بادئ ذي بدء ، لا اريد ابدا ان أسمي أي شخص باسمه ، فمهما بلغ خلافه معي ، أو علت أزمته ضدي ، فانني احترم الذات والاسماء كلها .. واذا كانت للبعض مشكلته السياسية او الطائفية معي ، فانا ليس لي اي مشكلة مع الاخرين ، الا بقدر ما اختلف مع هذا او ذاك في المعلومات والرؤية والثقافة .. وهذه رسالة عابرة كتبتها موجهة الى كل العراقيين ، لا الى انسان معين بالذات ، وقد عنيت بطبيعة الحال البعض من الغلاة والمتطرفين الذين لا يؤمنون بنسبية الاشياء والامور ابدا .. ومنهم بعض الاصدقاء الذين لم يتغيروا ابدا بالرغم من كل العاديات لعشرات السنين .. وهي حديث عن ” خسارة ” معينة للبعض ، ممن لم يجد في كل هذا العراق موضوعا حتى اكتشف فجأة انه بخاسر لواحد من العراقيين اسمه سيار الجميل! ومن المضحك حقا ، انه يتحدث باسم المجموع لا باسمه وحده ، من دون ان يدري خطأ ان يتكلم المرء باسم المجموع ، فلقد تعلمنا في مدارسنا الابتدائية ، ان اي كلام عن الذات لا يؤدى الا باسم صاحبه ، لا باسم الاخرين ، الا ان خّول بذلك تخويلا .. ان ” الموضوع اكبر بكثير من الذات ” ـ كما قال جيفارا يوما ـ !
المعنى الضائع
لم تعد الارض الخصبة الا للاحياء في هذا العالم ، وان الاموات كلهم لا يأخذون معهم الا الاكفان ، بعد ان ذهبوا ويذهبون بلا رجعة ابدا .. وحتى ان بقي بعضهم يثرثر بما ترّسخ عنده من شعارات واقوال يستحيل تطبيقها ، فان هذا البعض الى زوال واندثار، اذ لا حياة لهم لا مع هذا العصر ، ولا مع المستقبل ابدا ، ما داموا لا يقبلون الرأي الاخر ، ويرفضون التعامل بكل شفافية مع اية اسئلة يريد اصحابها اجوبة عليها . ما لي اراهم ما زالوا يتعبدون في صوامعهم باسمالهم البالية ، ويلوكون شعاراتهم واوراقهم ، ويهاجمون حتى اصدقائهم ويخلطون بين الاخضر واليابس .. ؟؟ من المضحك جدا انك تجدهم دوما من المتعجلّين ، يلقون التهم السريعة ليس على خصومهم الحقيقيين من البدائيين والمتخلفين والشوفينيين والتراجعيين الفارغين التافهين ، بل يلقونها على من انصفهم في التاريخ والنضال والتفكير والمعرفة والثقافة والمعاصرة .. وانصف مع هذا وذاك كل العراقيين ! كنت أتمنى على واحد او اثنين او زد ثلاثة ، من امثال هؤلاء ان يدركوا معنى الربح والخسارة في سوق غير متوازن أبدا من المعرفة والتفكير والحكمة والمنطق وقوة الحجة لدى من كان صاحب فكر ومنهج وفلسفة وموضوع ازاء البعض من المتطرفين المغالين ، وهم ما زالوا على نفس طبعهم ، وتعصبهم ، وامزجتهم الساخنة التي تدعو الى اعدام الاخر ، او نفيه ، وقد تصل درجة الكراهية الى نحره ، او قتله ، او سحله ! فان من تخسرونه ، لا يمكنكم ان تنفوه من ذاكرة العراقيين ، فلا حاجة الى ان تبيعوا عليه شموع التنوير ، فهو يعرف طريقه المستنير منذ ازمان خلت .. ولقد تلقّت افكاره ، ولم تزل ، الالاف المؤلفة من الطلبة والناس والمتابعين والمهتمين والعاشقين لرؤاه والمنتظرين لما ينتجه ليل نهار .
