Home / مقالات / سارة بلين : هل ينتظرها مستقبل سياسي ؟

سارة بلين : هل ينتظرها مستقبل سياسي ؟

لم تكن سارة لويز هيث بلين ، المرأة التي تجاوزت الرابعة والاربعين ، تحلم بأن يتم ترشيحها لمنصب نائبة لرئيس جمهوري مرشّح لانتخابات الرئاسة بعد ايام ، بالرغم من تطلعاتها السياسية .. وكانت قد شغلت عضوة في مجلس مدينة واسيلا بولاية الاسكا بين 1992- 1996 ، وعمدة له 1996- 2000 ، ومن ثم انتخبت حاكمة لولاية الاسكا كأول امرأة شابة تمارس سلطتها على ولاية ثلجية نفطية شاسعة الامتداد ، خالية من البشر ، ومليئة بالحيوانات البرية والدببة القطبية ! فجأة ، يختارها جون ماكيين نائبا له في انتخابات الرئاسة ، وهي اول امرأة يختارها الجمهوريون يوم 29 اغسطس الماضي لخوض الانتخابات واول مرشح من ولاية شاحبة منسية مثل الاسكا ، ويبدو انهم اختاروها لتوازن الجذب الجماهيري بين طرفين اساسيين في المجتمع الامريكي اولاهما يتمثّل بالمرأة الامريكية ، وثانيهما يتمثّل بالشباب الامريكي . ولدت سارة بلين ( Sarah Palin)، في 11 / 2/ 1964، وانتقلت أسرتها إلى ألاسكا عندما كانت رضيعة. هنا يبدو ان استقرار والديها في الاسكا جاء مباشرة بعد خمس سنوات من اعتمادها رسميا احدى الولايات المتحدة الامريكية يوم 3 يناير عام 1959 على عهد الاتحاد السوفييتي ، اذ كانت الولايات المتحدة قد اشترتها من روسيا القيصرية سنة 1867 بسبعة ملايين ومائتي دولار . عاشت سارة طفولتها وحياتها فيها وعشقتها ، ودرست في مدارسها ، فبرعت في كرة السلة والصيد ، وتشكّلت شخصيتها القيادية منذ صغرها ، وبدت امام المجتمع شابة عملية ولم تزل . وانضمت إلى كلية هاواي في المحيط الهادي (الآن تسمى جامعة هاواي) عام 1982 وتخصصت في إدارة الأعمال. وفي عام 1987 ، حصلت على شهاده البكلوريوس في علوم الاتصالات الصحفية من جامعة إيداهو. فازت سارة بلقب ملكة جمال الاسكا ، ثم حصلت على المركز الثالث ( أي : الوصيفة الثانية ) في مسابقة جمال العالم 1984 ، وحصدت عدة جوائز ، وكانت تشعر الاخرين دوما بتفوقها والاعجاب بذاتها .. في العام 1988 ، عملت مراسلة للاخبار الرياضية لقناتين تلفزيونيتين ، ثم تفوقت سياسيا ، وعلى مدى سنتين 2003- 2005 ، كانت سارة واحدة من ثلاثة مديرين لشركات الخدمة العامة ، والتصميم ، والتدريب السياسي ، واظهرت نجاحا وتقدما في القيادة وصنع القرار ، بالرغم من كونها متزوجة ولها مسؤوليتها المباشرة على بيتها واولادها ، كأي امرأة الاسكاوية . فازت بحكم الاسكا في الانتخابات ، وكانت ناجحة في الدعاية لنفسها ، كونها الابنة الحقيقية لعالم مجهول اسمه الاسكا .. احبها الناس ، وكانت في الثانية والاربعين من العمر بكل شعبيتها التي اعتبرت الاكثر رواجا في الولايات المتحدة ، واظهرت اهتماما في تنمية الموارد ، والتعليم والقوى العاملة ، والصحة ، والسلامة العامة ، والنقل في ولايتها القصية .. كما انها تدعو الى اصلاح الاخلاق السياسية . وقد عملت بكل طاقتها على تنمية ذلك الاقليم الشاسع المسّمى الاسكا ، وجعله مأوى للحيوانات البرية في القطب الشمالي والتنقيب عن النفط .. ومن الغريب جدا انها ـ كما يبدو ـ منعزلة في بيئتها بتأثير تربيتها ، فلم تغادر الاسكا الا قليلا ، ولم تغادر عالم امريكا الشمالية الا في العام الماضي ، اذ حصلت على جواز سفر عام 2006 لأول مرة ، وفي العام 2007 سافرت لأول مرة في مهمة رسمية خارجية الى الكويت لتصل الحدود مع العراق وتزور بعض القواعد. هنا نسأل : هل ستكون سارة بلين اليد الحاسمة للجمهوريين ازاء الديمقراطيين ؟ معنى ذلك ان تاريخ امريكا سوف يبقى جامدا يراوح في مكانه دون ان يأخذ له مسارا من نوع آخر على غير ما يتمناه الاخرون ، وبالضرورة سيكون لهذه المرأة الشابة شأن سياسي من خلال التوجهات المحافظة التي تحملها ، فهي ابنة جيل جديد تخضرم بين قرنين ، وله تطلعات غير تلك التي يحملها جون ماكين من جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية ، ولكن يبدو لي ان سارة بلين تتمتع بشخصية من نوع غير مألوف ، فهي شديدة الانتماء لولاية الاسكا المنفصلة جغرافيا عن الولايات المتحدة ، وقد تطبّعت بطابعها القطبي البعيد .. وهي كما يبدو حتى الان صعبة المراس . صحيح انها لم تزل شابة ، ولكنها محافظة متشددة عند الجمهوريين ، وهي تحمل برودة ثلوج الاسكا معها ، ولا تقبل التغيير بسهولة ، انها ليست كبقية الامريكيين ، فهي ترفض الإجهاض رفضا قاطعا ، كما ترفض زواج المثليين، ولكنها اجبرت للمصادقة عليه . ولقد انتقدها دعاة حماية البيئة ، كونها تسعى للتنقيب عن النفط في الاسكا .. واتهمت بأنها لم تثبت جدارتها بعد في السياسة الخارجية التي توصف بأنها جاهلة فيها ، ومن اخطر مواقفها السياسية السابقة دعوتها لانفصال الاسكا عن الولايات المتحدة .. ومن اغرب تصريحاتها قولها في خطاب القته في احدى الكنائس : ان الحروب التي تخوضها الولايات المتحدة الامريكية هي حروب مقدسة ، وانها تنبثق بأوامر الهية ! وهنا يبدو كم هي ضحالة القادم من الزمن الامريكي الجديد ، ان كانت نائبة رئيس ستبقى تفكر بمثل هكذا تفكير ـ كما يعّلق احدهم ـ ! ولكنها ترى نفسها أرقى من الاخرين عندما تنتقد اعضاء من مجلس الشيوخ ، كونها أتت من بيئة نظيفة جدا !! اعتقد ، ان امام هذه المرأة فرصة تاريخية واحدة ان فاز الجمهوريون ، فسيكون لها شأن من نوع ما على عهد ماكّين .. او انها ستحتجب بعيدا كي تعيش هناك في الاسكا حيث يختفي العالم كي نرى سارة بلين تجمع زهورا برية وتربي طيور البطريق القطبية !

www.sayyaraljamil.com
البيان الاماراتية ، 21 اكتوبر 2008 .

Check Also

زعامات ورزايا .. ورئاسات بلا مزايا

 الزعامة غير الرئاسة، والرئاسة غير الإدارة، والإدارة غير القضاء. لقد مضى زمن الزعامات الحقيقية، وماتت …