الرئيسية / الشأن العراقي / من يقف ضدّ تفكيك العراق؟

من يقف ضدّ تفكيك العراق؟

سألتني جريدة «البيان» الغراء نهاية العام 2002، عن مستقبل العراق إذا ما احتله الأميركان: هل ثمة مشروع أميركي لتقسيم العراق؟ أجبت بالنفي التام، ولم أزل أصر حتى اليوم على أن العراق عصي على التقسيم لأسباب جغرافية محضة، ولكن يبدو واضحا أن أرتالا من العراقيين أنفسهم، يسعون بأنفسهم لتفكيك بلادهم وتجزئتها وتفسيخ كيانها وجغرافيتها، وأن ثمة مصالح دولية وإقليمية، تسعى لكي تجد العراق مفككا ومجزأ، ليس إلى ثلاثة أو أربعة أقسام، بل ينادي البعض لبعثرته إلى 18 كيانا سياسيا.. حتى يتم تمزيقه شرّ ممزق ، ويسهل ابتلاع اجزائه من هذا وذاك !
لقد تعرّض العراق على امتداد تاريخه الطويل لسلسلة محن واحتلالات، بمساعدة طوابير خامسة تنتشر في دواخله ، وقد سعت للنيل من البلاد والتحالف مع الأعداء ضد وطنهم وأهلهم، وكلها باءت بالفشل، أو أنها تنجح حينا حتى يستعيد العراق أنفاسه ويسترجع قوته، فيتوحد من جديد. ونحن اليوم أمام أقسى محنة تاريخية مريرة يجتازها، ليس في ظل وجود أجنبي يبطش بالعراقيين فقط، وليس بوجود أخطبوط إقليمي نال من العراق وأهله وفتك بهم أيضا، بل في ظل صراع قوى سياسية وطائفية وجهوية، تتسلّم أوامرها من دول معينة قبل سقوط الدكتاتورية، وتتفاقم كارثة حقيقية داخل البلاد نفسها، بفعل تلك القوى الشريرة، خصوصا بعد أن تسلطت بقوة المحتلين على العراقيين، وسيطرت على العراق وشرعت في نهب موارده وإشاعة الفساد فيه، وهي تقبع في المركز مع وجود توابع غدت شبه منفصلة عن العراق، وهي تسعى لتحقيق أهدافها بتفكيك العراق وبعثرة كيانه وهدر كل طاقاته، مع محاولة فصله عن محيطه وتقطيع جذوره عن أعماقه!
إن المشكلة باتت مفضوحة مذ أقروا أهدافهم في دستور خطير جدا، وقد أدرك كل العراقيين الوطنيين حجم المؤامرة التاريخية، وخصوصا مشكلة مركزية بغداد الصعبة، التي بات المتسلطون الجدد يكرهونها كراهية عمياء، ومن المحزن أن نجد من يصفق لتفسيخ العراق عرقيا وطائفيا وجهويا، وترويج ذرائع مختلفة لذلك. السؤال: لماذا يأتي الخراب من داخل البلاد وعلى أيدي بعض أبنائها؟ أجيب: إن الخراب في العراق مهما كانت صفته الخارجية وخطورته الدولية والإقليمية، فهو لا يتنفس أبدا إلا بواسطة من يهدد حصون العراق ودواخله. ولقد ثبت بشكل قاطع أن بين العراقيين من يكرهون العراق، ويعيشون مرحلة باتت مؤهلة لتصفية الحسابات التاريخية التي عفا عليها الزمن. وإذا كانت شعوب الدنيا تتسامح وتنسى مآسيها إبان المحن الكبرى، فإن العراقيين يزداد نزاعهم في ما بينهم مع وجود الأجنبي، فكيف إذا كان هذا الأخير من ألد أعداء العراق والعراقيين؟