انهم معا عند خط الاستواء الملتهب !
وهنا ، يستوي عندنا اولئك الذين جنوا على مجتمعهم بما اسموه بمليشيات ” العنف الثوري ” ، او هؤلاء الذين ما زالوا يجنون على وجودنا بما اسموه بجماعات ” التكفير والارهاب ” ، او مرتزقة ” الاحزاب الشوفينية ” . ان كلا من هؤلاء قد ضيعنا ، وضيع مستقبلنا على امتداد عقود من الزمن كونهم يعلنون على الملأ احتكارهم للوطن والفكر والمعرفة وكل الايجابيات ، وكأن بقية الناس ليسوا بابناء وطن ، وكأن ليست لديهم اي معرفة ، ولا اية ايجابيات ! والانكى من ذلك انهم يريدون احتكار التاريخ لهم فقط ، من دون ان يسمحوا للاخرين ان يدلوا بدلوهم .. او ان يتحاوروا معهم بكل احترام ومعرفة ! اريد القول ايضا ، بانهم نفر خرجوا عن الطريق السوي لكل العمالقة الحقيقيين الذين ساروا على طريق صعبة للغاية ، وسارت عليه تلك الالاف المؤلفة من المناضلين الاقحاح الذين دفعوا حياتهم ودمائهم ثمنا لمبادئهم التي آمنوا بها من اجل وطن اشترك الجميع في ذبحه ، فمسؤولية ذبحه لا يتحملها مجرم واحد فقط .. وهم بين هذا وذاك ، لم يجنوا الا خواء النتائج ، وبئس النهايات بسبب الغلاة ، فالغلاة يستوون جميعا عند خط الاستواء الملتهب !
اموات منعزلون
السؤال : لماذا تبقى البعض ، وذاك البعض من نفر قليل ، يصر على انعزاليته وعلى نفس اساليبه واخطائه في الغلو والتطرف بعد كل الجنايات التي اقترفها الجميع .. ؟؟ لماذا لم يراجع مسيرته ؟ لماذا لم يعترف بالاخطاء ؟ لماذا لم يتوقف لحظة واحدة ، ليقول كلمة سواء بحق الجميع من اجل كل العراقيين ؟ متى تنزع الكراهية من صدره وكل الصدور العراقية ؟ لماذا لم يخرج ابدا من خندقه وحده ويندمج مع الاخرين لتشكيل الكلّ العراقي ؟ لماذا بقى هو وبعضه امواتا ، فلا هم احياء ولا هم براحلين ، ولكنهم يعدون ايامهم ويمضون الى حيث النهايات بلا اي ذاكرة جمعية ! ؟ لماذا يعتبر هؤلاء انفسهم ملائكة الرحمة ، وجهابذة الزمن ، واطياف السلام ؟ لماذا يجعلون انفسهم من اعظم المثاليين في بناء جمهورية افلاطون الخيالية الرائعة ؟ وهم لا يدركون ” انهم يعبدون الطوطمية المعاصرة ” ـ كما قال جان بول سارتر يوما ـ !
