انعقدت في العاصمة الأوغندية كامبالا بين 19 – 24 أكتوبر الجاري ، قمة استثنائية خاصة لرؤساء دول وحكومات افريقية برئاسة الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني ، لمعالجة قضية اللاجئين والعائدين والنازحين في دواخل إفريقيا ، والتي تشكل واحدة من التحديات الخطيرة التي تعيشها القارة السمراء .. ونخشى أن المؤتمرين سيخرجون من مؤتمرهم كما دخلوه ، من دون أية استجابة لهذا التحدي الخطير ، وان الاستجابة لا يمكن لها أن تتحقق إلا بمعالجة الأسباب الحقيقية التي تعصف بالسكان الأفارقة قبل تبني أية معاهدة لحماية اللاجئين أو مساعدة النازحين ، وسواء كانت الاتفاقية ـ كما وصفت ـ شاملة وفريدة من نوعها أم لم تكن ، فان الاهم هو هل سيؤمن قادة أفريقيا نجاحها ، والحد من التشريد الجماعي الذي يعم قارة بأسرها ؟ لقد وقع 17 بلدا على هذه الاتفاقية واعتمدت إعلان كامبالا الرسمي للوقوف أمام هذا التحدي الخطير . ويقصد بالتشرد الداخلي نزوح السكان وهجرتهم في دواخل أفريقيا لأسباب مختلفة . لقد كانت أفريقيا قبل سنوات تستضيف لوحدها ما يقدر بنحو 6 .11 مليون نسمة من المشردين داخليا ، ومن أصل 26 مليون نسمة من المشردين في العالم . وعليه ، فان ما يقارب نصف هؤلاء النازحين القسريين ، هم من الأفارقة ! كما إن المشكلة قديمة ، فهي قد بدأت منذ أكثر من 15 سنة لتفاقم سوء الاوضاع السياسية والاقتصادية والمعيشية والصحية . وعليه ، فقد اقترح إرسال خبراء لتقويم 15 عاما مضت من التنمية السكانية في أفريقيا ، مع استعراض للتأخر ، ومدى تحقيق الأهداف الإنمائية وقضايا التنمية الاجتماعية الحرجة ، ولا سيما في مجال الصحة وحقوق المرأة الإفريقية ..ومدى مساهمة الحكومات الإفريقية في الحملة للحد من وفيات الأمهات الإفريقيات والأطفال الرضع في مختلف أنحاء القارة ، ومدى تعاون تلك الحكومات مع المجموعات الاقتصادية الإقليمية ووكالات الأمم المتحدة والمنظمات الأخرى .. وهل تحقق شعار : ” المرأة هي التي تهب الحياة .. فكيف لها أن تموت ” ؟ … الخ
يتراوح عدد اللاجئين والنازحين في أفريقيا حاليا ما بين 17 و23 مليون لاجئ ونازح ، وهو عدد ضخم يعكس – بحق – حجم هذه المشكلة الخطيرة في حق الإنسانية وما تطرحه من تحديات صارخة، وما تنطوى عليه من معاناة إنسانية واقتصادية واجتماعية . لقد عرضت في المؤتمر وثيقة خطيرة لمساعدة تعهد القارة ، موضحة هذا الرقم المخيف الذي سيسبب على مدى سنوات قادمة انتحارا بطيئا للقارة الإفريقية .. وتمنّى المراقبون في هذا العالم أن يحضر كل القادة الأفارقة مثل هذا المؤتمر لا أن يحضر بعضهم ، وقد وصفهم احد الصحافيين ساخرا ، فقال : يبدو إن القادة الأفارقة من اللاجئين أو الشاردين أيضا !
