ارجو ان تقبلوا اعتذاري ان اخطأت في كتابتي باللغة العربية لأنني لا اكتب بها ، ولكن وفاء مني لاستاذي المشرف ومعلمي الكبير الدكتور سيار الجميل ، فانا مسرورة ان اشارك بهذه الكلمة عن ذكرى مرور ثمانين سنة على رحيل احد رواد النهضة العربية الحديثة .. وان يعرف العالم واحدا من اروع الشعراء والادباء الذين فقدتهم حياة العرب الحديثة ، فقد رحل علي الجميل مبكرا جدا بعد ان نال ثقافة عميقة في اكثر من لغة .. رحل وهو في عز الشباب بعد حياة غير عادية ابدا .. رحل وهو يغني قصائده الجميلة .. رحل كالطائر طار واختفى في السماء وبلا استئذان .. كان حفيده استاذنا الدكتور سيار الجميل قد اطلعنا على وثائق قديمة في العام 1987 في جامعة كيل بالمانيا الغربية عندما كان استاذا زائرا في دائرة العلوم الاجتماعية وضمن مادة الشرق الاوسط .. اطلعنا على وثائق نادرة منها محاضر اجتماعات ومجموعة رسائل متبادلة بين مجموعة من الشباب العرب الافندية .. ومن خلال دراستي للدكتوراه ، اطلعت على مواقف رجال حقيقيين خدموا القضية العربية خدمات كبرى ولقد ورد اسم علي الجميل الموصلي مرارا وتكرارا في اوراق قديمة تشير الى دوره السياسي والفكري .. ان علي الجميل هو فعلا اول من استخدم مصطلح ( الامة العربية ) بين عامي 1909 – 1912 باللغة العربية ولم يكن يقصد المشرق العربي فقط ، كما كان قد ذكر نجيب عازوري في كراسه باللغة الفرنسية قبل ذلك بسنتين ، بل قصد كل من المشرق والمغرب العربيين ، اذ تحدث عن طبرق وبنغازي وطرابلس الغرب وتونس والجزائر وفاس ومراكش كونها اجزاء من الامة العربية ، وبالرغم من معرفة علي الجميل بالفرنسية وتمكنه منها وكتابته لها ، فانني اشك في كونه قد اطلع على كراس نجيب عازوري الذي نشر بباريس بعدة نسخ . ان من يقرأ المقدمة التي كتبها المؤرخ علي الجميل وهو يكتب عن السنوسيين في كتابه ( التحفة السنية في المشائخ السنوسية ) سيخرج بنتائج غاية في الانبهار ، ذلك ان الرجل قد سبق زمنه كثيرا ، فهو يتحدث عن ليبيا ، وكأنه يتحدث عن وطنه ، وبكل الالام والاوجاع .. صحيح ان الرجل اول من حمل الفكرة القومية الى العرب ، ولكنه كان يفكر بمنطق انساني ، فهو لم يفّرق بين الاجناس ولم يكن شوفينيا في رؤيته للعروبة ولم يكن مشروعه ضد الاخرين .. كان يحلم بتحقيق مشروع حضاري يقف ضد الغزاة وضد الطغاة وضد المستعمرين .. وهذا ما وجدناه من قراءتنا من مقالاته عن الفكرة القومية واحترامها وعن السبيل في نهضة العرب . وينبغي ان نشير الى ان الفكرة القومية التي ينادي بها هي الفكرة الوطنية بحد ذاتها ، اذ بدا انه يحترم خصوصيات اي مجتمع من المجتمعات العربية .
اما افكاره عن الوطنية العراقية ، فلقد عالجها في مصطلحه الذي بدا يستخدمه عن العراق ممثلا بـ ( الامة العراقية ) ، وخصوصا في سعيه مع بقية المثقفين السياسيين العراقيين لتشكيل الكيان السياسي العراقي خلال عهد الاحتلال البريطاني .. انه ليس تحّولا في فكره ، بل تأسيسا له من خلال مشروع عراقي وطني جاهد طويلا من اجل حل مشكلاته وخصوصا مشكلة الموصل ومشكلة الانتداب .. لقد اهتم كثيرا بمسائل غاية في الاهمية ، كما عالجها في العديد من مقالاته واعماله ، ومنها : المسألة الدستورية واسلوب النيابة وتمثيل الشعب ، ومنها المسألة الاجتماعية وتوفير الخدمات للناس ، ومنها تربية الاطفال على اسس سليمة ، ومنها عنايته بالمرأ’ ومعارفها ، ومنها عنايته بالاقتصاد والتجارة والزراعة والصناعة .. لقد كان هذا الرجل يطمح ان يكون العراق بلدا متقدما جدا في كل المجالات ، وكان يريد من ( الامة العراقية ) ان يشارك كل ابنائها في مشروع بناء العراق بناء حضاريا منذ العشرينيات من القرن العشرين .. لقد بقي علي الجميل محافظا على فكره وارادته من دون ان يقبل اي منصب سياسي عرض عليه ، لأنه وجد ان اي منصب سياسي سيكبّل ارادته الحرة ، فبقي يعيش في مدينته الموصل الحدباء التي كان يدعوها دائما بـ ” أم الربيعين ” معّززا مكرما وكان يطمح ان يبقى ينشر افكاره وانتقاداته الاصلاحية من خلال الصحيفة التي اسسها ، والتي سماها بـ ( صدى الجمهور ) والتي بقي يرأس تحريرها قرابة سنتين ، الا ان القدر كان له بالمرصاد .. فرحل مبكرا اثر مرض لم تسعفه تلك العملية الجراحية التي اجريت له في حلب الشهباء وهو في عز الشباب . ونحن اليوم نحتفي بمرور ثمانين سنة على رحيله المبكر ذاك ، اقول بأن هذا الرجل كان من اكفأ المفكرين العرب ابان تلك المرحلة التي وازن فيها بين عروبته وبين عراقيته .. بين قوميته ووطنيته .. بين عاصمته وبين مدينته .. بين ايمانه بالفكرة الجمهورية وبين تعايشه مع النظام الملكي .. واخيرا ، اهيب بحفيده الكريم استاذي العزيز الدكتور سيار الجميل ان يسعى لنشر كل اعمال جده الكاتب النهضوي علي الجميل الذي عاش للفترة 1889 – 1928 .. مع اعتزازنا وتقديرنا لفكره وآرائه التي سبقت زمنها بعقود من السنين .