الحلقة 35
العمل القومي : البترول والزعامة
تزيد يا هيكل من استطراداتك قائلا: ” لكن هنا كان واضحا أمامنا.. ما كانش واضح أمامنا بالقدر الكافي لكن كان باين إن فيه صراع بشكل أو آخر بين الاثنين واحد.. وممكن قوي نقول إن النظرات حتى النظرة للعالم والعلاقة بالعالم كانت ممكن تعمل مثل هذا الخلاف، سعود أقرب للبداوة وهو يعني تقليدي قوي، لكنه فيصل كان أقرب إلي العالم الخارجي موجود في جدة ووزير خارجية وإلي آخره لكن في ذلك الوقت لما يتبدي لنا، لكن تركيز جمال عبد الناصر كان علي الملك سعود وأظن هنا.. يعني ممكن قوي نقول نشوف فيه حساسية نوع من الحساسية نشأت، الخطوة التالية في جمال عبد الناصر في تفكيره في ذلك الوقت أنه المغرب العربي لأنه إذا جاءت السعودية بإمكانياتها إلي العمل القومي فمعني هذا إنه البترول أصبح داخلاً في حدود العمل القومي، وقتها الخليج كله كان لسه بعيد وراء ستارة الاحتلال البريطاني.. ” ( نص هيكل).
تساؤلات من خلال تحليل النص
لا أدري لماذا يتحدث هيكل بصيغة الجمع: كان واضحا أمامنا؟ لا ادري من منح هيكل الحق في أن يجعل من نفسه واحدا من أصحاب القرار عام 1954-1955؟ إذا كان هيكل سكرتيرا صحفيا للرئيس عبد الناصر وقت ذاك، فهل كان واحدا من أعضاء مجلس قيادة الثورة؟ هل كان واحدا من الضباط الأحرار، حتي يمنح لنفسه الحق يتكلم اليوم باسم القيادة المصرية؟ حلو تعبيرك يا هيكل: ما كانش واضح أمامنا بالقدر الكافي، لكن كان باين إن فيه صراع بشكل أو آخر بين الاثنين.. هل كنت تحضر اجتماعات القيادة المصرية حتي تكون الصورة واضحة أمامكم؟ هل كانت القيادة المصرية تستشيرك انت في مثل هذه المسائل؟ إذا كنت تتحدث باسم الرئيس الراحل منذ أكثر من اربعين سنة، ولم يردعك احد حتي الآن، وقد قلت الكثير مما لا نعرف صدقه من كذبه، فليس لك الحق أبدا أن تتحدث باسم القيادة المصرية من منطق المسئولية عليها، وكأنك كنت تقود مصر، ولم يرأسها جمال عبد الناصر؟! وسواء كان فيصل احضريا وسعود ابدويا.. وأن هناك حساسيات أو نوع من الحساسية، فلماذا تمّ تركيز عبد الناصر علي الملك سعود ولم يرّكز علي الامير فيصل؟ كأنك تقول إن عبد الناصر قد اخطأ التقدير.. علما بأن علاقة الاثنين بالزعيم عبدالناصر لم تكن طبيعية ولا حتي مهادنة، كونهما اختلفا جملة وتفصيلا عن سياسة الرجل منذ أيامه الأولي وحتي رحيله. أما هذا المانشيت الذي تتذرع به والذي جسدته بالعمل القومي المشترك، فهو مجرد دعابة من دعاباتك البهلوانية، فالحقيقة تكمن في البترول الذي بلغ الطموح عند الرئيس عبد الناصر استخدامه في العمل القومي، وحسنا تذكر مواقف العراق، ولكنك الآن منشغل عنه بالسعودية، وسنأتي بعد قليل إلي العراق لنري اعترافك بالأخطاء التي مارستها وانت تطعن علي مدي سنوات في السياسة العراقية من دون أي فهم محدد لأوضاع العراق الجيوبولوتيكية والاقليمية والداخلية .. اما قولك فيما يخص الخليج كله كونه كان لسه بعيد وراء ستارة الاحتلال البريطاني، فهذا صحيح، ولكن محميات الخليج لم تكن بعد دولا بترولية في ذلك الوقت حتي تنشغلوا بها! واذا كانت وراء ستارة الاحتلال البريطاني، فما الذي يجعلك تسكت حيال الاستعمار في الخليج؟ ألم يكن الخليج ولم يزل جزءا من العمل القومي المشترك؟
العراق والسعودية : هل وقفا ضد العمل القومي العربي؟
السؤال : هل كان كل من العراق والسعودية كبلدين بتروليين قد وقفا ضد العمل القومي المشترك؟ فمن يقرأ هيكل يجد أن ذلك ” العمل ” قد تجسّد لدي الرئيس جمال عبد الناصر، علما بأن الرجل قد استلهم كل افكاره ومبادئه من تجارب غيره في هذا الميدان.. دعونا نقرأ ما قاله السيد تركي الفيصل رئيس مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية في محاضرته التي ألقاها في معهد العالم العربي في باريس… بعنوان ” الجزيرة العربية وفرنسا نظرة سعودية ” ونشرتها جريدة الحياة، قال: ” وأذكر أننا في المدرسة كنا نتبرع بريال سعودي من كل طالب لمصلحة الثورة الجزائرية. وعلت دعوة »تبرع بريال لنصرة الجزائر« لدي الشعب السعودي. كما وضع ريالاً سعودياَ إضافة علي سعر كل طابع بريد للغرض نفسه. وفعلت الدول العربية الأخري مثلما فعلت السعودية. لا