الرئيسية / الشأن العراقي / الانتخابات العراقية: تشريعيّة أم سياسيّة ؟

الانتخابات العراقية: تشريعيّة أم سياسيّة ؟


مقدمة : نيابة شعب ام عضوية حزب ؟
لقد تأجلت الانتخابات العراقية لأكثر من مرة ، حتى غدت في شهر آذار / مارس القادم ، وبقدر ما يزداد الصراع السياسي بين الفرقاء ، فان الحرب ضد العراقيين ازدادت بأبشع ما يمكن تصّوره ، وبقدر ما يدافع هذا عن مصالحه ، بقدر ما يحارب ذاك خصومه .. قد لا يدرك كل العراقيين ما يجري في بلادهم ، ولكن الناس تبقى متعلقة بالآمال التي يعدهم بها هذا ، او التي يتشدق بها ذاك .. ولم تبق المشكلة ( أو : سلسلة المشكلات ) منحصرة بين السياسيين المعروفين منذ سبع سنين ، بل امتدت إلى أن تشمل النخب المثقفة ، سواء في الدواخل أو المهاجر القريبة والبعيدة .
إن من حق كل عراقي أن يؤمن بما مطروح من آراء ووجهات نظر ، ومن حقه أيضا ، ان ينتخب من يريد ، ولكن ليس من حق أحد أن يساوم على قضية الشعب العراقي ، إذ انتقلت المشكلة بين الانتخابات السابقة واللاحقة من دفاعنا عن وطن جريح ومسحوق إلى دفاع عن سياسات معينة ! هنا ، دعوني أعالج طبيعة ما يدور في التفكير العراقي اليوم ليس عند الساسة المعروفين لنا منذ سبع سنين ، بل عند النخب المثقفة التي تتابع الشأن العراقي كل يوم يمّر .. ولكن ضمن الافتراقات التي يعلنها السياسيون ، والكل يدور في دوامات محددة يدركها كل من له أجندة معينة سواء كانت أمريكية ، أو بريطانية من جانب ، أو كل من له علاقات بهذا الطرف الإقليمي او ذاك.
والسؤال التي افترضناه من اجل البحث عن إجابات حقيقية عنه : هل الانتخابات العراقية تشريعية تتخذ طريق الديمقراطية وسيلة وهدفا ، أم أنها مجرد ” تظاهرة سياسية ” في الصراع على السلطة ، وان الديمقراطية مجرد وسيلة دعائية من اجل تلك السلطة ؟ وكلنا يدرك الفرق الكبير بين أن تكون نائبا عن الشعب ، أو أن تكون عضوا نيابيا في حزب أو كتلة .. والكل يدرك أن الأول يدافع عن شعبه ، وان الثاني يدافع عن حزبه او جماعته ! وهذا ما بدا واضحا للعيان في تجربة برلمانية عمرها أكثر من أربع سنوات عجاف .
نعم ، السؤال الآن الذي أتمنى على كل عراقي أن يفكر بالإجابة عليه بمنتهى الحيادية : هل الانتخابات العراقية التي ستجري في آذار القادم ، هي انتخابات تشريعية عامة بالفعل ، أم هي انتخابات سياسية لقوى سياسية معروفة على الساحة منذ قرابة سبع سنوات ؟ واذا كان التخندق السياسي المحاصصي والطائفي عام 2005 ، كان قد جّر علينا الكوارث والنكبات ، فهل زاد اليوم هذا التخندق الذي اسموه بـ ” التوافقي ” ، أم وجدناه يقلّ عّما كان عليه سابقا ؟ وهل نجح الفرقاء وكل المرشحين الكبار بكل كتلهم السياسية وتحالفاتهم المعروفة ان يغّيروا نهجهم السياسي والعقائدي ليكونوا اكثر وطنية من ذي قبل ، ام حدث العكس ؟

