Home / النقد السياسي والتاريخي / هل من استدعاء توقعّات قديمة ؟؟… العراق نموذجاً

هل من استدعاء توقعّات قديمة ؟؟… العراق نموذجاً

” ما بين الرؤية المعرفية وثرثرة المشعوذين بون كبير ”
يوغن هابرماس

طبيعة التحولات التاريخية
لقد شهد العراق منذ العام 1979 احداثا خطيرة جدا وخصوصا بعد توّلي صدام حسين السلطة في ذاك العام مع التغيير الجذري في طبيعة نظام الحكم في ايران وسقوط الشاه محمد رضا بهلوي وبداية عهد الثورة الاسلامية في ايران ، ثم احتلال الاتحاد السوفييتي لافغانستان في آخر ايام تلك السنة .. ولعل المتتبع للشأن العراقي منذ تلك اللحظة التاريخية سيجد ان الثمانينيات التي شغلتها الحرب العراقية الايرانية 1980 – 1988 قد انهكت البلدين الى حد كبير .. ثم جاءت التسعينيات فيغزو العراق الكويت في 1 اغسطس / آب 1990 لتبدأ الحرب الخليجية الثانية بكل من عاصفة الصحراء وثعلب الصحراء ويحطّم العراق في العام 1991 ويدخل نفق حصار اقتصادي ، ثم يضرب في العام 1998 ويدخل مأزقا جديدا بعد العام 2001 اثر احداث 11ايلول / سبتمبر 2001 ، فتضرب افغانستان في العام 2002 ويضرب العراق ضربة قوية في العام 2003 .. ليطاح بنظام الحكم السابق ، وتبدأ صفحة تاريخية جديدة ، ولكنها مضمخة بالدماء والفوضى لتمر من خلالها عملية سياسية ودستورية صعبة مع انقسامات سياسية واجتماعية فاضحة . ويتوضح لنا كيف هي سيرورة تطور الاحداث وما افرزته على منطقة الشرق الاوسط كلها .
ويتساءل المرء عندما يقارن ما جرى من احداث بين اسبابها ونتائجها قائلا : هل ثمة استراتيجية من تطبيق اجندة معينة وخطط مرسومة من قبل قوة الاستقطاب العالمي المتمثلة بالولايات المتحدة الامريكية حول كل ما جرى ويجري في المنطقة ، ام ان الامور قد جرت كلها من دون أي تخطيط مسبق وخصوصا في المناطق الحيوية من العالم اجمع . وايضا عندما نعلم ان غزو الكويت قد تمّ في العام 1990 وتم تحريرها بعد ستة اشهر في العام 1991 واجتمع كل من العرب واسرائيل وجها لوجه في مؤتمر مدريد برعاية القطبين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي في العام 1992 .. وكان العالم الاشتراكي يشهد سلسلة تغّيرات وانهيارات لتبلور ارادة القطب الواحد بعد سقوط الاتحاد السوفييتي وذوبان حلف وارشو .. وتبلور ما اسمي بالنظام العالمي الجديد على لسان جورج بوش الاب ، ثم بداية عولمة العالم على اسس جديدة لم تزل تثير العديد من الاختلافات والتناقضات معا .
كيف نفسّر ذلك ؟
لقد بدأت التحولات في العالم منذ العام 1990 باتجاه ما يسمى بـ النظام العالمي الجديد الذي اعلن عنه الرئيس الامريكي جورج بوش الاب ، وذلك قبل انهيار الكتلة الاشتراكية .. وضرب المفكرون العرب الاخماس بالاسداس ، فمنهم من وصفه باللعبة الاستعمارية ، ومنهم من وصفه بالنظام الدولي الجديد والفرق كبير ـ كما سيتضح ـ بين نظام دولي معروف للعالم وبين نظام عالمي غير معروف للعالم ! وكان المفكر المصري انور عبد الملك أول من نّبه الى مسألة ” تغيير العالم ” منذ العام 1985 .. كي تبدأ ثمة مشروعات لم يكن العالم ينتبه اليها . وفي العام 1988 ، وعقب انتهاء الحرب العراقية الايرانية ، بدأت الولايات المتحدة سياسة جديدة حيال العراق وايران اسمتها بـ ” عملية الاحتواء المزدوج ” والتي استمرت طويلا من دون ان تحصل على ما كانت تبّشر به وخصوصا في كل من العراق وايران .. لأن العراق هو مفتاح كل منطقة الشرق الاوسط بسبب مجاله الحيوي فيها . قلت في احدى ندوات واحد من مراكز البحوث والدراسات الاستراتيجية بأن الكتلة الاشتراكية في طريقها للانهيار ، وان الاتحاد السوفييتي سيسقط نهائيا ، فثار ضدي احد الزملاء وكان من خيرة الدبلوماسيين واساتذة القانون في العراق وهو الدكتور عامر الجومرد نافيا بشدة مسألة سقوط الاتحاد السوفييتي وقال : بأنه اعظم قوة في العالم ولا يمكنه ان يسقط ! ولقد اثبتت الايام بعد اربع سنوات من توقعاتي تلك ان الاتحاد السوفييتي قد اصبح في خبر كان !