بل إن المملكة موّلت شراء السلاح للثوار الجزائريين عن طريق مصر. لم يخف ذلك علي الحكومة الفرنسية، التي، ومنذ قيام إسرائيل في عام 1948، رمت بكل ثقلها لدعم الدولة اليهودية، ووفرت لها السلاح والمال، والتقنية النووية، والتي طوّرت القنبلة النووية بفضل الدعم الفرنسي. وفي عام 1956 دبّرت فرنسا بمشاركة إسرائيل وبريطانيا الهجوم علي مصر فيما عُرِف بحرب السويس. وقطعت السعودية علاقتها بفرنسا، بسبب تلك الحرب، ولم تعد العلاقات إلا بعد أن أنهي شارل ديجول الاحتلال الفرنسي للجزائر. فمثلما كان لاحتلال الجزائر أثره السيئ في العلاقات مع الجزيرة العربية كان لنيل استقلالها الأثر العكسي. فتحسنت العلاقات تدريجياً، وتوجت في اللقاء الخاطف الذي جري عشية حرب الأيام الستة بين الرئيس الراحل شارل ديجول والملك فيصل، رحمه الله. وكانت هناك المقولة الشهيرة لديجول، بعد اللقاء: (لقد فهمت من هذا الرجل في ساعتين عن القضية الفلسطينية ما كنت أجهله من قبل)، وأصدر ديجول تحذيره المعروف بأن فرنسا ستقاطع المبتدئ بالعدوان في الشرق الأوسط. ونفذ ديجول وعده فقاطع إسرائيل، وألغي كل صفقات السلاح المعقودة مع إسرائيل وسحب كل الخبراء الفرنسيين، الذين كانوا موفدين للعمل في إسرائيل. بعد أن كانت فرنسا دولة منبوذة في العالم العربي، أصبحت الآن الدولة الصديقة والحميمة لكل الدول العربية، خصوصاً في دول الجزيرة العربية، التي أصبحت بعد عام 1970 سبع دول مستقلة “(الحياة) 7 / 6 / 2008 .
مذكرات الدواليبي : اين قراءتك لها ؟
روى الدكتور معروف الدواليبي رئيس وزراء سوريا الاسبق الذي عاش بين 1907- 2004 ، وقد كتب في مذكراته المؤلفة من عدة اجزاء ، جزءا من لقاء مهم جرى بين الجنرال شارل ديجول والملك فيصل بن عبد العزيز قبيل حرب حزيران 1967 ، وكلنا يدرك مدى مصداقية الاستاذ الدواليبي الذي كتب في مذكراته ( ص 201 ) قائلا :
أنا لي تجربة مع الجنرال ديجول من يوم قضية استقلال سوريا ، فمع أنه كان محاطاً بعناصر يهودية صهيونية .. فديجول عندما يعرف الحقيقة يغيّر مواقفـه ، ولذلك كنت حريصاً على لقاء الملك فيصل بـه ، وألححت في ذلك وأصررت .. على اللقاء حتى كان الملك فيصل في زيارة لانجلترا ، ومنها إلى بروكسل ، وكان ديجول يرى ، ألا تكون هناك دعوة رسمية لفيصل ، وإنما يمر في طريقه بديجول ، فرفض فيصل وأصر أن تكون دعوة رسمية ، لذلك تجاوز الملك فيصل باريس إلى جنيف ثم عاد منها إلى باريس ، وفي اليوم الأول أو الثاني من حزيران (1967) كان لقاؤه مع الجنرال ديجول .. وبدأ الاجتماع بين الرجلين فيصل وديجول ومترجم .. وكان ان خرج فيصل من عنده ، وقد نجح بتغيير وجهة نظر ديجول وعاد ليتخذ قرارات قطع النفط عن اميركا ، فقامت المظاهرات فيها ، ووقف الناس مصطفين أمام محطات الوقود ، وهتف المتظاهرون : نريد البترول ولا نريد إسرائيل فانتصر بموقفه البطولي في قطع النفط أن يقلب الموازين كلها ( راجع مذكرات الدواليبي ) .
كنت اتمنى على هيكل ان يتدارس مثل هذا ” الموضوع ” من خلال الادبيات العربية ومن خلال المواقف العربية ، بدل التغريد لوحده واطلاق الاحكام التي تأتي دوما معاكسة لحقائق الموقف ، ومغايرة للتاريخ .
البترول أساس المشكلة
نتابع مع هيكل حيث يقول : ” ولكن اللي ظاهر من الدول البترولية وإمكانيات الدول البترولية هو السعودية والعراق.. والعراق كان ( (Alreadyكان موجودا في الساحة بشكل أو آخر، لكن السعودية كانت بعيدة والصراع الهاشمي السعودي شديد للغاية وأظن أنه من الأسباب اللي خلت السعوديين رحبوا جداً بجمال عبدالناصر في ذلك الوقت وهو في موسم الحج كان موضوع إنه خائفين.. مصر الملكية كان واضحا موقف الملك فاروق فين، في الصراع علي الخلافة، علي أي حال ما كانش واقف مع الهاشميين، لكن أما وقد ذهب الملك فاروق فهنا دخل السعوديون في الموضوع موقف مصر ما بين الدعاوي المتنازَعة، نخلي بالنا إنه مرات أسباب نزاع معين قد تزول موضوع الخلافة كان انتهي، لكنه العداوات الموجودة والناشئة سواء بسبب جذوره مطلب معين عند طرف إقليمي أو دولي أو محلي طلب معين تزول أسباب، لكن تبقي المواريث تبقي عناصر العداء والكراهية موجودة.”. ( نص هيكل ).
