الانسان ابن بيئته وثقافته وهو ضحية مستدامة لواقع تراكمت عليه الترسبات والتلوثات والبقايا المتسّخة والعفونات بأسوأ مما يمكن تصّوره عبر مضي السنوات تلو السنوات ، وعن احقاب الانحطاط التاريخي والمسكونة بعقم الماضويات الجامدة .. واقع كهذا الواقع الذي يسمونه بالواقع العربي ورث التكلّس منذ احقاب مضت ، وبقى يعيش على امجاد الماضي السحيق . كان ينبغي ان يتغير منذ ازمان طوال ايجابيا بفعل تغيير ما بنفس الانسان ( : يغيّروا ما بأنفسهم ) .. انه وافع قد اعترف الجميع بحقيقة امراضه وعلله واورامه وقيحه ومكروباته التي نصحو كل يوم على واحد منها ولا نسمع غير ولولة النساء ، وقيىء الرجال ، وصراخ الاطفال ، واكذوبات الفضائيات ، وسذاجة المواعظ ، وتفاهة الفن وصولا الى مشروعات الخطف والقتل ، وقطع الاعناق ، ونحر الاجساد وتفجير السيارات والحيوانات .. الخ انها حقيقة مختزلة في مكان ربما تنتشر في امكنة اخرى . تقول بأن هذه الكتل البشرية العربية التي لم تسأل يوما بأي بيئة ولدت وبأي ارض وئدت ؟ ولم تفكر يوما بأي ازمان اجهضت ؟ انها لا تعرف ماهيتها ولا تدرك مبلغ ضعفها وقوتها .. انها دوما تخرج من كهوفها الحجرية بارديتها البالية الممزقة .. لتقول : لا الناهية ولا النافية معا .. لترفض واقعها بكل تقاليدها المهترئة ! ثمة عشر ركائز أساسية ينبغي التفكير بها وتقويمها من اجل المستقبل .. دعوني اتوقف عند كل ركيزة منها قليلا :
1. الواقع
لقد لازمت عدة ظواهر تاريخية على امتداد خمسين سنة من سقوط ( الامة ) مرورا بهشاشة الكيانات السياسية وتأسيس اسرائيل والهزيمة امامها مرورا بالصراعات الايديولوجية الداخلية والحروب الباردة والساخنة وصولا الى اصابة الواقع بالعفونة جراء استخدام رواسب التاريخ وبقاياه السكونية ووصولا بالارهاب ومشروعات القتل والنفي والتهجير .. وكلما يتقدم الزمن نحو الامام يزداد الواقع توحشا وتبرما وهشاشة وتخلفا . السؤال : هل ستتوقف الظواهر المقيتة والسالبة في حياتنا ابان القرن الواحد والعشرين ؟ ومن اكبر الاحتمالات ان الظواهر ستختلف عن تلك التي عاشت في القرن العشرين ، ولكنها ستبقى ظواهر سالبة لا يمكن تصويب مثالبها لازمان قادمة بفعل رسوخ الاسباب والعلل التي تنتجها . ان واقعنا مختلط ، وهو مشّوه تماما اليوم ويأكل القوي فيه الضعيف .. والمجتمع كله في خدمة السلطات وتضطرب فيه المقاييس والنظم .. وتتشتت فيه النخب ويدّمر فيه كل المخلصين والاذكياء والنجباء والعقلاء .. انه واقع متورّم وبحاجة ضرورية ليس للاصلاحات فقط ، بل للتحديث والتغيير رأسا على عقب .. والواقع لا يمكنه ان يفعل شيئا من دون الركائز الاخرى التي لابد ان تبدأ العمل ايجابيا باتجاه المستقبل من دون اي انتظار .
