الحلقة 45
المعتمــد السامــي «أقنوم» الشرق الأوسط
اوراق اعتماد .. خطاب اعتماد !!
في الحلقة التليفزيونية التي قدمها هيكل يوم 1 ديسمبر 2005 بعنوان هيكل: تغيرات الشرق الأوسط، حكى الرجل فيها عن نفسه كثيرا، وكأنه هو الذي خلق الشرق الأوسط، وأنه لا يتجزأ من تغيرات الشرق الأوسط، وكنت أتمنى عليه أن يعنون حلقته بـ ” تغيرات شخصية هيكل ” ، إن رضي قبول التحدث عن نفسه كثيرا، ولم أقبل أبدا خلط نفسه بالأحداث التي لم يقتصر فيها على مصر، بل جعل من نفسه شخصيا ، محورًا للشرق الأوسط بطوله وعرضه.. ولا أدري كيف يتحمل الرجل نفسه، وهو يعيش بمثل هذه النرجسية العالية؟ وكّنا سنتفهم تفاصيل ما يحكيه عن نفسه، كوننا عرفنا سيكولوجيته، ولكن أن يجعل من نفسه اقنوما يتماشى مع متغيرات الشرق الأوسط.. فهذا أمر يخرج عن كل سياقات المؤلفين والصحفيين الكبار والصغار الذين عرفنا سيرهم واحدا واحدا ! إن تعامل هيكل مع مفاهيم ومصطلحات كبيرة ليلصقها بنفسه ، كونه يقدم “أوراق اعتماد” أو تعتمد الناس على ما يقدمه من “خطاب اعتماد”.. هو خروج فاضح عن أدبيات المؤلفين والكتّاب والصحفيين.. حتى وإن شعر نفسه بأنه هو الأفضل في تشكيلة الصحفيين العالميين.. وهو ليس الأفضل حتى بالمقارنة مع غيره من كبار الصحفيين العرب والمصريين بالذات! دعونا نستكشف من جديد خبايا هذا الرجل الذي كّنا نتمنى عليه أن يكون أكثر تواضعا مما هو عليه اليوم!
قناة الجزيرة تتحمل المسئولية كاملة
يبدأ هيكل حديثه بقوله:
” نحن هذه الليلة أمام مجموعة جديدة من تجربة حياة وفي واقع الأمر فقد كان في نيتي أن أترك مسافة بين المجموعات، لأنه كل مجموعة منها تشتمل علي مرحلة معينة من التجربة وفي الحلقات الماضية.. في المجموعة الماضية والتي بلغت واحد وعشرين حلقة تحدثت عن مرحلة وانتهت هذه المرحلة وكان في خيالي أو في تصوري لو أننا سوف ننتظر فترة شهورا حتى نعود ونستأنف، لكن أصدقاءنا في الجزيرة ألحوا وبشدة وكان لابد أن نستجيب وبالتالي فأنا بأعتذر إذا بدي الإلحاح شديدا والعجلة لا تنتظر، هذه الليلة..”(نص هيكل ).
لا أعتقد أبدا أن هيكل بمقدوره أن يترك مسافة بين المجموعات، كونه لا يستطيع أن يبقي ضمن موضوع محدد واحد ضمن الذي أسماه، أو أسموه له تليفزيونيا بـ”تجربة حياة”، ولا أعرف ما سر العجلة، وكل عمل ترافقه العجلة، فإن نواقص وأخطاء ستلحق به ، مهما حاول صاحبها أن يعتذر ويقدم لنا فيها تبريراته، ونحن ندرك بما لا يقبل مجالا للشك أن المسئولية ستقع علي صاحب النص، ولن تكون أبدا مسئولية محطة الجزيرة التي كانت ولم تزل تطلب منه المزيد.. وإذا ما جاوبه الرجل بالنقد، فإن الجزيرة لا تتحمل مسئولية ما وقع فيه الرجل من أخطاء وتجاوزات، إلا في حالة واحدة أن تسمح لمن يجابه الرجل بما ارتكبه إذاعته، فالجزيرة هنا، تتحمل مسئوليتها الإعلامية والتاريخية في الذي يقدمه هيكل أو غيره علي شاشتها.. ولن تفعل الجزيرة أبدا أن أظهرت من يقول لها علي شاشتها إن هيكل يرتكب جملة هائلة من الأخطاء التي ستؤثر كثيرا علي تكوين جيل كامل من الذين سيعتمدونه في كل ما يقوله وتذيعه أو تبثه قناة الجزيرة.. والناس تعلم أن قناة الجزيرة تؤمن ـ حسب ما تقول ـ بالرأي والرأي الآخر، وهي تحرص في المقابلات التي تجريها مع غير هيكل بمثل هذا الأسلوب، فلماذا جعلت من هيكل وحيدا علي شاشتها في إلقاء ما يريد قوله، من دون أن تفسح المجال لغيره ألا يبادله الرأي حسب أمام العالم، بل ليحاوره ويجادله في أفكاره، وينتقد معلوماته ومنهجه.. ليصغي العالم، ولو لمرة واحدة كيف يدافع هيكل عن نفسه، بدل استحواذه علي الشاشة لوحده أو هروبه من ميدان المواجهة أمام الملايين، ونحن نعلم والدنيا كلها تعلم (وبضمنها قناة الجزيرة الفضائية) كم غرقت مواد هيكل التليفزيونية بالأخطاء التاريخية والعلمية.