توقعاتي قبل اكثر من عشر سنوات
في ظل أوضاع دولية صعبة مليئة بالهواجس ، تحّولت المنطقة شيئا فشيئا وخصوصا بعد مؤتمر مدريد في العام 1992 الى ان تغدو كل قضية في سلة وحزام .. بدأ الفلسطينيون يسيرون في طريق اوسلو واحد للمبادئ واوسلو اثنين للتنفيذ ابان التسعينيات .. وبدأ يتبلور مجلس التعاون الخليجي في مجاله الاقليمي في التسعينيات بعد ان مضى على تأسيسه اكثر من عشر سنوات في العام 1981 ، وبدأ كل من العراق وايران يسيران في اتجاهين متعاكسين ولم يتفقا على أي معاهدة تاريخية حتى اليوم .. وكانت لبنان قد استقرت الاوضاع فيها بعد مؤتمر الطائف ووضعت الحرب الاهلية اوزارها .. وكان العراق يبحث له عن دور مساند بعد ان احرق مشروعه الفاشل المسمى بـ مجلس التعاون العربي منه ومن مصر والاردن واليمن .. والذي كان مجلسا لا يمّثل ارادة سياسية واحدة ولا انظمة دول متشابهة ولا روابط جغرافية بين اعضائه !
نعم ، في ظل اوضاع دولية صعبة جدا تحّولت المنطقة من مثلث للازمات وعلى رأسه القضية الفلسطينية الى مربع للازمات وعلى رأسه المسألة العراقية . ولقد شرحت هذه الافكار والتوقعات معا في اكثر من دراسة ومقال منذ العام 1992 . ولعل اهمها دراستي الموسومة : ” المجال الحيوي للشرق الاوسط ازاء النظام الدولي القادم : من مثلث للازمات الى مربع للازمات : تحديات مستقبلية ” ( نشرت الدراسة في المستقبل العربي ، السنة 17 ، العدد 184 ، حزيران / يونيو 1994 ) . في تلك الرؤية المستقبلية ، رسمت ماهية ” الصورة ” التي قلت بأنها حسب النص : ” ستتشكّل بعد سنوات قريبة ” ، واضفت انه يمكنني تحديد ابرز القضايا الاساسية التي تخص مربع الازمات ( أي : المجال الحيوي للشرق الاوسط ) من ناحيتين اقليمية ودولية .
واستطردت قائلا : ” 1) اقليميا : زيادة مطّردة في المشاكل الاثنية والطائفية والاقلياتية والاقتصادية ليس في الشرق العربي فحسب ، بل في ثلاثة عوالم اخرى لها تعقيداتها من تلك المشاكل ، واقصد كل من : تركيا وايران وترانس قوقاسيا وقوقاسيا ، أي خصوصا في المناطق الداخلة في حزام مّربع الازمات ، وسوف تستعمل يوما بعد آخر التهديدات والانشقاقات والصراعات كأحدى وسائل الارادة الدولية الجديدة ( = ارادة الاستقطاب ) بأقاليم العالم الحيوية في الاختراق والتفكيك . وسيتم ذلك لدى القوميات الاسيوية الملاصقة غالبيتها للمشرق العربي ، فلابد له من ان يتأثر بذلك كله ، نظرا الى ما تشكّله دول الجوار العربي الاسيوية ( = تركيا وايران ) من قيمة جغرافية متكافئة في كتلتيهما الحيوية للاقليمية الشرق اوسطية ” .