2. الانسان
لو عاشت بقية الامم والمجتمعات كمثل هذا الواقع المضني الكسول الذي يعيشه العرب ـ مثلا ـ .. او انها بالكاد مرت بها مثل كل هذه الكوارث والزوابع والبلايا التاريخية المزمنة التي عانى منها الانسان في محيطنا وبلداننا .. وهو تنزف ليلا ونهارا .. لكانت قد تعلّمت شيئا ذي بال من الدروس والعبر والتجارب وانها قد ادركت حقا بأن تجديد الحياة لا يمكنه ان يبدأ من الاوهام ومن العدم .. او انه لا يتم الا من خلال التهام الماضويات المعتقّة ، بل يقضي دوره الحقيقي من كيفية تبدل الناس بغير الناس ولله في خلقه شؤون .. ذلك ان الانسان الجديد سيعرف مواطن الزلل ومكامن الخلل والاستجابة للتحديات المريرة حينما يقدر الامور حق قدرها وتتم عمليات موسعة للاستجابة والمشاركات .. من دون مواجهة تلك التحديات باعدامات للارادة الجماعية وجعل الانسان حقل تجارب ليس الا .. للشعارات والهتافات والمواعظ وترديد المقولات والخطابات والتصريحات والاكذوبات والسباب والشتائم التي لا نفع بها ابدا ! الانسان هو المحور الاساسي في كل عمليات التغيير ، وهو العامل الاساسي في كل حدوث كل ما نالنا من السقوط .. ثمة من يقول ان تاريخنا سيتشكل على نحو جديد بتغير الانسان الى نوع آخر غير هذا الذي نعرفه ، ولكن الانسان لا يمكن تغييره بسهولة كبقية الاشياء في الحياة ، اذ ينبغي ان تخدمه ظروف معينة في هذا المكان او ذاك . الانسان لابد ان يتغّير ، والواقع لا يتغير ان كانت هناك قوى اجتماعية تحارب التغيير اصلا .
3. الوعي
من يرحم هذه المجتمعات العربية المليونية المتنوعة التي تتوسط استراتيجية قلب هذا العالم الواسع وهو يتحرك بقوة وهي واقفة كابي الهول .. ؟؟ من باستطاعته ان يفّجر آليات الوعي وأساليب التفكير عندها ؟ متى تتبدل اساليب التعامل مع الحياة ؟ متى يتجّه الوعي الى عمق الاشياء بدل الطفو على السطحيات ؟ من يفتتح فصلا جديدا يمكنه ان يحّول الاقوال الى افعال لها ؟ من يقرن القول بالفعل بحيث لا تتربى الاجيال على المخادعة وعلى تقديم الفكر المزّور وعلى تزوير الافكار وعلى ترديد المقولات البليدة والمعلومات المفبركة الخاطئة ؟ من يفتتح طريقا علميا في الزمن ، ويشعل الشموع على حوافيه وشواطئه لتنير خلجاته وامواجه من دون ان تحدد نقطة الانتهاء له ؟ من يرسم منهجا جديدا للحياة في كل الميادين ؟ من يقرع الاجراس الثقيلة ويطلق الوعي من مكامنه ويجعل الناس لا تفكر الا في حقائق الاشياء وسمو المعاني ؟ من ذا الذي يهدم كل البنى العتيقة التى لم يعد لها اي نفع في عالم اليوم ؟ ومن يعالج قلة الادب وطول الالسنة وبدائيات التصرف ويسكتها قليلا عما تتداوله من التعابير الغليظة او ما تلوكه من خشن الكلام ، ويقتلع الاضراس التي اكلها السوس بدل ان يرمم قروحا نرجسية واوراما خبيثة ؟ من الذي يحمي ديننا الحنيف ويسمو بتجلياته بعيدا عن نزق الغلاة والمتعصبين والمتطرفين ؟ من الذي ينقذه من برائن السياسة ومتاهاتها المرعبة وادرانها وبلاياها .. ليبقى نهجا سليما وخّلاقا في الحياة . ان الدين ليس افيونا للشعوب ـ كما وصفوه ـ ، ولكنه من الضرورات الخلاقّة للانسان ان استطاع ان يوظفّه توظيفا حضاريا واخلاقيا .. انه مليئ بالمعاني التي يمكنها ان تكون مرجعية يطمئن لها الانسان ويريح نفسه ، بل وان تكون مدرسة يتعلم منها الانسان اساليب التعامل مع الاشياء ناهيكم عن ان الدين يشكّل عامل ردع للانسان عن كل الموبقات والاوزار والكبائر .