العراق والسعودية إزاء عبد الناصر
1 / الأكذوبة والنغمة المفلسة
ماذا أقول لهيكل بعد أن خبط عشواء هنا أو خبط رعناء هناك؟ ماذا أقول لكاتب كبير يدّعي المعرفة وقوة الذاكرة؟ ماذا اقول لرجل تيبس عقله علي مجموعة افكار خاطئة، وكان منذ خمسين ولم يزل يسوقها امام العباد العرب؟ في النص اعلاه مجموعة معلومات لا اساس لها من الصحة أبدا.. نعم، العراق والسعودية كانا هدفا حقيقيا كونهما يمتلكان البترول. ما معني كان العراق موجودا علي الساحة؟ نعم، كان العراق موجودا وفعالا ومقتدرا علي كل الساحة! وكان كل العالم يخطب ودّه يا هيكل! أي صراع علي الخلافة؟ أي خلافة هذه التي يتقاتل من أجلها الملوك العرب؟ هذه “الفكرة” الميتة التي تريد تسويقها علينا بالقوة يا هيكل.. هي مجرد اكذوبة! إن كان هناك صراع، فهو اليوم علي البترول! انه صراع يلبس لبوسات شتي وتحت شعارات ومسميات شتي.. كان صراعا دوليا وبدأ صراع اقليمي بين الدول العربية علي البترول. كن يا هيكل مرة واحدة واقعيا، واعترف بأن فجائع الامة لم تصنعها الا الشعارات الجوفاء! وهذه النغمة المفلسة التي تتغني بها منذ ازمان طوال حول الصراع الهاشمي السعودي كانت قد طويت تماما بين البلدين مذ التقي كل من الملكين فيصل الاول ملك العراق مع عبد العزيز آل سعود ملك السعودية، وكنت أتمني أن تراجع بعض المراجع العراقية ( التي سأثبتها في التوثيق) للتأكد مما اقول.
2/ تطور العلاقات العراقية ـ السعودية
ولكي أوضح ذلك علميا، وأدحض ما تقول، اقول: إن التوترات كانت طبيعية علي حدود البلدين عشائريا، كما هو موجود بين كل دول المنطقة.. ولقد عقدت في العام 1922، أي بعد اشهر علي تأسيس الدول العراقية عام 1921 معاهدة المحمرة لتحديد جنسية القبائل البدوية المتنقلة بين الحدود المشتركة، وتنظيم علاقات تجارية بين رعايا البلدين، ثم اضيف اليها بروتوكول العقير لتوضيح مساند الحدود ومحطاتها المشتركة، وكان أن وقع فيصل الاول ملك العراق تلك الاتفاقيات ولكن الملك عبد العزيز رفض التوقيع عليها بسبب توتر العلاقات بين الطرفين حتي التقي العاهلان العراقي والسعودي في 24 فبراير 1930 علي ظهر البارجة (لوبن) احدي قطع الاسطول البريطاني في مياه الخليج العربي، وقد نتج عن ذلك اللقاء التاريخي توقيع معاهدة صداقة وحسن جوار، وازالة الجفاء بين البلدين واعتراف كل منهما بالآخر ومنع غزوات البدو وتنظيم الحدود. وعندما اعلن الملك عبد العزيز توحيد نجد والاحساء وحائل والحجاز وعسير وغيرها من الاقاليم تحت اسم ” المملكة العربية السعودية ” اعترفت بها الحكومة العراقية مباشرة. لقد تمّ التوقيع علي معاهدة الاخوة العربية والتحالف الدفاعي وتوحيد مساعيهما في الرد علي أي اعتداء خارجي في شهر ابريل 1936. وفي شهر مايو 1938، عقدت معاهدة بين البلدين تتعلق بتابعية العشائر، كما تم الاتفاق علي ادارة المنطقة المحايدة بينهما، وكذلك تنظيم شئون الرعي وموارد المياه.
3/ المقاربة التاريخية
بعد وفاة الملك غازي بدأ نشاط جديد لتحسين العلاقات بين البلدين فقد تمت زيارات متعددة كان اولها زيارة نوري السعيد (رئيس الوزراء، آنذاك) إلي السعودية في نيسان 1940، وتم خلال تلك الزيارة التوقيع علي عدة اتفاقيات كان آخرها الاتفاق علي تأسيس جامعة الدول العربية والانضمام اليها عام 1945.. هذا التحسن الجديد في العلاقات واجه موقفا متشددا من قبل السعودية ضد ميثاق بغداد عام 1955 كونه بدأ بين العراق وتركيا ثم دخلت اليه بريطانيا وايران والباكستان.. ولكن بدأت صفحة جديدة من محاولات التقارب الكبير بين البلدين بهدف عزل مصر الناصرية التي وقفت ضد المملكتين العراقية والسعودية علنا.. وكانت زيارة العاهل السعودي إلي بغداد في مايو 1957 لتتبعها زيارة للملك فيصل الثاني إلي السعودية في نوفمبر من العام، نفسه تم خلالها التأكيد علي ضرورة توحيد الجهود لدرء التعديات والتطاولات التي تقوم بها مصر ووسائل دعايتها القوية من خلال صوت العرب ضد العراق والسعودية بالذات. وعليه، اقول إن ما يسوّقه محمد حسنين هيكل للعالم هو محض افتراءات لا اساس لها من الصحة التاريخية.. إن العداء القديم بين العائلتين الهاشمية والسعودية قد انتهت تماما منذ العام 1930، وان شكوك السعوديين بحلف بغداد عام 1955 قد زالت نهائيا، باعتراف الملك سعود بفائدة الميثاق علي العراق، فتّم التعاون بين البلدين في مكافحة ما اسموه بـ الافكار الهدامة داخليا وخارجيا. من هنا، وبناء علي هذا المبدأ، انطلق تأييد السعودية لمشروع ايزنهاور عام 1957، ووجدت السعودية نفسها مع كتلة العراق في تبني المشروعات الغربية التي كان يقودها نوري السعيد رئيس وزراء العراق إزاء المشروعات الثورية والانقلابية التي كان يقودها جمال عبد الناصر.. إن المؤرخين قاطبة يشيرون إلي أن العلاقات العراقية السعودية كانت علي طول الخط في تحالف حقيقي. وعليه، سواء اتفقنا مع سياسة عبدالناصر ام اختلفنا، أو اتفقنا مع سياسة نوري السعيد ام اختلفنا، فإن ما سجله هيكل هو محض هراء لا اساس له من الصحة أبدا.
