الرئيسية / النقد السياسي والتاريخي / الآباء الدومينيكان في الموصل 1750 – 2005 ماذا قال بهنام حبابة ؟

الآباء الدومينيكان في الموصل 1750 – 2005 ماذا قال بهنام حبابة ؟


صورة نادرة وقديمة لكنيسة اللاتين الدومنيكان بالموصل من ارشيف صور الدكتور سيار الجميل التاريخية

الكتاب والمؤلف
اهداني الصديق الاستاذ بهنام حبابة نسخة من كتاب جديد له طبعه في الموصل /العراق عام 2005 . وقد عالج فيه موضوع ” الاباء الدومينيكان في الموصل ” سواء في سرد اخبارهم ام في تقديم خدماتهم منذ القرن الثامن عشر .. والاستاذ حبابه اعرفه منذ سنوات طوال ، ولم ازل اتذكر محاضرة له قدّمها في الموصل قبل سنين ، قد أشرت خلالها عليه وقت ذاك ان يعتني بهذا الموضوع ، بل انه لم يزل يحتفظ الى حد اليوم بقصاصة ورق كنت قد ارسلتها اليه من اجل الاعتناء بتاريخ الاباء الدومينكان بالموصل . انه موضوع حيوي ينبغي ان يشد الاهتمام والتفكير معا خصوصا ونحن نبحث عن اجابة حقيقية عن اسباب قدوم الآباء الدومنيكان الى الموصل بالذات وتأسيسهم كنيستهم في منطقة الساعة في قلب الموصل .. وتشعب الخدمات التي قدموها على مستوى التعليم والصحة والطباعة والنشر والمخطوطات والصحافة .. فضلا عن الاعباء الدينية التي قاموا بها . ان هذا ” الكتاب ” الذي قدم له الصديق القديم الاب الراحل طيب الذكر الدكتور يوسف حبي بمقدمة مختصرة له اهميته وسيملأ فراغا تحتاجه ثقافتنا العراقية اليوم .
ان المؤلف بهنام سليم حبابه من ابناء الموصل التي ولد فيها عام 1937 ، وانتسب راهبا وقسا منذ شبابه ، واشتغل معلما لاكثر من ثلاثة عقود ، وكان مديرا قديرا لاحدى مدارس الموصل ، وهو عضو في العديد من الاتحادات والجمعيات الادبية والتاريخية ، وكتب في مواضيع تاريخية مختلفة ونشر مقالاته في جرائد ومجلات عديدة كما القى العديد من المحاضرات ، وله مؤلفات عدة في المسرح والتاريخ .

الرهبانية الدومينكانية : الجذور والتطور
نشأت الحركة الرهبانية الدومينيكانية في القرن الثالث عشر الميلادي عندما اصدر بابا روما براءة بتسميتها عام 1217 على يد القديس عبد الاحد دومينيكوس والذي اراد ان تكون حركته رسولية تبشيرية تعلن نفسها وخدماتها في العالم كله وفي اشهر مناطقه استراتيجية واهمية .. وانتشرت فعلا تلك الحركة الرهبانية من خلال تنظيمها المحكم والذي يديره رئيس عام ينتخب لمدة تسع سنوات من قبل المجمع العام ويعاونه مجلس مستشارين يعرفون اللغات واسعة الانتشار .. والحركة في العالم تنتشر في الاقاليم ، وفي كل اقليم رئيس ينتخب من قبل مجمع اقليمي لمدة اربع سنوات .. والاقليم يتكون من ثلاثة اديار ، وكل دير من ستة اخوة واكثر .. والرهبانية الدومنيكانية اليوم يقرب عدد الاعضاء فيها نحو سبعة الاف ومئتي راهب يتوزعون على 42 اقليما وثلاث نيابات عامة وثلاث واربعين نيابة اقليمية ويعملون في اكثر من ثمانين دولة .. ينشطون في الوعظ والتعليم والتأليف والنشر والبث الاذاعي والتلفزيوني .. وللحركة عدة جامعات وكليات ومعاهد ومدارس جامعية واعدادية .. تنتشر جميعها في قارات آسيا وافريقيا واوروبا والامريكتين .