كيف تكون الانتخابات تشريعية ؟
ان كل ما يجري اليوم ونحن عند مفترق طرق صعب ، كما نطالب ونريد ، لا كما يطمح ويريد كل مرشح للانتخابات .. أن تكون الانتخابات أكثر نزاهة وحكمة وتوازنا واتساقا .. وهي حق مشروع لكل العراقيين مرشحين كانوا أم ناخبين باستثناء كل من ساهم بقتل وإيذاء الشعب العراقي .. ولكن كل ما سمعناه حتى الآن هو صراع بين الفرقاء على السلطة بعيدا عن التطلعات الوطنية التي ينتظر الشعب العراقي تحقيقها ! هل وجدنا قائد اي حزب او كتلة يعلن برنامجا وطنيا حقيقيا تقتنع به الناس ؟ هل وجدنا اي واحد من هؤلاء الذين الفنا وجوههم ، قد خرج على الناس ، يعدهم بما يمكن تحقيقه لهم من خدمات وخطط ووعود بتطوير للحياة ؟ هل وجدنا اي كتلة او حزب او تجمع او تيار او تحالف .. يقدم للمرحلة القادمة مشروعا استراتيجيا في التربية والتعليم او الصحة العامة ؟ هل وجدنا كل هؤلاء الذين لهم السنتهم الطويلة وبذاءاتهم .. لهم القدرة على ان يتحاورا مختلفين ، ولكن بهدوء ومن دون اتهامات ، وليس لهم الا مصالح العراق الداخلية والاقليمية والدولية ؟ هل سمعنا عن أي ” مؤتمر ” لأي فريق يعالج التدخلات الاقليمية بالوثائق والجرم المشهود ؟ هل وجدنا اي ” دراسات ” تضمن للشعب العراقي معالجات تخص التعليم والضمان الاجتماعي والبلديات والضرائب والزراعة والمياه والنفط والثروات ؟ لقد تابعت بعضا من الندوات في ما يخص المتقاعدين .. وشكرا لكل من يعمل من اجل اصلاح المجتمع ..
لو وظف الاعلام العراقي بترسانته الكبرى من اجل انتخابات تشريعية وطنية عامة تخص مستقبل العراقيين ومصير العراق لاربع سنوات قادمة .. لوجدنا كم هي الحاجة ملحة لاستقطاب الناس حول مشروعات تخص حياتهم وتربية اولادهم ، وتخص آليات بلدية من اجل الرقي بالخدمات في عموم العراق .. لوجدنا تحقيقات ومتابعات يومية حول الامن المفقود ! ان كل الذي نسمعه ، او نقرأه ، او نشاهده يعبر عن خشونة ملاسنات ، وبيع شعارات ، وتقديم اتهامات ، واختلاق اكاذيب تصل الى مستوى الجنايات والخيانات ! كل ما نجده تصفية حسابات وكسر عظام .. كل ما نجده اعلان عن تخوفات وهستيريا من ان يأتي هذا الطرف الى السلطة دون الطرف الآخر ..
لقد كنت أتطلع ان تكون المسائلات في المجلس النيابي للسيد رئيس الوزراء ، أو اي وزير من الوزراء علنية حتى يعرف الناس كيف يتم فرز المواقف .. ولكن جعلوها مغلقة خوفا على دعاياتهم الانتخابية .. ثمة أسس معمول بها في النظم الديمقراطية ، ان من يفشل في شيء او اشياء يتعّرض للمسائلة ، واذا لم يثبت امام البرلمان حججه يحال الى المحاكمة .. لا ان يذرع طولا وعرضا من اجل أن يبقى في السلطة .. وكأننا لم نفعل شيئا ؟ وكأننا نتشدق بالديمقراطية ولا نعرف إلا اسمها ورسمها .. إن القيم الوطنية متلاشية تماما ، ما دام الفرز الطائفي قد عّم حتى المثقفين المتنوعين باتجاهاتهم السياسية والفكرية !
صحيح ان ” الطائفية ” سّبة في القاموس العراقي خصوصا ، ولكنها غدت تهمة مستهلكة تماما ، فكل من اختلف سياسيا معك ، وصمته بالطائفية ! وتبدو علامات الانقسام واضحة ، فمن يريد هذا ، فهو محسوب على هذه الطائفة ومن يريد ذاك محسوب على الطائفة الاخرى ! لقد كان قانون الانتخابات قبيل تعديله على استحياء يبيح بشكل غير مباشر إقصاء طائفي مفضوح لآلاف مؤلفة من الناخبين الفارين بجلدهم من الاضطهاد نحو دول مجاورة .. إن تغييبهم من خلال قانون جائر ، يعني تكريس فاضح لنهج غير وطني ، إذ حتى ” القانون ” غدا لعبة سياسية من اجل السلطة لا من اجل الناس .

