ارسل لي الصديق الأستاذ زهير الدجيلي تعليقا على مقالتي : العراقيون : أين المسار ؟ يقول فيه : عزيزي الدكتور أبا نصر العراقيون أعطوا الأحزاب الدينية الطائفية في هذه الانتخابات الشيعية والسنية 211 مقعد فيما أعطوها في انتخابات 2005 الماضية 143 أليس هذا تطورا طائفيا لشعب بات يستحم يوميا بالطائفية ؟ ” ، فأجبته بجواب هذا نصّه :
صديقي الأستاذ الشاعر زهير الدجيلي المحترم
رئيس تحرير الجيران الزاهر
تحية كريمة
شكرا على تساؤلكم الكريم ، ولا ادري كيف تّم احتساب المقاعد على أساس طائفي ،سواء في هذه الانتخابات ، أو في تلك ! ولا حتى كيف ستحتسب في الانتخابات القادمة .. ؟؟ إن رؤيتي للظاهرة نفسها مقارنا بين ما كان عليه الحال عام 2005 وما آل إليه عام 2010 مع قناعتي بأن الطائفية والشوفينية معا لم ولن تختفيا أبدا من العراق ، ولكن ستذلل يوما بعد آخر ، وعلى أيدي أجيال قادمة تكون أكثر وعيا بمستقبلها ومصيرها .. ودعني أوضح رؤيتي في هذا الصدد في النقاط النقدية التالية :
1. القوائم اليوم مفتوحة وليست مغلقة كما كانت عام 2005 ، إن المغلقة ، عندي ، تعد جريمة لا تغتفر ، بحيث تسّلم السلطة التشريعية والتنفيذية أناس لم ينتخبهم الشعب العراقي بالاسم ! وصعدوا على أكتاف الآخرين ليهجموا بيت العراق ! اليوم ، افرز العراقيون منتخبيهم بالأسماء ، فعرفنا كم حصل كل مرشح من أصوات الشعب العراقي، برغم ادعاءات التزوير من قبل هذا أو ذاك .
2. إن دور المرجعية الشيعية لن يستخدم عام 2010 كالذي استخدم عليه عام 2005
، وكم مورست من خطايا باسم المرجعية في الانتخابات السابقة . وثمة من أراد أن يلعب لعبته ثانية ، ولكنه لم يستطع ، ذلك ان الاطمئنان بات كبيرا بزحف الملايين لاختيار الطائفة بديلا عن أي وطن !
3. لقد اتهمت عام 2005 من قبل بعض من يسمونهم بـ ” أهل السنّة ” وبالذات بعض ( أهل الموصل) بالعمالة والخيانة ـ سامحهم الله ـ ، لأنني خرجت عليهم عشية انتخابات 2005 ادعوهم من على شاشتي فضائيتي العربية والحرة إلى الذهاب إلى صناديق الاقتراع برغم كل بركان الدم هناك من اجل إحداث التوازن المطلوب ، ولكي لا تضيع حقوقهم الوطنية ، ولكن بعد أن عاشوا تجربتهم المريرة تحت طائلة الارهاب ، وطالهم التهميش ، ولعب بهم القتلة ، وعاث بديارهم الغرباء .. ذهبوا اليوم زرافات ووحدانا ، فكانوا اضاعوا اربع سنوات من ادوارهم الوطنية .. ليأتي احد ممثليهم بأكثر من ربع مليون صوت مرة واحدة ! ولأصبح رجلا وطنيا يدافع عن العراق ووحدته وحريته !