إن ما نلحظه فعلا هو مشكلة مركز مع محيط، وليس مشكلة توابع مع مركز، باستثناء إقليم كردستان الذي انفصل رغم أنف الجميع، وبمساعدة أميركية منذ هزيمة العراق عام 1991. ومن الهزل أن نجد من يصفق للعراق الديمقراطي اليوم، وهو يمر بهكذا مرحلة سوداء، بل ولم تتسع بصيرته لهول المأساة التي صنعها بعض العراقيين بأنفسهم، عندما صفقوا لما صنعه بهم الغرباء والأعداء! ومن الغرابة أن أقرأ لأحد الكّتاب العراقيين، مقالة نشرها قبل أيام وهو يهاجم منتقديه العرب الذين استضافوه، كونهم ينتقدون العراقيين على سلوكياتهم وهم يصفقون للأميركان بعد كل هذا الخراب، بل ولم يزل البعض من العراقيين يسبح باسم هذه الدولة العظمى أو تلك الجارة الإقليمية، أو يظهر ضدهم عكس ما يبطن وهو معهم.
ولكن حاشى أن يكون كل العراقيين كذلك! لقد أثبتت التجربة المريرة أن في العراق طوابير بشرية لا تملك ذرة من الروح الوطنية، ولكن غالبية أهل العراق براء من هذه الطوابير التي لا تملك أية مشاعر وطنية، ولا تحتفظ بأية عواطف اجتماعية، ولا تثمن أية أدوار حضارية، إنها لا تريد مصالح العراق مع عمقه العربي أو دوره الإقليمي، ولا تعترف بأمجاد العراقيين الحضارية، وليس لها إلا أهواؤها ومصالحها الفئوية والجهوية، وتعصباتها الطائفية، ومن المحزن أنها تسيء إلى كل العراقيين وتجعلهم جميعا في قفص الاتهام!
لقد دخل الفساد إلى كل مسامات العراق، بفعل سلطة المفسدين، وبفعل الفوضى الخلاقة التي زرعتها القوى الخارجية، بمباركة أحزاب حاكمة، وتتفاقم المشكلة يوما بعد آخر بفعل عدة بنود يتضمنها دستور مهترئ، تسكت السلطات عن تناقضاته بين الطائفية والديمقراطية، بين المركزية والفيدرالية، بين وحدة الشعب وبين صراع المكونات، فهو لا يمثّل أي عقد بين دولة مؤسسات ومجتمع متنوع ، بل يمثّل مصالح قوى متشرذمة تعمل ضد إرادة شعب ينبغي أن يتوحد لمواجهة تحديات المستقبل مهما كانت السبل.
إن العراقيين يعيشون اليوم أخطر مأزق وجدوا أنفسهم فيه، ولا يعرفون كيفية الخلاص منه، هنا تنبغي المناداة بتحرير البلاد كلها من تدخلات الآخرين في شؤونها، والبدء في مشروع وطني، من خلال مؤتمر وطني يقوم بإصدار دستور وطني مدني بديل، ويدعو إلى وحدة البلاد، ويحدد الحقوق والواجبات، ولا يفّرق بين المواطنين، وإصدار قوانين تخص الأحزاب، شريطة أن تكون أحزابا مدنية لا طائفية، تؤمن بالعراق حرا موحدّا ومتطورا، وأن تجري انتخابات عامة نظيفة، وتشكيل حكومة تكنوقراط، مع استقلالية وتطوير الجيش وقوى الأمن الوطني وتأمين خدمات المجتمع الاساسية .
فهل سيتحقق مثل هذا الحلم؟ هل سيحقق العراقيون إرادتهم في صنع المستقبل؟ أم سيبقى العراق محتلا ومفككا ومهترئا، يحتله الغزاة والطامعون، ويعبث بشأنه كل الدخلاء والموتورين والفاسدين ؟

نشرت في البيان الاماراتية ، 02 أغسطس 2011 ، وتنشر على موقع الدكتور سيار الجميل
www.sayyaraljamil.com

شاهد أيضاً

نقطة نظام ضد الفساد والمفسدين والفاسدين

ملاحظة : طلب مني عدد من الاصدقاء العراقيين ان اعيد نشر هذا ” المقال ” …