لقد احتفظ الاسلام منذ ولادته حتى اليوم بصورة جميلة وبمكانة جليلة في السر والخفاء .. وفرض اهله على العالم احترامهم له وكان ان دخل في دين الله افواجا ملايين البشر في كل من آسيا وافريقيا واوربا وامريكا وبوسائل سلمية مختلفة سواء عن طريق السماحة والتجارة او الدراسة او الرحلة او السلوك وحسن التعامل .. وكان الاسلام ولم يزل دين تقوى وصلاح وحسن تعامل ونظافة سلوك وفضائل اخلاق وتوازن عقل .. انه قد احتفظ بكل جلاله ووقاره ولم تزل صورته المريحة تبدو جميلة ساحرة في كل الارض .. وحتى الصراعات التي تبلورت عبر التاريخ كانت ذات اهداف اقتصادية او سياسية ، وبدونها فالسلم والامان تحصيل حاصل عندما يصبح المسلم قنوعا ومتواضعا ومسالما ومساندا ومساعدا غيره من العباد .. وحتى الّد اعداء الاسلام من مبشرين ومستشرقين اعترفوا بأن مثالب وسلبيات واستلابات يمكن ان نجدها في مجتمعات وافراد بمعزل عن الدين ، فالدين اسمى من ان يغدو وسيلة للقهر والظلم والنفي والقتل .. الخ
لقد تبلورت في السنوات الاخيرة تعصبّات خطيرة ، وتفاقم التطرّف بشكل بات يهدّد البنية الاجتماعية لا السياسّية حسب .. وانطلقت منظمّات وجمعيّات واحزاب وتكتّلات وجماعات يتعاملون مع الاسلام بشكل مجتزئ وليس بشكل تكاملي ، ويخلقون من خلاله ، جملة هائلة من المبررّات التي تجعلنا مادة خصبة للكراهية والعداء من قبل كل هذا العالم . ان العالم لا يعرف ادق الخصوصّيات التي نعرفها نحن ، ولكنه يجد النتائج امامه سيئّة وضارّة وكريهة . ولا ينحصر هذا عند المجتمعات ، بل لدى الدول ايضا .. وكلنّا يعلم ما الذي يحصل من تشوهّات ومن تعليقات ومن ملاحظات وانتقادات ووصلت الى حد الرسوم والكاريكاتيرات !
لم نفقه ما الذي جعلهم يهاجموننا بهذا الشكل القبيح ؟ ولم نزل لم نفقه اساليب التعامل بيننا نحن وبين انفسنا حتى نطالب الاخرين بالتعامل الافضل معنا ؟ بل وجعل الاسلاميون الدين الحنيف وسيلة يستخدمها هذا او ذاك بالشكل الذي يؤمنا به وبالصورة التي يؤولانها وبالتفسير الذي يريدانه .. ونحن نعيش هذه ” المأساة ” منذ ثلاثين سنة عندما غدا ” الاسلام” احزابا وشيعا وفرقا ومللا ونحلا وجماعات .. ليست فكرية او فلسفية او فقهية كما كانت قبل الف سنة ، بل غدت سياسّية ومتطرّفة ومتعصّبة ومنغلقة ولا تقبل الرأي الاخر ولا الفكرة المعارضة ولا النظرة المناوئة ! وبقدر ما كانت تعمل ضد الحكومات والدول والانظمة السياسّية غدت اليوم من اكبر اعداء المجتمع ومنظوماته ، بحيث تسلطّت عليه وبدأت تمارس ضدّه كل جبروتها .. ولعلّ اخطر ما يميّزها قتلها للحياة وللبراءة وللانسان والمكان وكل التشيؤات المعاصرة في سبيل تحقيق اهدافها !