أي أن الجزيرة تتحمل مسئولية إعلامية باستقطابها طرفا واحدا دون أي أطراف أخري، لا أقول توازيه في الذي يحمله من ثقافة، بل تتفوق عليه معرفيا وعلميا وحتى إعلاميا. والتفت إلي هيكل لأقول إنك تهرب من مواجهة الحقائق النقدية، بمعني أنك تصّر علي أخطائك التي لا يمكن إلا أن يعرفها ككل الناس.. إن المسألة، ليست هي العجلة وما يريده منك فلان أو علان، بل لأنك مصر علي خلط الأوراق دائما، فإن تاهت علي المشاهدين والمتابعين الكرام جملة هائلة من الأخطاء، فإنها لن تخفي علي المختصين والمؤرخين الموثوقين الذين صرفوا أعمارهم في البحث عن حقائق الأشياء.
علامات وتحقيقات
يتابع هيكل مشكلته قائلا: “هذه المجموعة التي أتحدث عنها في هذه الليلة تختلف اختلافا كبيرا جدا عن المجموعة السابقة والسبب واضح، المجموعة السابقة كان عنوانها علامات وكنت أتحدث عن مشهد أطل عليه جيلي ورأي عليه علامات وعرضت بعض هذه العلامات وعلي أي حال في قرابة نهاية هذه المرحلة كنت قد اقتربت بشكل أو آخر من الحياة السياسية التي كنت قد انتقلت إليها من التحقيقات ومن تغطية الحروب إلي آخره ولكن جاء هذه المرة أن أتحدث عن مرحلة تالية وهي مرحلة لم أكن فيها مجرد مراقب ولكن قضت الظروف وسوف أتحدث عن هذه الظروف فيما بعد أن أكون قريبا جدا إلي درجة أنني أستطيع أن أقول إنني عبرت الجدار الفاصل ما بين صحفي وما بين.. ما بين صحفي مراقب وما بين صحفي اقترب إلي درجة تمكنه من ملامسة الأشياء تقريبا .. ” (نص هيكل).
لم أجد أي فروق وأنا أتابع حلقاتك التي وصفتها بـ”المجموعات”، أو أخرى التي تريد تقديمها كـ “تحقيقات” إنك لم تقدم علامات، والعلامات ـ كما نعرفها من توصيفاتها ـ هي مجرد رموز.. لم تقدم مجرد علامات، بل كنت قد أسهبت وأطلت وشخصت وتحدثت طويلا عن أشياء لا تعد ولا تحصى ، وبطبيعة الحال، إنك كلما تطيل وتسهب كعادتك، فإنك توقع نفسك في أخطاء، وتحاصر نفسك بمشكلات لا أول لها ولا آخر! لقد تحدثت عن أحداث وشخوص، وكأنك تعيش معهم ، وتلازمهم.. بل وسمحت أن تطلق أحكاما عليهم.. وقسم من تلك الأحكام جائرة لا تتفق وطبيعة الأحوال.. ولقد كشفنا في العديد من الحلقات النقدية السابقة، ما الذي تحدثت به عن رؤساء وملوك وشخصيات وساسة ليسوا من المصريين فقط، بل كانوا عربا وغير عرب.. وسمحت لنفسك أن توزع أحكاما ظالمة علي بعض منهم، وما كانوا لا من جيلك أبدا! فكيف تصف ذلك بمجرد علامات؟ وهل تعتقد أن الإنسان عندما يكون مسئولا أو معروفا باستطاعته أن يقدم مجرد علامات؟ وهل يقبل كل الذين يدركون معني المعرفة التاريخية مثل هذا الكلام الذي تريد أن تهرب من مشكلاته التي خلقتها بنفسك؟ الذاكرة التاريخية ليست أوراق اعتماد!
يتابع هيكل مشكلاته قائلا: “في هذه المجموعة أنا بأعتقد أن أنا مطالب بأن أقدم ما يمكن أن يكون أو ما يمكن أن يشبه أوراق اعتماد، لأنه في الفترة الماضية.. الفترة التي سوف أتكلم عنها في هذه اللحظة أو في بداية هذه الحلقات.. فترة كتب عنها في الخمسين سنة الماضية كثيرون جدا، كتابات كانت كثيرة جدا كتب مؤرخون وكَتب صحفيون وكَتب حتى مشايخ والنتيجة.. وكتب فيها.. ما حدش في كل اللي كتبوا وكل اللي تكلموا وأنا مقدر الجهود اللي بذلها بعضهم وعارف إيه اللي ممكن تكون أوجه القصور في كل اللي واجهوه، لكنه اللي أنا كان مرات بيحز في نفسي إنه ما حدش.. نحن اتبعنا منطق اتبعناه في حاجات كثيرة جدا في حياتنا وهو النقل، بمعني إنه نحن نقلنا ونحن قلنا وفلان قال وفلان عاد وفيما روي فلان والناس حكت حكايات كثيرة جدا أقرب إلي الذكريات منها إلي ذاكرة محددة وذاكرة واضحة، ذاكرة لا تبدأ زي ما عملنا في أشياء كثيرة في حياتنا وصلنا في النهاية إلي.. فيه حاجات أنا باحترمها وبأقدرها وبأفهم دوافعها.. ” (نص هيكل).
