الرئيسية / كتابات عن / صفحات مطوية من الأمس القريب – الحلقة الاولي –

صفحات مطوية من الأمس القريب – الحلقة الاولي –

– أربعون عاما علي وفاته بحادث سقوط طائرته المثير للجدل!
– عارف لم يعدم احداً من خصومه ومعارضيه تآمروا عليه

المشيرعبدالسلام محمد عارف هو أحد رؤساء الجمهورية في العراق، وبذات الوقت هو شخصية أثيرت حولها الكثير من الآراء المتناقضة، والمواقف الإنفعالية، وتعرضت للتشويه والتهجم، فبعض القوي إتهمته بالطائفية والتحيز الأعمي للسنة كونه من عشائر الرمادي، والبعثيون إتهموه بسرقة ثورتهم في 8 شباط (فبراير)1963 وإغتيالها والتآمر عليها في 18 تشرين الثاني (نوفمبر) 1963، والشيوعيون إتهموه بالشوفينية ومعاداة الشيوعية والتعصب للقومية العربية، والتحيز المبالغ فيه للوحدة العربية والولاء الأعمي لجمال عبدالناصر، قوميون عرب إتهموه بخيانة القومية العربية وعدم الوفاء لعبدالناصر!، إسلاميون إتهموه بأنه أقحم الإشتراكية في الإسلام من خلال مناداته باشتراكية الإسلام وإصداره قرارات التأميم الشهيرة عام 1964، أما من صودرت ممتلكاتهم وشركاتهم ومصارفهم وأراضيهم في قرارات التأميم وتضرروا من القرارات الإشتراكية فهم مازالوا يحنقون عليه ولايذكرونه إلا بسوء!
مهما كان عبدالسلام محمد عارف ومهما كان موقفنا منه، فإنه شئنا أم أبينا قد دخل تأريخ العراق الحديث واحداً من الشخوص العراقية التي حفرت إسمها وأفعالها ومواقفها في سجل التأريخ العراقي، ولسنا في موقع التحيز أو التقييم الذاتي، ولا في معرض النقد والتنكيل الشخصي، ولكن جزما فإن عقودا أربعة مضت منذ إحترقت جثة (الرئيس عارف) في حادثة (سقوط أو إسقاط!) طائرة الهليوكوبتر التي كان يستقلها مع مجموعة من مرافقيه ووزراءه فوق منطقة (النشوة) بمحافظة ميسان وهو في جولة تفقدية للإطلاع علي أحوال الناس هناك في عاصفة ترابية يوم 13 نيسان (أبريل) 1966، أعتقد أنها تشفع لنا أن نطالب من جديد بإعادة دراسة وتقييم هذه الشخصية العراقية التي حفرت إسمها في سجل التأريخ العراقي، وإنصاف هذا الرجل الذي ضحي بحياته من أجل بلده، وبذات الوقت ينبغي إعادة إثارة موضوع (سقوط أو إسقاط) طائرته في الحادث المشبوه المثير للجدل، ومن كان يقف وراء الحادث المذكور؟ ولماذا لم تعلن نتائج التحقيقات التي قيل أنه قامت بها لجان فنية هندسية عسكرية من عراقيين و(مصريين!) في هذا الحادث؟ ثم لنا أن نتساءل ونبحث هل كان عبدالسلام عارف فعلا كما يتهمه البعض (طائفيا)؟ أو هل كان ( مهووسا بعبدالناصر والوحدة العربية)؟ وهل كان عارف طاغية أو دكتاتورا؟ هل أعدم أحدا من خصومه أو معارضيه أو الذين قاموا بمحاولات إنقلابية ضده؟ أو إغتالهم أو قام بتصفيتهم؟ أو… أو… إلخ! وماهي حقيقة علاقته بالنظام المصري والدور الذي مارسه السفير المصري ببغداد (أمين هويدي) أيام عارف.