واستطردت قائلا :” 2) دوليا : زيادة الازمات والمعضلات مع دول وكيانات سياسية ليس لها حدود متلاصقة بالشرق الاوسط ، لكنها دول بعيدة لها تأثير متفاوت في المجال الحيوي الشرق اوسطي . وينحصر ذلك كله بالدول الكبرى التي لها خبراتها ومعلوماتها وعلاقاتها القديمة تاريخيا ، ولها مصالحها وطموحاتها وتطلعاتها مستقبليا في النفاذ واختراق الشرق الاوسط ، والاسباب متباينة مختلفة ، تقف المصالح الاقتصادية في مقدمتها بعد ان قفلت مرحلة زمنية طويلة من نزاع الشرق مع الغرب . أي بمعني : اختفاء ثنائية القطب العسكرية والايديولوجية التي جعلت القوتين العظميين منذ بعيد الحرب العالمية الثانية حتى انهيار الاتحاد السوفييتي متعادلين على هذين المستويين .. ولم يبق في مستوى القوة والنفوذ الاقتصادي ” .
واستنتجت على هذين الاساسين ، ان ثمة حصانة دولية لبعض الانظمة الاقليمية الشرق اوسطية من اجل حمايتها تبعا لطبيعة العلاقة التي ربطتها بتلك القوى الدولية ، مما يوفر لها حزاما امنيا سياسيا ، فضلا عن تآكل ابرز مشكلة دولية اقليمية شغلت العالم والشرق الاوسط منذ الحرب الثانية ، الا وهي القضية الفلسطينية وادخالها مرحلة المفاوضات وابقاء اسرائيل قوية متنفذة ولها تأثيرها الاقليمي والحيوي .
سيناريو التفكيك واعادة التركيب
لقد طرحت هذا العنوان وشرحته منذ العام 1992 ، وكان الاخ الدكتور غسان سلامه قد حدّد هو الاخر بعض من ابعاد سياسية للتحديات الشرق اوسطية جديدة ضمن خمسة هواجس مصيرية ، هي : الالحاق والاختراق والاختناق والانسحاق والانشقاق .. وقد حصرها كلها في الجسم العربي دون الاجسام الاخرى التي يتكامل فيها الشرق الاوسط ، كما ينظر الى منطقتنا من الاخر لا كما ننظر نحن الى منطقتنا . وعندها تساؤلت قائلا : هل العرب وحدهم سيلحقون ويخترقون ويخنقون ويسحقون ويشقون شقّا ؟
لقد أجبت على تساؤلي بما سجلته من توقعاتي عن سيناريوهات التفكيك واعاد التركيب : مخاطر قادمة .. وقلت بالنص : ” تتكشف سيناريوهات عدة لـ ” التفكيك ” و ” اعادة التركيب ” بوضوح ، فهناك هندسة جديدة للمنطقة العربية في اطار النظام الشرق الاوسطي الجديد ، او في ما يتفق ومتطلبات هذا ” النظام ” ، ولكل ” سيناريو ” منذ هذه السيناريوهات ابعاده وتداعياته الاقتصادية .. وتنهض الهندسة الجيو اقتصادية الجديدة على عدد من المقومات والدعائم الاساسية فيها :
1) بناء ” منظومات ” و ” مناطق ” للتعاون الاقتصادي العربي .
2) فصل بلدان ” المشرق ” عن بلدان ” المغرب ” العربيين.
3) شمول مصر بالمشرق وشمول اسرائيل بالمشرق الجديد ، وان تعمل ضمن منظومة تعاون اقتصادي وأمني .
4) فصل العراق عن المنظومة العربية وعن منظومة الهلال الخصيب ، ودمجه في منظومة أمنية اقليمية تشتمل على الخليج وربما ايران وجمهوريات اسلامية مستقلة عن الاتحاد السوفييتي .
5) دمج بلدان المغرب العربي في فضاء عالم البحر المتوسط .
6) عزل وتهميش بلدان الاطراف واذكاء المشاكل الداخلية فيها مثل السودان والصومال واليمن وضمها الى منظومات خاصة بافريقيا والقرن الافريقي .
7) تحويل ” فلسطين ” الى معبر بين الوطن العربي واسرائيل .