نعم، الذاكرة التاريخية ليست أوراق اعتماد يمتلكها شخص واحد! ولماذا استخدمت مثل هذا “التعبير” الذي يوحي للناس بأنك المعتمد السامي لتاريخ العرب الحديث؟ ما الذي تريد أن تقوله للناس؟ إنك لا تقدم إلا أوراق اعتماد لتاريخنا المعاصر الذي أجده مهلهلا ومختلطا وبلا منهج ولا حيادية ولا موضوعية البتة ؟ من نصبك سفيرا لتاريخنا المعاصر والحديث برمته ، كي تقدم أوراق اعتماد لهذا التاريخ وأنت تتحدث عن نفسك فقط؟ من يجرؤ من كل أولئك الذين أفنوا أعمارهم في الدرس ومعرفة التاريخ أن يطلق علي نفسه انه يقدم (أوراق اعتماد)؟ هل وصل الأمر عندك إلي أن تصف نفسك بهذا الوصف الأحادي والذي أوصلت نفسك إلي أقصى نرجسية، والإعجاب بالذات.. والذي لم يفعلها غيرك أبدا؟ ثمة عمالقة في الأدب والنقد والتاريخ والرواية والفلسفة.. ظهروا في مصر علي امتداد القرن العشرين، لم تصل نرجسية أي واحد منهم إلي عُشر معشار ما لك من نرجسية وإعجاب بالذات.. رحم الله أولئك الرجال الأفذاذ الذين أفادوا حياتنا الثقافية ومعارفنا الأكاديمية ومؤسساتنا الاجتماعية، ولكنهم جميعا كانوا بالرغم من قوتهم ، وروعة بيانهم ، واتساع معلوماتهم ، وسلاسة أسلوبهم، وتعدد مناهجهم.. من أكثر الناس تواضعا والتزاما بالموضوع دون أي تهريج، ودون أي تسويق ، ودون أي تنطع واستعراض عضلات! فهل نصب الدكتور طه حسين نفسه عميدا للأدب العربي أم نصبه المجتمع؟ وهل سّمت السيدة أم كلثوم نفسها بـ”كوكب الشرق”، أم اسماها المجتمع بذلك؟ وهل أطلق أحمد شوقي على نفسه “أمير الشعراء”، أم اجمع كل الشعراء في المجتمع على ذلك؟ وهل هذا جرى لشاعر القطرين خليل مطران؟ أو جري لعميد الصحافة العربية محمد التابعي؟ أو جرى لشاعر العرب الأكبر محمد مهدي الجواهري؟ أو جرى لشاعر النيل حافظ إبراهيم؟ وغيرهم كثير من الذين لم يروّجوا لأنفسهم ألقابا وتسميات؟
واعتقد أن أوراق اعتمادك سفيرا لتاريخنا المعاصر قد تمزقت إن كان لها أي وجود، بمجرد الهذيان الذي اعتاده الناس.. وإذا كان الناس في الماضي يتابعونك كاتبا أوهمت العباد بكتبك العديدة، وكانت مادة دسمة للتفكيك، فلقد أسأت إلى نفسك كثيرا في أحاديثك التليفزيونية التي كشفت من خلالها على بضاعتك!
الوهم: خطاب اعتماد معتمد سامي
يتابع هيكل قائلا: “لكن نحن وصلنا من سفور إلي حجاب إلي نقاب وقد يكون هذا مفهوماً في حالة البشر والأفراد، لكن الحقيقة لا ينبغي أن يكون لا عليها لا حجاب ولا نقاب ولا ستار من أي نوع، لكن الوصول للحقيقة يقتضي جهدا أكبر ويقتضي معرفة أكثر وأنا بأقول هذا وأنا برضه عارف إنه ناس كثير جدا عندها عذر لأنه كان في حاجات كثيرة جدا يمكن لم يطلعوا عليها، أيضا في مراجعة ما جري في التجربة اللي فاتت الأهواء استبدت والحاجة.. لم تحدث في أي سابقة أخري إنه نحن أمام تجربة واحدة خمسين سنة، نظام واحد خمسين سنة، لكنه شهد ثلاثة عصور وتقريبا كل عصر منها بذل جهدا كبيرا في أن ينافس العصر.. الجزء السابق من نفس العصر وأن.. أكثر من ينافسه، مش بس ينافسه، ينافسه ويقلل من شأنه ويكاد يكون يهدمه أحيانا، ناسين أننا بهذا نهدم شرعية حقبة بحالها، بمعني أنه الحقب التاريخية يمكن أن تصحح ويمكن أن تراجع، لكنه لابد ونحن نفعل ذلك أن ندرك تماما أنه في ذاكرة وطنية وذاكرة قومية لابد أن تُحتَرم وبالتالي فأنا في هذه الحلقة سوف أستأذن في أن أجعلها تقريبا خطاب اعتماد، ما الذي يسمح لي أن أجلس هنا وأن أتكلم بثقة وأن أقول والله هذه محاولة ليست لعرض الحقيقة ولكن علي أقل تقدير لمقاربة الحقيقة من موقع رجل رأي وسمع وهذا أظن كثيراً جدا بيسلموا لي به ثم من موقع أيضا شيء تعززه شهادات مكتوبة في وقتها وليست مؤلفة فيما بعدها؟ هابتدي أقول أولا أنا كيف جئت إلي الاقتراب من هذا المشهد .. (نص هيكل).
.