إن الضرورة تقضي اليوم بالعمل في اتجاه إيجاد حلول جذرية لتحريك العملية إلى الأمام ، ولا يمكن مغادرتها من دون الحد منها . لقد شهدت السنوات العشر الأخيرة مشكلات صعبة ومعقدة ، فارتفع عدد المهاجرين داخليا وما سببه ذلك من الكوارث والمآسي وبتأثير واضح من تفاقم الاضطرابات الاجتماعية والحروب ونقص الغذاء والمجاعات الطاحنة التي شملت أجزاء عدة من القارة ، ومنها : السودان والصومال وجمهورية الكونغو الديمقراطية وهي اكبر ثلاث دول نزحت منها أعداد كبرى من اللاجئين .. فضلا عن دول أخرى شرد منها الناس ، بعد أن ضاقت بهم وسائل العيش وعمتهم الأمراض ، وخصوصا الايدز وتشرذمت مجتمعات عدة نتيجة الاضطهادات للأسر والمرأة والأطفال .. يقول المفوض الأعلى لشؤون اللاجئين في الأمم المتحدة أنطونيو غوتريس خلال مراسم افتتاح القمة أنه “من أجل حل تلك المشكلة ، لابد من إنهاء الصراعات ، ولابد أن تتعاون المجتمعات مع بعضها البعض ، ولابد أن يعود الأطفال للمدارس وأن تعود الثقة للأشخاص المشردين”. ولقد جاء في كلمة الرئيس المصري محمد حسني مبارك إن مصر لوحدها تستقبل أعدادا كبيرة من اللاجئين يحملون 36 جنسية مختلفة وأغلبهم من الدول الأفريقية !
ما العمل ؟ كنت أتمنى لو ان المؤتمر يخرج بتوصيات أقوى بكثير من التي خرج بها ، إذ أن مشكلات اللجوء والنزوح القسري ومعاناته ستبقى لسنوات طوال قادمة ، ما لم تتم تسوية النزاعات المسلحة ، وعودة الأمن والقانون لفرض الاستقرار السياسي .. فضلا عن مجابهة المجاعات وقلة الغذاء وكوارث الطبيعة والجفاف والتصحر ، والقضاء على الأمراض التي تفتك بشعوب أفريقيا فتكا ذريعا .. إن أفريقيا بحاجة اليوم إلى حياة جديدة ومصالحات سياسية على مستوى رؤساء الدول ، لكي تؤمن الدول على حياة مجتمعاتها ، ودعوة العالم كله للوقوف إنسانيا إلى جانب الشعوب الإفريقية ، للتخلص مما تعاني منه اليوم ، والحد من الفقر والمجاعات والوفيات النفاسية .. كلها إن اجتمعت معا ، فسوف تتخلص أفريقيا شيئا فشيئا من هذه المخاطر الصعبة ، خصوصا وإنها قارة غنية بثرواتها الطبيعية والبشرية . لقد عقدت عدة مؤتمرات منذ أزمان طويلة للأخذ بيد أفريقيا ، ولكن لم ينفذ شيء من القرارات والتوصيات .. إن الأفارقة مدعوون للوعي بمستقبلهم كي يفتحوا لهم طريقا نحو المستقبل ووضع إستراتيجية لحملات التوعية والاتصالات والإعلام ونشر المعلومات المتصلة بالصحة ، مع برامج عمل ومساعدة إنسانية وحشد موارد والاعتناء بالمرأة المستلبة والرضع والأطفال .. إن الاتحاد الإفريقي مدعو إلى معالجات حقيقية لا تخضع لمساومات سياسية لبعض الرؤساء الأفارقة .. مع دعم العالم للتجارب الديمقراطية في العديد من دول أفريقيا وإدانة كل الحروب الأهلية والصراعات الداخلية .. نأمل أن يتحقق الممكن ، إذ لا يمكن إبقاء إفريقيا معذبة لازمان قادمة من القرن الواحد والعشرين .
نشرت في البيان الإماراتية ، 28 أكتوبر 2009 ، ويعاد نشرها على موقع الدكتور سيار الجميل
www.sayyaraljamil.com
شاهد أيضاً
زعامات ورزايا .. ورئاسات بلا مزايا
الزعامة غير الرئاسة، والرئاسة غير الإدارة، والإدارة غير القضاء. لقد مضى زمن الزعامات الحقيقية، وماتت …