هذه ” دعوة ” جديدة من اجل التغيير الذي بات ضرورة حياة أو موت ، بالنسبة لكل العراقيين الذين يعانون ما آلت إليه الاوضاع الداخلية .. ولأنه ليس من أداة حقيقية لانتشال العراق من كبوته التاريخية ، إلا بدائل تشريعية عراقية متاحة ، يقوم بها عراقيون يمتلكون قدرا من الوطنية والمسؤولية والذكاء .. ولهم رؤيتهم البعيدة في ما يمكن عمله ، بعيدا عن الصراعات الدموية من اجل السلطة . لقد غدت ” السلطة ” هدفا للهيمنة والنفوذ والاستغلال ، لا وسيلة براغماتية ونظامية من اجل خدمة البلاد وأهلها . ربما لا تنفع كل البدائل المتاحة ، ذلك أن العراقيين قد تعبوا جدا من حمام الدم الذي يطالهم كل يوم ، إضافة إلى كونهم ما زالوا يعانون الأمرين من فقدان الأمن ، وانعدام الخدمات وانتشار الفساد .
إن المخاطر لم تزل تحيق بالعراق ، ما دامت هناك ورقة انتخابية ستمنح على أساس طائفي أو عرقي أو عشائري قبلي .. بعيدا عن أي نزعة وطنية أو سياسية أو تحديثية .. وستبقى الأمور معلّقة بين الحياة والموت ، ما دامت ثمة انحيازات لهذا دون ذاك ، وما دامت ثمة أجندة تعمل على أساس محاصصي وانقسامي بين أحزاب الطوائف والأعراق .. لقد كان ذلك ولم يزل يثير القرف والاشمئزاز ! إن كل المرشحين للانتخابات العامة لم يقدم احدهم حتى الآن أي مشروع عمل من اجل مستقبل العراق ، ولا أي خطاب للناس يعدهم بالعمل على خدمتهم من اجل كسب ولائهم .. انه ما دام قد جعلهم رهانا له كي يأتي إلى السلطة من خلال كل العفونات المذكورة .. فما باله يقدم أي مشروع من اجل التشريع ؟
ان عددا كبيرا من المثقفين العراقيين ، بما فيهم عدد من الذين يسمون أنفسهم بديمقراطيين وعلمانيين .. قد تغيرّوا كي يصفقوا للأغبياء ، بل ويصطفّوا مع هؤلاء الساسة المتحزبين الذين ما زالوا على نهجهم السياسي وسعيهم للسلطة بأي ثمن ، باسم الديمقراطية ، علما بأنهم لم يقدموا شيئا حقيقيا لانتشال العراق من مصائبه ، كما أن نهج المحاصصة الطائفية لم يزل موجودا من دون أي زحزحة عنه أو أدنى تململ منه ! وهناك نهج التعميّة على الفساد ، لم يزل موجودا من دون أية حلول تقنع الناس بأية إصلاحات ! فضلا عن نهج الدعايات المضادة ، إذ لم يزل ساري المفعول بين الفرقاء ! إن ثمة مشكلات قد زادت اليوم ، بتحّول جملة كبيرة من الناس ، ليكونوا أكثر قناعة بهذا المسار ، وحجتهم دفاعهم عن الديمقراطية .. إذا كان بعضهم قد وقف ضد الأسس التي بنيت عليها العملية السياسية ، وباختصار ، ضد بعض البنود التي تضمنها دستور البلاد ، والتي أضرّت بالعراق ضررا بالغا .. فهل تغيّر أي شيء في هذا الدستور نحو الأصلح ، حتى يتغير الناس الذين يؤمنون بالديمقراطية حقا ؟ وإذا أخذوا اليوم يطبلون ويزمرون لهذا الطرف أو ذاك ، فهل جاء ذلك عن قناعات راسخة ، بأن ثمة تحولات جذرية قد حدثت ، أم أنهم أصبحوا يعتقدون بكل ما يقوله هذا أو ذاك ؟ وإذا كان النهج الطائفي يسلكه أغلب السياسيين ، فلقد أخذ العديد من المثقفين ينهجون نهجا طائفيا واضحا .. ليس لأنهم يؤمنون بالديمقراطية ، بل كونهم تخندقوا طائفيا مع هذا ” المسار ” أو ذاك !
لقد كانت ” الطائفية ” ولم تزل حتى اليوم سّبة عراقية لهذا الخصم أو ذاك .. فما أن اختلف معك ، حتى وصمك بالطائفية .. لقد أصبح هذا ” المصطلح ” مستهلكا في سوق النخاسة السياسية العراقية . إذا كانوا يدينون ما جرى في الانتخابات التشريعية السابقة بوصول أناس لم يمثلوا العراقيين اصدق تمثيل ، فما الذي حدث حتى يزيدوا اليوم من تخندقاتهم السياسية ، بل ويساهموا في نشر الأكاذيب والشعارات السياسية ، باعتبارها حقائق ثابتة ؟ إذا كانوا حياديين في الوقوف كمراقبين ومحللين ودارسين ومنتقدين .. فعلا ، فهل غدت مهمتهم اليوم منحصرة في الترويج السياسي ، في حين لم يتغّير أي شيء باستثناء انسحاب الأميركيين من الشوارع ؟ وكلنا يعلم ما ضماناتهم من مستقبل العراق إن انسحبوا عن ترابه .
ثمة بدائل تشريعية أربع ، اختزلها في الآتي :
أولا : سلطة تشريعية قادمة ، يمثلها نواب يتصفون بوطنيتهم ، وبقدرات عالية وحسن اختيار حكومة عراقية ذكية ونزيهة ، ولها قوتها المركزية ، ويرفضون المساومات ، ويترجمون التشريعات على ارض الواقع .
ثانيا : تشكيل هيئة عليا لإصلاح الدستور ، أو بالأحرى تغيير الدستور الحالي إلى دستور مدني غير انقسامي ، يمّثل مصالح العراق والعراقيين قاطبة ، ويتضمن تقويم حقيقي بتصحيح للمسيرة المحاصصية والتوافقية الحالية . شريطة أن تتكون الهيئة من رجال القانون الدستوري المستقلين غير المرتبطين بأي حزب من الأحزاب السياسية .
ثالثا : تأسيس مجلس أعيان أو شيوخ يتألف من 30 عضوا عن ثلاثين مليون من السكان ، ويتفق على تسميتهم شعب العراق يمثلون أطيافه قاطبة ، ويكون أعضاؤه من ابرز رجالات العراق الكبار الذين لهم معرفة بمفاصل الدولة وشرائح المجتمع ، كي يكون صمام أمان للشعب العراقي لغربلة كل ما يصدر عن مجلس النواب . ويكون هو المجلس الذي يقر القرارات والقوانين قبل المصادقة عليها من قبل مجلس الرئاسة .
رابعا : إعادة النظر في كل السياسات والقوانين التي أصدرها المجلس النيابي السابق ، وبعضها لا يمكن العمل به أبدا ، كونه يمثّل مصالح فئوية ، أو جهوية ، أو طائفية ، أو شخصية . فضلا عن المطالبة بكشف كل ظواهر الفساد ومحاكمة المتسترين عليها .
نشرت في البيان الإماراتية ، 13 يناير 2010 ، ويعاد نشرها على موقع الدكتور سيار الجميل
www.sayyaraljamil.com
شاهد أيضاً
نقطة نظام ضد الفساد والمفسدين والفاسدين
ملاحظة : طلب مني عدد من الاصدقاء العراقيين ان اعيد نشر هذا ” المقال ” …