الاستمالة
يتابع هيكل تسطيحاته ومفبركاته قائلا : ” لكن علي أي حال هنا كان فيه صراع علي مصر وأظن لما رحنا السعودية للحج جزء كبير جداً من الحفاوة اللي قوبل بها جمال عبد الناصر هو الرغبة في استمالة مصر، الحاجة الثانية.. لكن جمال عبد الناصر كان في ذهنه إنه البترول والاقتراب.. اقتراب السعودية من العمل القومي وإنه البترول يقرب علي حدود فلسطين بشكل أو آخر علي عكس.. أو إفشالاً للسياسة الأمريكية والبريطانية اللي هي عزل البترول تماماً عن قضايا العرب، الحاجة الثانية كانت المغرب العربي لأنه هنا كان فيه قوة عربية نائمة ومهمة جداًَ وإيقاظها مسألة كبيرة، قوة مصر الناعمة قبل 23 يوليو كانت جابت في واقع الأمر جابت كل المناضلين العرب من أجل استقلال المغرب سواء أمير عبد الكريم الخطابي، حبيب بو رقيبة كل الناس اللي كانوا بيكافحوا من أجل الاستقلال كانوا موجودين في جبهة المغرب العربي الموجودة في القاهرة في مقرها 8 شارع عدلي باشا وجاءت 23 يوليو وما بعدها وفي تفكير جمال عبد الناصر في الفترة اللي بدأ فيها يشعر إن هو بيولِّد النظام الجديد وإنه ما بقاش فيه مفر إنه يشيل المسئولية وعنده خطة للعمل العربي وهذه الخطة للعمل العربي موجودة، فيها مصر النموذج هأفكر ثاني، فيها مصر النموذج فيها السعودية والبترول، فيها الدفاع المشترك اللي في قلب العالم العربي.. ” ( نص هيكل ).
ماذا اقول لهيكل ؟
لا اعتقد أن الأنظمة العربية الحاكمة في الخمسينيات كان بينها صراع علي مصر التي تحوّلت من نظام ملكي إلي نظام جمهوري.. ومن سلطات تشريعية إلي سلطات ثورية.. ومن حكم مدني إلي حكم عسكري.. لم يكن عبد الناصر في ذلك الوقت قد ثبّت قاعدته الشعبية ولا قاعدته في الحكم! لم يكن قد نزع عنه ملابسه العسكرية وتحوّل إلي رئيس مدني لمصر.. كانت مصر في تلك المرحلة غير مكتشفة من قبل تلك الأنظمة الملكية في كل من العراق والسعودية والاردن وليبيا واليمن.. ولم يزل كل من الخليج العربي شرقا والمغرب العربي غربا يعاني من هيمنة البريطانيين والفرنسيين. الحفاوة التي قوبل بها عبد الناصر وهو يحج هي من قبيل الأعراف الشائعة بالمحتفين، ولا اعتقد أبدا أن ثمة رغبة كانت في استمالة مصر بدليل ما كانت عليه السياسة الخارجية السعودية وما عرف عن الملك سعود من جولات عربية لبلدان عدة في كل من عامي 1956 و 1957 منها : العراق والأردن ومصر وليبيا وتونس والمغرب. ويبدو أن اثارة عبد الناصر لمسألة البترول قد سببت بولادة حساسيات بقيت مستمرة ومتفاقمة بين مصر والسعودية حتى نهاية عهد عبد الناصر..
نشرت على جريدة روز اليوسف المصرية ،العدد 1435 – الاثنين – 15 مارس 2010
، ويعاد نشرها على موقع الدكتور سيار الجميل
www.sayyaraljamil.com
وأيضا على صفحة تجمع الدكتور سيار الجميل
http://www.facebook.com/group.php?sid=ef680591def239dac31065b4f16482c3&gid=48810538237
ملاحظة : لا يسمح بإعادة النشر تحريريا أو الكترونيا ، إلا بترخيص خطي من المؤلف والناشر .
