ليست لدينا إحصائية واضحة عن أعداد الجالية العراقية في كندا ، ولكن كما يبدو ، أنها جالية متشظيّة ومنقسمة ، وهي تعكس حال الوطن ، ويا لا للأسف الشديد .. علما بأن للعراقيين الكنديين كفاءاتهم الكبيرة في مختلف التخصصات ، وان ثمة مثقفين عراقيين كبارا تتوزعهم القارة الكندية .. ولكن إن كان هناك ثمة تجمعات باسم العراقيين ، فهي مجرد جمعيات للمناسبات الاجتماعية والوطنية .. يجتمعون ويأكلون ثم يرجعون من حيت جاءوا ! إننا نلحظ أن تجمعات ونواد وجمعيات أصحابها عراقيون ولكن كل واحدة لا تفتح أبوابها إلا لأبنائها ، فهذا ناد للآشوريين ، وهذه جمعية للأكراد ، وذلك مركز للشيعة ، وتلك جمعية خاملة لا تقوى على جمع العراقيين .. وان صحفا عديدة تصدر باسم جاليتنا ، ولكن لكل صحيفة نهج معين لا يلتقي بالنهج الآخر ونحن جالية واحدة .. ولكن الكل يتحدث باسم العراق والعراقيين ..
إنها ليست حالة استثنائية في زمن اغتراب العراقيين عن وطنهم الذي عاش ويعيش أتعس حالاته ، إذ أجد بقية الجاليات العراقية في كل من أمريكا ودول أوربا .. أو في استراليا ونيوزيلندا لا تختلف تجاربهم إلا قليلا بين هذه أو تلك .. ثمة سفراء وقناصل وملحقين ثقافيين لهم أنشطتهم ومشاركاتهم وفعالياتهم مع أبناء وطنهم الوطن .. ولكن قسما آخر من الدبلوماسيين وجدوا في مكاتبهم الفخمة أبراجا عاجية لا يتملمون منها ، وهم ثملون .. وليس أمامهم مهمة وطنية للالتقاء بالعراقيين والتعرف عليهم والاطلاع على مشاكلهم ! الجالية العراقية في كندا أسوة ببقية الجاليات العراقية في العالم تزدحم بالمبدعين والفنانين والأساتذة المختصين والشعراء والأدباء .. ثمة وزراء وسفراء سابقين .. ولكننا لم نشهد حتى يومنا مشهدا عراقيا ثقافيا كبيرا على غرار ما تصنعه جاليات اخرى ، يترجم حضارات العراق والعراقيين للعالم .. إن الجهود الفردية لا تكفي في عالم كبير ، وان أية تجمعات موجودة اليوم لا نجني منها إلا المشكلات السياسية والانقسامات الطائفية بل وحتى دعوات تفّت في عضد العراق .. بل ويصل الأمر أن بعضها يقيم حفلات رقص ودبكات حتى تخرج الناس سكارى إلى بيوتهم . لقد حاولت قبل ثلاث سنوات أن أخطو خطوة عملية من اجل تأسيس مجلس عراقي كندي للثقافة ، كي يؤدي دوره الثقافي الحقيقي ، وبالرغم من حضور بعض المخلصين ، إلا إنني جوبهت بنزق البعض ممن لا يريد للعراقيين أن يقدموا ما يمكنهم ثقافيا وإبداعيا ويكون ذلك جسرا حقيقيا في المستقبل بين العراق وكندا ، وقد خرج احدهم ليكتب إحدى مقالاته المحلية ، ليشبه الخطوة تلك ببيع الجكاير !! وقد سامحته ولكن جاليتنا تكبر يوما بعد آخر ، وهي بحاجة ماسة إلى التجربة الكندية شئنا أم أبينا ، ولكي تعرف كندا التي ضمتنا بعضا من معاني العراق !
نعم ، نحن اليوم أمام جالية تكبر يوما بعد آخر .. ويكبر أبناؤها وبناتها .. إننا اليوم بحاجة ماسة إلى إعادة الخطوة التي رسمتها على الرمال قبل ثلاث سنوات .. فهل ثمة استجابة لمثل هذا النداء ؟ علما بأن جاليتنا في مونتريال أكثر تفهما وأقوى فاعلية .. فهل لنا أن نفعل شيئا ؟ وليكن الأمر بأيدي نخبة مثقفة ونشيطة ومتميزة وموحدة الأهداف برغم تنوعها العراقي الرائع .. متى نبدأ الخطوة الأولى ؟
نشرت في جريدة البلاد الكندية ، العدد 94 ، اكتوبر 2009 ، ويعاد نشرها على موقع الدكتور سيار الجميل
www.sayyaraljamil.com
قالت جريدة البلاد في تقديمها للدكتور سيار الجميل
ترحب أسرة جريدة ( البلاد ) بالأستاذ الدكتور سيار الجميل المثقف العراقي الموصلي وسليل أسرة آل الجميل العريقة ، الأستاذ الجامعي الذي اشرف على العديد من دراسات الماجستير والدكتوراه في عدة جامعات عربية والناشط المدافع عن حقوق الإنسان والحريات والكاتب الصحفي الجاد الذي سيعالج في زاية شهرية شؤون الجاليات العربية وشجونها فأهلا وسهلا به
شاهد أيضاً
زعامات ورزايا .. ورئاسات بلا مزايا
الزعامة غير الرئاسة، والرئاسة غير الإدارة، والإدارة غير القضاء. لقد مضى زمن الزعامات الحقيقية، وماتت …