أريد أن استفهم فقط عن فحوى مثل هذا الكلام الذي لا معنى له أبدا! ما دخل السفور والحجاب والنقاب في خمسين سنة؟ ما معنى أن هناك ثلاثة عصور في الخمسين سنة؟ ما تعريف العصر عند هيكل؟ هل هو كم سنة معدودة؟ هل هو عهد سياسي؟ كم تمنيت على الرجل مذ فككت نصوصه قبل سنوات طوال أن يقرأ معاني المصطلحات التي يستخدمها؟ أو على الأقل يقرأ تعاريفها المختصرة حتى لا يقع في المحظور؟ كم تمنيت عليه ألا يخلط الأشياء بعضها بالآخر؟ ماذا يقصد بالنظام الواحد خلال خمسين سنة؟ هل يقصد النظام السياسي في مصر؟ بدليل استخدامه ثلاثة عصور، ويقصد بها عصر عبد الناصر وعصر السادات وعصر مبارك! وبدل العصر كان عليه استخدام مصطلح ” العهد ” ، فالعصر التاريخي يمتد لقرابة 300 سنة، في حين العهد السياسي يغطي زمن حكم زعيم معين أو أسرة حاكمة! نعم، لقد كنت قد نبهت هيكل إلى هذه “المسألة” المنهجية ، ولكن يبدو أن الرجل إما مصّر على أخطائه، أم أنه لا يعترف بتصويبات غيره له.. فيبقى ينتقل من حفرة إلي أخرى من دون أن يداوي جروحه وقروحه! وتستخدم يا هيكل مصطلح “الحقب التاريخية”، ولا تعرف ما معنى الحقبة، وكم تساوي من الأزمان يا هيكل.. إن كنت جادا في معالجة التاريخ ، فعليك أن تتسلّح بأسلحة المؤرخين، فما تذيعه على الناس سيأخذونه ومن ثم يستخدمونه وتكون قد ارتكبت إثما كبيرًا.. أن أخطاءك ستنتقل إلى الآخرين، باعتبارك (حجة) في التاريخ.. ولم يعلموا انك تستخدم المصطلحات استخداما خاطئا! وكيف تتحدث بهدم الشرعية.. وكل عهد له خصائصه السياسية وظروفه التاريخية؟ من هدم شرعية الآخر؟ لم تزل الرموز وطنية .. ونحن نعرف من هدم الشرعية يا هيكل.. ومن خان الأمانة؟ومن نكّل بكل تاريخنا المعاصر في القرن العشرين .
الصراحة مفتقدة
وعليه، ينبغي أن تتحدث بصراحة من دون ألغاز ومن دون إياك اعني! تريد أن تحتفظ بذاكرة وطنية وذاكرة قومية.. ولا ندري لماذا تطالب باحترامها؟ هل هي غير محترمة أصلا؟ ولماذا أصبح الجيل الجديد لا يحترم ذاكرته القومية مثلا في العديد من البيئات العربية؟ وتخرج علينا الآن، وبهذه “الحلقة” التي تريد جعلها “خطاب اعتماد”! لمن هذا “الخطاب”؟ ولماذا مثل هذا التعبير الرسمي الذي تستخدمه؟ لقد وجدنا كم هي رؤيتك مقصورة وأنت تدّعي شهادتك على الأحداث! وكم وجدنا انك تتحدث عن أشياء لم تحدث أصلا؟ وكم وجدنا كم تختلق روايات على مزاجك؟ وكم تختلق أقاويل وتضعها بأفواه أصحابها الميتين، وهم براء من ذلك..؟؟ أي خطاب اعتماد هذا الذي تريد تسويقه بعقول الناس، وأنت تلعب بهم ذات اليمين وذات الشمال؟ أي خطاب اعتماد يا هيكل ونحن نرى الأخطاء تترى من دون أن تصحح لا منهجك، ولا مصطلحاتك، ولا خطتك في اختلاق الأقوال، ولا حتى أسلوبك في أن تكون متواضعا؟ أن المؤلفين هم اصدق منك لأنهم يجمعون كل الروايات ويتدارسونها، ليخرجوا على العالم بمؤلفاتهم من دون أن يكونوا شهود زور.. ومن دون أن ينطلقوا من زاوية محددة، ليكرسوا جهودهم واضحة للملأ. فهل يحق لك أن تسمي هذه “الحلقة” أو غيرها من حلقاتك بـ”خطاب اعتماد”؟؟
خطاب اعتماد تعلله بقولك: “لأنه.. من مشهد ما جرى في يوليو.. لأنه كان ممكن جدا لو أن طريقي المهني مشي كما كان مقدرا له كان ممكن جدا تيجي الحوادث وأنا موجود بره، لأنه في هذه الفترة أنا كنت المراسل المتجول لأخبار اليوم، لكنه حصل تغيير في الشرق الأوسط وفي أوروبا.. (نص هيكل).
أن طريقك المهني قد مشي في طريق سياسي معروف عند القاصي والداني، ولكنه لم يكن طريق منهج، ولا طريق موضوع، ولا طريق علم ومعرفة، ولا طريق كتابة سليمة! إن وجودك في الداخل قد منحك مزيدا من المعلومات التي لم تستطع كتابتها بأمانة وحيادية ومنهجية عالية.. لقد كنت مراسلا صحفيا ناجحا، ولكن أصبحت مثقف سلطة ، وأداة للترويج والفبركة ، ثم غدوت مؤلفا فاشلا، ويا للأسف الشديد.. لنرى ما حجم تأثير ذلك التغيير الذي حصل في الشرق الأوسط وفي أوروبا.. حتى يجعل منك أسطورة كما تتوهم! ثمة حاجة غريبة تحدث لهيكل عام 1949 كما يقول، تدعونا نستكشفها بانوراميا عنه في الحلقة القادمة بحول الله.. فما الذي سيغدو عليه على مدى أكثر من ستين سنة؟
نشرت على جريدة روز اليوسف المصرية العدد 1492 – الخميس – 20 مايو 2010
، ويعاد نشرها على موقع الدكتور سيار الجميل
www.sayyaraljamil.com
وأيضا على صفحة تجمع الدكتور سيار الجميل
http://www.facebook.com/group.php?sid=ef680591def239dac31065b4f16482c3&gid=48810538237
ملاحظة : لا يسمح بإعادة النشر تحريريا أو الكترونيا ، إلا بترخيص خطي من المؤلف والناشر .
الحلقة 46
لا باشكاتب .. ولا عرضحالجي!
