لم يعد الامرسهلا ان تجد صديقا يوم الضيق ، والامر يصبح اكثر صعوبة ان تحتفظ بهذا الصديق ، وقد ضاعت واختلطت كل المقاييس والقيم وتبدلت الاخلاق والمُثل في عراقنا الحبيب مع الاسف الشديد . الا ان الحاله الراهنة تدخل في باب الاستثناء وليست هي من صلب الحاله العراقيه الاصيله طالما، كانت الاخوة والمحبه والترابط والتعايش والاخلاص هي التعميم والراسخه في عقول وضمائر الناس . والصداقه عندي ، هي التوافق المعرفي قبل الروحي بين الطرفين او الاطراف المتحابه ، وأرقاها مُثلا تلك هي مواقف الانسان لصالح الانسان المضطهد ، والمظلوم ، والمقهور ، والمسلوب الارداه ، ومغيب الحقوق وحين تستشري المحن . هكذا كان فهمي المتواضع للصداقه الحقه .
اوردت هذه المقدمه لأتحدث عن هذه الشخصية العراقيه الرائعه ، التي هي ليست بحاجه لي كي امتدحها لأنها ، وبكل بساطه اشهر من نار على علم في داخل العراق وخارجه ، وهي شخصية ذلك المفكر العراقي الكبير والباحث الاجتماعي والمؤرخ الدكتور سيار الجميل صديق الصابئة المندائيين . وكل المستضعفين على الارض ، من الايزيدين والاشورين والكلدان والسريان والارمن والفيلية وباقي الكيانات من الاقليات العراقيه الاخرى .
كتب الدكتور سيار الجميل موضوعا بل بحثا تحت عنوان (الصبه المندائيون : برحي العراق العذب … دعوهم يحيون على الارض !! ) وهو خير ما كتب عن الصابئة المندائيين ، هؤلاء القوم الذين يعرفهم اهل العراق خير المعرفه عبر الاف السنين ، وقد تعايشوا مع كافة الاقوام والحكومات المتعاقبه وشاركوهم بالحلوه والمره .. وحتى ذاقوا هول النكبات والغزوات والفتوحات والاجتياحات الاجنيبة لوادي الرافدين منذ الازل الى يومنا هذا ، وقداستطاع الكاتب القدير سيار الجميل ان يعلل سر بقاءهم وتواجدهم رغم كل هذه المحن والمصائب التي تمكنت منهم ، ومن مجمل شعوب المنطقه والعراق بشكل خاص .. وقد تناول موضوع الصابئه بالتحليل مرة وبالتعليل مرة اخرى مدعوما بالحقائق وظواهرالاشياء المنظوره عنهم ، جهرا وعلنا وبالدليل الملموس .. بجانب تلك الامور الموثقه التي تدعم الافكار ، وان كنت قد تجاوزت حدودي فانا ابدو صغيرأ ، لما اورده هذا الاستاذ العبقري ، ورغم اشادتي وابتهاجي بهذا الطرح المنصف والدراسه القيمه ، الا اني استميح صديقي العزيزعذرا على مداخلتي هذه ، التي وددت ان اضيف شيئا من المعلومه لهذه الطروحات العلميه والمعلوماتيه الناصعة البيان .
فالفقره الثانية من مادة البحث ( اولا ) : – .
يقول الاخ الاستاذ الفاضل ::
ان هذا الطيف الصابئي المندائي يتمتع بخصال فريده وقد حافظ عليها كجزء من ميراث عراقي يمتاز بجماليته وابداعه …. اناس لا تعرف ابدا غير العمل الصالح ……… الى ان يسترسل بالقول فيقول …… انهم اصحاب نظام اجتماعي وفكري وثقافي غاية بالدقه والحذتقه . انهم من عشاق الماء والتطهير به دوما في كل وقت .. .الخ
وعن علاقاتهم مع الغير يكتب الاستاذ ….
إنهم يتمتعون بعلاقات مسالمه ونظيفه مع الاخرين .. وانهم يتبادلون المحبه ويتوقدون بالعاطفه ويتحلون بالموده .. انهم لا يعرفون الكراهية والضغائن ولا يملآون انفسهم بالاحقاد _ انهم لا يمارسون الاذية بحق اي انسان او حيوان اونبات .. انهم لا يقتربون من المشكلات العامه ولا الخاصه .. انهم عشاق حقيقون للعراق .. والى اخره من كلام جميل من رجل شهم هو الجميل !!!
وهنا استميح صديقي عذرا لأوضح سر هؤلاء الناس ومدى اعتزازهم بالانسان والحياة المتجسده بالنفس البشريه ، التي هي قدس الاقداس عندهم وكذلك موجودات الطبيعه كافة التي تعايشت كائناتها بسلام هي الاخرى على هذا الكوكب منذ الخليقه !!