4. لم تقلل هذه الانتخابات من شأن احد في عام 2010 مقارنة بما فعلته انتخابات 2005 ، اذ اعتقد ان من له حق قد مارسه .. وكل من له حق اخذه برغم اختلافي مع الوسائل والاجراءات ، وحتى اغلب الاجندات التي اعلنت على الناس . لا يمكنني القول ان هذه الانتخابات كانت طائفية ، نظرا لكون الطائفية قد استقطبت باحزاب واسماء سياسيين نعرف كبارهم واحدا واحدا ، وقد فرز كل واحد منهم منذ زمن طويل .. نعم استقطاب طائفي لاسماء ارتهنت السلطة وتريد ان تجعلها مسجلة بالطابو باسمها ! نعم ضمن اسماء وليس ضمن قوائم واجندات وما خفي فيها كان اعظم . علينا الان محاسبة الاحزاب والاشخاص دون محاسبة الناخبين . علينا ان نسأل : من هو الطائفي من بين الكتل والأسماء الفائزة ؟ واذا كان زعيما سياسيا معينا قد سمّي طائفيا ، فلماذا اشترك الاخرون معه منذ سنوات طوال ؟
5. لقد سقطت كل العمائم في هذه الدورة ، الا ان كان هناك من عاد ليلبس عمامته ويطيل لحيته وينزع ربطة عنقه ، ويحمل سبحته ، وباصبعه خاتمه ، ولا ادري ان كان هناك بعض المعممين قد فازوا ؟ . اليوم ، تطايرت العمائم ، ربما بسبب القوائم المفتوحة ، ولكن تبقى للشعب كلمته في الذين رشحوا انفسهم هذه المرة وفشلوا .. معنى ذلك ان الانتخابات السابقة كم كانت تعيسة ، عندما يتصدر اصحاب العمائم المجالس الرسمية والتشريعية ويديرون لجنة كتابة الدستور وهم لا يمثلون ارادة الشعب ابدا ؟
6. ان المحاصصة الطائفية لا يمكن ان يقضى عليها بسنة او سنتين ، ولكن ستذوب مع الزمن ، ليس لأن الشعب العراقي سيصبح علمانيا ومتحضرا ومتمدنا في يوم وليلة ، ولكن لأن الظاهرة ستضعف يوما بعد آخر .. ولكنها لن تتلاشى وتختفي ابدا من وجود العراقيين ، فهي تسري بدماء اغلبهم ، ولكن سيختفي التمييز بزوال الاحزاب الدينية وممثليها من الوجود . انها ستزول عندما تزول الظروف التي خلقتها منذ سنوات طوال . ان العراقيين ليسوا بطائفيين ابدا ، ولكنهم سرعان ما يقلبوا ظهر المجنّ ، عندما يكتشفون ان أي ظاهرة صفقوا لها ، ورقصوا من اجلها ، قد انسحقت ومضت راحلة بلا رجعة .
7. ان الطائفية والتمييز الطائفي ظاهرة مقيتة ، لا يمكن القضاء عليها من خلال دورة انتخابية بل بحاجة الى زمن وتربية وسلوك ودستور مدني وإعادة تفكير .. قال لي احد الأصدقاء قبل أيام ، وهو طبيب جراح عراقي معروف : ما هي أولوياتك بالنسبة إلى العراق ؟ أجبته : الأمن الأمن الأمن ، لأن من خلاله ، ستحقق كل المنجزات الاخرى ، ومن دونه ستفقد كل الأشياء . قال : إنني أخالفك فالأولوية للوطنية . أجبته : الوطنية ظاهرة تاريخية لا يمكن أن تلدها امرأة في لحظة تاريخية معينة ، ولكن الأمن قد تفرضه حكومة معينة في ساعات من خلال الطوارئ واستخدام القانون . فالوطنية مثلها الطائفية ، فهي ظاهرة تاريخية ستحتاج الى جيل جديد تغسله التجارب ، وتعركه الاحداث ، وتأتي به الفاينات الى الطريق السوي .
8. هل تعتقد يا صديقي العزيز ان الشعب العراقي او أي شعب آخر يصنع ارادته من خلال مبادئه اولا واخيرا ؟ من قال ان العراقيين لا تلعب بهم عواطفهم ومصالحهم الذاتية والانية ، قبل ان تسّيرهم قيمهم ومبادئهم السياسية ؟ تأمل صورة مسيرة التظاهرة المليونية التي سارت في شارع الرشيد عام 1959 ، والتي كان يقودها الحزب الشيوعي العراقي ، وانظر ماذا حدث للحزب الشيوعي العراقي بعد خمسين سنة من النضال المرير ، وخصوصا عند اعتاب صناديق الاقتراع عام 2010 ؟ ماذا يدللّ ذلك كله ؟ بل ماذا سيقول كل العراقيين الوطنيين من مختلف التيارات والاتجاهات الذين رحلوا ، وقد استرخصوا دماءهم وارواحهم من اجل مستقبل العراق ؟
وأخيرا ، اتمنى للعراق والعراقيين نقلة نوعية قوية .. تجعلهم يتخلصون من كل رواسب التاريخ العقيم ، وتطلقهم الى العالم المعاصر جملة افكار ومشروعات تقدمها نخب عراقية ذكية ومستنيرة ونظيفة ولا تشتري الطائفية بكعب ابريج .. اتمنى ان تكون الحكومة القادمة قادرة على تحقيق الامنيات العراقية ، وتكون في خدمة العراقي
ين ، وتكون عند مستوى المسؤولية بنظافة كل عناصرها ، وقدراتهم ونزاهتهم .. من اجل تحقيق المشروع الوطني العراقي الذي ينتظره كل العراقيين المخلصين .
شكرا لكم ودمتم من اجل العراق والعراقيين .
سيار الجميل
في 24 مارس/ آذار 2010
نشرت على موقع الجيران ، 25 آذار / مارس 2010 ، ويعاد نشرها على موقع الدكتور سيار الجميل
www.sayyaraljamil.com
شاهد أيضاً
نقطة نظام ضد الفساد والمفسدين والفاسدين
ملاحظة : طلب مني عدد من الاصدقاء العراقيين ان اعيد نشر هذا ” المقال ” …