النقطة الفاصلة
يقول هيكل مكملا حديثه في حلقته التليفزيونية التي عنونها بـ ( تغيرات الشرق الأوسط ) بتاريخ 2005/1/12:” في هذه الفترة حصل تغيير أساسي أنا هأرجع فيه خلاني أبقي في الداخل، بمعني إن أنا لغاية سنة 1949 تقريبا كان معظم وقتي خارج مصر، بأغطي الأحداث حيث كانت الحروب الأهلية في البلقان، إيران، أفريقيا، مجلس الأمن.. إلي آخره، فكنت بأتحرك في كل الدنيا، لكن كنت بآجي في القاهرة وأقعد مرات كثيرة وبأتابع، لكنه ابتداءً من 1949 حصلت حاجة غريبة.. من منتصف 1949 حصل تغيير في حياتي، علي الأقل في خريطة طريقي، هذا التغيير إيه؟ هذا التغيير بدأ ذات يوم أو بالنسبة لي حدث ذات يوم سنة 1949 تقريبا في يونيو 1949 في يونيو 1949 كانت وزارة إبراهيم عبد الهادي اللي أنا تكلمت عنها كفاية جدا.. إبراهيم عبد الهادي باشا كانت موجودة وكان هناك متغيرات كثير جدا في البلد وأوضاع قلقة وأنا شرحتها وكان الملك بيدور علي سند لسياساته والوفد بيدور علي حُكم وقلت إن فيه حلف كراهية انعقد في هذا الوقت أو قارب الانعقاد وفي هذا الوقت بدأت تبقي المسائل مرتبكة بشكل أو آخر في مصر .. ” ( نص هيكل).
كان هيكل مراسلا صحفيا نشيطا لأخبار اليوم يتحرك خارج مصر، ولا نعرف كم الأيام التي قضاها خارج مصر أن تأكيده عن العام 1949 وحصول حاجة غريبة يعني عند هيكل قد شهد نقطة بداية جديدة في حياته، وودع نقطة نهاية من بداياته الاولي أصلا ! ولكن لنسأل هيكل : كم كان عمرك يا هيكل في العام 1949 إذا كنت من مواليد نهايات العام 1923 فإن عمرك سيكون 25 سنة فقط . فما الذي كنت عليه، حتى تحصل الحاجة الغريبة في حياتك عام 1949 لا تبرر مقالاتك التي كنت تمدح فيها الملك فاروق إبان شبابك وخلال عقد الأربعينيات ؟ خصوصا أن الرجل، سوف لن يكون بريئا أو أمينا في نقل ما يريد قوله، أو ما يريد اختلاقه .. أو ما يريد إخفاءه !! وأعتقد تماما أن العام 1949 كان فعلا نقطة تحول في حياة هيكل .. ولكن ليس في داخل مصر، بل كان ذلك في خارج مصر، وهو يدرك ما الذي أقصده لما كان عليه لأكثر من ستين سنة !!!
مسألة ( الأنا )
في حديثه التليفزيوني هنا، وهو يواصل حديثه تحت عنوان ( متغيرات الشرق الأوسط )، أجده يريد من خلال تقديم أوراق اعتماده .. ولا ندري لمن يقدمها ؟ للنظام السياسي العربي؟ أم للناس أجمع.. يريد الرجل في حلقته أن يرد علي منتقديه، وانتم تدركون من هم، بل ومن هو، في مقدمة منتقديه من دون أن يجادل بالتي هي أحسن، ومن دون أن يقرع الحجة بالحجة .. أراد تقديم أوراق اعتماد تقول إنه ليس كما يصفه خصومه أو نقاده، فهو بني تجربته منذ الأربعينيات في أخبار اليوم، وتولي رئاسة تحرير آخر ساعة، واعتمد عليه الصحفي الكبير علي أمين اعتمادا كبيرا، وهو لم يزل لم يتجاوز الرابعة والعشرين من العمر .. ويبقي هيكل يسهب ويطنب بشكل لا يمكن للمرء أن يتحمله أبدا، بحيث شعر وهو يتحدث بأنه أخذ يضايق الناس من مستمعيه ومشاهدي حلقات (مع هيكل).. ولو يحصي الإنسان كم مرة وردت كلمة (أنا) على لسانه في هذه الحلقة لطار صوابه! إن مسألة (الأنا) ظاهرة مرضية عند السيد هيكل، بحيث لا يكتفي بأن يجعل من نفسه محورا تدور الأحداث من حوله، بل يردد كلمة (الأنا) عشرات، بل مئات المرات، من دون أن يحس الرجل بالذي يفعله بنفسه.. وهو لا يريد الاعتراف بما قاله ناقده له منذ سنوات مضت، بل لا يريد التنازل أبدا عن جملة أخطاء ارتكبها منذ سنين، وهو يجتر نفسه اجترارا أمام كل الناس.. بل ووجدته هنا يقدم تبريرات لكل ما اقترفه بحق التاريخ والوثائق والكتابة الرسمية.. سواء كان ذلك علي عهد جمال عبد الناصر، أم على عهد أنور السادات .. ومن أسوأ السلوكيات التي يتصف بها أي إنسان، كثرة الحديث عن نفسه، ولم يكتف بذلك الحديث، بل يجعل من نفسه صاحب الفضل والفوقية علي الآخر حتى لو كان عبد الناصر أو السادات نفسيهما كرئيسين مصريين كبيرين! إن استخفافه بنقاده لا يزيدهم إلا رفعة وإصرارا علي كشف حقيقة من يكون هذا الرجل، وان إجابته عليهم بطريقة غير مباشرة، بحيث يبرر ما أدانوه به، وينزه نفسه عن كل المثالب التي اقترفها بحق تاريخنا المعاصر .. سيبقيه علي حلبة الصراع مثلا شاخصا أمام العالم كله كي يتعري أكثر وهو لا يقاوم أبدا اللكمات والضربات التي تأتيه من كل حدب وصوب ! لقد ثبت لي من خلال هذه ” الحلقة ” البليدة، أن الرجل اضعف من أن يدافع عن ابسط الأمور، ويعتقد انه سيهرب من أي انتقادات صارخة له بجعل نفسه صديقا لرئيس، أو جعل المسئولين الكبار في الدولة يلاحقونه من اجل كسب وده ورضاه .. أو جعل نفسه في مصاف رؤساء صحف عالميين لأسماء يوردها، ويجعل من نفسه صديقا لهم جميعا .. وبتفصيلات مملة إلى حد القرف !
