتعله فيشب عالة على بني جسمه بينما كان ينتظر منه القيام بأعمال تعود على البلاد بالسعادة. كم سمعت أمهات يتذمرن من ضعف ألم بأطفالهن وكثرة صياحهم ليلا ونهارا ويدعون عليهم بالويل والثبور بينما يكثرن من سد أفواههم بأثديتهن وحشو معدهم بطعام غير سائغ حتى يريحهم الله من جهلهن وددت أيم الحق لو اهتم القضاء لهذا الأمر الجليل وعاقب من لا يحسن تربية طفل ردعا لهذا الجهل القاتل.
الطريقة الثانية: عدم الاعتناء بنظافة الطفل وترويضه على النور والهواء النقي. كثيرات هن من لا يغسلن طفلهن أشهراً ولا يخرجنه إلى الهواء النقي المنعش خوفا عليه من التلف فيتلف وينحل ويموت. فلا كان ذلك الخوف الذي ينبعث عن الجهل ولا كان ذلك الاعتناء الصادر عن الغباوة.
الخلاصة: يمكن المحافظة على مهمة الطفل وحياته بإرضاعه حسب النظام في ساعات معلومة وعدم إدخال أي مادة في فمه غير حليب أمه أو حليب معقم إذا كان حليب الأم شحيحا وتحميمه يوميا وإلباسه ثيابا ناعمة نظيفة واسعة وعدم شد جسمه إلى المهد وتنزيهه يوميا في الهواء الطلق والنور المنعش حبذا لو اهتمت مديرية المعارف بإذاعة بيانات أو إلقاء محاضرات من جانب طبيبات في مدارس الإناث حول أصول تربية الطفل.
* صدى الجمهور ، العدد 8 ، الاثنين 17 آذار 1927 م الموافق 13 رمضان 1345 هـ .