لماذا عبدالسلام عارف.. الآن؟

إضافة لما تقدم، فإن ما حفزني للكتابة بهذا الموضوع، ثلاثة مواقف إعلامية مهمة برزت مؤخرا وهي:

1ــ مانشرته جريدة (الزمان) بعددها 2148 بتأريخ 29/6/2005 بقلم السيد زهير عبدالرحمن تحت عنوان (الاستجارة عند العرب : واقعتان من القرن العشرين – عارف يرفض تسليم الخميني) من أن (الرئيس عبدالرحمن عارف رفض عرضا من شاه إيران بإغلاق الحدود الإيرانية أمام المتمردين الأكراد مقابل تسليم عدد من الرموز الإيرانية اللاجئة للعراق وفي مقدمتهم الخميني). وهذه المقالة تثير البحث في فترة حكم الشقيقين عارف، وما تم تلفيقه لاحقا من تهم ضد تلك الفترة من تأريخ العراق.

2ــ تصريحات الدكتور عدنان الباجه جي التي نشرتها إحدي الصحف العربية مؤخرا وتقييمه لفترة نظام حكم الشقيقين عارف بقوله أن نظامي عبد السلام عارف وشقيقه عبد الرحمن عارف القوميين العربيين في الستينات، لم يعتمدا العنف ولا الاعدامات لتصفية اعدائهما . وقال الباجه جي في المقابلة في الستينات، وتحت قيادة الرئيسين العراقيين الراحلين عبد السلام عارف وعبد الرحمن عارف، مثلت العراق في الامم المتحدة وكنت ايضا وزيرا للخارجية. وكان اهتمامنا الاكبر انذاك القضايا العربية، وعلي الاخص قضية فلسطين، وقد نشطنا جدا في الدفاع عن هذه القضايا اثناء وبعد حرب 1967. كنت وزيرا للخارجية في حكومتي عبد الرحمن البزاز وناجي طالب وفي حكومة الرئيس عبد الرحمن عارف. الرئيسان عبد السلام وعبد الرحمن عارف كانت لهما توجهات قومية ووحدوية عربية تتوافق مع اقتناعاتي . وقال: اود ان اؤكد لكم انه في زمان حكم عبد السلام وعبد الرحمن عارف لم يعدم اي شخص لاسباب سياسية، بالرغم من انه قامت عدة محاولات انقلابية. واشير الي انه حتي في العهد الملكي العراقي تمت اعدامات سياسية في حق مؤيدي رشيد عالي الكيلاني والحزب الشيوعي العراقي، كما انه في مطلع عهد عبد الكرسم قاسم اعدموا العائلة المالكة ومنظمي ثورة الشواف، غير انه منذ اطاحة عبد السلام عارف بنظام البعث في 18/11/1963 وحتي انتهاء نظام عبد الرحمن عارف في 17/7/1968 لم يعدم أحد لاسباب سياسية…. ان عبد السلام وعبد الرحمن عارف كانا قائدين نزيهين برأيي .
3ــ مشاهدتي لبرنامج علي إحدي الفضائيات العربية مؤخرا إستضيف فيه العلامة (الشيخ محمد مهدي الخالصي)، والذي تكلم بصراحة وإنصاف وموضوعية عن المرحوم عبدالسلام عارف، وعندها شعرت بمقدار تقصير الكتاب والأكاديميين والباحثين وبالاخص من العراق، بحق الرئيس الشهيد عبدالسلام محمد عارف وعدم إيفاءه حقه بين سلسلة الزعماء والحكام الذين تتابعوا علي حكم العراق، ومقدار الغبن الذي تعرضت له شخصية المرحوم عارف من لدن عدد من المؤرخين والكتاب، وبالأخص من العراقيين في محاولة إلصاق تهم باطلة بشخصيته كالتهمة الطائفية وتهمة الدكتاتورية وغيرها من التهم التي تنطلق من ثأرات ومواقف متحيزة غير موضوعية وغير منصفة. فالرئيس عبدالسلام كان يتمتع بمزايا قيادية وإنسانية وصفات يندر وجودها لدي كل الذين تولوا حكم العراق منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة 1921ـ