فلتة لسان : هيكل يعلن أسفه
دعوني أتوقف قليلا عند موضوعات أساسية أراد من خلالها الرد على ناقده بطريقة غير مباشرة ، فهو لا يقوى على المواجهة أبدا ، قائلا : “يقول بعد ان يحكي حكايته مع اخبار اليوم ومصطفي امين وعلي امين بشكل ممل، وطبعا لا يخلو الامر من ان اخبار اليوم، ما كانت لتكون لولا هيكل، ويقول هيكل إن علي امين قال له : آن الوقت كي تبقي معنا لأنه فيه عبء كبير جدا علي مصطفي وإحنا كلنا بنلومه وحملنا أخطاء وأخبار اليوم معرضة مكشوفة ومشكلة فأنا عاوزك تقعد، شوف طريقة بقي إنك تقعد، مع إن ده قرار أنا بأتخذه.. قعدت وتوليت.. كلمة توليت ما بأحبهاش أبدا متأسف معلش لأنها كلمة بقت.. يعني ألقيت إلي أو حملت علي مسئولية آخر ساعة وبعدين اضيفت أخبار اليوم.. إدارة أخبار اليوم.. مدير تحرير أخبار اليوم وبدأت أحاول بشكل أو آخر إن إحنا نحاول نتدارك الموقف ونقف أمام ظروف صعبة لكن ساعد أيضا علي موقفي إن أنا كنت بأعرف المعسكر الآخر، مصطفي كان قريبا جدا من معسكر القصر وأنا كنت قريبا من معسكر إما الوفد أو المستقلين وعندي صداقات مع بعضهم أنا شرحت بعضها، لكن علي جاء حتي يعني.. أنا بأقول علي جاء وقال لي اقعد لو كان ممكن .. ” ( نص هيكل) .
طيب، ما علاقة هذا الكلام بتغيرات الشرق الأوسط يا هيكل ؟ ما نفع هذه التفاصيل عن نفسك، وجعلها مسئولة بهكذا درجة من القوة والنفوذ وأنت لم تتجاوز الأربعة والعشرين ربيعا ؟ وهل أنت متأكد كونك لم تحب كلمة (توليت)؟ لقد تأسفت لاستخدامك إياها، وما الضير في انك توليت؟ صحيح، كنت صحفيا شابا نشيطا، ولكن لا اعتقد أن شابا بمثل سنك وقت ذاك له صداقات مع رجالات الوفد؟ وما قصدك بالصداقات؟ معنى ذلك، انك كنت تسرب أخبار صحيفتك إلى خصوم مصطفي أمين، حتى يجيبوه في اليوم الثاني علي واجهات صحفهم ! وكيف لم تكن قريبا جدا من معسكر القصر يا هيكل، ومقالتك في مدح الملك فاروق شاهدة على انك كنت ليس من معسكره، بل تريد التسلق بأي ثمن كان .. ويبدو انك قد نجحت !
في الوسط التوأمان مصطفى وعلي امين وعلى شمال الصورة معلمهما محمد التابعي
يورد هيكل قائلا وهو يتحدث على لسان علي أمين وهو يصف هيكل قائلا : لأني كنت أصر علي أن يبقي ـ هيكل ـ في العمل الذي نبغ فيه وهو الباحث عن المتاعب، أنا بأكتب حاجة اسمها البحث عن المتاعب علي هامش.. لأن الصحافة هي مهنة البحث عن المتاعب.. علي هامش التحقيقات اللي بأعملها والجولات اللي بأعملها، فقد كانت.. كمل علي أمين بيقول.. فقد كانت أخبار اليوم ترسله بالطائرة وراء كل انقلاب فيقيم الدنيا ويقعدها بتحقيقاته الصحفية وكنت في نفس الوقت أخشي عليه من التجربة.. تجربة البقاء في مصر.. كما يخشي الأب علي ابنه وده كان صحيح الحقيقة يعني، إذا ركب طائرة أو دخل مغامرة فإنني أشعر أن هيكل ابني، اكتشفته.. وأنا بأوافق ما عنديش مانع يعني كتر خيره.. ودفعته إلي الأمام.. برضه أنا معترف له بالفضل.. فإذا به يصبح نجما من نجوم الصحافة وهو في سن الرابعة والعشرين.. ما بيحصلش ده دلوقتي ما حدش.. لازم الناس تقعد لغاية ما أعرفش يحصل لها إيه.. يعني مومياوات علشان يتقدموا.. يعني ولذلك كنت أخاف عليه.. ” ( نص هيكل) .
إنني أعتقد أن الوقت قد تأخر كثيرا حتى ينصف هيكل أستاذه ومعلمه علي أمين .. كان عليه أن ينصفه منذ زمن بعيد . هنا أسأل : هل ردّ هيكل الجميل الذي أسداه علي أمين إليه ؟ إذا كان علي أمين قد عدّ هيكل بمثابة الولد إلى والده .. فهل تصّرف هيكل إزاء علي وأخيه مصطفى في الآتي من الأيام والسنين؟ ام غدر بهما غدرا مكشوفا؟ ويأتي اليوم ليعترف بفضل الرجل عليه . ويدرك الجميع أن كلا من علي ومصطفى أمين، كانا وراء صنع هيكل، وقد تعّلم على أيديهما، وهما اللذان قدماه وساهما في صناعة شهرته، ولكنه كان عصيا عليهما، وغدر بهما . ويبدو لي أن هيكل كان صحفيا نشطا وله حركته وبحثه عن المتاعب، وكان قد نجح في تقديم عدة ملفات عن بلدان وتجارب سياسية، ولكن لا اعتقد انه قد وصل إلى أن يكون نجما من نجوم الصحافة بالسرعة التي يريد تمويه الناس بها !
