هذه رسالة جوابية على رسالة الصديق الفاضل الاستاذ الدكتور عبد الاله الصائغ المرسلة الي ّ من مشيغان والتي اقترح فيها علّي وعلى بعض المثقفين العراقيين في شتات هذا العالم عقد مؤتمر لهم في مكان منه من اجل نصرة العراق والعراقيين في المحنة التاريخية التي نجتازها اليوم .. وأحب ان انشر جوابي للعالم كله برغبة لاطلاعه على رأيي المتواضع في نص الرسالة الجوابية التالية :
عزيزي الاخ الاستاذ الدكتور عبد الاله الصائغ المحترم
والاخوة الاعزاء على القلب حملة مشعل العراق في العقل والروح والوجدان
تحية عراقية من صميم الفؤاد وبعد ،
وصلني نداء الصديق الرائع والاستاذ البارع الدكتور عبد الاله الصائغ .. وبقدر ما اكبر فيه نداءه الكريم ومشروعه الرائع من اجل العراق .. اكبر فيكم جميعا كل ارائكم الخصبة وروحكم المعطاء ومحبتكم المذهلة للعراق .. وليعذرني الجميع عن تأخر جوابي وعفوا عما تجدونه عندي اليوم من بطء ليس عن غفلة او تجاهل او نسيان .. ولكن متاعب الفكر والحياة وهموم العراق تأكلنا كل يوم نحن العراقيين اكلا .. ولا ادري ايها الاصدقاء كم يزداد قلبي وحشة وتمتلئ نفسي كآبة كلما افكر بالمصير الذي سيلحق بالعراق ، ولا من ادراك متبادل بيننا وبين حقيقة المصير ويا للاسف الشديد .. وكما قلت في رسالة سابقة للاخ الصائغ وارددها وابقى ارددها .. انني اتمنى الموت قبل ان اجد العراق مقسما مجزءا تعيث به الهوام .. انني واثق من ان تشّظي العراق سيحدث لا محالة ، ولكنه لن يطول ابدا كما يحدث دوما في تاريخه .. اما الثمن فسيكون غاليا جدا من ارواح اهلنا ودماء ابنائنا واحتراق ارضنا واحمرار سمائنا .. انني اوافقكم مشروعكم الرائع من اعماق الفؤاد متمنيا ان يجتمع كل المثقفين العراقيين الاصلاء والاحرار في مكان من هذا العالم من اجل قول كلمة للتاريخ ، اذ انني واثق من اننا والملايين في هذا الشتات الواسع سوف لا نستطيع فعل أي شيئ ابدا ازاء هذا المارد الاصفر المجهول الذي يريد افناء العراق وسحق العراقيين ..
قبل سنين مضت وفي ليلة صعبة سمعت فيها خبرا عن غرق العشرات من العراقيين في الباسيفيك ، وماتوا ميتة بشعة وقد اكلتهم امواجه ، وذهبت في نوم عصي وحلمت حلما فيه بشاعة وفيه جمال .. كنت احلم ان يجتمع كل المشردين العراقيين في الارض بمكان واحد .. في جزيرة نائية واحدة خضراء اسمها العراق وتحيطها المحيطات لا براري الذئاب وهي قصية عن الاخرين كيلا يخترقونها .. وفيها لا يجد اهلها الجدد الا ارضا طيبة وسماء رائعة وجمالا خلابا يشقون فيها نهرين طويلين على طولها ويزرعونها نخلا يتساقط رطبا جنيا ، وفي شمالها جبلا وفي جنوبها هورا .. صحوت من نومي اثر صاعقة هزتني هزا قويا وصاح صوت رهيب في اعماقي .. هاتفت والدتي ـ رحمها الله ـ وحدثّتها في الصباح الباكر بما رأيت ، ردّت علّي وقالت بعراقيتها الجميلة : العراق لا يجد له شبيها في كل هذا الوجود يا ولدي ! ليس لكم الا حاضنتكم وسترجعون يوما لنراكم ! ورحل اهلنا ولم نرجع .. وسيرحل العراق قبل ان نرحل رحلتنا الابدية !
