الرئيسية / مقالات / قافلة الحريّة .. تايتان والقرصان!

قافلة الحريّة .. تايتان والقرصان!

هزت مأساة ” قافلة الحرية ” ضمير العالم هزا عنيفا ، ولم يزل بنيامين نتانياهو برفقة طاقمه ، يبرر الفعلة التي اقترفها ضد قافلة الحرية والإنسان .. إن القرصان في البحر مهما بلغت قوته وسطوته ، فانه يبقى جبانا ، وسيبقى يتربص بالآخرين شّرا .. ولن يبلغ أبدا ما بلغه تايتان الذي يمثل الجبابرة في حكم العالم ، بعد عصر الآلهة عند الإغريق ! تذكرت تايتان الذي كان وسيبقى جبارا بعد كل ما أحاط به ووصل إليه ، حتى وهو محاصر ، ولن يغدو ذليلا مهما حاول الطغاة إذلاله وقصفه وتشتيت شموخه وسحق كبريائه .. لم يربح نتانياهو شيئا ، بل نفر العالم منه ، لأنه كان وسيبقى قرصانا لا يتبع إلا أساليب القتلة المارقين .
لماذا تربصوا بقافلة الحرية وأسطول السلام ؟ لماذا قتلوهم من دون أي ذنب اقترفوه ، سوى أنهم جاءوا ينشدون الحرية وينادون بالسلام وفي أيديهم زهور الحياة وطيور المحبة .. وكانوا شجعانا عندما أداروا رؤوسهم لأعداء الحرية من قراصنة البر والبحر والجو؟ هل تنفع مثل هذه الأساليب لمواطني الأرض الاصلاء إبان القرن الواحد والعشرين ؟ هل تنفع الأخلاقيات البربرية والبدائية التي لا تجد لها أي تفسير إزاء حرية الإنسان ووطنيته ؟ الم يخجل نتانياهو من بقاء أياديه مغمسة بدماء الأبرياء ، وهم محاصرون في دواخل مدينة ، أو مسافرون على متن قارب في البحر ؟!
يا ليتك تعلمت معنى الصدق ، وأنت تتحدث في خطابك مبررا فعلتك النكراء ، بحيث لم تنفع أبدا تبريراتك الواهية وتعليلاتك العدائية .. فمتى آمن بالحرب والبشاعة والإرهاب .. كل أولئك المسالمون والحالمون بمبادئ الحب والسلام حتى يقتلوا ؟ متى آمن أولئك الملوثون والفاسدون والمتوحشون بالإنسان، وحقوق الإنسان ، وحتى حقوق الحيوان ؟ لقد قتل أولئك الأبرياء لأنهم لم يكونوا أشقياء ولا أذلاء .. لم يكونوا منحرفين ولا إرهابيين .. لم يكونوا إلا دعاة محبة وسلام ، وذلك هو سمو رقيهم الأخلاقي ، وعنوانهم الحضاري ، وخصوصا عندما يقتحمون الصعاب ، وقد تركوا بلادهم من اجل مهمة إنسانية واضحة ، إنقاذ أطفال ، وأمهات ، وثكالى ، وشيوخ ، وصبايا ، وعجائز .. كلهم يعانون الأمرّين في قلب وطنهم منذ سنين .. لم يكن أبناء قافلة السلام إلا منقذين للحياة وساعين لإعادتها إلى بدء التكوين ، نظرا لما فيهم من حسن نوايا كونية ، بعيدا عن كل كراهية أو أحقاد أو عنصرية شوفينية !
لقد كانت رحلتهم المأساوية وسط البحر المتوسط ، لعنة تراجيدية لذاك القرصان الآثم الذي قتلهم بدم بارد ، ولكنها كانت خطيئة منه لن تغتفر أبدا ، بحيث اذكت كل تعاطف العالم ، ليس نحو قافلة سلام وحسب ، بل انفتح العالم على مدينة كانت تعاني لوحدها من ويلات الحصار وبقيت مقتلعة من الحياة زمنا طويلا ، لتبقى تيتانا لا ينثني أبدا .. لقد انتصرت الحرية ضد كل دعاوى الآلهة الجدد من قراصنة وأبالسة وشياطين ، وسوف لن يرضخ الرأي العام في كل العالم بعد الآن أبدا ، لأولئك الذين ما زالوا يصّرحون بأنهم على أتمّ استعداد لتنفيذ كل ما يصوّره خيالهم المريض وأساطيرهم المزيفة .. حتى لو جاء ذلك على حساب قتل الأبرياء والمسالمين وبوسائل قذرة ..