من غصبك ؟ إنها إرادتك يا هيكل!
يقول هيكل : ” .. بيحصل حاجة للصحفيين في العالم الثالث كله مش بس عندنا، إيه اللي بيحصل في العالم الثالث بالتحديد للصحفيين؟ نحن في الخبر بنختلف في المسائل التفصيلية لكن لمّا ييجي وطن يواجه قضايا رئيسية في حياته وتبقي مثلا قضية تحرير، قضية استقلال، هنا الصحفي بيلاقي نفسه قدام.. وهو قريب من العمل العام وهو قريب بشكل أو آخر مما يجري.. يلاقي نفسه بينجذب غصب عنه إلي أداء أدوار قد لا تكون بالضبط هي مهمة الصحفي، مش شغلته، يمكن مش شغلته بالضبط لكن بيلاقي نفسه (Involved ) بيلاقي نفسه.. بمعني بيلاقي نفسه داخل في الحوادث، قريبا منها، أصابعه.. بصمات أصابعه تكاد تكون موجودة علي بعض الأشياء، حصل شيء من هذا النوع بيني وبين جمال عبد الناصر أو في وقته يعني، هاتكلم علي ده بعدين كله لكن أنا لسه لا أزال في مجال تقديم أوراق اعتماد، أنا بأقول أنا كنت باعرف حاجة مما يجري، كنت قريباً منه جدا إلي درجة أنه بصمات أصابعي موجودة علي أوراقه، في هذه الفترة أنا مستعد أقول وأظن ناس كثير جدا يقبلوا مني هذه الشهادة.. ” ( نص هيكل).
لا أبدا، هذا ليس بصحيح أبدا .. أو أن هيكل لا يؤمن بأي حيادية صحفية، ولا بأي أمانة مهنية، ولا بأي استقلالية رأي عام .. ولا بأي موقف حر كالذي يلتزمه الصحفيون في كل مكان ! إنني لا اقبل من هيكل أن يبرر اصطفافات الصحفي سياسيا على حساب الحقائق، وعلى حساب المهنة وحرفيتها ! قد يكون مراسلا أو كاتبا أو محررا أو .. إلخ يؤمن بأي اتجاه سياسي، بل ويشتغل في صحف رسمية، ولكن مطالب ألا يكون مرتبطا بشكل أو بآخر بهذا الحدث أو ذاك . نعم، صحيح جدا أن يكون الصحفي في قلب أي حدث، ولكن ثمة خطوطاً حمر تمنعه من أن يبصم عليها !
ولا ادري ما الأشياء التي بصمت عليها يا هيكل مع الرئيس عبد الناصر ؟ لقد جئت تتكلم هذا الكلام بعد قرابة أربعين سنة على رحيل الرجل .. ولم تكتف بكل هذا وذاك وأنت في مجال تقديم أوراق اعتماد .. لمن ؟ لا أحد يدري ؟ هل يصح أن تقدم أوراق اعتمادك للآخرين بعد أن مضت عدة عقود من الزمن، لم نجد فيها لك أي بصمات سياسية، فلا أنت بمشارك في صنع القرارات، ولا أنت بمسئول كبير في الدولة ؟ إن اعتماد رئيس دولة أو رئيس حكومة على صحفي بارز ليكون مستشارا له، كي يصحح خطاباته ونصوصه وتصريحاته وتقاريره ومراسلاته .. ليس معني ذلك أن المستشار يساهم في صنع الحدث، كما ليس من الطبيعي أن يكون شاهدا على كل الحدث .. أو يعرف كل الظاهرة !
فلسفة الثورة .. مرة أخرى !
يتابع هيكل حديثه ومرة أخرى، بل ولمرات عدة يكرر موضوع فلسفة الثورة وكتابته لها، خصوصا أن كتيب (فلسفة الثورة) حرر ونشر باسم الرئيس جمال عبد الناصر، ليقول هيكل: ” أنا الرجل الذي كتب من أول فلسفة الثورة.. الثورة اللي كتبها جمال عبد الناصر إلي التوجيه الاستراتيجي اللي قدمه أنور السادات في حرب أكتوبر للمشير أحمد إسماعيل علي بتحديد هدف القوات المسلحة في حرب أكتوبر وما بين الاثنين أنا وهذا معروف ولأسباب أنا هاتكلم عليها عمليا وتاريخيا ووطنيا دعت إلي تجنيدي تقريبا في هذا العمل دون أن أفقد حريتي الصحفية .. ” (نص هيكل).
يا عزيزي .. يا هيكل، كل نص ينشر باسم صاحبه، وصاحبه قد كتبه، أو كتب مسوداته، أو حرر نصه .. أو كلّف أحدا لإعادة قراءته، أو طلب من شخص لتصويب أخطائه، فليس معنى ذلك انه يجرد نفسه منه، ليقول والله هذا من كتابة المصحح ! إذا كان الرئيس عبد الناصر قد كلفك بإعادة تسجيل ما دار بينكما من حوار، وقد خرج العمل ونشر باسم عبد الناصر، فليس من الصواب أن تثير هكذا قضية مرات ومرات .. لو أحصيت عدد المرات التي ادعيت فيها يا هيكل انك وراء كتابة كتيب ( فلسفة الثورة )، ليقول المرء إن ذلك يكفي، فهو تقليل من شأن عبد الناصر، وكأن فلسفة الثورة كلها من صناعة هيكل !؟ وسواء جنّدك عبدالناصر أم استحوذ عليك السادات، فإنك قد رضيت وبقناعة أن تخدمهما، فليس من الصواب أبدا أن تذكّرنا دوما بجميلك الذي صنعته لهما .. وسواء كنت أنت أم كان غيرك، فإن مصر مليئة بالصحفيين والأدباء والمحررين الذين باستطاعتهم أن يحرروا نصوص الرؤساء، كجزء من وظائفهم، وسواء تقاضيت علي ذلك أجرا، أم لم تتقاض، فتلك هي مشكلتك يا هيكل، وليست مشكلتنا من طرف أو مشكلة عبدالناصر والسادات من طرف آخر!