هل أساء صاحبكم لكم ؟
هل اساء صاحبكم لكم انتم ايها النفر الضليل ؟ الم يخدم العراق في الصميم ؟ ألم يكن سيفا مشهرا ضد كل من نال من العراق والعراقيين ؟ هل تسمح له قيمه العلمية ان يرمي عليكم النار والقار والاحجار ؟ هل وجدتموه يحاربكم كذوات وعراقيين باسمائكم ، ام انه يعالج موضوعات العراق ، ويحمل همّ العراق ومستقبل العراق ؟ والفرق كبير بين الموضوع والذات ! هل وجدتموه شوفينيا بربريا ، ومتوحشا بدائيا حتى تخسروه ؟ وهل كان قد تخندق معكم انتم بالذات في مجموعة واحدة او كوميونة واحدة حتى تخسروه ؟ هل اعلن استقالته منكم بالذات حتى تخسروه ؟ هل قرأتم ما كتبه عن الجميع وانصف كل العراقيين .. وشخصّ جملة هائلة من الاخطاء التي اقترفت بحق المناضلين الحقيقيين ، وبحق الزعماء المظلومين وبحق كل المسحوقين ؟ هل لعب على حبال اللاعبين ، وتلون مع موجات السياسيين ، وتشدق بشعارات المؤدلجين ..؟؟ او هرول مع المهرولين ليشارك النفعيين والمختلسين والاخرين اغراضهم ؟ او ذهب مع هذا ورجع مع ذاك باسم الانسان والحرية والتقدم والديمقراطية والسلام وهو من اشد المؤمنين بها كلها كمبادئ وقيم لا حياة لنا كلنا من دونها ابدا .. ؟؟ واذا لم تقرأوا كل فكره او كتبه ؟ او تتأملوا في كل قوله مليا ؟ فما هذا التطاول ؟ هل من حقكم القاء التهم عليه جزافا ؟ متى تتخلصون من هذا الوباء الذي شمل العديد من اخلص العراقيين وانبلهم ولعقود طوال من السنين ؟
نعم ، الاموات يخسرون الاحياء ، فالاموات اموات ، والاحياء سيبقى ذكرهم على مدى الازمان ! ان من اصعب المهمات ، ادراك ما يريده كل المتطرفين والغلاة الذين لا يجدون الصواب الا عندهم .. ومهما اردت ان تفهمهم فلن تستطيع ابدا ابدا .
خزين الاحقاد .. متى ينتهي ؟
انهم يترجمون جملة هائلة من المشكلات النفسية والاجتماعية على امتداد سنوات حياتهم ، بل وان بعضهم يتوارث الاحتقان والحقد والكراهية ، كما تربّى على ذلك ، من دون ان يشعر باقتراف اي ذنب تجاه الاخرين من العراقيين .. انه هكذا بطبيعته ، ولم يكتف بما حصل عبر كل هذي السنين ، ولم يشف غليله كل ما رأيناه جميعا من رذائل ومخزيات الرعاع والقتلة واولاد الشوارع والجناة الغادرين ، بل باق حتى يومنا هذا يتشّفى بمصائر من يناوئهم ويخاصمهم بلا اي قرائن ، ولا اي حجج ، ولا اي حيثيات تاريخية ، الحي منها والدفين .. ان العراقيين من المتوازنين المخلصين لهم اكثر من دليل واضح على كونهم احياء ما زالوا يعيشون في ذاكرة الناس والعالمين .. بل نجدهم في ذاكرة خصومهم حتى اليوم والى يوم ينتصرون .. اما خصومهم ، فأموات مذ فتكت بهم كل التقلبات والتناقضات التي صنعوها والبسوها لأنفسهم ! لقد خلقوا من انفسهم ” أئمة من الملحدين . . واصنام من النصوص . . ” ـ كما يقول الصديق امير الدراجي في واحد من نصوصه الفلسفية الرائعة ـ !