وربما يتصور البعض انهم سلبيون من هذه الناحيه الا ان كتبهم المقدسه ومعتقداتهم اعطت الاجابه المقنعه لهذا الموقف وحيال هذا التصرف فعلى سبيل المثال وقد يبدو هذا المثال ايضا غريبا هوالاخر حينما : —
تنص احكام كتابهم المقدس (الكنزاربا ) اي الكنز العظيم ان الجاني والمجنى عليه وبكلمة اخرى ، ان القاتل والمقتول الاثنان يحاسبان امام الله ساعة الحساب ، وهنا اجلب عناية القارئ الكريم الى هذا الحكم الذي يبدو غريبا ومخالفا ليس فقط للشرائع السماوية للاديان الاخرى بل ، حتى الى حكم القوانين الوضعيه وإن كان هناك تفسير فقهي وفلسفي لهذه المادة الحكميه فهي عند الصابئة المندائيين ، تعني السلم والسلام وتجنب الخطيئة وهو امر وفرض والزام شرعا وقانونا على كل فرد صابئي مندائي ، والابتعاد عن فعل الجريمه ومسرحها من باب درء المخاطر واجتناب المعاصي، وليس بتفسير ضيق مرده الجبن والخوف ، كما يحلو للبعض تفسيرهذه الظاهرة التي تخص هؤلاء القوم تحديدا . ولأن الخطيئة سهلة المراس بالعكس تماما من عمل الخير ، هذا هو سر تمسك الصابئة المندائيين باواصر المحبه وعرى الاخوة والسلم والسلام والتعايش الامني والامان .
بقى ان ندرك ان استاذنا الجليل تناول الموضوع بكل ابعاده ، وقدعرًج على تاريخ و صيرورة الصابئة المندائيين وسبل عيشهم وعمق افكارهم ومعتقداتهم ، بتوظيف العقل لمعرفة الخالق جل جلاله عن طريق التجلي والمناجاة النفسية والروحية ، وسماهم بالغنوصية كما جاء هذا الوصف موافقا تماما واراء العلماء والباحثين من العرب والمستشرقين من ذوي الشأن بهذه الطائفة التي تمتد جذورها بعيدا عمق التاريخ البشري .
كما اشار بوضوح الى ما قدمه هؤلاء الناس من علوم وجوانب معرفيه وثقافيه متقدمه لدول وادي الرافدين المتعاقبه ، خاصة الدوله العباسية وبروز الكثير من العلماء والادباء والاطباء والفلكين من الصابئة المندائيين كانوا سببا وعنصرا فاعلا لتطوير الحياة خلال تلك الحقب من الزمن .
بالحقيقه ان الباحث قام بتوبيب بحثه الرائع تبويبا علميا شمل كل جوانب البحث ، غطى بموجبه كل ما يتعلق بالصابئة المندائيين من امور تاريخيه وثقافيه واجتماعيه وجوانب دينيه ورؤيا مستقبليه وغيرها .
لن يغيب عن بال الدكتور الجميل وهويشير بالم وحسره لما يتعرض له الصابئة المندائيين بعراق الحضاره هذه الايام ، من ابادة جماعية وتشريد وتهجير وغيرها من الافعال الاجرامية المتعمده والمخطط لها بعناية ، والتي لم ير شعبنا العراقي مثلها خلال تاريخه الطويل وهنا بموقفه هذا ، يؤيد تضامنه مع الحملة العالمية لحمياتهم من القتل والاباده التي نظمها مثقفون ومفكرون وكل شرفاء العراق انفسهم ورجال الفكر والقلم ودعاة حقوق الانسان في العالم اجمع.
الف تحية وتحيه لصديقنا العزيز الاستاذ الدكتور سيار الجميل حين يعز الصديق في الزمن المر ، صديق طائفة الصابئة المندائيين وكل المهضومين والمغيبين والمغلوب على امرهم ، مع مزيد من الاحترام والاعتزاز وسيسجل لكم المندائيون في كتبهم جميلكم هذا وكل الشرفاء المدافعين عن الحق والانسانية بحروف من ذهب مشع لينير درب الخير والاخيار والسلام
نشرت في عدة صحف ومواقع
الحقوقي عربي الخميسي
شاهد أيضاً
مسامير.. عتاب إلى الحكومة العراقية شديد الخصوصية شديد العمومية !
قرأتُ الخبر التالي وأسعدني : ( ناشنال بوست ، تورنتو ، يو بي اف ، …