يلخص لنا الدكتور سيار الجميل في مقالته عن شيفرة دافنشي أهم خمس خلاصات خطيرة و مثيرة على حد قوله و التي سجلها دان براون مؤلف ” دافنشي كود ” فيذكرها كالتالي :
“اولا : أن الدين المسيحي قد حرف من قبل أمبراطور وثني والأناجيل الأصلية قد أتلفت.
ثانيا : ان المسيح كان قد تزوج من مريم المجدلية ولهما أبنة أسمها”ساره”
ثالثا : أن المسيح أنسان عادي وليس أله ( ودان براون يعيد هنا صورة الصراع القديم بين الاريوسية والاثناسيوسية حول طبيعة السيد المسيح ) .
رابعا : أن المسيح قد وكّل مريم المجدلية لتنوب عنه في رئاسة الكنيسة المسيحية وليس الرسول بطرس ( مؤسس كنيسة روما ) .
خامسا : أن مريم المجدلية يجب أن تؤله . ”
على الرغم من عدم قرائتي للرواية أو مشاهدتي للفيلم الذي أثار الضجة بين أوساط المؤمنين المسيحيين .. و ربما سيثير ضجة اكثر صخبا بين المسلمين .. فأنني أجد في هذا العمل الفني بداية ( صدمة الحداثة بالأديان و المقدسات – حسب تعبير الدكتور سيار الجميل ) !!
لقد ظهرت المسيحية في ظرف زمني كانت فيه الأمبراطورية الرومانية هي سيدة العالم و كانت من القوة بحيث ان من الصعب على شخص واحد كيسوع و العدد الصغير من أتباعه أن يقوم بثورة ضد تلك الأمبراطورية العظمى .. فلجأ الى الثورة السلمية التي كانت خياره الوحيد لنشر مبادئه بين الناس … و قد لاقت تلك الثورة مقاومة شديدة من قبل الكهنوت اليهودي على الرغم من أن يسوع الذي جاء ليهدي خراف بني اسرائيل الضالة قد صرح بأنه لم يأتي لينقض الناموس أو المقدس التوراتي … بما يتضمنه ذلك المقدس من أساطير و أوامر الأله يهوه المتعطش للدماء و المتلذذ بالقتل و المنتعش بشم محارق الأضاحي .. ان يسوع لم ينقض ناموس القتل الجماعي و أبادة الجنس البشري و حرق القرى و تدميرها و قتل أهلها الى الحد الذي لم تسلم منه حيوانات بريئة كالحمير التي لاناقة لها و لاجمل في الصراع على الأرض التي وهبها يهوه الى شعبه المختار !!!
على الرغم من أنه لم ينقض الناموس العبراني الا ان اليهود لم يعترفوا به و أتهموه بأنه ابن زنى لاغير !!! و أنه ليس المسيح الذي ينتظروه !!! فما كان منهم الا أن تآمروا عليه و وشوا به عند الحاكم الروماني الذي أمر بصلبه حتى لايفسد نظام الدولة و يثير الهياج بين جموع الشعب المحكوم !!
لقد اعتنق العديد ممن آمن بيسوع المسيحية و تعرض المسيحيون الأوائل الى اضطهاد كبير من قبل الدولة الرومانية .. الى أن جاء قسطنطين الذي يقال انه قد رأى يسوع المسيح في منامه فآمن به و ” … ويقال انه عندما كان يستعد للحرب فرض علامة الصليب على جنوده حملها والتي كانت سببا في كسبه الحرب .. وبالرغم مما يقال عن مسيحيته الا ان الشكوك تدور حل وثنيته ايضا ! ”
ان اعتناق الشعوب الهيلينية اليونانية و الرومانية التي اعتادت على تعددية الآلهة قد خلق انقساما حادا بين المسيحيين فمنهم من نادى بألوهية المسيح و منهم من نادي ببشريته … ” فما كان من قسطنطين الا ان يأمر بعقد مجمع نيقيا الاول لتثبيت ما يصح من الرأي والتفاسير والذي غدا لاهوتا مع منوال التاريخ . “!!! و ربما كان هذا المجمع كان للتوفيق بين واحدية يهوة ( الأب ) و تعددية الآلهة في بلاد الأغريق و الرومان .. فظهرت فكرة التثليث ” الأب و الأبن و الروح القدس ” والمستوحاة هي الأخرى من أساطير مصرية سبقتها …
نستنتج من ذلك ان اللحظة الحاسمة التي جعلت من المسيحية ديانة عالمية واسعة الأنتشار هي تلك التي اعتنق فيها الأمبراطور المحارب قسطنطين المسيحية و ربما لولا قسطنطين لما كان للمسيحية أن تنتشر في قارات العالم الستة !!!