يريدونك .. وانت لا تريد
يريدونك في خندقهم وانت من ابعد الناس عن الاوكار والخنادق والحركات السرية ، يريدونك تصفق لشعاراتهم وانت تتجرد من اي شعار .. يريدونك بوقا لاحاديتهم وانت من أبعد الناس عن الاحاديات والثنائيات والقفز بين هذا وذاك ! يريدونك من ورائهم حتى وان لم تنتم لهم ، وانت تتعالى على الايديولوجيات والتحزبات ! يريدونك تمجدهم وتصفق لمهازلهم واحتفالياتهم بمهرجانات الموت والاعدامات ، وانت تأنف من أي نقاط ضعف وهوس وتوحش ، وقد انتموا الى احزاب لها مكانتها وعراقتها وتاريخها ، وهي اكبر منهم جميعا ! يريدونك ان تنسلخ عن جلدك ومدينتك ، وما انت الا بعاشق لكل الوطن .. لكل هذا العراق الذي ذبحه كل الغزاة ، وكل الغلاة والاوباش والمشعوذين والشوفينيين والدجالين وخونة العهود وحفنة من الجلادين ، او اولئك الكارهين لاسم العراق ، وحدود العراق ، وشعب العراق وكانوا وما زالوا يتمتعون بخيراته وثرواته ! اراد بعضهم ان يشتروا صوتك ، وبعض آخر شراء كلمتك ، وبعض آخر شراء ذمتك .. ولم يفلح الجميع ، ولن يفلحوا ابدا ، فانت لم تخلق لهذا او ذاك ، بل كنت جنديا مجهولا لكل هذا العراق الذي لم يفتك احد به كما فتك فيه بعض ابنائه المعاقين وقطاع الطرق من الغرباء على قيم التمدن والاستنارة الحقيقية .
ابن بلاد أم ابن مدينة ؟
تخسرونه ، وانه ابن لهذا العراق ، وتنالون منه كونه ابن مدينة تكرهونها ، ولكنه يجد ان مدينته يعتز بها كل العالم باعتبارها مركز التقاء لكل الشرق والغرب ، ومركز حضارات متداولة .. هي ليست موطنا للشوفينيين فقط ـ كما يصفها بعض الكارهين ـ ، بل انها كانت في ما مضى : بيئة خصبة رائعة انطلق منها على امتداد القرنين السابقين : العشرات من النهضويين والاصلاحيين والتقدميين والديمقراطيين والماركسيين والقوميين والاستقلاليين والاشتراكيين .. ناهيكم عن ابرز الحرفيين والاطباء والقضاة والتشكيليين والمحامين والصحافيين والموسيقيين والمعماريين والاقتصاديين العراقيين .. فكيف لا نعتز بها جميعا ؟ كما انها بؤرة لكل الملل والنحل والاطياف العراقية الجميلة .. فاذا كان الاخرون يفتخرون بها ، فهل من الصواب ان أصّب جام غضبي عليها ، وان اخرج من جلدي لاصفق لكل ما لها من كارهين او امحيها من ذاكرة وطنية متوقدة لدى كل الوطنيين ؟ وماذا تبّقى منها بعد كل هذي السنين العجاف ، اذ غزاها الغرباء كالجراد ، فاغتربت عن ماضيها الجميل .. وذهبت كل معانيها الرائعة مع كل الذاهبين .
مستبدون يريدون احتكار كل العراق
متى تخسر الاموات اولئك الاحياء ؟ متى كان للاموات اصوات ؟ متى اعترف الاموات بكل ما اقترفوه من جنايات بحق الاحياء ؟ متى اعترف الاموات ببربريتهم ؟ انهم ما زالوا من البدائيين الذين لا يعرفون الا انفسهم .. ولا يعترفون بالاخرين من امواتهم ! لا اريد ان أسميهم ، فهم من أبعد الناس عن المرونة والمودة او الشفافية والانسجام .. انهم لا يعرفون الا الاستبداد في الحياة واحتكار النص ، واحتكار الرأي ، واحتكار السياسة ، واحتكار الخطاب ، واحتكار حتى التراث والتسلق على ظهور الاحياء العاملين والتشدق بالوطنية ، وكأن كل العراقيين ليسوا بوطنيين ، بل وينصّبون من انفسهم نصحاء معلمين ، وهم من ابعد الناس عن مناهج التربويين والعلماء الحقيقيين.. انهم لا يعترفون بغيرهم ابدا ، ولم يفسحوا المجال لسماع اي صوت يخالفهم حتى وهم في قبورهم يهلوسون ! انهم يعشقون الموت ولا يريدون الحياة .. انهم يتهمون كل من يخالف رأيهم بالارهاب والاجرام ، وانها حقا موظة جديدة ان يتهم كل من يخالفك الرأي بالارهاب والشوفينية والعنصرية والقومية .. انهم لا يعترفون بأي خطأ من اخطائهم الجسيمة ! انهم لا يعرفون الا العنف ! ويبدو انهم ما زالوا يرددون شعاراتهم المخجلة حتى في قبورهم !
