اثارتني كثيرا مقالة احد الاصدقاء وهو يدافع عن مشروع الاتفاقية العراقية الامريكية الجديدة ، ولا ادري هل يخاطب كل العراقيين ، ام يخاطب اولئك الانقساميين ؟ ام البعض من العرب والايرانيين ؟ العراقيون اليوم كلهم يخوضون تجربة تاريخية جديدة ليست كتلك التي خاضها الاباء مع الانكليز ، بل اقسى وأمّر مع تبدّل الزمن والاستراتيجيات والرجال . ان العراقيين اليوم يعيشون اقسى فوضى خلاقة في الوجود ، فهم يعانون في بلاد ضعيفة ، متأخرة ، متناحرة ، متمزقة ، مثلومة الارادة ، مسحوقة الانفس ، مهددة ومستلبة .. هنا سينقسم الرأي العام بالضرورة ازاء هذه الاتفاقية .. فهي اتفاقية غير متكافئة بين بلدين اثنين ، وان المشكلة ليست منحصرة بين حكومتين ، بل ان قوة اقليمية لا يستهان بها مثل ايران اعلنت عن اجندتها ازاء توقيع اي اتفاقية بين العراق والولايات المتحدة ، كونها تدرك انها هدف استراتيجي للامريكيين من خلال العراق ، وهذا ما يثير الفزع ايضا .. علما بأن الامريكيين هم السبب في عبث ايران بالعراق ، وانهم قد خاضوا مفاوضات سرية مع الايرانيين على ارض عراقية دون معرفة ما دار بين الطرفين . الامريكيون لا يعلنون ابدا والعراقيون يعلنون شيئ وينكرون اشياء .. يقولون ما لهم ويخفون ما عليهم .. الامور ضبابية وغير واضحة ابدا . لماذا ؟ هذه السياسة هي التي تولد الانقسامات وتنضج الصراعات ، كما جرى تطبيقه وجعل حياة العراق بين الامل والانسحاق .
لن يقف العرب من انصار بعض الدول والاحزاب ضد هذا ” المشروع ” فقط حتى يلبسه البعض لباسا غير عراقي ، كي يقال بأنه العلاج الامثل لاستقرار العراق وأمنه ! ان اغلب ابناء الشعب العراقي يقف بالضد من اي ” مشروع ” سيوّقع عليه في نهاية يوليو / تموز القادم وهم لا يعرفون محتواه ؟ وعليه ، ليس من حق اي بشر التصفيق لأي ” مشروع ” لم يعلن عن مضامينه ، وليس من حق أحد ان يراهن على قوى سياسية عراقية مرتبط وجودها اساسا بهذا ” المشروع ” الذي ستتلوه مشاريع خطيرة قادمة بالضرورة !
وعليه أتساءل : كيف تبرر اي معاهدة كهذه والعراق بمثل هذا الوضع ، حتى وان كانا غير متكافئين بحجة وجود معاهدات واتفاقيات اخرى بين دول في المنطقة وامريكا ؟ او بين المانيا واليابان من طرف وبين امريكا من طرف آخر قبل ازمان بعيدة ؟ كيف لك تبرير اي ” معاهدة ” وانت ادرى بالفوارق الكبرى بين القرائن ، وحتى ان لم تدركها ، فان العراق لم يلق اي عناية تاريخية ؟ هل تريد القول ان الامريكيين لم يتحملوا اية مسؤولية في الذي عانى منه العراق ؟ انهم هم انفسهم اعترفوا بارتكاب خطايا جسيمة لا يمكن ان تغتفر ! هذه الاخطاء لم يرتكب مثلها في اي بلد آخر .. فكيف تريد من الشعب العراقي ان يثق بمن حّول العراق الى ساحة لتصفية حسابات ؟ كيف تريد ان تسكت كل الوطنيين العراقيين من المفكرين والمختصين والتكنوقراط المستقلين وكانوا على مدى سنوات من المبعدين والمهمشين والمهجرين ؟ هل طبق الامريكيون مشروع مارشال جديد وكانوا من الحريصين على مستقبل العراق والعراقيين حتى وان كان ذلك لقاء اثمان يدفعها العراقيون ؟ علينا ان لا نوهم الناس بأن المصالح مشتركة ونحن ندرك ان المعادلة غير متكافئة بين قوي وضعيف ! علينا ان ندرك من خلال قراءتنا للتاريخ بأن المعاهدات ليست كلها من نوع واحد ومنطق واحد وطبيعة واحدة .. انها متباينة تماما بين دولة واخرى ، وبين زمن وآخر ، وبين عهد وآخر ! ان هذه ” المعاهدة ” لن تولد في رحم مرحلة سلم واستقرار ، بل ستأتي في زمن حرب وانقسام ، واخشى ان تزيد من كوارث العراق ونكباته .
صحيح ان العراقيين قد تعبوا كثيرا ، وهم يريدون حياة مستقرة وآمنة وكريمة ومتحضرة ، فهل هذا وذاك ستوفّره ” معاهدة استراتيجية ” مع الامريكيين ؟ هل يثقوا بأي ” مشروع ” امريكي ينقذهم ولا يسحقهم ، يوحدّهم ولا يشتتّهم ، يغنيهم ولا يفقرهم .. يتركهم اسيادا على ارضهم من دون جعلهم مخلب قط ضد هذا او ذاك ؟ ان افتقاد الثقة بهم يجعلهم في مأزق تاريخي ، وهم لا يريدون ان يكونوا شركاء مع العراقيين ، كما دخلوا قبل نصف قرن شركاء في حلف بغداد ، بل يريدون اكثر مما نتصور ! اذا كان العراق بؤرة للثروات فهذا لا يبرر ابقاء العراق كسيحا لا يقوى على الحياة ، وستنوب امريكا ليس في الدفاع عنه ، بل جعل ارضه وسمائه رهينة على امتداد ازمان ؟ ليس من البساطة ان يأخذ الصراع على العراق مثل هذا المدى لولا ما سيشكّله اساسا في القرن الواحد والعشرين ..
وأخيرا ، هل من الانصاف القول ان يتهّم كل معارض للمشروع انه قد وضع بيضه في السلة الايرانية ؟ وهل غدا كل من لم يعد يثق بالولايات المتحدة وسياساتها في عداد الارهابيين والقتلة والاشرار ؟ ما الذي يجبرك على المر بعد كل هذا الماراثون الذي كان العراق ولم يزل يعاني منه ؟ كيف تعّلق الامال على استقرار العراق وأمنه من خلال معاهدة سيجري التوقيع عليها من دون معرفة مضامينها ؟ هل يدرك المصفقون لمثل هذا ” المشروع ” بكل الخطط المعّدة في منطقتنا من قبل الرعاة الجدد ؟
www.sayyaraljamil.com
البيان الاماراتية ، 25 يونيو / حزيران 2008
Check Also
نقطة نظام ضد الفساد والمفسدين والفاسدين
ملاحظة : طلب مني عدد من الاصدقاء العراقيين ان اعيد نشر هذا ” المقال ” …