الحلقة 36
صوت العرب من القاهرةتابع لما مضى ذكره ؟
هنا أسأل: ألم يدرك عبد الناصر أن البترول في كل مكان عربي لا يمكنه أن يمر، إلا من خلال شركات عالمية؟ هل باستطاعة أحد توظيف البترول العربي لأي مسائل قومية وأي عمل قومي، والبترول ليس بأيادينا العربية؟ هل المسألة لعبة أطفال في أن تمنحني أشياء غير مسيطرين عليها، وإذا لم تمنحني ذاك أزعل عليك!؟ هل من البساطة بمكان أن نبقي حتى بعد أكثر من خمسين سنة نعيش أوهاما وخيالات كوننا نفشل مخططات السياسة الأمريكية والبريطانية؟ وهل تعتقد يا هيكل أن ما حدث من انقلابات عسكرية في النصف الثاني من القرن العشرين كانت تمثل ارادات حرة في كل البلدان العربية؟ أم أنها جميعا صناعة أمريكية من دون استثناء؟
إن البترول لم يعزل عن قضايا العرب أبدا، فلقد وقف العراق منذ الخمسينيات مواقف إيجابية إزاء تحرر بلدان المغرب العربي، ودوره كبير في القضية الجزائرية منذ العام 1954 وباعتراف الجزائريين أنفسهم.. إن كانت القاهرة يا هيكل الأم الرءوم للقضايا العربية طوال القرن العشرين، فعليك ألا تنسي أدوار عواصم عربية أخري لإثراء تلك القضايا من أجل التحرر والتقدم.. لا تنس دور بغداد أبداً مهما كان نظام الحكم فيها ملكيا كان أم جمهوريا.. لا تنس أو تتناسى دور دمشق بكل ما حفل به من تحديات.. لا تنس دور بيروت إزاء اثراء الوعي.. لا تنس دور تونس وليبيا والمغرب في الثورة الجزائرية.. لا تنس ادوار آخرين في ثورة ظفار.
إن العشرات بل المئات من المناضلين والطلبة التوانسة والجزائريين والمغاربة كانوا قد توزعوا في كل من القاهرة وبغداد ودمشق للعمل السياسي والدراسة. صحيح أن الرئيس عبد الناصر قد وقف وقفاته المشرفة إزاء الجزائر، ولكن علينا ألا ننسي أدوار المثقفين والمبدعين والشعراء والفنانين العرب قاطبة.. سواء كانوا عراقيين أو مصريين أو سوريين أو لبنانيين وغيرهم من قضية الجزائر وثورتها التي أيدها الجميع. قليلا من الإنصاف يا هيكل، فالتاريخ لا يصنعه الفرد مهما بلغت درجة بطولته، ومهما بلغت مراقي قداسته.. التاريخ تصنعه الشعوب والعرب يدركون معني العمل القومي منذ بداياته الأولي في سوريا والعراق، ثم تطور نزعته الساخنة من خلال المنتديات والجمعيات والصحافة والثقافة في العراق إبان الثلاثينيات والأربعينيات وحركة 1941 القومية في العراق هي التي استمد منها الثوار العرب، ومنهم جمال عبد الناصر وأنور السادات ـ كما كتب الرئيس السادات ذلك في مذكراته ـ دروسا وعبرا حتى سموه (بروسيا العرب)، وصولا إلي انبثاق الأحزاب الثورية والاشتراكية العربية في الأربعينيات، ووصولا إلي الخمسينيات وتبلور الحركة الناصرية جنبا إلي جنب ولادة البعثيين منذ العام 1948 في سوريا، وانبثاق حركة القوميين العرب في لبنان بعد الذي حصده عبد الناصر عام 1956.
صوت العرب من القاهرة
ينتقل هيكل للدفاع عن إذاعة صوت العرب مع اعتراف منه بمثالبها، قائلا: “في ذلك الوقت بدأ نداء مصر يصل إلي المغرب العربي عن طريق صوت العرب، أنا عارف إن صوت العرب فيه ناس كثيرة قوي عملوا عليه حملات، لكن أنا بأترجي الناس تفرَّق كثيراً قوي، يعني أنا.. فيه بعض الأشياء أنا مش معجب بها في صوت العرب، لكن عايز أقول إن صوت العرب في لحظة من اللحظات خصوصاً في هذه الفترة من التاريخ.. مرات إحنا بنحط كل المراحل مع بعضها ونحكم بآخر حاجة شفناها بآخر مشهد شفناه، لكن صوت العرب عمل دوراً في يقظة المغرب العربي بالتحديد وفي مقاومة الاستعمار في الخليج وفي الجنوب العربي في اليمن وفي مخططات حلف بغداد فيما بعد، دور لا يعوض ولا ينسي..” (انتهى النص).
دعني أحاججك يا هيكل، وأنا لست من الناس الذين كما وصفتهم ” بنحط كل المراحل مع بعضها ونحكم بآخر حاجة شفناها..”، بل أدرك ادراكا علميا وتاريخيا سمة كل مرحلة من المراحل. ولم أزل أصغي لإذاعة صوت العرب حتى يومنا هذا، ولكن شتان بين إذاعة يسيرها العقل والعقلاء، وبين إذاعة كان يسّيرها المجانين! نداء مصر كان يصل إلى المغرب العربي ليس عن طريق صوت العرب وحده، بل كان صوتها يصل إلي كل بقعة عربية وغير عربية في المنطقة.. كونها واسطة العقد الثمين.. ودور مصر مركزيا بدليل أنها ضمت مؤسسة جامعة الدول العربية منذ العام 1945.. وأن مصر لم تكن مركزا سياسيا فقط، بل كانت مركزا ثقافيا وعلميا وإعلاميا وفنيا.. كانت مصر قد نشرت نفسها في المنطقة منذ عهد الملك فؤاد الأول.. وكان أشهر الفنانين والأدباء فيها قد زاروا جملة من البلدان العربية وتغنوا بها.. لقد تغّني الموسيقار عبد الوهاب بنهر دجلة والملك فيصل الأول منذ العشرينيات في القرن العشرين.. وكان للإمام محمد عبده دوره في تونس والجزائر.. وكان أمير الشعراء قد زار تونس والجزائر.. كان الوعي المغاربي بالعروبة قد تبلور منذ زمن بعيد من القرن العشرين.. وكانت الأحزاب الجزائرية، وخصوصا الراديكالية منها قد طرحت الأسلوب الثوري قبل الخمسينيات..