همسة صديق
ايها الاصدقاء : ان بعضكم هذا باق على طريقته المتعصبة ، ولا يمكنه ان ينسجم الا مع افكاره الراسخة في بواطن لا وعيه ، فتجده يريد ان يقود جوقة من امثاله ولم يفلح .. وهو يعتقد بأنه على صواب دوما ، وان الاخر على خطأ دوما ! ان ابشع ما يمارسه ذلك البعض تزوير كل الحقائق مهما بلغ سطوعها جليا على العالم . ان هذا البعض لعنة تراجيدية على كل ارضنا وفي خلايا كل مجتمعنا .. انهم مادة للعصيان الابدي الذي كتب على العراقيين ان يشهدوا فصوله بمنتهى الجنون ! انه يتكلم او يكتب وكأنه آلهة توزع المغريات كذبا ، او القصاص بهتانا ! لقد قاد امثال هؤلاء العراق الى التهلكة والضياع على امتداد كل الزمن المنكود. ان من افجع الامور ان تعتقد انك وحدك تمتلك الحقيقة ، وان غيرك على ضلالة . فهل حاول الانسان ان يبقى هامشا يتحرك عليه خصمه ؟ او زاوية لنفسه كي لا يمتلك ايّا منا الحقيقة كلها ؟
صراع مستويات
ماذا تريدون من ذاك الذي له منهجه ، وانتم بلا منهج ؟ ماذا تريدون من صاحب فلسفة معلنة على العالم ، وانتم بلا اي فلسفة ؟ ماذا تريدون من ذاك الذي يؤمن بالموضوعية لا التطرف ، ويعمل بالحياد دون الغلو ، ويكتب بحرية من فوق الارض وهذا يهاجمه في الانفاق ليس له الا التخندق حتى بعد ضياع الوطن ! لماذا لم يزرع امثال هؤلاء : كل الحب والصفح يوما في قلوبهم ؟ ليس لصاحبكم وصديقكم الا الموضوع ، واحترام الذات وهو لم يخاصمكم ابدا ، بل انظروا الى خصومكم الحقيقيين الذين تقلبتم معهم ذات الشمال وذات اليمين ! ؟ لماذا كل هذا العصيان المؤدلج ؟ من سيجدد مؤدلجاتكم البدائية القديمة ؟ واقول : ان من يريد اقتحام الاخر ، عليه ان يقارعه الحجة بالحجة ، لا ان يلقي عليه التهم جزافا ويهرب مذعورا من الميدان .. يقول الروائي الفرنسي المتمرد جان جيينيه : ” مهما كنتُ قليل أدب وواحد من العابثين المجانين ، فليس لي القدرة على مخاطبة العقلاء ” !
الفضيلة تكافئ نفسها
انني لا اريد هذا البعض مساحة من خواء واغتراب ! أجده قد اغترب حتى عن اهله والمقربين اليه ! انه لا يعرف الفضيلة ، فالفضيلة تكافئ نفسها ـ حسب تعبير نيتشه ـ ! انه بعض البعض لا يعرف من كلامه ، الا الهدم التاريخي والبربرية المخيفة .. انه خواء من اي ضمير مهما كان عياره خفيفا ! اننا لا نريده ان يكون قديسا طاهرا ، ولا من المعصومين ألابرار ، ولا ولا .. بل نريده ان يعترف ولو لمرة واحدة باخطاء جسيمة ارتكبت .. وليس لوحدهم في الميدان ، بل ينسحب الامر الى اولئك الجلاوزة الذين تحكموا في مصائر كل العراقيين ازمانا ، فاحرقوا الحرث والنسل .. اولئك الذين حملوا شعار الدم والقتل والهدم والجماجم .. اولئك الذين بطشوا بخصومهم بطشا لا يعقل .. وجاء الخصوم ليتحالفوا معهم في اسوأ ماراثون لقتل العراق !