وما مشكلة الباشكاتب يا هيكل ؟
نتابع مع هيكل قائلا : ” أنا جئت لقيت نفسي جنب جمال عبد الناصر، بعد شوية لقيت نفسي بطبائع الأشياء وبقوة الأشياء بأؤدي مهام أكثر مما هو لازم وقَبِلتَها وحاولت طول الوقت أن أضع خطاً فاصلاً.. ألا أترك ده يطغي علي عملي ولا أترك عملي يطغي عليه بشكل أو آخر وإن كنت لابد أن أعترف إنه طبيعة الأشياء وحقائق الأشياء أعطتني امتياز إن أنا موجود في قلب الحوادث وإن أنا قريب.. مشارك تقريبا في أشياء، لمّا أقول إن أنا كتبت فلسفة الثورة ما بقولش إن أنا ألفت فلسفة الثورة، بمعني إنه فلسفة الثورة هذا كان فِكر جمال عبد الناصر، لكن فِكر جمال عبد الناصر.. أنا كمان مش بشكاتب قاعد علي باب محكمة وحد بييجي يدي له قرشين وبأكتب عرض حال، أنا للعلم لجميع الناس أنا لم أنقاض مليماً واحداً من داخل الحكومة المصرية إطلاقا حتي وأنا وزير ” ( نص هيكل ).
متى وضعت أي حد فاصل بينك وبين الرئيس جمال عبد الناصر ؟ وأريد أسأل سؤالا واحدا : هل تعتبر نفسك يا هيكل بموازاة الرئيس عبد الناصر ؟ قل ما تشاء عن صداقتك له، أو علاقتك به، ولكن حتى وإن كنت المصري المدلل الوحيد لدى عبدالناصر، فليس من العقل والحكمة أن تجعل نفسك في مصاف الرجل ! ومن الطبيعي انك قبلت بأداء المهام الموكولة لك، فأنت قريب من رئيس الدولة، وهو بحاجة إلى من يساعده في شئونه .. واعتقد انك لست بنادم على تلك العلاقة التي فرضت عليك أن تؤدي كل ما يطلب منك ! خصوصا انك من النوع الذي يحب أن يشرعن لنفسه أو لذاته مكانة متميزة وعليا .. كل هذا مقبول من صحفي يريد أن يكون له موقع استثنائي في الدولة، ولكن أن تجعل مهمتك تلك بمثابة الأداة التوجيهية لفكر عبد الناصر ، وتعلن حتى الآن علي أنها كانت محتكرة لإرادة عبد الناصر نفسه .. فهذا غير مقبول أبدا . يا أستاذ هيكل، لا ينفع تبريرك أبدا فيما قلت وصرّحت كونك كتبت (فلسفة الثورة)! كي تأتي اليوم لتقدم تبريرا ساذجا كون الكتاب كان من كتابتك ولم يكن من تأليفك ؟ وكأنك تريد القول بأنني كاتب النص ولست مؤلفا للنص ! فما الفرق بين أن تكون كاتبا لنص أو مؤلفا له ؟ هل تريد أن تضحك علينا مرة أخرى ؟ المسألة مسألة مبدأ، وليس مسألة شكليات ! المبدأ أن من المعيب جدا القول إذا كان الرجل قد ائتمنك على نص فكّر به أو خطّط له أو كتب مسوداته .. أو حتى إن حاورك في مضمونه .. أن تأتي لتقول بأنني قد كتبت نص ” فلسفة الثورة ” ؟ انك لو احترمت ذكرى عبدالناصر، لما تقولّت عليه، لتبقى تصّر على انك كاتب النص .. وما المعيب في الباشكاتب؟
إنها وظيفة رئيس كتّاب في المحاكم المدنية .. وليس كما قلت انه يجلس على أبواب المحاكم .. ذاك هو العرضحالجي؟ إنك تنفر من هاتين الصفتين . ما العيب في العرضحالجية؟ إنه عمل، والعمل ليس عيبا ! وسواء كنت باشكاتب لعبد الناصر أو عرضحالجي لدى السادات .. فما العيب في ذلك ؟
لا احد اتهمك بأنك تقاضيت أجورا علي ذلك ، وحتى إن تقاضيت أجورا ، فما العيب في ذلك ؟ من يعمل لابد أن يتقاضى أجرا .. كل ما هنالك أن المسألة مبدئية لا أكثر ولا أقل !
انتظروا الحلقة المقبلة
نشرت على جريدة روز اليوسف المصرية العدد 1495 – الاثنين – 24 مايو 2010
، ويعاد نشرها على موقع الدكتور سيار الجميل
www.sayyaraljamil.com
وأيضا على صفحة تجمع الدكتور سيار الجميل
http://www.facebook.com/group.php?sid=ef680591def239dac31065b4f16482c3&gid=48810538237
ملاحظة : لا يسمح بإعادة النشر تحريريا أو الكترونيا ، إلا بترخيص خطي من المؤلف والناشر .