إنني اسأل الإنسانية جمعاء ، بأي حق وبأي شرع تسحق قافلة الحرية ؟! لقد قال الفيلسوف نيتشه في يوم بعيد عنّا أن ” الفضيلة تكافئ نفسها ” ، فما الذي يمكن أن يفعله العالم حتى يكافئ نفسه ، إن كان فعلا موقفه سيبقى ثابتا إزاء ما ارتكب من جريمة وحشية في حق قافلة السلام ؟ أم سيلوذ العالم كله بالسكوت ، كما لاذ من قبل إزاء الشناعات الوحشية التي عاشها ويعيشها العراقيون ، وهم يدمّرون منذ سنوات خلت وحتى الآن ؟!
إن نتانياهو لم يدرك أن الإنسان هو رسالة كونية ثقيلة العيار ، وان الحياة لا تخلو من الإنسانية التي ترفض رفضا قاطعا كل الدناءة والخسة في قتل الأبرياء ، مهما كان لونهم أو جنسهم أو فكرهم أو دينهم أو انتماؤهم .. فمتى سيتوقف هذا المارثون المخيف ؟ لن يوقفه لا الجهلة ولا الأميون والمفلسون ولا القراصنة ولا الإرهابيون .. بل العالم مطالب كله اليوم أن يقف ضد قتل الأبرياء في أي مكان من بره أو بحره أو جوّه .. وخصوصا إرهاب القضايا المقدسة التي يأتي الدفاع عنها من قبل مسؤولين وقادة سياسيين لدولة تعد عضوا في الأمم المتحدة !
مطلوب هو الاعتذار عن هذا العار المخجل .. والتوقف تماما ، ليس عن قتل رهبان الحرية ، بل عن تدمير الأرض ، وقلع الأشجار ، وسحق الإنسان ، وإيذاء الأطفال والنسوة وكبار السن ، وكل الأبرياء الذين يواجهون ويتحّدون كل جبروت القوة والقهر والعدوان .. إنهم يمثلون رمز تايتان الذي يبدو كالمارد الجبار في تحديه لكل الأعاصير ، فلم ولن يشابههم احد في صبرهم وجلدهم ورسوخهم في أرضهم مهما اجتثوا منها .. مطلوب عدم التصفيق للقراصنة الذين سيغرقون يوما .. وستبقى سفينة قافلة السلام رمزا للمحبة والسلام تمخر عباب البحر المتوسط ، وليس كما صورها نتانياهو للعالم بأنها ” مجرد قارب يحمل بضعة إرهابيين ” ! مطلوب أن تقول كلمة حق قبل أن تموت أو تقتل ، ولا تزّور ضميرك في مسألة يتحمّل مسؤوليتها كل المتوحشين من متعصبين ومتطرفين وعنصريين .. شيء واحد يجعلنا ننتمي إلى هذا العالم والى الإنسانية جمعاء .. عندما ندرك جميعا أن صوتنا واحد ضد القراصنة ، وان يستمد الزعماء في منطقتنا مواقفهم الصلبة ليقولوا كلمتهم ، ويعلنوا عن إدانتهم لما يحدث، إذ لم ينفع السكوت بعد الآن!

نشرت في البيان الاماراتية ، 9 يونيو 2010 ، ويعاد نشرها على موقع الدكتور سيار الجميل
www.sayyaraljamil.com

شاهد أيضاً

زعامات ورزايا .. ورئاسات بلا مزايا

 الزعامة غير الرئاسة، والرئاسة غير الإدارة، والإدارة غير القضاء. لقد مضى زمن الزعامات الحقيقية، وماتت …