Home / الشأن العراقي / العراق وفشل الرهانات الامريكية الصعبة

العراق وفشل الرهانات الامريكية الصعبة

من يقرأ تاريخ العراق السياسي سيجده مليئا بالرهانات الصعبة التي عادة ما تنتهي بالحروب الدموية التي يذهب ضحيتها الالاف من ابناء العراق ، فضلا عن اندحار الغزاة. لقد كنت قد نشرت كتابا عن اندحار نادرشاه في العراق وكان احد اعتى غزاة العراق في العصر الحديث، والذي تعددت عملياته ، وكان يدحر في كل مرة في بلاد الرافدين وسط انتصاراته في اعماق آسيا وقوقاسيا ، ويدرك الجميع اندحاره في العراق لمرتين وضاعت رهاناته الصعبة في اشهر غزواته على بغداد عام 1732 م وعلى الموصل عام 1743م .. لقد كان يراهن على انقسام العراق وتشرذمه من اجل اهداف شريرة. وكان العراقيون يراهنون على وجودهم ومصيرهم بمعزل عن تنوعاتهم وتبايناتهم! وثمة قصة رهانات اخرى على العراق وقفت عندها تاريخيا في كتاب منشور آخر عنوانه ” الرهانات المستحيلة ” .
واليوم .. كان المفترض بالامريكيين ان لا يراهنوا ابدا على بعثرة العراق باساليب فاشلة، وبالرغم من ترويجهم لأكثرمن اربع سنوات ، معلومات كاذبة وافكار ومشروعات واهية وشعارات وتلفيقات لا اساس لها من الصحة .. نشروها في تقاريرهم وكتبهم ووكالات اعلامهم وقام بتكريسها عدد لا يستهان به من الاخوة العراقيين ، بل وقد اقر بعضها في ” دستور” اختلف كل العراقيين على ما تضمنه من فقرات مجحفة وغير لائقة! اصبحنا اليوم وبعد حرب دموية طاحنة وبعد انهيار كامل لكل المؤسسات ، وبعد كل ما حاق بالعراق من خراب .. لا نسمع ابدا بتعابير ومصطلحات اشاعوها وفرضوها بالرغم من انف العراقيين، بل وكلما كنا ننتقد خطواتهم واساليبهم واسسهم البليدة كنا نواجه بالرفض والتجاهل .
لقد ركبوا رؤوسهم عندما راهنوا وما زالوا على انقسام العراق! وتراقصوا على ” الفيدرالية ” كمبدأ لم يجد تأييدا من كل العراقيين ! وتشدقوا بالديمقراطية، وكّنا نحسب مشروعهم سيضمن لحكم العراق وجود قوى نظيفة وذكية وتحديثية معاصرة ، ويبدأ العراقيون بترتيب بلادهم ضمن ثوابت مجتمع مدني معاصر ، فاذا بهم يكبلون الحياة السياسية باحزاب وهيئات دينية وطائفية .. انتجت فجيعة للعراق والعراقيين. كنّا نتأمل ان تكون الانتخابات حرة ونزيهة من دون اية اجندة انقسامية وطائفية ولكن حدث العكس! راهنوا وما زالوا على قانون للنفظ اقل ما يقال عنه انه يكرس التجزئة بكل معانيها، والنهب بكل فضيحته ولم يفلحوا حتى اليوم ، علما بأن العراق غدا ساحة للنهب والاختلاسات ! راهنوا على ايجاد انتماءات بديلة عن العراق ، فلم ينتصروا بها ابدا. راهنوا على جعل العراقيين مجموعة مكونات وصنّفوا تلك ” المكونات “الى اساسية ومحتقرة، واندفعوا باتجاه خلق ثلاثة كانتونات متصارعة، فاذا بهم يجدون انفسهم امام 18 كانتونا هي محافظات العراق! واذا كان هناك أي رهان على استقلال كردستان باقتطاعها من العراق، ونحن مع حق تقرير مصير الشعوب ، ولكنه رهان لم يحسب حسابات الجغرافية ولا رواسب التاريخ!