4. التوازن
التوازن من اهم عناصر نجاح الامم ، وهو الذي يجعل الحياة تستقيم بعيدا عن اية تناقضات ، والتوازن هو الذي يخلق تكافؤ الفرص وينقص من استخدام عدة مكاييل والاقتصار على مكيال واحد .. والتوازن مفتقد في حياة الامة قاطبة .. وهو الذي افقدها توازنها بين الامم وجعلها تتشرذم بكل مخلوقاتها .. ويكثر الكسالى من هذه المخلوقات في عالم غريب يمتد من البحر الى البحر .. فمن يتوازن نفسيا ويتخلص من تناقضات الافكار المريعة ؟ من يغادر خطابات الانفعال والانوية والتمجيد والمفاخرات والسكونيات والاتكاليات والكسل التاريخي والعبث الاجتماعي واللانظام السياسي وضياع الزمن الثقافي كي يغدو مستقيما مع الزمن والاخر والعمل والوطن والهوية والدين واللغة والمجتمع والدولة .. الخ ؟؟ متى تتخلص هذه الجماعات البشرية من ادوار المخاتلة والكراهية والمكابرات والاحقاد والبلادة والخيانة والنرجسية والجهالة واستعراض العضلات باسم الاخرين ؟ من يترك صفات الخمول والهروب الجماعي من العمل والابداع والمنتجات ؟ من يترك خطايا مجتمع لا يعرف الا الاكل والنكاح والنوم والتمطّي في الشمس وكأن الحياة لا تعرف الا هذه الصفات الاربعة ؟ من يزرع شعلة الاحياء والتقدم في النفوس ويبهج العقول من اجل بناء اجيال جديدة تختلف عما هو سائد اليوم ؟ من الذي يعالج خطايا المجتمع بكل سلطاته القاهرة مع خطايا الدول واجهزتها الفاسدة ؟
5. الثقافة
ان ما عاشه العرب على مدى مائتي سنة من تجارب واختبارات لا خيارات فيها تمثّل نضوجا هرما لدى شعوب ومجتمعات اخرى .. في حين ان نصف قرن مضى بكل فضائحه وهزائمه وانكساراته وتعفناته وبلادة احاسيسه وشراسة شعاراته وخوره في تراجعاته وشراسه بعض حكامه .. شكّل بالاساس ثقافة ( عربية ) مفضوحة بكل معايبها وبروز عوراتها .. بالرغم من فيض بلاغتها وهياج شوارعها وصياح ثوارها وانقلابييها .. انها ثقافة هجينة فيها ترسبات العجز التاريخي ولا تمثّل صميم مكابدات نخبوية وابداعية رائعة .. ثقافة مستنقعات آسنة من محطة لأخرى ومن عاصمة لأخرى ! ثقافة لا نرى عجزها في ما وصل اليه العالم اليوم ، ولكنها نرجسية لا ترى الا ما بين ساقيها وقد جمدت وترهلت ولم تعد تستطيع الحركة ! ثقافة مجتمعات منهكة لا ترى في الحياة الا الصخب والرقص واللف والدوران واستعراض المفاتن والعضلات .. واللغو والاطناب والهذيان .. ثقافة لا تعرف الا التأوهات والاهات والصياح والعراك والسماجة وفي ركن آخر يمجدّون الماضي التليد ويحكمون بقبضتهم على مكامن الحياة والزمن فيقتلونها قتلا ! ان الثقافة لا يمكنها ان تكون لدى السدنة فقط من نخب لا تعرف الا التنبّل والفئوية .. انها لا تعرف الناس . ان الشعب لا يمكنه ان يتقّدم من دون تجديد وتطوير لثقافته الاجتماعية اولا ، والتي تعد ضرورة اساسية للانسان اليوم من اجل ادراك طبيعة التعامل بينه وبين المجتمع ، وبينه وبين الحياة .. ومن ثم يتمرس على الثقافة السياسية التي باستطاعته التعامل مع كل من الدولة والاخر من خلالها
6. الحرية
وليس هناك من ( ابله ) يجادل في التي هي احسن ، لأنه اعجز على فهم ما يدور في هذه الدنيا . والعاجزون عن بلوغ المستوى الانساني هم اعداء الحرية وهم اعداء الحقيقة وهم اعداء الزمن وهم اعداء الاخر وهم اعداء الاذكياء .. الحرية من اهم المبادئ الاساسية التي تطور حياة الانسان ، وتجعله انسانا ، والحرية لا تتصادم مع اي مبدأ آخر يسعى ليخدم الانسان .. والحريات ثلاث: الشخصية والاجتماعية والسياسية .. فالانسان حر في شخصيته في اطار القانون والاعراف ، والانسان حر في مجتمعه ، بحيث لا تكبله اي سلطات قاهرة ضده ، والانسان حر في تفكيره السياسي ومواقفه وآرائه ازاء الدولة والنظام والوطن والاخر .. والحرية ان تكون ملازمة للقانون ، وهي مفتاح الصراحة لا الكذب ويشكل عدم الاعتراف بالخطأ والخطيئة في اوساطنا السياسية والثقافية والاعلامية على مستوى المجتمع والدولة من كبائر الامور التي اخّلت بموازيننا في هذا الوجود الصعب ، بسبب انعدام الحريات .. اننا عبدة العواطف الساخنة والتأوهات الدافئة والسلطات المضطهدة بحيث تصم آذاننا وتعمي عيوننا عن اعمق تجليات هذا العصر واقصى تحدياته .. ليس لامور تافهة بل لو ادرك العرب ما تحتاجه اجيالهم في المستقبل عندما يختزل التاريخ دوراته ، فسيجد العرب انفسهم خارج الزمن ! انهم يسارعون بتخلفهم على تفكيك تصلباتهم وتدمير حياتهم بدءا بذواتهم وهويتهم وتكويناتهم وانتهاء بالغاء حرياتهم وموضوعاتهم وحساباتهم ومنتجاتهم الى حيث المصدر المجهول .. وان الحقن والمعالجات والمهدئات والمسكنات هي مجموعة شعارات رائجة سوف لن تنفع البتة ، فالوعي مستلب والاغتراب قائم .. والاوطان مفتقدة !