وماذا ايضا يا هيكل ؟
لا أقلل من شأن إذاعة صوت العرب في الإثارة ومتابعة الثوار، ولكن لا يمكن لإذاعة صوت العرب أن تحتكر تاريخ العلاقات العربية المغاربية.. ولا يمكن لأي مسئول عربي أن يحتكر ذلك التاريخ باسمه أيضا.. كنت أتمني عليك يا هيكل أن توضح لقرائك وسامعيك ومشاهديك ما هي الأشياء التي لم تعجبك في صوت العرب حتى تكون منصفا؟ ما الأشياء تلك يا تري؟ الأكاذيب الرخيصة، أم التحريض علي العنف، أم الشتائم المقذعة، أم الشماتة بمصير عوائل مالكة حيث سحلت أجسادهم في الشوارع.. أم إذاعة البيانات المفبركة؟ أم الادعاء بالانتصارات الوهمية؟ أم اذاعة الشعارات الطوباوية؟ أو التهريج لمهرجات الموت؟ ما الأشياء التي اعترضت عليها ولم تقلها؟ كنت أتمني عليك وقد أمضيت تجارب عدة لأكثر من خمسين سنة أن تدين تاريخيا وبشكل سافر وعلني بلا خوف ولا وجل ما قامت به إذاعة صوت العرب.. ما مبلغ الضرر الذي لحق بالعرب كلهم جراء ما فعلته من غسل للأذهان وتمويه للعقول؟ كان عليك أن تقول كلمة للتاريخ وتدين مرحلة تاريخية عشناها بكل افتراءاتها وشعاراتها وبكل كبريائها وشموخها.. كان عليك أن تكون منصفا وحياديا بين زمنين اثنين.. زمن أوهمونا بأنه عظيم وثوري ونظيف واستقلالي وتقدمي واشتراكي وقومي.. وزمن ولد في مخاضه وهو يحمل كل الأمراض والفاقة والعوز والتشتت والدكتاتوريات وحكم الافراد مع التمزق وضياع الهيبة وانحدار الأخلاق.. ابعد هذا نبقي نطبّل ونزمّر لإذاعة عريقة لها تاريخ عربي، ولكنه مغرق بالأخطاء مع احترامي لها اليوم، وقد كنت ضيفا عليها لأكثر من مرة قبل سنوات.
مخاض صوت العرب
كنا نسمع صوت العرب عندما كنا أطفالا.. وتكاد تكون أشهر إذاعة عربية تبث من قلب القاهرة، وهي تبشّر بالقومية العربية التي يعد جمال عبد الناصر رائدها.. وهي لم تكن تذيع بياناتها وإعلاناتها وبرامجها وأخبارها من دون علم السلطات المصرية، وبالذات بتوجيه خاص من الرئيس عبد الناصر.. وعندما انطلقت عام 1953، كانت توجه نداءاتها التحررية إلي الشعوب المستعمرة، وبالذات في المغرب العربي، ولكنها في العام 1955، بدأت تتخذ لها مسارا آخر، إذ كانت تهاجم ليل نهار الأنظمة السياسية العربية التي لم تنسجم وأفكار عبد الناصر التحررية الثورية.. دعوني هنا أتوقف عند هذه الظاهرة التاريخية التي شغلت حيزا كبيرا من تفكير العرب ومشاعرهم ونزوعاتهم السياسية.. بل كان لصوت العرب تأثير بالغ في قيام انتفاضات ونشوب انقلابات واندلاع ثورات.. ولكنها انتكست بشكل عميق عام 1967.
كانت إذاعة صوت العرب محطة مصرية تبث من القاهرة، وقد تم إنشاؤها في 4 يوليو 1953، أي علي عهد الرئيس محمد نجيب الذي خالفه جمال عبد الناصر، وتّم اقصاؤه وحدد إقامته الجبرية في منزله وتسلم مقاليد الحكم لوحده في 14 نوفمبر 1954. لقد لعبت صوت العرب دوراً دعائيا بارزاً في بث خطب الرئيس عبدالناصر واجراءاته الداخلية، ثم التفت إلي قضايا تحرير شمال أفريقيا وعدن في جنوب اليمن.
لقد كانت صوت العرب الاداة الحقيقية لشهرة عبد الناصر في عموم البلدان العربية، ولقد غدت المعّبر السياسي له.. وكان يتابعها بنفسه يوما بيوم، ويزيد من امكاناتها.. فكان أن دعت إلي افكار التحرر والنضال والقومية العربية ومحاربة الاستعمار وما سمته بالرجعية. كان تأثيرها يزداد قوة يوما بعد يوم، كونها غدت الصوت المعّبر عن الضمير القومي، وخصوصا عندما كانت تعلن عن صوت مجاهدي الجزائر والمغرب وتونس وتوجيه رسائل مشّفرة من خلالها إلي جبهات الحرب.