و اذ نسجل هنا تقديرنا و اعجابنا الشديدين بتعاليم المسيحية المابعد حداثوية فأن الحاجة الى دراسة تفكيكية و نقدية للأديان و الأنبياء و المقدس قد أصبحت ملحة في زمن مابعد الحداثة الذي جعل من الأنسان و حقوقه محورا لأهتمامه بعد ان كانت حقوق الله هي التي شغلت لقرون طويلة تفكير البشر فراح ضحيتها الملايين من الأبرياء في صراع مرير حول ” الحقيقة الدينية ” أو ” رأس المال الرمزي – حسب مصطلح أركون ” … فالبشر تصارعوا على رؤوس أموال عديدة عبر التأريخ كان من بينها او من أهمها ذلك الرأسمال الرمزي .. و لازال الصراع قائما الى يومنا هذا !! فأن تمتلك الحقيقة الدينية تصبح مستعدا للأقتتال حولها ضد حقائق الآخرين التي تراها هرطقة و كفر وضلال … و قد تجاوزت الحداثة و ما بعد الحداثة منذ عصر الأنوار ذلك الصراع الرمزي لكن بقايا ذلك الصراع مازالت تؤجج الكثير من النزاعات و مازال يذهب ضحيتها الكثير من الأبرياء !!
تثير ولادة يسوع الأسطورية كثيرا من الجدل بين نمطين من العقل أحدهما ميتافيزيقي غيبي ايماني و الآخر علمي تجريبي حديث !!! و الحق يقال ان العقل الحديث يرفض ان يصدق أن تلد فتاة عذراء لم يمسسها بشر طفلا الهيا !!!
فيما يرى العقل المؤمن ( المسيحي و الأسلامي فقط ) ان تلك الولادة حدثت بمعجزة الهية !!! أو بأمر و تدخل مباشر من قبل كائن علوي خفي هو يهوه ايلوهيم الأب ( اله اليهود و النصارى ) أو الله ( اله المسلمين ) !! مستبعدين من ذلك ( عقولا ايمانية ) اخرى من يهودية و بوذية و هندوسية و شنتو و غيرها التي لاتؤمن بمعجزة ولادة يسوع من عذراء !!!
و لو تجاوزنا فرضية ( المعجزة ) التي يؤمن بها العقلان الايمانيان المسيحي و الأسلامي .. فأننا يمكن ان نفترض عددا من الأحتمالات حول كيفية ولادة يسوع ( ان صح علميا وجود مثل هذه الشخصية في التأريخ ) :
الفرضية الأولى و هي قد طرحها أحد الكتاب العراقيين ( لا يحضرني أسمه ) في كتاب له معنون ( المهدي المنتظر في الديانات ) : يفترض الكاتب ان (اليصابات أو أليزابيث ) خالة مريم و زوج زكريا الذي بلغ من العمر عتيا كانت لها رغبة في أن تلد من زوجها .. و قد بشر الرب زكريا بأن يهب له ولدا سيسمى يوحنا المعمدان أو يحيى !! رغم أنه رجل مسن غير قادر على الأنجاب .. فما كان من اليصابات أن ضاجعت أحد الكهنة في المعبد القادرين على تلقيح بويضة رحمها … فحملت اليصابات وولدت يوحنا … و قد كان من الصعب أقناع زكريا نفسه فما بالك بأسكات أصوات أقاويل الناس التي شككت بأمكانية ان تلد اليصابات من رجل بلغ من الكبر عتيا : أنى يكون له غلام .. ؟؟؟
فلجأت اليصابات الى أن تكرر تلك المضاجعة مع بنت أختها مريم حتى تسكت تلك الأصوات المتشككة .. كانت مريم الفتاة العذراء التي كفلها زكريا تتعبد لساعات طوال و تعيش حالة التحنث و الأستغراق في عالم الأيمان الخلاب .. ففوجئت و هي ترى أمامها بشرا سويا !! خافت و تعوذت بالرحمن منه ان كان تقيا … قال لها الكاهن : أنني رسول ربك لأهب لك غلاما !! تعجبت مريم كيف يكون لي غلام و لم يمسسني بشر من قبل و لم اكن بغيا …. قال لها الكاهن : كذلك !!! ضاجعها بأمر الرب فحملت و ولدت يسوع الذي يصغر يوحنا أو يحيى بستة أشهر فقط …
هنا أصبحت اليزابيث بعيدة عن الشكوك و الأقاويل بعد ان حدثت معجزة أخرى و هي ان تلد مريم العذراء من الرب دون ان يمسسها بشر !!! صدق من صدق و شكك من شكك .. و من هنا جاء اتهام اليهود ليسوع بأنه ابن زنى وليس الماشيح أو المسيح المنتظر !!! و تبدو لي وجهة نظرهم عقلانية الى حد كبير !!!