7. القانون
القانون ضرورة اساسية واداة حضارية متطورة للانسان ومجتمعه .. والقانون اشبه بالمحرم والمقدس .. ثمة قوانين مدنية قد صدرت في منتصف القرن العشرين ، ولم تعد صالحة لمجتمعات القرن الواحد والعشرين .. ولكن مجتمعاتنا لم تزل تخرق القانون وتهين هذه السلطة القضائية ولقد اختلطت الامور .. عاليها بسافلها وواقعها بماضيها وشمالها بجنوبها ، فلم تعد تقف على ما كان يقف عليه الانسان قبل خمسين سنة من اليوم . ولا يظنن أحد بأن الاخرين قد اطلقونا في الصحاري ، فتاهت علينا الطرقات .. بل بقينا نشعل في انفسنا التناقضات ، وانتفى القانون من مجتمعات عدة حتى وصلنا الى درجة اختلطت علينا روح المقاومة بين الخير والشر .. وغدت المجموعات المسلحة والعصابات الارهابية والمافيات السارقة هي المسيطرة على العديد من المجتمع . الارهابيون يقتلون الابرياء باسم الجهاد وبدأ الواقع المنكود يّفّرخ ارهابا وارهابيين وكأن مجتمعاتنا بلا قانون .. نعم غدا القتلة وقطاع الطرق والاشقياء يقتلون ويفجرون باسم الاسلام ويتكلمون باسم المسلمين وهم يشدون على رؤوسهم عصاباتهم او يسلبون وينهبون الاشياء باسم الحرية او المقاومة ومن دون مسائلة ولا قانون .. فضاعت الخيوط بحيث لم يعد يدرك العرب معنى الحريات فكيف يمكنهم بناء الديمقراطيات ؟ ولم يعد هذا العالم الاسلامي بطوله وعرضه لا يهوى الا المستبدين والدكتاتوريين الفاشيين ، فكيف يمكنهم يصلحون اخرهم ما صلح به اولهم ؟
8. التربية
التربية هي غير الثقافة ، ولكنها جزءا منها . انها دعامة اساسية في البناء الحضاري لأي أمة .. وان خابت اي امة في هذا الجانب ، فان الفساد سيستشري في كل المرافق .. بل وسيكون المجتمع على استعداد للانحلال شيئا فشيئا ! ومن هو المسؤول عن بناء الاجيال اليوم وهي لا ترى في بيئاتها الا ما هو سطحي وبليد ومتخلف دوما ؟ ان التربية ومكوناتها وعناصرها تكاد تكون مفتقدة تماما اليوم .. ان ما يدور اليوم مجرد تلقين ببغاوي بعيدا عن فلسفة التنظيم ومعاني الالتزام واصول التعامل واحترام الزمن والارتباط بالعمل ورقي الذوق .. الخ اذ حدثت فجوة كبيرة بين ما يستلهمه الانسان من بيته وما يسمعه في مدرسته وما يدور في وسائل الاعلام . هنا نسأل : هل صياغة المستقبل تحددها الاناشيد السخيفة والاغاني الهابطة والمواعظ المكررة والمهرجانات العقيمة والمؤتمرات والندوات الفارغة ؟ هل بقيت المواقف العلمية والثقافية في منأى عن ملاعب السياسيين وعطايا السلطويين ومنافع المتحزبين .. وما يروج وراء الكواليس من بغايا وولدان ومشايخ متعصبين واناس منحطين وتلفزيونيين مارقين وكتاب يبثون العهر الفاشي ويمتدحون الطغاة ويتفاخرون بظلمهم ومجازرهم .. انهم يشاركونهم في خطاياهم .. فهل قضي على سموم الامة بحيث اعيدت صياغة الانسان من جديد لفهم مرجعياته وتأصيل هويته بعيدا عن القداسة والترهب والانغمار في امواج بحر الظلمات ؟ هل توقف الانسان عن الخوف المريع وهواجس الهلع المميت ؟ وهل ضمن حياته واولاده وسكنه ورزقه وعمله وعيشه وكرامته الانسانية ؟؟ كلها اسباب جعلت دنيانا العربية مخترقة من قبل الاخرين .