من هو عبدالسلام عارف؟

عبدالسلام محمد عارف واحد من أبناء عشائر جميلة العربية، المشهورة بتمسكها بالقيم العربية الإسلامية، كان والده (الحاج محمد عارف) صاحب محل بزازة (بائع أقمشة) في منطقة السوق حمادة بالكرخ التي نشأ وترعرع فيها عبدالسلام، وكان الحاج محمد عارف يرتدي العمامة، وكان حريصا علي تربية إبنه تربية إسلامية ملتزمة. دخل عبدالسلام الكلية العسكرية العراقية وتخرج منها عام 1939، وشارك مع قطعات الجيش العراقي في (حرب فلسطين) 1948 كما وأشتهر بميوله القومية العربية المشبعة بالإسلام وحب الوحدة العربية. ودخل تنظيم (الضباط الأحرار) أوائل الخمسينات مع مجموعة من الضباط الوطنيين من مختلف التوجهات الذين أعلنوا أنهم يسعون لإنهاء الحكم الملكي – الذي يرونه نظاما رجعيا مرتبطا بدائرة الإستعمار ومعاديا للتطلعات الوحدوية العربية.
كان عبدالسلام عارف واحدا من ضمن منفذي ثورة 14 تموز (يوليو) 1958، وهو الذي قرأ بيان الثورة الأول بصوته من الإذاعة العراقية، وعين بعد نجاح الثورة نائبا لرئيس الوزراء ووزيرا للداخلية.، وبعد نجاح الثورة بأيام طار إلي دمشق للإلتقاء بالرئيس جمال عبدالناصر وهناك تعرف الإثنان علي بعض عن كثب، وألقي عبدالسلام خطابه الشهير في ميدان دمشق، وطالب بإنضمام العراق إلي الجمهورية العربية المتحدة، وطبعت صورته مع عبدالناصر ووزعت في مدن العراق وفي دمشق والقاهرة، مما أثار شكوك وحفيظة معارضي الوحدة العربية من الشيوعيين وغيرهم، فناصبوه العداء وكادوا له المكائد، وحرضوا عبدالكريم قاسم ضده ورتبوا قصة المؤامرة التي يدبرها عبدالسلام لإغتيال عبدالكريم، ووصل الأمر الي أن تشاجر الإثنان داخل مبني وزارة الدفاع وقيام عبدالسلام بتوجيه مسدسه نحو قاسم وتدخل الزعيم فؤاد عارف لمنعه وسحب المسدس منه، هذا الحادث أدي إلي إصدار قرار من قاسم بإبعاد عبدالسلام وتعيينه سفيرا للعراق في (بون) أواخر 1958، ثم تم سحبه بعد أسابيع إلي العراق وإحالته إلي المحكمة العسكرية العليا الخاصة (محكمة الشعب برئاسة العقيد فاضل المهداوي) لمحاكمته بتهمة التآمر علي (الزعيم عبدالكريم قاسم رئيس الوزراء ووزير الدفاع) وحكم علي عبدالسلام بالإعدام، إلا أن الحكم لم ينفذ وخفض الي السجن المؤبد، ثم بعد فترة تم الإفراج عن عارف وأودع الإقامة الإجبارية في مسكنه بمنطقة الأعظمية، لغاية قيام ثورة 8 شباط (فبراير) 1963 وإسقاط حكم عبدالكريم قاسم، حيث أسند الإنقلاب لعارف رئاسة الجمهورية تكريما لنضاله الطويل ومواقفه الوطنية العروبية. وإستمر عبدالسلام رئيسا للجمهورية، لغاية 18 نوفمبر (تشرين الثاني) 1963 حين قاد بنفسه حركة تصحيحية ضد تصرفات البعثيين، بعدما تفاقمت انتهاكات الحرس القومي، وإعتداءاتهم علي المواطنين وتحديهم لسلطة القانون وتجاوزاتهم التي فاقت حدود الصبر (كما وصفها عارف في بيان حركة 18/11)، وبعد أن وصلت النزاعات الحزبية الداخلية حد إستخدام الطائرات الحربية العراقية يوم 13 تشرين الثاني (نوفمبر) 1963 من قبل بعض الضباط البعثيين (منذر الونداوي وجماعته) لقصف القصر الجمهوري ووزارة الدفاع بالصواريخ، فإضطر العسكريون بزعامة عارف ومن معه إلي القيام بحركة مسلحة لتصحيح الأوضاع، وإقامة نظام حكم وطني بعيد عن التحزب.