أما الفرضية الثانية فهي التي ذكرها الدكتور سيد محمود القمني في كتابه ( الأسطورة و التراث ) و ملخصها بتصرف مني أن عادة العهر المقدس قد انتشرت في المعابد اليهودية بعد عودة اليهود من السبي البابلي .. و المعروف تأريخيا ان العهر المقدس كان طقسا جنسيا دينيا يمارس في معبد الأله مردوخ و تدعى العاهرات بالقديسات .. حيث يأتين الى المعبد و يضاجعهن الكهنة محاكاة لمضاجعة الأله تموز للألهة عشتار ربة الحب و التي كانت تدعى بعشتار ( البتول ) التي يرمز لها بكوكب الزهرة !!! أو النجم الثاقب أو النجم الساطع الذي يروى أن النبي محمدا كان يلعنه !!!
و بحسب القمني ان المنذورات الى المعابد اليهودية كن يمارسن الطقس الجنسي المقدس و يسمين بالعشتاريات تيمنا بالربة عشتار البتول … و قد كانت الفتاة اليهودية مريم ( البتول ) هي أحدى تلك العشتاريات !!!
و لنأتي الى الفرضية الثالثة التي ترى أن شخصية يسوع هي شخصية حقيقية قد ولدت بشكل طبيعي ثم أوسطرت بمرور الزمن فأضيفت اليها صفات و حكايات حولتها الى شخصية فوق بشرية أو الهية لها القدرة على احياء الموتى و شفاء المرضى و القيام من الموت بعد الصلب و الصعود الى السماء ثم العودة الى عالمنا الأرضي بعد أن ضحى بنفسه و تحمل خطايانا …. !!!
نعود الى شيفرة دافينشي و نقول كما قال الدكتور سيار الجميل : “لم تزل العاطفة الدينية قوية ومتأججة في النفوس وخصوصا في مجتمعاتنا الشرقية ، اذ لم يتقبل أي مسلم من المسلمين الملتزمين هذا الذي قدمه دان براون في روايته عن السيد المسيح في شفرة دافنشي ، فكيف بالمسيحيين الملتزمين سواء من الكاثوليك ام من غيرهم .. ولكنها تكاد تكون كالامر الواقع سواء عن السيد المسيح او بقية الرسل والانبياء في ان يحفر بعض الكتاب والمفكرين والمؤرخين والروائيين في تواريخهم وما رسم عنهم من نصوص وصور ولوحات وابعاد واشعار .. وايضا التوغل في سيرهم واخلاقياتهم .. الخ واعتقد ان القرن الحادي والعشرين سينتج ابناؤه من هذا الجيل ومن الاجيال الثلاثة القادمة اعمالا مثيرة جدا وفي زمن لا يقبل ابدا ان يبقى أي شئ في طي الكتمان او في كوامن خفية .. ان عصرنا سيشهد المزيد من الجداليات والمرافضات لما ستقوله الاجيال القادمة في الانبياء والقديسين ..”
و الله أعلم و أستغفر الله لي و لكم !!!
الحوار المتمدن – العدد: 1576 – 2006 / 6 / 9
شاهد أيضاً
مسامير.. عتاب إلى الحكومة العراقية شديد الخصوصية شديد العمومية !
قرأتُ الخبر التالي وأسعدني : ( ناشنال بوست ، تورنتو ، يو بي اف ، …