الرئيسية / الشأن العراقي / المأزق السياسي في العراق

المأزق السياسي في العراق

يمر العراق الآن بمأزق سياسي جديد بعد الانتخابات التشريعية الأخيرة للعام 2010 ، ذلك أن الكتل السياسية ، وخصوصا الرؤوس والأطراف والعناصر التي تتحكم فيها ، لم تكن مؤمنة في أي يوم من الأيام ، لا بالديمقراطية ، ولا بقانون الانتخابات الذي دارت المماحكات حول إصداره شهورا ، وحسمه السفير الأميركي في بغداد .. إنهم لا يؤمنون بأن الشعب ينتظر ما ستسفر عنه اتفاقاتهم أو خلافاتهم ، خصوصا وان هذه الكتل السياسية أصبحت تتحكم بها مافيات سياسية متربصة إحداها بالأخرى من اجل مغنم السلطة ، وخصوصا سلطة الحكومة ، أي رئاسة وزارة ووزارات .. لقد بلغت هستيريا هؤلاء إلى درجة لا تصدق من تبادل التهم والتراشق بكل المخزيات .. إن كل فريق يسعى لنيل رئاسة الوزراء كي يكون ” دولته ” سيدا للعراق ، ولكي يغدو العراق ألعوبة في يديه ، أو يبقي العراق رهينة طوع رغباته وتصرفاته وإنفاقاته ونهبه !
لم يتقدم أي فائز من الكبار ، حتى الآن ، بأية خطة وطنية من اجل العراق ، حتى يكون باستطاعته أن يحّصل على ما يزيد على موافقة أكثر من 160 نائبا من أصوات أعضاء البرلمان .. ليس لأن أي فائز من الفائزين لا خطة لديه مهما بلغت تفاهتها ، ولكن الجميع مقتنع بأن النواب في البرلمان ، سوف لا يحكّمون ضمائرهم الوطنية باختيار خطة من هو الأصلح لقيادة البلاد ، بل سوف يكونون مجرد بيادق ، تسّيرهم كتلهم وأحزابهم وانتماءاتهم الطائفية والقومية والسياسية في اختيار هذا دون ذاك ! هذه ” المشكلة ” ليست وليدة هذه الأيام، بل لها ميراث سياسي طويل في العراق، وسوف لن تنتهي بسرعة مع مستقبل منظور ، بل ربما ستلازم العراقيين ردحا طويلا من الزمن !
الكل يتحدث باسم الوطنية والعراق والعراقيين ، ولكن كلهم طّلاب سلطة وجاه ومناصب ، وكلهم يسعون لمصالحهم الشخصية والانوية الضيقة إلا من رحم ربّك ! ولا ادري ما نفع الانتخابات ؟ ولماذا انفق عليها من أموال ؟ وما أتلف عليها من جهود وأتعاب ؟ لماذا أخذتم رأي الشعب فيكم انتم أنفسكم الذين توزعتم الترشيحات .. ؟! كان عليكم أن توزعوا الأدوار في ما بينكم منذ البداية ، كما تريدون أن تفعلوا اليوم .. كان عليكم أن تتصرفوا منذ البداية ، وكأن العراق مزرعة أرانب قد سجلتم ملكيتها بأسمائكم في دوائر ” الطابو ” ، بدل التبجح بالديمقراطية وصناديق الانتخاب والضحك على الناس !
إنني انتقد كل هؤلاء الذين يتشاحنون لأخذ السلطة بأي ثمن .. وإذا كان الفرقاء في تكتل كبير قد عرف بمهاتراته وهستيريته من اجل السلطة ، فان الطرف الآخر لا اقبل أبدا أن يذهب ليتمسح بأذيال إيران ، أو ليستنجد بمؤسسة معدمة اسمها جامعة الدول العربية ! ولا ادري لماذا فجأة اكتشف المسؤولون من خلال ” هيئة المسائلة والعدالة ” أن هناك من هو غير صالح ليستمر في العملية السياسية كي يجتّث بعد سبع سنوات على استمراره ؟ بل لماذا سمحتم له بالترشيح للانتخابات أصلا ؟ ولكن ، ايضا لا ادري كيف للطرف الآخر ، وقد عرف كونه أكبر كتلة علمانية في البلاد أن يستقطب واحدا اعتبره كبير زراع الطائفية في العراق ليكون قياديا فيها ؟ إنني واثق أن الشعب العراقي قد انتخب هذه المرة رؤوسا وليس كتلا .. هذه الرؤوس ممثلة لانقسامات سياسية في مجتمع منهك القوى !
