لقد كره العراقيون المبدأ بسبب ما عانوه على أيدي حكامهم الذين كانوا وما زالوا لم يشبعوا أبدا من إضفاء الألقاب عليهم وكلها تمجّدهم وتفخمهم، وهم يزدادون انتفاخا وبطشا، ولم يقدموا للعراق ما ينتظره منهم، بل شغلوا أنفسهم بصناعة الحكم الفردي، في حين أن المجتمعات في حاجة إلى من يجمع شملها عندما تتعرض للأزمات والمخاطر، الى زعيم يعبّر عن مصالح الجميع ويكون رمزا لهم ودوماً بينهم. إن العراق يعيش فراغا كبيرا من أي قائد يجمع عليه العراقيون ويتمتع بمؤهلات القيادة. وهنا عليّ التوقف للمقارنة، فلا العراق مستعد الآن لفرز قيادات فكرية متنورة يجمع عليها كل العراقيين، ولا هو بقادر على فرز قيادات سياسية كاريزمية يتلاقون حولها. العراقيون منقسمون اليوم وغير منسجمين أبدا مع بعضهم البعض بعد سنوات عجاف من التحديات، الكل له قياداته، وله أجندته، وله خياراته التي لا يتنازل عنها. وقلة من العراقيين من يقبلك ويعترف بك ويفتخر بك من واقعية وطنية، ويرفضك أو يختلف معك إذا لم تكن تعبر عن معتقداته. وتدغدغ مشاعره. فان فعلت ذلك رفضك الآخر!
إذا انتقدت أخطاء طرف وهي أخطاء فاضحة، رفضك ذلك الطرف، بل واتهمك بأقسى الاتهامات. وهكذا بالنسبة الى كل الأطراف الأخرى. إن مشكلتنا العراقية معقدة جدا بحيث إنها حصيلة جنايات العراقيين أنفسهم في حق أنفسهم. ماذا يمكننا أن نفعله إزاء أسراب سياسيين لم يسمع احد بهم أبدا، وإذا بهم يستحوذون على الواقع، وعلى المناصب، وعلى شاشات التلفزيون، وعلى المنابر كلها. ماذا يقولون؟ وبأي لغة يتحدثون؟ إنهم يثيرون الكراهية والانقسامات بعلم الدولة والسلطة وكل الأجهزة. إنهم خصومنا، لأننا قادرون على تعريتهم، لكن ليست لدينا الوسائل والإمكانات التي هي في حوزتهم. والمشكلة أنني أجد مثقفين ومتخصصين وأساتذة جامعات يصفقون لهؤلاء ويمجّدونهم باعتبارهم رجال قداسة لا سياسة. رجال «تابو» ولا يمكن للحياة أن تصطلح اذا هم ظلوا يثيرون المشكلات ويبثون روح الانقسام ويجترون روايات لا تمت الى العصر بأي صلة، ولقد قلت ذلك منذ زمن طويل: إن ثلاثين سنة مقبلة ستكون صعبة جدا في صراع مستمر بين الاستنارة والتخلف . وأخيرا، متى يأتي ذلك الرمز الذي سيكون من نبت العراق ليبقى العراق واحدا موحدا ويرتقي به إلى الذرى؟ متى؟
نشرت في مجلة الاسبوعية ، 31 اكتوبر 2010 ، ويعاد نشرها على موقع الدكتور سيار الجميل
www.sayyaraljamil.com