9. العقل
ومن جعل الانسان في مجتمعات عربية كسيحة تتراجع الى الوراء رجوعا مخيفا ؟ من الذي قام بسد ابواب العقل وغلق التفكير وحجّر الذهنية ونفى العقل .. بحيث لم يعد يفّكر الا في توافه الامور وسخف الاشياء ؟ من الذي جعله لا يفكر ابدا الا في سفاسف الامور ويستمد اساليبه في حياته اليوم من تقاليد واقوال لا يمكن تصديق مضامينها ابدا ! من الذي جعله يعتمد في اساليبه وحياته وتفكيره على اناس جعلوا من انفسهم اوصياء سلطويين باسم الدين يوجهونه كيفما ارادوا .. فكانت النتيجة مذهلة وقاتلة في نفس الوقت ! فكيف غدا الانسان مقلّدا لا يفكر ولا يحّكم عقله ابدا ولا يجتهد ابدا ولا يقارن في تناقضاته ابدا ؟ هل يفكر مثل هذا المخلوق كيف يعمل (الموبايل ) الذي يحمله ؟ هل يفكر هذا المخلوق في مستحدثات اخرى انتجها هذا العصر ولم يكن لمخلوقاتنا اي دور في انتاجها ؟ هل باستطاعة هذه المخلوقات ان تميّز بين الاشياء والمعاني ؟ العقل ، أهم ما يميز الانسان عن غيره من المخلوقات .. ولكن من العجيب ان العقل لا مكان له في التفكير السائد اليوم لدى مجتمعاتنا . انها ابعد ما تكون عن العقلانية لما تتشبث به من الخرافات والاساطير .. انها لا تعتقد ابدا بنسبية الاشياء والمعاني ، بل تعيش كل المطلقات التي لا يمكن ان يصدقها عاقل بين البشر . العقل في مجتمعاتنا لا يعمل ابدا ، وان اشتغل قليلا ، فان صاحبه يشقى كثيرا ، بل يدفع اثمانا باهضة من راحته ورزقه وعلاقاته ومعيشته .. خصوصا اذا كان ( العقل ) في اجازة طويلة ، وان كل السيطرة لمن يقف على تضاد مع العقل !
10. المستقبل
وأخيرا ، هل يمكن للمخلوقات العربية ان تفّكر قليلا في المستقبل ؟ هل يمكنها ان تنطلق من عقالها لتدرك معاني معاصرتنا اليوم ولترى كيف كان العالم قبل مائة سنة فقط وكيف غدا اليوم .. ؟؟ هل بامكانها ان تتخيل العالم كيف سيصير بعد مائة سنة من اليوم ؟ الا تجد ان من اسمى واهم مستلزمات كل المجتمعات المتخلفة ان تفّكر بوسائل اساسية في تحديث اساليبها ومناهجها وخصوصا كيفية بناء الوعي الجديد واستعادة العقل من جموده وتجديد الذهنية بمحو تراكيبها من الاساس والانطلاق للتعامل مع كل هذا العالم من خلال الشراكة في الابداع والانتاج والمنافسة في فرص العمل والسوق .. الخ ؟؟ اليس من الاصوب محاولة التقليل من هذه التناقضات المريعة التي يعيش عليها واقعنا العربي كله ؟ اليس من المهم ان نقلل من شعاراتنا وخطاباتنا ومواعظنا ونكثر من نظمنا ومناهجنا .. من قراءتنا وانتاجنا لما هو مهم ومؤثر في حياتنا ومستقبل اجيالنا ؟
الوسط ، 19 ابريل 2008
www.sayyaraljamil.com
شاهد أيضاً
مطلوب لائحة اخلاق عربية
تعيش مجتمعاتنا العربية في حالة يرثى لها، لما أصابها من تفكك سياسي جعلها تتمزق اجتماعيا، …