الرئيسية / مقالات / قِمّة الأمنْ النوّوي

قِمّة الأمنْ النوّوي

تراوحت ردود الفعل بين السلب والإيجاب ،حول انعقاد مؤتمر قمة الأمن النووي الذي انعقد في واشنطن 12- 13 ابريل 2010 ، ليس من خلال البيان الختامي ، أو خطة العمل الداعية إلى القيام بأعمال وإجراءات ملموسة بهدف السيطرة على المواد النووية في مختلف أنحاء العالم ، وبحث سبل منع وقوع المواد النووية في أيدي الإرهابيين ، و” اللاعبين غير الرسميين ” . لقد اجتمع زعماء 47 دولة باستضافة من الولايات المتحدة الأميركية مع ممثلين عن الأمم المتحدة ، والاتحاد الأوروبي ، والوكالة الدولية للطاقة الذرية ..
وأكد البيان التزام الدول المشاركة في العمل على ضمان تأمين المواد النووية خلال أربع سنوات ، مع الخطوات المحددة بشأن كيفية تنفيذ الأهداف والالتزامات الواسعة ضد الإرهاب الدولي الذي يمثّل اكبر التحديات تهديدا للأمن الدولي ، ولم يقتصر الأمر على مجموعة إرهابيين او مجرمين ، بل خلطهم مع ما اسماهم بـ ” لاعبين غير مصرح لهم بامتلاك المواد النووية ” ، وان البديل هو تدعيم الأمن النووي بنزع السلاح النووي ، ومنع انتشاره والحد من تهديد الإرهاب النووي .. وهذا كله يتطّلب إجراءات وطنية مسؤولة ، وتعاونا دوليا مستداما وفعالا . ويبدو ان خطة العمل المرافقة جاءت لتدعم بيان القمة من اجل تنفيذ أغراضه .. ولقد وقّعت الدول المشاركة على تعهد سياسي من اجل تنفيذ مبادئ المؤتمر بما يتفق وقوانينها الوطنية والتزاماتها الدولية .. ولقد تعرّضت الخطة لانتقاد عاصف من قبل منتقدي اوباما المحافظين ، فهل حقق اوباما أي انتصار للعمل العالمي بشأن برنامجه النووي ؟
لقد شهدت القمة تقدما ايجابيا بعد إعلان أوكرانيا ، أنها ستتخلص من اليورانيوم عالي التخصيب لديها خلال العامين القادمين ، وتبرعت كل من جنوب إفريقيا والأرجنتين بإتلاف ما تمتلكانه من اليورانيوم ، وتعهدت كندا بإرسال كمية كبيرة من الوقود النووي المستنفذ إلى الولايات المتحدة بحلول عام 2018. كما وقعت روسيا والولايات المتحدة على اتفاقية حول تخفيض مخزون البلوتونيوم الذي يستخدم فى صنع الأسلحة الفائضة فى البرامج الدفاعية . جاء ذلك بعد توقيع الرئيسين اوباما والروسي ميدفيديف في براغ على معاهدة ستارت الجديدة يوم 8 أبريل 2010 للحد من التسلح النووي وانتشاره .
ونجح الرئيس اوباما من خلال حملته لتشديد العقوبات على إيران في إجراء محادثات مع الرئيس الصيني هاو جينتاو تركّزت على كل من الأمن النووي والأمن الاقتصادي . لم يكن برنامج إيران النووي على جدول أعمال القمة ، ولكن اوباما انتهز فرصة وجود قرابة 50 دولة في ضيافته من اجل إثارة فرض عقوبات جديدة على طهران ، وخصوصا قطع الطاقة عنها ، بسبب رفضها وقف تخصيب اليورانيوم. كما أثار اوباما مسألة العملة الصينية ، المثير للقلق ، وحث على التحرك لسعر صرف أكثر توجها نحو السوق .. ولقد تكرر أيضا دعوة للصين الموحدة إلى “الحوار والمفاوضات” مع إيران .. وكانت الصين قبل حضورها القمة التي اعتبرتها علامة ايجابية لواشنطن متوترة جدا بسبب اجتماع أوباما مع الدالاي لاما ، والرقابة على الانترنت في الصين ، والضغط على العملة الصينية.