لا يمكن للشعب العراقي أن يبرئ بعد اليوم كل هذا الرعيل القيادي من موبقات سياسية لا حصر لها . لقد نجحوا في فرض هيمنتهم حتى على مفوضية الانتخابات ، لتغدو ألعوبة في أيديهم ، ففقدت عذريتها ، وانتهت صدقيتها ، ونجحوا في ليّ ذراع القضاء العراقي ، كي يستجيب لمطالبهم ! إنني لم أجد أي قيادي عراقي حتى الآن يعبر عن ضمير العراق برمته ، فالانقسامات العرقية والطائفية قد ترسّخت تماما في المجتمع السياسي العراقي ، ويقودها هذا الرعيل القيادي الذي صعد إلى المسرح اثر سقوط النظام السابق عام 2003 ، وقد تدرب اليوم على كل الفاينات ، بعد أن كان ساذجا وبليدا ، فأسهم في إغراق العراق بالفتنة ، وخلق الانقسامات ، وزراعة كل التشرذمات باسم الدين والدستور والديمقراطية والمرجعية والقانون والتوافق والفيدرالية .. الخ
إن تشكيل حكومة انتقالية تحت وصاية الأمم المتحدة لتسوية الخلافات ، كما طرح ذلك احد زعماء الكتل المتنافسة ، وإعادة الانتخابات من جديد ، والعودة إلى المربع الأول ، سوف لن ينقذ العراق من ورطته .. وان تدويل القضية العراقية ، والاستنجاد بهذا أو ذاك لن ينجد العراق من مأزقه كونها مدوّلنة أصلا .. وان الاستعانة بالآخرين لن ينفع العراق أبدا ، فالعراق مرتبط بوجود أميركي على أرضه ، حسب اتفاقية أمنية ، فضلا عن إيران التي تخترقه من الباب إلى المحراب ! وانه أصلا مرفوض وغير مقبول عربيا حتى اليوم . فما الذي ينتظره العراقيون منكم أيها القادة الظرفاء في العراق ؟ ما الطريق الذي ستمضون فيه وانتم بهذا النهج الكسيح من صراعاتكم الداخلية على السلطة ؟ ما الذي أبقيتموه للعراقيين الذين ينتظرون ما الذي ستسفر عنه نتائج هذا المشهد الكاريكاتيري البائس منكم ؟ تعلمون جيدا أن العراقيين يصفقون بحرارة لمن يحكمهم ، وعندما يترك السلطة يغدو صفرا على الشمال إن استطاع الحفاظ على حياته وكرامته !
أخيرا ، أقول ، بأن العراق يمر بمأزق خطير ، ولابد من أدوات حسم ، وتغليب الحكمة ، وان يجلس كل الفرقاء في مؤتمر وطني ، للاتفاق من خلال تنازلات وإيجاد حلول ، والبدء بصفحة جديدة ضمن خطة وطنية مشتركة لا بديل عنها أبدا .. كالتي طرحتها نخبة من المثقفين العراقيين قبل الانتخابات ، وقد كنت احد المساهمين فيها!

نشرت في البيان الاماراتية ، 5 مايو / آيار 2010 ، ويعاد نشرها على موقع الدكتور سيار الجميل
www.sayyaraljamil.com

شاهد أيضاً

نقطة نظام ضد الفساد والمفسدين والفاسدين

ملاحظة : طلب مني عدد من الاصدقاء العراقيين ان اعيد نشر هذا ” المقال ” …