واليوم ، ليتأمل المرء ما الذي تحقق من تلك ” التوقعات ” ، وليكون منصفا وعادلا في معالجته سيرورة الاحداث بعيدا عن عواطفه وافكاره وايديولوجيته ! ما الذي حدث للعراق ؟ ما الذي حدث في الصومال ؟ ما الذي يجري في السودان ؟ الخ
مصيرنا بيد القطب الواحد
كان كل من البريطانيين والفرنسيين وراء تكوين دولنا وتكويناتنا العربية المعاصرة بعيد الحرب العالمية الاولى ، وخصوصا الرؤية التي كان يمتلكها ونستون تشرشل بعيدا عن المبادئ الولسنية في حق تقرير المصير للشعوب والمجتمعات .. وكانت تلك الرؤية والتطبيق قد اجلا مشروع الانقسام بين المجتمعات قرنا كاملا .. وتشكل المرحلة 1919 – 1949 هي الفترة التاريخية التي تحققت فيها الاستقلالات الوطنية .. ولقد انتهت بانزواء كل من بريطانيا وفرنسا على حساب تبلور قوتين : الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد السوفييتي وصراعهما في الحرب الباردة في الهيمنة على المناطق الحيوية في العالم ، ومنها منطقة الشرق الاوسط التي نجحت الولايات المتحدة في تطبيق مشروع روزفلت ، فبدأت تتغير المنطقة من خلال سلسلة الانقلابات العسكرية التي حدثت في اهم البلدان العربية واستمر ذلك للفترة 1949 – 1979 ، لتبدأ المتغيرات الجديدة تأخذ لها طابع من نوع آخر .. لقد كان الرهان في المرحلة الاولى على الاستقلالية الوطنية ثم تبلور المرحلة الثانية على القومية العربية ، وجاءت المرحلة الثالثة تحمل واجهة الاسلام السياسي وهي مرحلة تاريخية تمتد بين 1979 – 2009 لتبدأ مرحلة قادمة تبدو التحديات القادمة اكبر حجما مما صادفته المنطقة من تحديات في القرن العشرين ..
لقد قلت في العام 1995 في ندوة العلاقات العربية الايرانية التي انعقدت بالدوحة وأنا اعقّب على ورقة الاخ الدكتور وجيه كوثراني : ” ونحن على اعتاب قرن جديد ، ستكون التحديات القادمة أكبر بكثير مما شهدته اجيال القرن العشرين ، واعتقد ان النخبات العربية والايرانية تمتلك ادراكا متنافرا لا متبادلا في المواريث والتواريخ ، ويمتلك بعضها ، وخصوصا عدد من المفكرين المعاصرين ذلك الادراك المتبادل بتحديات الرأسمالية ومخاطرها القادمة . فالمطلوب وضع اجابات حقيقية على اسئلة تستفسر عما ستلاقيه الاجيال القادمة ، منها : من الذي سيقرر ويحدد مصيرنا القادم .. نحن ام الاخر ؟ وما هي الاليات السياسية الفكرية والاجتماعية والذهنية التي باستطاعتها التعامل مع تعقيدات المستقبل ؟ نحن بحاجة الى ادراك متبادل . نعم ، ولكن ليس ضمن قوقعة التباينات الدينية والاختلافات المذهبية والمرجعيات الطقوسية والانقسامات الطائفية ، والتعقيدات التاريخية .. ادراك متبادل بشأن المستقبل لا الماضي ، والعقل لا العاطفة . ( انظر : ندوة العلاقات العربية ـ الايرانية : الاتجاهات الراهنة وآفاق المستقبل ( بيروت : مركز دراسات الوحدة العربية ، 1996 ، ص 230 – 229 ) .
توقعات لسيناريوهات خطيرة اخرى
في مؤتمر آخر عن ” الخليج والمتغيرات الدولية ” انعقد في مركز الدراسات السياسية والتابع لوزارة الخارجية الايرانية للفترة 13 – 17 كانون الاول / ديسمبر 1995 ، قلت في قرائن الاستقطاب الاحادي الامريكي التوصّل الى :
1. الضمان الاساسي للنفط في المنطقة على مدى زمني قادم ( واقصد بذلك احتياطيات المنطقة وضمانها في القرالواحد والعشرين ) .
2. الضمان الاساسي لدول المنطقة الصغيرة ، والعمل على احتواء الدول الثقيلة والمؤثرة فيها .
3. ادارة النظام الاقليمي القادم للشرق الاوسط .
4. الطرف الاكثر قوة وهيمنة في ميزان النفط .
5. الحصول على مكاسب جيو اقتصادية على حساب غربي اوربا واليابان .
6. السيطرة على عمليات التحكم في المنطقة .
7. التدخل في الشؤو الداخلية واختراق السيادات الاقليمية .
8. ترتيب قضايا التسوية بين العرب واسرائيل
( انظر : سيار الجميل ، العولمة الجديدة والمجال الحيوي للشرق الاوسط : مفاهيم عصر قادم ، ط1 ، بيروت : مركز الدراسات الاستراتيجية والبحوث والتوثيق ، 1997 ) ص 178 ) .