المضمون التاريخي
تضمن الكتاب معلومات قيمة عن هذه الظاهرة التاريخية في تاريخ الموصل الحديث ، معالجا اخبار هؤلاء الاباء الذين قدموا الى الموصل ضمن ارساليات من ايطاليا ، ومن ثم ارساليات من فرنسا وعاشوا وتوطنوا في الموصل ونسجوا علاقاتهم بالمجتمع المسيحي في اجزاء عريقة مسيحية ومهمة من ولاية الموصل .. ثم يشرح بالتفصيل الخدمات العديدة التي قدمها اولئك الاباء للجميع ، وكان لهم نظامهم وسبل حياتهم .. جاء في الكتاب بأن الآباء الدومينكان ، اخوة رهبانية قام بها رهبان من الاخوة الواعظين الذين عرفوا باسم الدومينيكان ، وهم رهبان طليان وفرنساويين ، ولم نجد اية تفصيلات في الكتاب عن الاسباب الحقيقية لاختيار الموصل كي تكون اقليما دومنيكانيا .. نعم ، ان المصادر تشير الى انهم وصلوا الموصل لأول مرة عام 1750 ابان العهد الجليلي 1723- 1834 ، اي بعد قرابة سبع سنوات من فشل حصار نادرشاه للموصل 1743 .. ولقد اشتهرت مذكرات الاب دومينيكو لانزا واحدة من اهم مصادر ذلك العهد في الموصل ( وكانت اصولها المخطوطة قد ضاعت وقد ترجمت ملخصاتها الى العربية اذ كان قد اعتنى بها كل من الدكتور داؤد الجلبي ومن ثم المطران روفائيل بيداويد ) . ومنذ ذلك التاريخ ، اسسوا بالموصل مركزا اقليميا وحيويا لهم خصوصا وانها كانت ابان تلك المرحلة متفوقة في صلاتها التجارية وعلاقاتها مع العالم ، وقد كانت ولم تزل مركزا لمسيحيي العراق واطرافه قاطبة . وكان هدف الحركة الدومينكانية خدميا لا تبشيريا ، فهي لم تغّير دين اي فرد من الافراد .. بل استطاعت ان تفرض احترامها على المجتمع الذي تقبلها برحابة صدر ، وكلنا يعرف حالة الانغلاق التي يتميز بها المجتمع الموصلي . وهذه نقطة جديرة بالتأمل ، ذلك ان الدومينيكان الذين عمّروا في الموصل لأكثر من 250 سنة لم يصادفوا اية مشكلة ولا اي اضطهاد ولا اي مضايقات لا من قبل المسلمين ولا من قبل ملل المسيحيين .

ثلاث مراحل من تاريخ الدومينكان في الموصل
شغلت المسيرة الاولى في تاريخهم بالموصل قرابة مائة سنة 1750- 1856 ، اذ كانت عهد تأسيس ، في حين شغلت المسيرة الثانية ما تحقق على ايديهم للفترة 1856- 1914 ( اي حتى الحرب العالمية الاولى ) وهو عهد الخدمات الحقيقية من انتشار المدارس وكفاءة المعلمين وتأسيس المطبعة التي اشتهرت كثيرا باسمهم ، وطباعة عشرات الكتب واغلبها في اللاهوت والامور الكنسية التي لا علاقة لها بالمجتمع والتاريخ .. وهناك شؤون الطبابة التي اعتنت بالصحة ، وفتحت ابوابها امام الاخرين .. فضلا عن القضايا الكنسية .. اما الفترة اللاحقة ، فيخبو دورها كثيرا مقارنة بما كانت عليه ابان النصف الثاني من القرن التاسع عشر .
نعم ، لقد استأنفوا عملهم بانشاء مدرسة القديس عبد الاحد وتأسيس الراهبات الكاترينات الدومنكانيات ، ثم كلية الموصل وبيت الصلاة والاهتمام بالمكتبة التي سميت باسمهم واعتنوا بالمخطوطات واغلبها في اللاهوت .. ومن اصداراتهم مجلة الفكر المسيحي التي استمرت تصدر طوال ربع قرن مضى .
في 10 يناير / كانون الثاني 2000 ، كان قد مضى على وجود الآباء الدومينيكان في الموصل 250 سنة ، اذ اقيم احتفال يوبيلي كبير بالموصل ذكرى دخول اول راهبين من الاباء الدومينيكان لتأسيس الحركة الرهبانية في الموصل ، واقيم الاحتفال في بيعة الطاهرة الاثرية العريقة بحضور مطارنة وشخصيات عديدة وقدوم المرسلين من ايطاليا ..

