Home / تراث آل الجميل / المرآة والمعارف

المرآة والمعارف

فكرة جميلة ، ونهضة مباركة ، وبارق أشعته نحو الكبير والصغير ، فتستضيء أوطاننا بنور العلم والمعارف والحِكَم ، وتدب في عروقنا روح المدنية والحياة السعيدة ولسيادة النقيب الراية البيضاء فيما صرح أمام مجلس المعارف واقتراحه على سعادة الناظر فيما يجب الاعتناء بتربية البنات وتنظيم مدارسهن وإصلاحها ، ولا بدع فإن كلام الكبير كلام كبير وكل فاضل ذو فكر وقاد ونظر بعيد لا بد وأن يصبوا لمثل هذه الاقتراحات العالية التي لابد وأن ترفع الأمة بنتيجتها إلى مستوى الكمال ، فمن الحكمة أن لا يقتصر الرجل على قصر أبنائه على عادات ، فأنهم خلقوا لزمان لم يخلق هو له ، وما زال الأقدمون ـ سامحهم الله ـ يقولون إن تعلم البنات باعث لإفسادهن ولا نعلم ماذا يكون برهانهم أوَكان رأي أمرأة رضعت لبان العلم والحكمة والدين وفسدت أخلاقها ؟ ولا أظن إن تلك الأقوال والتصورات إلا منبعثة على عادات قديمة وخيالات واهية غرسها الجهل فيهم ، فأبوا مزايلتها، جاهلين مغزى طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة ، والعلم جنس تحته أنواع كثيرة ، فضلوا وأضللوا ، ولم ينتبهوا إلى إن الأحكام تتغير بتبدل الزمان ، ففضوا رحمة الله عليهم وأصبحت أحفادهم معذبة بعذاب الجهل والحسرات ، وما جزاء ذلك الرجل الجاهل الذي قضى بخنجره على زوجته الفاضلة المسكينة حين رآها تتفرس بصورة ( جورج ) واشنطن محيّ مجد أمريكا وتتأمل تاريخ حياته ثم مات أسفاً حين تجلت له الحقيقة .. وقد قال لها أبوها : ” جهل من قبل وبك وعي في مطالعة الكتب والوقوف على تاريخ رجال الإفرنج ، فنحن لسنا، بنصارى .. ” ! جهل مطبق وداء عضال ، أظن لو كانت أم ذلك الجاني عالمة فاضلة وأرضعته لبان العلم والفضل في تعرفه أظفاره فشب على حب الحكم والمعارف ما أرتكب تلك الجريمة الشنعاء التي أصبحت في صحيفة حياته أكبر نقطة سوداء ولعاش مع تلك المسكينة الفاضلة عمراً سعيداً.
لم تخلق المرآة لتكون مستقر هوى ومتاعاً حسناً إنما خلقت لتكون أكبر عامل في الهيئة الاجتماعية وتسعى السعي الحثيث في هذه الحياة ومن لنا بأنباء يرضعون در العلم والفضل ممزوجاً بلبان أمهاتهم فيترعرعون وقد نفذوا بالعلم وحفظوا على الأقل نبذاً شعرية أو تاريخية تلقنهم إياها أمهاتهم وتزرعها في أفكارهم اللطيفة عوضاً عن الخرافات التي يعللن بها أولئك الأطفال كقصص (الحدود) و (الدامية) و (السعلوة) و (أحديدان) التي لا يعقل إذا سمعها الولد في طفولته أن يفقد عقله الصغير وجلاً وخوفاً من تلك الترهات الباردة . وللمرآة حقوق مقدسة وافرة في المجتمع البشري ووظائف جليلة هي خلاف الطبخ والنفخ والغسل والكنس ولهذا يشير نابغة مصر حيث يقول :
في دورهن شئونهن كثيرة
كشؤون رب السيف والمزراق
ومن نظر الكلام المشهور وتأمله ودقة رموزه وهو (عنوان رقي الأمم برقي نسائها) تتجلى له منزلة المرأة في هذا العالم ، وقد سماها المفكرون بالمدرسة الكبرى ولا ريب إن تهذيبها لأطفالها ، هو أساس كل تهذيب وتربية وتدريب والغاية المنشودة إن الاعتناء بتنظيم مدارس البنات وصرف الهمة في سبيل تعليمهن وتهذيبهن من أشد الواجبات بل هو من الضروريات لحياتنا الحاضرة.

* جريدة الموصل ، العدد 323 ، 17 كانون الثاني 1921 الموافق 7 جمادى الأولى 1339هـ.

Check Also

يا نجوماً

(نظمها بالفرنسية ) ثم ترجمها الى العربية   صورة  للقصيدة بخط يد الشاعر يا نجوماً قد …