قلت في نفس المكان : ” ان صناعة جيو تاريخية جديدة ستبدأ ، ولكن ليس على الاسس التي كان ارساها الحلفاء ( بريطانيا وفرنسا تحديدا ) ، بل ضمن اتاحة بدائل جديدة .. تستقطب الولايات المتحدة الامريكية هندسته الصعبة . والسؤال الذي يفرض نفسه الان : ما هي الرؤية المستقبلية لمشروع تفتيت المنظومة العربية ؟
لقد اجبت بالقول نصا :
1. ادخال دولها كأجزاء كانتونية ( = تجزئة التجزئة ) في نظام اقليمي اوسع .
2. تأسيس شبكة معقدة من العلاقات الاقليمية ( = اقلمة دول المنطقة ) ..
3. ستيدأ الهندسة الجيو سياسية للمنطقة عملها من الداخل وليس من الخارج ، مما يضفي على ” المشروع ” موافقات ضمنية من قبل الجماهير .
4. استمداد النظام الاقليمي وظائفه من رعاية القطب الواحد .
5. تتم كل التدخلات الامريكية باسم مجلس الامن الدولي او هيئة الامم المتحدة .
( المرجع نفسه ، ص 179 ) .
وقلت متوقعا في موضوع الترسيمات المستقبلية النص التالي :
” وليس غريبا على امريكا ، استخدام سياسة العصا الغليظة لدول ومجتمعات عريقة في الشرق والغرب ، حتى وان اقتضى الامر : ايجاد جيش كبير ومنظم يهدد قدرات الاخرين ، وسيضغط باتجاه هذا الامر على متحدي الارادة الامريكية ، اولئك الذين لا تتناغم منطلقاتهم وتوجهاتهم مع السياسة الامريكية . وستبدو امريكا بالنسبة لكافة الشعوب في العالم اجمع ، أنها الاقوى على رسم ما تقرره ، وعلى تنفيذ ما تريده من الاخرين . وسيكون ثمن ذلك ـ دون شك ـ اجواء ملبدة بالمشاكل ، ومتوترة بالازمات ، مع احزمة من بلدان جائعة واخرى متخمة ، مع كانتونات فيدرالية او دويلات كونفيدرالية في عدد من الاقاليم المهمة في العالم .. ” ( المرجع نفسه ، ص 182 ) . ّ
وأخيرا : ماذا اقول ؟
اقول بأن هناك جملة مهمة من التوقعات التي نشرت منذ سنوات والتي نبهّت الى مخاطر وتحديات دولية .. تعيشها وتعاني منها دولنا وكياناتنا ومجتمعاتنا ، ولكن ـ مع الاسف ـ لم ينتبه أحد من المسؤولين وصنّاع القرار اليها ، فهل سيكون ما ينشر اليوم من توقعات مسؤولة ومعرفية ورؤى استشرافية مهمة لها وقعها عند المسؤولين الجدد في المنطقة ؟ خصوصا وان سيناريوهات يعاد تنفيذها اليوم ، ولكن ليس في نفس المكان الذي حدثت فيه ، بل في امكنة أخرى ! لقد تميز البعض من الكّتاب والمفكرين العرب المعروفين بتوقعاتهم وافكارهم ورؤاهم التي عرفوا بها منذ بعيد انهيار الكتلة الاشتراكية وما قبل ذلك . واجزم ان جملة من تلك التوقعات والرؤى قد تحققّت اليوم وخصوصا بعد العام 2001 .. اقول هذا ، متذكرا نخبة رائعة من اولئك الكّتاب والمفكرين والمختصين العرب الذين نشروا اعمالهم في كل من الثمانينات والتسعينيات ولم يكن هناك مثل هذا الذي نجده اليوم من كتابات ضحلة واراء بليدة ونقولات منسوخة وانشائيات ينشرها كل من هّب ودب .. نتمنى بروز نخبة جديدة من مفكرين لهم افكارهم وثوابتهم وموضوعيتهم ، ليرسموا بافكارهم ورؤاهم خطوطا عميقة في الذاكرة العربية .
www.sayyaraljamil.com
ايلاف 26 ابريل 2006

Check Also

على المشرحة.. لا مواربة سياسيّة في الحوار العلمي (الحلقتان الثالثة والرابعة)

ثالثا : الاحرار العرب : مستنيرون لا خونة ! 1/ اخطاء تاريخية وتحريف للتاريخ ويستكمل …