ومنذ العام 1955، بدأت صوت العرب تستخدم اللغة الجارحة والتعابير الكاريكاتيرية ضد الحكام والملوك الذين لا تتوافق آراؤهم مع الرئيس جمال عبد الناصر.. لقد كانت صوت العرب سوطا ألهب مشاعر الناس ضد أنظمة حكم متعددة إبان الخمسينيات، وخصوصا ضد العراق والأردن والسعودية.. ولم يقتصر الأمر علي أنظمة ملكية فقط، بل راحت تسّب وتشتم أنظمة جمهورية قامت في العراق وسوريا وغيرهما. وكان صوت مديرها أحمد سعيد ينتشر في الآفاق ليدخل كل بيت وكل زقاق! كما ساهمت في مباركة الوحدة المصرية السورية، وتهييج العواطف القومية.. كانت أيضا ضد إسرائيل ومن كانت تسميهم بعملاء إسرائيل.. كان أحمد سعيد يعّلق تعليقات جارحة ويشمت بمن يقتل أو يسحل أو يعدم.. كان يؤجج الشارع السياسي علي درجة من القوة والاحتدام.. كلّ في بلده أو مدينته. قيل أن الزعيم الركن ناظم الطبقجلي ( من أشهر القادة العسكريين العراقيين ) اشتكي لزوجته التي كانت تزوره في السجن، وأن توصل رسالة إلى عبد الناصر تترجاه أن يخفف المذيع أحمد سعيد في إذاعة صوت العرب من شتم رئيس الوزراء العراقي عبد الكريم قاسم باسم الدفاع الإذاعي عن ناظم الطبقجلي الذي اعدم عام 1959. وكل العراقيين يتندرون حتى يومنا هذا أن المذيع أحمد سعيد أذاع في يوم من الأيام مهتاجا وهو يدافع عن شرف المناضلة القومية حسنة ملص في العراق.. ونبين للحقيقة ، كما يعرفها كل العراقيين اليوم ، أن بعض العراقيين الذين كانت تثيرهم تعليقات صوت العرب ، قد أرسلوا رسالة إلى أحمد سعيد وطالبوه باسم الشرف العربي ان يدافع بإباء عن هذه المرأة المجاهدة، ولم تكن حسنة ملص إلا إحدى أشهر العاهرات والقوادات في العراق!
صوت العرب: سلبياتها أحرقت إيجابياتها
ولكن جاءت نهايته بعد الأكاذيب التي بثها علي أمواج الأثير في حرب 1967، وشاركه الأستاذ هيكل بالمانشيتات العريضة على صفحة الأهرام، ولم يكتشف الناس تلك المفبركات إلا بعد زمن قصير، وخصوصا بعد أن تكشفت حقائق الفاجعة التاريخية الكبرى.. إن صوت العرب قد هدأت منذ تلك اللحظة التاريخية، وإذا كان عبد الناصر قد أخرج احمد سعيد من إدارته لها، إلا أن الإذاعة نفسها بقيت حية ومخصبة ولقد تميزت بعد ذلك بهدوئها وطبيعتها المسالمة إزاء كل الأطراف. وكنت أتمنى على هيكل أن يقف وقفة مطولة عند إذاعة صوت العرب، ويعترف اعترافا حقيقيا بالأخطاء التي اقترفتها إذاعة صوت العرب إلي جانب الإيجابيات التي مارستها بقوة ونصاعة.
يقول الصحفي المخضرم سمير عطا الله وهو ينتقد محمد حسنين هيكل: “لا يجوز ـ وفق مبادئ التاريخ ـ أن يكون الرجل المطّلع والمضطلع، انتقائيا. لا في اختيار الوثائق والنصوص، ولا في إعادة قراءة ما يعرفه تماما من التاريخ. أي مجموعة المحادثات (والمعاهدات) التي عقدها الملك فيصل مع الرئيس جمال عبد الناصر، حول العلاقات الثنائية، ومن ثم حول اليمن. وجميع تلك المحادثات والمعاهدات تثبت أن الملك فيصل رمي إلى إقامة أفضل وأعمق علاقة مع مصر، وقوبل دائما بصوت أحمد سعيد الذي جعل نفسه “صوت العرب”… وكان الرد عليه دائما في صوت أحمد سعيد، بل القي عبد الناصر نفسه خطبا تجرح تجريحا شخصيا في فيصل بن عبد العزيز وفي لحيته وفي قضايا أخري” (الشرق الأوسط، 1 فبراير، 2008).
أحمد سعيد : من يكون؟
إذاعي مصري شهير وصحفي قديم، ولد عام 1950، فهو من جيل محمد حسنين هيكل، لكنه حاصل علي شهادة حقوق عكس هيكل الذي لم يحصل علي أي شهادة. وكان أحمد سعيد قد التحق بالإذاعة بوصاية من استاذه د. حامد زكي المحامي، فاشتغل عام 1950 سكرتيراً قانونياً لمدير الاذاعة المصرية. قدم أول برنامج اذاعي سياسي عام 1951، وكان بيده الميكروفون أيام العمليات الفدائية عند قناة السويس قبل 23 يوليو، وسمع الملك فاروق مطلع عام 1952، فأسند إليه بواسطة سكرتيره كريم ثابت التغطية الإعلامية لجريمة قتل الراهبة سستران التي قتلت خطأ ضد البريطانيين عند القناة، ولكن ظروفا صعبة منعته من العودة للقنال. أبعد عن عمله في الإذاعة إثر حريق القاهرة نهاية يناير 1952 رفقة طاقم من الإذاعيين، حتى مايو 1952 إثر اتهامه باثارة الجماهير علي الفوضى. ويقال إنه التقي عبد الناصر بعد 23 يوليو عندما كان عبد الناصر مديرا لمكتب محمد نجيب… وقد اعتمد عليه وعلي برنامجه في صوت العرب، وطلب منه عبد الناصر أن يلتفت إلي الشئون العربية عبر صوت العرب. ويبدو أن علاقته قد ترسخت مع جمال عبد الناصر قبيل تسلمّه السلطة في مصر عام 1954.