لقد لعب الجميع العابهم الفاشلة في العراق ، وكانت الولايات المتحدة تحسبه مجرد نظام حكم بشع ومخيف على ارض لا تعيش فيها الا شراذم سكانية مبعثرة مهمشة طارئة هزيلة مفككة!! كانت تخشى النظام السابق وقد حسبت له حسابا عسيرا من دون ان تحسب للمجتمع العراقي اي حساب ولا اي اعتبار،فاذا بها اليوم ترتد وتعترف بمرارة ان النظام كان مجرد نمرا من ورق وان مجتمع العراق ليس من السهولة التعامل معه او اللعب بمصيره ! لقد انقلب اغلب العراقيين على السياسة الامريكية اليوم نتيجة ما حاق بهم وببلادهم من دمار وخراب وبؤس وشقاء ، بل وان الولايات المتحدة كانت وراء مأساة العراق منذ اربعين سنة ، بكل ادوارها في الحروب وجناياتها من خلال عملائها ومنفذي خططها التي لا تعد ولا تحصى !
السؤال : ماذا لو تركت الولايات المتحدة العراق وحده لمصيره ؟
ثمة اوضاع جديدة ستخلقها المرحلة القادمة في حال انسحاب القوات الامريكية من التراب العراقي ، منها ان فراغا كبيرا سيحدث لا محالة في كل من الدواخل العراقية والاقليم برمته، وان ثمة وجوه جديدة ستصعد سلم القيادة وربما بدكتاتور جديد ، وان الوجوه الحالية ستختفي نهائيا عن المسرح السياسي ، بل ولن تجد فرصتها بالبقاء على التراب الوطني .. ستختفي القوى السياسية برمتها رفقة مليشياتها ! وسيبحث العراقيون عن فرصة انقاذ باجمعهم. ومن الجنون ان تتدخل اية قوى اقليمية ، ولكنها ستفعل ذلك ، مما ينتج ردود فعل قوية في الداخل وستتبلور انتمائية واحدة للمجتمع بديلا عن هذا التفسخ الذي خلقته الرهانات الصعبة ! سيكون الخوف من ايران كبيرا ، ولكن حتى ان جرّبت حظها لملئ الفراغ ـ كما تقول ـ ، فانها ستحرق المنطقة كلها .. فلا يمكن لايران ابدا ان تبقى اللاعبة الحقيقية بمصائر الشرق الاوسط ابد الدهر !
اما فرصة الحرب الاهلية ، فثمة رهانات حقيقية على ابقائها والنفخ فيها .. ولكنني اعتقد بأنها رهانات مرتبطة بالقوى الدينية والطائفية الحالية ، فهي متى رحلت او قضي عليها بارادة عراقية حقيقية ، فان المجتمع سيستعيد عافيته ليس بسرعة البرق ولكن بعد زمن طويل . ولا أدري ، هل سيتعلم العراقيون الدروس التاريخية ام لا ؟ .. واذا كانت تجربة القوميين التاريخية الطويلة قد فشلت واقعيا ، فان تجربة الاسلاميين العراقيين باحزابهم وتياراتهم وهيئاتهم وتشكيلاتهم وميليشياتهم ستموت وتندثر الى الابد . ان سفينة العراق سوف لا ترسي بهدوء الا بعد سنوات طوال .. وان استعادة العراق طبيعته ليس بالامر السهل ، فان الرهانات لم تنته بعد .. حتى وان كان الامريكيون قد فشلوا فشلا ذريعا في تطبيق رهاناتهم الصعبة ، فاللعبة لم تنته بعد وسيدخل العراق حساب رهانات اخرى مستقبلا . وانتم ايها العراقيون دعوا عرض سيناريو الرعب ينتهي .. ولكن لا تدعوا اليأس يأكل القلوب .. فالشمس ستشرق ، ولكن ليس عما قريب !

www.sayyaraljamil.com
البيان الاماراتية ، 12 سبتمبر 2007

Check Also

نقطة نظام ضد الفساد والمفسدين والفاسدين

ملاحظة : طلب مني عدد من الاصدقاء العراقيين ان اعيد نشر هذا ” المقال ” …