” اعتقال امرأة عراقية واحدة يعطي مبررا كبيرا
لولادة ألف مسلح انتقاما لشرفه وكرامته”.
ـ احدى الدراسات الميدانية ـ
لقد عرفت المرأة العراقية في القرن العشرين بطيبتها وقدراتها وشهامتها وكرامتها وتمتعها بقسط من حقوقها وحرياتها ، كما كان لها دورها في صنع الحياة وتربية الرجال فضلا عن بروز نسوة رائعات منتجات ومبدعات في معظم المرافق الخدمية والمهنية والاكاديمية والثقافية والعامة ومساهمتها في اثراء حياة الدولة والمجتمع معا .. ولقد بدأت انتكاسات المرأة العراقية تترى ، منذ اجتياحات الحروب والحصارات والاحكام الدكتاتورية الجائرة وصولا الى هجمة الغزو وحكم الميليشيات والقوى الطائفية المتخلفة .. انها اليوم تناضل وتسحق وتختطف وتذبح او تحرق او تسمّم وتسجن وتهّجر وترّمل وتضطهد او تنتحر .. انها تجابه كل المصائب المرعبة بارادة حديدية لا تقهر في دواخل المجتمع الذي يسيطر عليه البرابرة الجدد ! ازاء دولة ضعيفة ومحتل غاشم . ان حرائر العراق يعانين من البؤس والشقاء والحرمان دون ان يلتفت العالم كله اليهن ابدا .. بل ويسود الخوف ويسيطر الرعب على مشاعرهن ، وهن يواجهن الموت في بيوت بائسة وكئيبة ، او في شوارع الموت الملتهبة .
المرأة العراقية تواجه العنف والسادية والهمجية في مجتمع يمتلئ بالمفترسين والمتعصبين والاشقياء والارهابيين.. ويمتلئ بعصابات القتلة وجماعات المسلحين .. ويمتلئ بالمجرمين والمنحرفين والمكبوتين الآثمين الذين لا يعرف أحد من اين يأتون .. انه مجتمع ، لا يمكن للانسان ان يعّبر فيه عن رأي ، او ان يدافع فيه عن حق ، او يطرح فكر انسان حر ، او ان تمارس الاقليات الدينية خصوصا حقوقها التي تتضمن عاداتها واعرافها .. في مجتمع امتلأ بالمافيات وفرق الموت المسلحة .. في مجتمع يزداد فيه قتل النساء ونحر النساء وانتحار النساء .. الخ
ان الكل مشارك باضطهادها بدءا بالسلطات وانتهاء بالمافيات ووصولا الى قوات الاحتلال .. لقد شارك زعماء احزاب ومسؤولون ووزراء بقهر حتى الصبيات الصغيرات ، او طالبات الجامعات . ويظهر الواقع قصصا اشبه بالخيال عن نسوة لهن قابلية على الصمود والتحمل والتحدّي يثير الاعجاب حقا .. بل وان تقريرا وصلني قبل يومين من قبل القاضية القديرة زكية اسماعيل حقي وهي تتحدث فيه عن لقائها بـ 12 من العراقيات يقرن منذ شهور في معتقل كروبر الذي تشرف عليه القوات الامريكية دون اي تحقيق ، وكلهن قد اعتقلن لوشايات شخصية واسباب تافهة ، ولا تعرف المتزوجات منهن مصير ازواجهن او اطفالهن ويخشى عليهن ومعهن العذراوات من القتل بأيدي اهلهن بعد اطلاق سراحهن ، لأن اعتقال المرأة لا يغتفر في الاعراف العشائرية .. وافجع مأساة شهدتها القاضية لشابة بدوية مقطوعة الساق من الاعلى اعتقلت بعد ان قصفت الخيمة التي تعيش فيها بمعية اهلها ، فبترت اطراف اختها وتشرد اهلها وسحبت هي لتعتقل مع اوصالها ودمائها ! ومع كل هذا ، فهن يصرحن بأن معاملتهن اهون بكثير مما لو كّن في سجن عراقي ! لقد تكيّفت العراقيات منذ ثلاثين سنة على التحديات ، وكن ينتظرن دفن الماضي وبناء المستقبل ، ولكن وجدن انفسهم اليوم محاصرات بقوى الظلام المختلفة التي وجدت فرصتها على العهد الامريكي .
ان تقرير بعثة الامم المتحدة لدعم العراق عام 2007 ، وشهادات لعراقيات كافية لتعلمنا ما حّل بالمعتقلات اللواتي لا يحصى عددهن .. لقد بدأ قتل النساء جماعيا وعلنا في شوارع البصرة ، ثم زحف نحو الشمال حتى الموصل ، فقد ذكرت إحصائية لوزارة حقوق الإنسان إلى تعرض(501) امرأة إلى عمليات اضطهاد, وتعرضت(1108) امرأة في السليمانية عام 2005 إلى عمليات قتل وحرق وخطف.وأقدمت (533) امرأة عام 2004على الانتحار و(289) امرأة عام 2005 و(533) امرأة عام 2006 . ولقد كثرت جرائم الشرف لأسباب تافهة لا يمكن تخيلها ، يقول احد التقارير بأن مئات النساء تقتل كل عام في العراق، يحرقن او يرجمن ، أو يتم تسميمهن، أو يذبحن، أو يتم تقطيعهن ارباً اربا بالسكاكين ، لأسباب دينية او اجتماعية .. وكثيرا ما تساق النسوة مع اطفالهن او بدونهم الى المعتقلات رهائن للفارين من ازواجهن او اخوانهن او آبائهن .. وكثيرا ما تغدو النساء سلع ابتزاز في الخطف والاعتقال والقتل ..
ان المجتمع العراقي لم يكن بهذا التوحش قبل خمسين سنة ، ولكن مخاض الاوضاع المرعبة التي مرّ بها جعلته يعيش هذه الفوضى الخلاقة التي خلقها الامريكيون بسياساتهم العقيمة .. انني اناشد الضمير العالمي والاسلامي والعربي ان يقف وقفة مشّرفة ازاء المرأة العراقية المضطهدة منذ سنين .. واناشد كل العراقيين الشرفاء ان يجتمعوا على مشروع وطني مدني متحضر ينقذ العراق من اوضاعه المأساوية ، ويخلّصه من همجية هذه القوى البدائية ومن كل البرابرة الجدد !
البيان الاماراتية ، 2 يوليو 2008
www.sayyaraljamil.com