مساهمات نهضوية
وفي العام 1856 ، وصل الموصل آباء دومينيكان من فرنسا وعملوا فيها حتى العام 1915 ، وعلى اكتافهم تطورت عدة جهود نهضوية اختصت بها الموصل عن سواها بفعل المدارس والثقافة والطباعة .. ثم اعمار الساعة وبرجها المعروف في قلب الموصل واصدار مجلة اكليل الورود فضلا عن الخدمات الطبية للآباء اللاتين . ولعل ابرز من خدم في الموصل من الدومينكان اللاتين الفرنسيين : الاب يعقوب ريتوري والاب حنّا فّيي واشتهر الاخير بتواريخه وتسجيلاته المهمة التي لا يمكن الاستغناء عنها ابدا .. ولعل من اشهر انجازاتهم مدرستهم التي اسسوها في قلب المدينة والتي تخرج في اروقتها العديد من الرجال النهضويين والمصلحين الرواد الذين قدموا خدماتهم في ما بعد للعراق ، ومن اشهرهم : العلامة اقليموس يوسف داود ، وأدّي شير ، وسليم حسون ، والدكتور داود الجلبي ، وافرام برصوم ، والدكتور حنا خياط ، وخير الدين العمري ، وروفائيل بطي ، وتوفيق السمعاني ( ودرس كل من علي الجميل وصديق الدملوجي اللغة الفرنسية فيها ) ، وبطرس عزيز ( المطران لاحقا ) ، وداؤد سليم ، ورؤوف العطار ، ورزق الله اوغسطين ، وامجد العمري ، وعبد الله فائق المحامي ، ورؤوف شماس اللوس ، والخوري حنا رحماني ، وعبد الكريم داؤد بني ، ويوسف عبيدة ، وبشير فليان ، وحبيب سرسم ، وفتوحي ممو ، ويوسف عزوز ، وارتين كيورك ، وتوما قندلا ( الخطاط ) ، وداؤد جردق ، وكامل قليان ، ويوسف رباني ، ويونان عبو اليونان ، وجميل شوريز.. وغيرهم .

واخيرا : ما الذي نتعلمه من هذا الدرس ؟
ان تجربة الاباء الدومينكان في الموصل ، تجربة تاريخية ساهمت بايجابيات كثيرة على مدى هذا العمر الطويل ، والمهم ، كما ذكرت سلفا ، انها تأسست وعاشت تؤدي خدماتها وواجباتها على اتم وجه .. وكانت قد فتحت ابوابها على المجتمع سواء من الناحية الطبية والعلاج التي مهر بذلك عدد من الرهبان والراهبات ، او من الناحية التعليمية الصرفة اذ تخرج في مدرستها العديد من الرجالات النهضويين الموصليين الذين خدم بعضهم العراق خدمات رائعة في القرن العشرين .
تحية للصديق الاستاذ بهنام سليم حبابه على كتابه الجديد متمنين له دوام الصحة والعافية وان يتحفنا بسفر جديد آخر في تاريخ الموصل ..

www.sayyaraljamil.com

الف ياء ، 16 ديسمبر 2007

شاهد أيضاً

على المشرحة.. لا مواربة سياسيّة في الحوار العلمي (الحلقتان الثالثة والرابعة)

ثالثا : الاحرار العرب : مستنيرون لا خونة ! 1/ اخطاء تاريخية وتحريف للتاريخ ويستكمل …