نعم ، العراق لا نجد له مثيلا مهما بلغ جمال الاكوان ، ولكن المصيبة في كل من صنع فيه هذا الخراب ولم يزل لم يكمل شوطه .. لم يزل يصنع هذه الفوضى ولم يزل يحبو نحو الجحيم .. المصيبة في كل من جعل العراق فردوسا مفقودا .. المصيبة في كل من جعل العراق بالوعة تجتمع فيها كل قاذورات العالم ! المصيبة في العراقيين انفسهم ، وهم بحاجة الى ان يسمعوا صوت العقل ولو لمرة واحدة .. مشروعكم مولاي الصائغ لابد ان يكون مشروع ادانة لكل ما حدث بعد السقوط .. لنترك ما قبل السقوط للتاريخ اذ كفانا نلوك ذكرياتنا المرعبة ، وان نلتفت الى ما حدث على امتداد السنوات الصعبة التي طالما حلمنا فيها .. ولكن قتلوا احلامنا ونحروا امانينا .. عندما اعترضت في شهر تموز 2005 على ماراثون ما كان يحدث من مهرجانات قامت قيامة اعز اصدقائي ، قائلين : كيف تعترض على ما يجري ؟ فقلت لهم : اننا سندخل العراق بايدينا الى المحرقة .. اننا سنجر العراق بالقوة الى ان ينحر وهو عصيّ على القتل ..
لقد ساهم الجميع بالتصفيق لمن يريد نحر العراق .. لقد صفق الجميع لكل الجهلة والمتخلفين والملالي والكارهين والقتلة والمختلسين .. لقد سكت الجميع على من اقصى كل المتنورين والاحرار المناضلين .. نعم لقد اقصوا كل المثقفين .. كل الاحرار .. كل المناضلين .. لقد ساعد الجميع في ان نصل الى ما وصلنا اليه .. نعم ، انا معكم في هكذا مؤتمر نقول كلمتنا فيه بعيدا عن التزلّف وبعيدا عن المداهنة وبعيدا عن النفاق وبعيدا عن كل الموبقات التي عرفناها منذ نصف قرن من الزمن البليد ..
نعم ، لابد من ان يجتمع اكبر عدد من المثقفين العراقيين ليوقعوا على اهم بيان يصدر عن مصير العراق .. نعم ، لابد ان يجتمع الجميع لا من اجل تصفية حسابات سياسية ولا من اجل مباركة نزعة فاشية ولا من اجل اقرار اجندة طائفية ولا من اجل تمايزية جهوية .. بل من اجل بقاء العراق والحفاظ على دم العراقيين .. تحية مني اليكم مباركا لكم مشروعكم متمنيا ان نؤلف هيئة عليا لعمل الخطة والاتفاق عليها وعلى التمويل وكتابة نظام داخلي للمؤتمر تنبثق عنه ورقة بجدول للاعمال وان يرافق ذلك حملة اعلامية كبرى .. فهل نحن بمستعدين للامر انا مستعد لاعداد ما باستطاعتي اعداده .. دمتم اهلا لحياة العراق ونصرة العراقيين بعيدا عن كل الشعارات القديمة والجديدة التي ستودي بحياة العراق وسحق العراقيين .. وان تنقلوا مشاعري الصادقة الى كل الاخوة والاصدقاء العراقيين في شتات هذا الوجود ..
مع فائق المحبة وخالص التقدير .
سّيار الجميل
في 5 اكتوبر / تشرين الاول 2006
شاهد أيضاً
نقطة نظام ضد الفساد والمفسدين والفاسدين
ملاحظة : طلب مني عدد من الاصدقاء العراقيين ان اعيد نشر هذا ” المقال ” …