تميز عبدالسلام عارف خلال فترة حكمه بالسعي الدؤوب لتحقيق الوحدة العربية من خلال إحياء إتفاق الوحدة الثلاثية مع مصر في 17 أبريل 1963 (رغم خروج سورية البعث من الإتفاق بعد سوء علاقة البعثيين بعبدالناصر علي أثر فشل المحاولة الإنقلابية التي قام بها القومي جاسم علوان في دمشق بتموز ــ يوليوــ 1963، وأدت لإعتقاله ومحاكمته مع بقية القوميين والناصريين في سورية) وبالتالي تم تجميد الإتفاق، وفي 25 مايس (مايو) 1964 وقع عبدالسلام عارف مع عبدالناصر إتفاقية إنشاء القيادة المشتركة بين العراق ومصر، وإعلان الوحدة العسكرية بين البلدين.

قوات مصرية تحل مكان القوات السورية في شمال العراق:
كانت القيادتان البعثيتان في كل من العراق وسوريا إتفقتا عام 1963 (قبل سقوط نظام البعث بالعراق 1963) علي إرسال قوات عسكرية سورية إلي شمال العراق لمواجهة ماسمي وقتها بحركة التمرد الكردي، ونظرا لمطالبة النظام السوري بإعادة تلك القوات، طلب العراق من مصر إحلال قوات مصرية بدلا عن السورية في شمال العراق، وفعلا تم ذلك خلال عام 1964 بناء علي إتفاق الوحدة العسكرية والقيادة المشتركة.
حول مذكرات أمين هويدي عن عبدالسلام وحادثة مقتله:
أمين هويدي كان سفيراً لمصر في العراق إثر إعادة العلاقات المقطوعة بين البلدين بعد سقوط نظام عبدالكريم قاسم 1963 وحتي نهاية حكم العارفين وكان له دور هام ومؤثر في العراق نتيجة الدور المصري في الشأن العراقي حينها، وكانت سفارة مصر في وقته تتخذ دارا سكنية في منطقة العطيفية الأولي بالكرخ مقرا لها لحين إعادة موقع السفارة بالوزيرية عام 1964، وبرغم كل الإنتقادات التي وجهت لهويدي علي أثر نشر مذكراته عن العراق، فالحق يقال بأن أمين هويدي رجل يذكر المعروف في أهله وليس كغيره من الذين يتكتمون علي الحقائق وجميل الأعمال وتناسوا أفضال ومواقف العراق. وينبغي أن نشيد به لما ذكره في مذكراته من فضل للعراق عندما احتاجت مصر إلي رصيد من العملة الصعبة لمواجهة أزمة إقتصادية، وبادر العراق لمعاونة الشقيقة الكبري. ويقول بأنه فاتح محافظ البنك المركزي العراقي وقتذاك وهو د. خير الدين حسيب وكان من ابرز الاقتصاديين الناصريين، فأتم الأخير الإجراءات بعد أيام قليلة بدفع ملايين الدولارات لمصر.. ولكن هويدي يستطرد قائلا بأن العراق لم يطالب برد هذا المبلغ إلا بعد أن توّلي شكري صالح زكي وزارة المالية في وزارة د. عبد الرحمن البزاز. لكن د. سيار الجميل يري (إن العراق لم يطالب مصر بأمواله ويجعلها من أولوياته إلا بعد أن أدرك عبد السلام عارف وطاقمه الجديد برئاسة د. عبد الرحمن البزاز بأن مصر كانت تقف وراء المحاولة الإنقلابية الفاشلة الأولي لعارف عبد الرزاق !). وكان عبدالسلام عارف وقتها يحضر مؤتمر القمة العربي في المغرب حين دخل الي غرفته فجرا مرافقه الرئيس عبدالله مجيد وأيقظه من نومه ليخبره بتفصيلات محاولة عارف عبدالرزاق.



جريدة (الزمان) — العدد 2174 — التاريخ 28 / 7 /2005

شاهد أيضاً

مسامير.. عتاب إلى الحكومة العراقية شديد الخصوصية شديد العمومية !

قرأتُ الخبر التالي وأسعدني : ( ناشنال بوست ، تورنتو ، يو بي اف ، …