قال فريق ممن يزعمون أن يعرفونني أنه شاعر يجري فيما يكتبه مع الخيال.
وقال فريق آخر! إنه متهور بما يكتبه، إنه منتقد، إنه يحب شتم الناس، هذا: كل ما قد قيل فيَّ أو ما سيقال: عفى الله عنهم . أنا أقبل كل ما قد قالوه ، أو ما يقولونه لأنهم لم يعرفوني كما زعموا أو كما يزعمون، فأخذ كل فريق يقول بما يوحيه إليه ضميره، وما يصوره خياله، لكنني أقول إلى الفريق الأول، نعم أنا شاعر أجري فيما أكتبه مع الخيال لكن شعري هو أنشودة ضميري وأغنية فؤادي فانني أزف الحقائق منقبة بالخيال إذ أن النفوس تصبوا إلى ما يظهر بمظهر الخيال ولا عتب عليها ولا لوم لأنها قد تعودت ذلك وهذه عاداتنا معاشر الشرقيين والعادات قاهرات. ثم لا بأس علينا إذا ما اجتنينا الحقيقة من بين الخيال، فالورد كامن بين الأشواك والشهد محاط بأبر النحل واللب يستخرج من بين القشور .
وإلى الفريق الآخر أقول:
أنا لست بمتهور ولكن ما الذي أفعله بهذه الروح التي تتألم من تسلط الأقوياء على الضعفاء ومن احتقار السعداء البؤساء، هذا ما يهيج زفرات قلبي ويثير كامن ألمي، فيسيل القلم بدم القلب مترجماً عن الأمة، وليس من يكتب بمداد كمن يكتب بدم من قلبه منتصراً للضعفاء، وهذا ما يسمونه تهوراً في عرفهم.
أنا لست ممن يحب شتم الناس وينتقدهم، لأني أعتقد أن الناس مني وأنا منهم وإنما أنا وإياهم كعائلة واحدة نعيش تحت سماء واحدة وفوق أرض واحدة فإذا ما شتم أحدهم فكأنما تشتم نفسي، ولكن ما أصنع بالصراحة التي فطرت عليها وهمت بها هيام العاشق بمعشوقته، فليقل القائلون فيّ ما يشاؤون على أني والحمد لله لست بالجبان في سبيل المجاهرة بالحق ولا أنا ممن يخشى لومة لائم إذا ما تكلمت أو كتبت بصراحة تامة، ولا أنا ممن يحول بينه وبين جهاده حائل في سبيل الانتصار للضعيف وكسر نفوذ القوي المستبد، ومحاسبة الغاشم الغاصب على النقير والقطمير، ولست ممن يوقفه خجل إذا ما رمت كشف الستار عن حقائق فنحن أحوج إليها من الماء فقد سئمت الأرواح المخدرات وقد كفى التمويه، وكفت الأباطيل وحان للأمة أن تعرف مالها وما عليها، وأن تميّز بين الحق والباطل، وتعرف النافع من الضار، لتكون على بصيرة من أمرها في تفويض مقدراتها إلى من يعرف قدر الأمة وتعليق آمالها على من يعرف حقوق الأمة وقيمة البلاد. فإذا كنت بهذا شاعراً يجري مع الخيال، وإذا كنت بذلك متهوراً، وإذا كنت لذلك منتقداً وإذا كنت ممن يحب شتم الناس في سبيل المنفعة العامة ومعاونة الضعفاء فأنا أتقبل ذلك من كل متقوّل لا يعرفني ولا يصدني ذلك عن خدمة أمة انخدعت بأباطيل زخرفها أولو المطامع واتخذوها كسلم للارتقاء عليها توصلاً إلى الأهواء ومن آثر المنافع الخصوصية على المنافع العمومية فمثله كمثل الشيطان إذ قال للإنسان…الخ ومن لا يتق الشتم يشتم ومن لم يذد عن حوضه بسلاحه يهدم، ومن لا يكرم نفسه لا يكرم وليسمع الناس ما يقال عنّي الآن فلابد أن يأتي يوم يظهر فيه الحق ويزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا.
علي الجميل
* صدى الجمهور ، العدد 2 ، الاثنين 24 شباط 1927 م الموافق 22 شعبان 1345 هـ