لقد قرأت أنه لم يبرئ نفسه من الكذب والمبالغة بانتصارات وهمية كان يذيعها علي الناس إبان حرب 1967 التي ألحقت بالعرب هزيمة نكراء، وهو لم يغسل يديه من صنع تلك الهزيمة.
مقارنة بين موقفين: بين هيكل وأحمد سعيد
بالمقارنة مع هيكل، الأمر يختلف، فالاخير لم يعترف بأخطائه التي ارتكبها عام 1967، ودوره في كتابة مقالات وعرض مانشيتات كاذبة لا اساس لها من الصحة ابدا! أحمد سعيد يقول: لم أبرئ نفسي، ولكن ما دور الإذاعة؟ متسائلا: هل هي جزء من الدولة.. أم هي جزء منفصل عنها.. أم هي جزء من نسيج متكامل؟ ويبرر فعلته بمهمة الاعلام تكمن بالحفاظ علي نوع من أنواع التماسك للجماهير داخل مصر وخارجها. الأمر مختلف عند هيكل الذي لا يريد الاعتراف بحجم الكارثة ابدا، ومساهمته في صنعها اعلاميا ودعائيا ! أحمد سعيد يستفهم متسائلا : هل كنت استطيع رفض اذاعة البيانات العسكرية؟ أو أن أقول إنها بيانات كاذبة؟ أنا كنت جنديا، ينفذ أوامر القيادة. إنه بالمقارنة مع هيكل أجده يختلف تماما، فهو يعتبر نفسه جنديا ويستلم أوامر، في حين هيكل لا يعتبر نفسه جنديا، بل يعتبر نفسه منظرا ومخططا ويرسل بالأوامر التي تنفذها القيادة وعلي رأسها عبد الناصر! هذا هو الفرق بين أكبر رجلي إعلام علي عهد الرئيس عبد الناصر! أحمد سعيد لا يزعجه أنه القي بيانات كاذبة وصلته، ولكن أزعجه أنه عاش هزيمة نكراء لم يعقبها أي انتصار سياسي كما حدث عام 1956.. في حين لم ينزعج هيكل من تلك الفجيعة ابدا.. بل حولها من هزيمة إلي نكسة.. ولم نخسرها حربا، بل خسرناها معركة! الفرق بين الرجلين أن الأول أكثر مصداقية من الثاني! بل ويتهم الأول الثاني بقوله: “قضيتي الشخصية لا تهمني، فنحن جميعا إلي زوال، خاصة أن جميع الصحف كذبت معي، ولم اكذب بمفردي، ولا أعرف لماذا ينسب إلى وحدي الكذب”! وإذا كان الإذاعي الشهير أحمد سعيد قد قدم استقالته في يونيه 1967 مع نفيه وصفها إقالة أو اجباراً علي الاستقالة، إلا أن هيكل قد تمادي بعد الهزيمة، ولم يقدّم استقالته حفاظا علي كرامته وشرف مهنته ! يقول احمد سعيد: “إنني قلت الحقائق بصوتي، عن هزيمة يونيه 1967 للجماهير العربية، في 13 يونيه 1967. وكان هذا بداية الصدام أو الخلاف مع الرئيس عبد الناصر، لأنه بعد ذلك فرضت علي رقابة، بحيث لا أذيع شيئاً دون مراجعته”، ويضيف: “كانت وجهة نظري مفادها، أن الهزيمة ليست هزيمة جيش، ولكن هزيمة نظام، وهذه الرؤية أزعجت الرئيس عبد الناصر، ووقعت عدة تداعيات، وصلت إلي أن صورة البطل في عيني لم تبق كاملة، وفهم الرئيس عبد الناصر ذلك، فكانت هناك استحالة، فكتبت استقالتي”. هذا الرجل هو غير هيكل.. انه اخطأ واعترف، بل لم يقتصر الأمر علي ذلك، بل حدث لديه انفصام بين رؤيته للأمور وبين رؤية جمال عبد الناصر.. لقد اختار أن ينعزل في حين ازداد محمد حسنين هيكل ارتقاء وتماديا، ليس علي عهد عبد الناصر وحده، بل علي عهد الرئيس أنور السادات، ويبدو أن الرئيس السادات كان يدرك من يكون هيكل..
نشرت على جريدة روز اليوسف المصرية ، العدد 1437 – الأربعاء – 17 مارس 2010
، ويعاد نشرها على موقع الدكتور سيار الجميل
www.sayyaraljamil.com
وأيضا على صفحة تجمع الدكتور سيار الجميل
http://www.facebook.com/group.php?sid=ef680591def239dac31065b4f16482c3&gid=48810538237
ملاحظة : لا يسمح بإعادة النشر تحريريا أو الكترونيا ، إلا بترخيص خطي من المؤلف والناشر .