لقد استخّفت إيران بالقمة ونفتها ، ووصف الرئيس الإيراني تنظيمها ” لإذلال البشر ” ! ولقد اجتمع اوباما بالعاهل الأردني الملك عبد الله ، على هامش أعمال المؤتمر ، ممثلا للعديد من القادة العرب مشاركا الشعور بالقلق إزاء امتلاك إيران لأي سلاح نووي ! ويبقى السؤال مطروحا : هل يحلم اوباما بعالم خال من الأسلحة النووية التي ستفتك يوما بهذا العالم ؟ ربما كان ذلك صحيحا ، ولكن الغرض الأساسي هو الحد من انتشار التسلح النووي في أجزاء معينة في العالم . وقالت السفيرة بوني جنكنز، منسقة برامج الحد من التهديدات في وزارة الخارجية، “إن الإرهابيين يبدو أنهم مصممون على شراء، أو بناء، أو سرقة الأسلحة أو المواد النووية مثل البلوتونيوم أو اليورانيوم عالي التخصيب وتحويلهما كمواد خام أولية إلى سلاح نووي .. وأكدت أن الخطر الذي يشكله ذلك يمكن أن “يمسنا جميعا” ويتطلب من الدول مجابهة الخطر بشكل جماعي !
وقالت السفيرة سوزان بيرك التي تشغل منصب الممثل الخاص للرئيس الاميركي لمنع انتشار الأسلحة النووية : “إننا إذا ما حضرنا إلى المؤتمر وتمكنا من تحديد المجالات التي يمكن أن نتفق عليها بالنسبة للركائز الثلاث … وإذا تمكنا من تأمينها، عندها نتمكن من المضي قدما وسنكون بالتأكيد في وضع أفضل. فأنا اعتقد أن هناك مجالاً للاتفاق يمكن التوصل إليه إذا ما حضرت الأطراف إلى المؤتمر وهي على استعداد للقيام بذلك.” لقد بدأ التحول الجذري بوقف التجارب النووية ، التي توقفت الولايات المتحدة عن إجرائها منذ العام 1992، “ولا توجد خطط لإجراء تجارب”. وان اوباما قد اعتنق فكرة التخلص من الأسلحة النووية بناء على توصية خبراء مخضرمين أميركيين عسكريين ومدنيين . غير أن الإنفاق مات زال يجري بقيمة 54 بليون دولار سنويا في الولايات المتحدة على الأسلحة النووية للعقود الدفاعية والعسكرية، فإن هناك مصالح قوى قوية تريد الحفاظ على الوضع الراهن .. لم يتعّرض المؤتمر إلى كوريا الشمالية ومخاطرها ، بل اكتفى بعزلتها ، علما بأن نشاطها كبير في هذا السبيل . أن المشكلة ليس بما خرج به المؤتمر ، بل بما دخل فيه ، السؤال : لماذا لم يتم الاقتراب من الهند وإسرائيل وغيرهما من البلدان التي تمتلك أسلحة نووية ؟ وهل ثمة نوايا أميركية حسنة في خلاص العالم من السلاح النووي الذي استخدم في حروب القرن العشرين ؟ الجواب لا يقتصر على أن لا يقع السلاح النووي بيد هذا وذاك ، بقدر ما يسعى للقضاء على أي سلاح نووي في العالم كله !

نشرت في البيان الاماراتية ، 28 ابريل 2010 ، ويعاد نشرها على موقع الدكتور سيار الجميل
www.sayyaraljamil.com

شاهد أيضاً

زعامات ورزايا .. ورئاسات بلا مزايا

 الزعامة غير الرئاسة، والرئاسة غير الإدارة، والإدارة غير القضاء. لقد مضى زمن الزعامات الحقيقية، وماتت …