الوعاء بلا غطاء
ماذا احدّث العراقيين .. كل العراقيين ؟ ماذا اقول لأجيال قادمة ؟ ماذا اقول للعراقيين في المستقبل ؟ ان الاجيال ستلفظ الجميع وراء ظهورها ، بل سترميهم في محرقة التاريخ ؟ سوف لن يبقى كل العراقيين على هذه الحال والاحوال .. سوف لن يقبلوا بكل مهترءات الماضي الصعب الذي ضيعه وضيع العراق معهم .. وسوف ينكشف الوعاء عن اناس سيبقون احياء على المدى ، وعن اناس ماتوا وهم احياء بعد ان لفظهم الزمن في اعماق العدم . ان من المضحك حقا ان يجادل بعضنا بعضا سياسيا حول مسألة تاريخية اختلف في تقييمها كل العراقيين ! وان من المؤلم حقا ان نشطب ونحذف بسهولة اي كائن عراقي يؤمن بحياة العراق وبتقدمه وأخذ موقعه الحضاري في هذا العالم .
واخيرا : تحية من الاعماق
تحية لكل اولئك العراقيين الابرار من حكام ومحكومين .. من رؤساء ومرؤسين .. من متحزبين ومستقلين .. من مدنيين وعسكريين ، من فلاحين وعمال وكسبة وموظفين وكل الذين ضحوا بأنفسهم ودمائهم وازمانهم من اجل العراق والعراقيين .. تحية لكل مناضل عراقي حقيقي ناضل وعانى وكابد حقيقة من اجل العراق وزهوه ورقيه في العالمين .. تحية لكل من افنى نفسه وعمره وعلمه وادبه وثقافته وخدماته وخطابه من اجل حضارة ارض النهرين .. تحية الى كل الاحياء العراقيين من الماضين الراحلين او الشاخصين في الدواخل والشتاتين .. دعونا ننشغل بالمستقبل بدل هذا الصراع الذي نؤججه من حين الى حين ، وليس لنا الا رقصة الطيور المذبوحة على تناقضات الماضي الدفين.. دعونا نفتح للاجيال القادمة طريقا عراقيا جديدا بعيدا عن كل مآسي السابقين واللاحقين . ان الماضي غدا في سجل التاريخ ، وفي قبضة المؤرخين . فهل نحن بقادرين على ان نشق طريقنا نحو المستقبل بحيث نكون او لا نكون ؟ هذا ما ستجيب عليه الاجيال القادمة . دعوني اختتم رسالتي بشيئ من اقوال الشاعر الرائع احمد مطر ابن التنومة الجميلة ، تلك القصبة الغافية عند ملتقى نهايات كل العراقيين ، كي نشاركه بتواضع كبير في ما يقول ، ونترك قليلا اية نفخة كاذبة ، كنا ولم نزل نعيش عليها نحن الكل او البعض من العراقيين :
نَحنُ لِمَـنْ؟
وَنحْـنُ مَـنْ؟
زَمانُنـا يَلْهَثُ خارجَ الزّمَـنْ
لا فَـرقَ بينَ جُثّـةٍ عاريَـةٍ
وجُثّـةٍ مُكْتَسيَهْ.
سَـواسِيَهْ
موتى بِنعْشٍ واسِعٍ .. يُدعى الوَطَـنْ
أسْمى سَمائِهِ كَفَـنْ.
بَكَتْ علينا الباكِيَـهْ
وَنَـامَ فوقَنا العَفَـنْ !
سيّار الجميل
كتبت يوم 14 تموز / يوليو 2008 في تورنتو / كندا
www.sayyaraljamil.com