لقد عشت قبل ثلاثين سنة في بريطانيا وتنّقلت في السبعينيات في اوروبا الغربية ، فلم اجد أيّ هجمة على الاسلام والمسلمين بقدر ما نلمسها اليوم بشكل فظيع ! كانت المجتمعات الغربية تستأنس بجميع ابناء المجتمعات الاخرى وتحترم تقاليدهم ولم تزل الحكومات لا تمانع ان تمارس الجاليات فيها كل التقاليد والعادات والطقوس الدينية .. ولكن اجد اغلب مجتمعات العالم اليوم ، وقد تشكّلت لديها صورة غير بريئة أبدا عن الاسلام ومسيئة عن المسلمين بالذات بفعل حجم الكراهية واساليب القتل وبفعل قوة التعصّبات ومستوى التطرف الذي يعم مجتمعاتنا الاسلامية ، والامر يتفاقم بخطورته لينتقل الى اجزاء عدة من العالم .
لقد اعطى الاسلاميون المتعصبون في منطقتنا العربية وايران وافغانسان والباكستان وجنوب شرقي آسيا امثلة بشعة ودموية باسم ” الاسلام الحنيف ” .. بل ويستغل الدين بكل سماحته وتجلياته استغلالا خطيرا من قبل كل المتزمتين الذين لا يدركون حجم ما يفعلونه وما تأثير ذلك بكل انعكاساته على مستقبلنا ومصيرنا ! ان الاسلاميين قد اعطوا للاخرين في العالم كل الذرائع والمسوغات كي يهاجموننا ويضحكوا علينا ويفتروا على رموزنا ويعتدوا على حضارتنا وينددوا بثقافتنا .. ان الاسلاميين المتعصبين لا يميزون بين البشر ، فالكل عندهم سواء في تكفيرهم لهم وعليهم بابادتهم !
وبقدر ما يخالف المسلم الناضج هكذا اعمال ، لكنه لا يريد التصادم مع من هو متطرف او متعصب او متزّمت لاعتبارات شتى .. ولم نزل من دون سياسة حكيمة تعالج المواقف وما يستجد من ضرورات ! والكل يعلم ردود الفعل كحجم تلك التي حدثت في العالم الاسلامي كله ضد الرسوم الكاريكاتيرية وما نشرته بعض الصحف الاوربية .. ولكن السؤال : هل كان للتظاهرات الصاخبة اي تأثير على الغرب ؟؟ انني اجد العكس ، فلقد زادت الهجمة في كل الوسائل الاعلامية والالكترونية ضد الاسلام والمسلمين ! لقد خلقت المجتمعات الاسلامية تيارات عالميا مضادا لها بفعل مواقفها الصاخبة .
ان الضرورة تقضي اساسا ومن قبل حكوماتنا ومجتمعاتنا العمل ليل نهار على كسر شوكة التطرف والوقوف ضد ارهاب الناس وضد قتل الابرياء وتفكيك اية خلايا تعتمد الدين مصدرا لها . ان تشويه العرب والمسلمين لدينهم منح الفرصة للاخرين على التطاول والتمادي .. وكلما يزداد خطر هؤلاء على العالم تزداد الهجمة علينا . فمن يوقف مد التطرف ؟ ان الدعوات الكسيحة لما يسمى حوار الاديان او حوار الحضارات لا نفع فيها ابدا ، ما دامت هناك حالة استقطاب في كل من العالمين الاسلامي والغربي . مطلوب منّا ان نعالج المشكلة من جذورها ، وفي مجتمعاتنا بالذات . ان تجربة العراق المأساوية لا نريدها ابدا ان تنتقل الى اي مكان من منظومتنا العربية والاسلامية ، بل ولا نريد امتدادها الى العالم المعاصر .. فلقد علمتنا ان الاسلام بات يستخدمه كل من هّب ودبّ وسيلة للزحف نحو السلطة او القوة او المال بابشع الوسائل .. والاسلام برئ منهم كل البراءة . فهل ينتبه اولو الامر لهذا الاعصار ؟
www.sayyaraljamil.com
البيان الاماراتية ، 23 مايو 2007
شاهد أيضاً
زعامات ورزايا .. ورئاسات بلا مزايا
الزعامة غير الرئاسة، والرئاسة غير الإدارة، والإدارة غير القضاء. لقد مضى زمن الزعامات الحقيقية، وماتت …