من اجل مجلس نواب حقيقي لكل العراقيين
وأخيرا ، هل سينتخب الشعب العراقي نوابا عنه يمثلون مصالحه ومجتمعه وطموحاته وآماله اصدق تمثيل ؟ ام انه سيذهب كي يختار مجموعة أشخاص ينتمون إلى أحزاب سياسية ودينية وطائفية وعرقية .. ؟ هل يتابع الشعب العراقي حملات المرشحين لتقديم برامجهم وإصلاحاتهم وخطاباتهم من اجل مستقبل البلاد .. ام انه شعب استمرأ هذه الوجود أو غيرها ، لا فرق ، لكي يختار تشكيلة تمثل انقسامات سياسية بنيت على أسس محاصصية وتوافقية خاطئة ؟ إن كل شرائح المجتمع العراقي تتطلع إلى الإصلاح وتشريعات قوانين وخدمات وامن ورخاء من خلال برلمان يجلس فيه النواب الذين يمثلون الشعب العراقي حقيقة لا وهما ، وفعلا لا قولا ، وصدقا لا كذبا .. ان العراقيين قد دفعوا أثمان باهظة جدا جراء الأخطاء التي ارتكبت ، وهو غير مستعد أن يرضى على بقاء الأخطاء نفسها .. انه يريد نوابا لا يمثلون مصالحهم الذاتية ، بل يعملون ليل نهار من اجل مصالح الأمة .. انه يريد نوابا لهم القدرة على تصحيح المسار التشريعي أصلا قبل السياسي .. يريد هيئة برلمانية من رجال قانون أكفاء تعمل على تصحيح الدستور وجعله دستورا مدنيا متطورا يدافع عن وحدة العراق والعراقيين .. ويريد نوابا اقوياء يدركون حاجات العراق وضرورات شعبه .. يريدون نوابا لا يمثلون الا العراق ، بعيدا عن الطائفية وعن الجهوية وعن القبلية وعن لعب الورقة القومية .. الخ يريد نوابا يعملون من اجل كل ابناء العراق مهما كان نوعهم ، ومن دون أن يمثلوا فئة على حساب أخرى .. أو مدينة على حساب أخرى .. يريد نوابا يحاكمون علنيا كل السلطة التنفيذية على أخطائها وعلى أسباب فشلها .. يريد نوابا يعملون ليل نهار على كل ارض العراق للبناء والأعمار .. ويريد نوابا متعففين وزاهدين ومخلصين ووطنيين وغير طائفيين وغير ضعفاء وغير جشعين .. تستمد منهم حكومة وطنية لها استقلاليتها ونظافتها وإخلاصها لبلاد شرذمها المحتلون والأغبياء .

نشرت في الصباح البغدادية ، 17 ديسمبر / كانون الأول 2009 ، ويعاد نشرها على موقع الدكتور سيار الجميل
www.sayyaraljamil.com

شاهد أيضاً

نقطة نظام ضد الفساد والمفسدين والفاسدين

ملاحظة : طلب مني عدد من الاصدقاء العراقيين ان اعيد نشر هذا ” المقال ” …