” قيادة الفن الاوركسترالي عنوان حضاري ”
اوزاوا
هذا القائد الاوركسترالي الياباني ذو الشهرة العالمية في قيادة الفرق الموسيقية الغربية الكبرى الشهيرة درس الموسيقى واخترق الزمان والمكان وغلب غيره من الغربيين انفسهم في قوة الاداء وروعة الاستهلال وبراعة التصوير وفن القيادة وتلوين النصوص الموسيقية السمفونية والاوبرالية بالمزيد من الهرمونيات العذبة المثيرة ليس للعواطف بل المكونة للخيالات والصور الجديدة وتربية الذهنيات على التعامل مع الاشكال المتنوعة في الحياة . قدم للبشرية اروع الاعمال والمقاطع الموسيقية وكتب في تاريخ الموسيقى الاوبرالية سجلا مشرفا من الاعمال العظمى وقد وصل صيتة الى كل اصقاع العالم المتحضر ، فهو الذي يقصده الالاف المؤلفة من الخلق ليتمتعوا بما تنتجه حركاته وموازينه وهو يقود ذلك الانتاج الى حيث الابداع في كل مرة حتى وان تكرر عزف السيمفونية لعشرات المرات ..
قصة حياته
ولد سيجي اوزاوا في الاول من سبتمبر 1935 في مدينة فينيتين التي تسمى اليوم شينيانغ لايونننغ بالصين . انه المواطن الياباني الذي درس الموسيقى منذ بواكير سنوات عمره وتخرج بعد ذلك مع شهادته الاولى في التأليف الموسيقي وقيادة الاوركسترالي في مدرسة توهو العليا بطوكيو . وفي العام 1959 احرز سيجي اوزاوا اجازته الاولية العليا في التأليف الابداعي الموسيقي الدولي للقادة الاوركستراليين في بيسانكون بفرنسا . ثم ارتقى بعد نجاحات رائعة عندما ضمه جارلس مونيخ ليصبح دايريكتور لاوكسترا بوسطن السيمفونية في امريكا .. وبدأت شهرته عندما دعي سيجي اوزاوا الى القاء محاضرات في مركز تانغالود الموسيقي والذي نجح فيه ليحقق جائزة غوسوفيتسكي اذ فاز كاول طالب في العام 1960 .
بينما كان يعمل مع هربرت فون كراجان في برلين الغربية ، اوزاوا حقق نصرا اخر عندما انتبه اليه ليونارد برنشتاين الذي نصّبه مساعد كونداكتور لفرقة نيويورك فيلامونيك اوركسترا خلال فصل 1961- 1962 . ونجح في تقديم اول قيادة اوركسترالية حرفية في امريكا الشمالية في يناير 1962 مع اوركسترا سان فرنسيسكو السيمفونية . لقد غدا قائد اوركسترالي لاوركسترا شيكاغو السيمفونية في مهرجان رافيانا لخمسة من الاصياف بدءا بصيف 1969 ، ثم انتقل ليصبح قائد اوركسترا تورنتو السيمفونية من 1965 حتى 1969 .. ثم قائدا لاوركسترا سان فرنسيسكو السيمفونية للفترة 1970- 1976 .. واعقبها بسنة مستشارا .
لقد قاد اوزاوا اوركسترا بوسطن السيمفونية لاول مرة في العام 1964 في تانكل وود وابدع سيمفونيته الاولى التي ظهرت في يناير 1968 . لقد غدا فنانا عظيما مع تلك السنة التي تفوق فيها بين الابداع في التأليف الموسيقي والقيادة الاوركسترالية .. واصبح منذ تلك السنة مستشارا وخبيرا دوليا يسمع لكلمته في العالم كله وبدأ يتنقل ليلقي محاضراته الرائعة في الفن الاوركسترالي والاوبرالي معا . مع فصل 2000-2001 ، غدا اوزاوا صاحب رقم عالي في قيادة اضخم الفرق الاوركسترالية العالمية مع احتفاظه بلمعانه الشديد خصوصا وانه كان يحرص على ان يقدم اصعب الاعمال منذ العام 1973 وبقي نشيطا في قيادة الفرق الكبرى التي هي بامس الحاجة الى القيادة البارعة والتي تسيطر على كل الهرمونيات وعند نهاية 2002 ، اوزاوا سيبدأ حلقة متطورة جديدة مع اوبرا ستيت فيينا كقائد اوركسترا ضيف بالتعاون مع الفالومنيك فيينا في العاصمة النمساوية وفي سالزبورك ايضا .
ابداعاته الرائدة
خلال مسيرته اللامعة ، اوزاوا انتج عددا كبيرا من الحفلات والتسجيلات الكلاسيكية .. ولعل اعظم الاعمال التي اداها في حياته الى حد الان والتي جعلتني اهتم بهذا الفنان الكبير تقديمه اعمال الموسيقار النمساوي الراحل غوستاف مالر ( الذي اعتز بكل اعماله السمفونية والابرالية اعتزازا شديدا ) وخصوصا السيمفونية الثانية (“Resurrection = يوم القيامة ) التي اعتبرها من اعظم منجزات الابداع البشري في الموسيقى العالمية وقد قدمها مع اكثر من فرقة موسيقية عالمية اعتقد ان ابرعها تلك التي قاد اوزاوا اخراجها برفقة فالومونيك فيينا اوركسترا .. فلقد جلست في واحدة من الحفلات السمفونية التي قدمها في ادنبرة باسكتلندا في العام 1980 في قاعة دار الاوبرا الكبرى .. ولقد ابدع جدا في نقل الحركة الموسيقية الى تعبيرات وخلجات تخترق مشاعر الانسان .. كانت القاعة تغص بالاف الناس وران الصمت المخيف على الجميع عندما بدأ اوزاوا يقود اوركسترا لندن فيلومونيك وهو يباشر تلك السمفونية التي جعلت الجميع يراقبون بمشاعرهم الصور تلو الاخرى وكأن مشاهد يوم القيامة بدت واضحة للجميع من خلال الحركات الموسيقية بكل رخوها وانشدادها وهدوءها وانفجاراتها .. وكنت اراقب المايسترو الفنان اوزاوا وقد وصل الى قمة الابداع والروعة والتفاني في اخراج ذلك العمل المبدع الصعب .. كنت قد ذهبت بخيالي راسما كل حركة وهمسة بمنتهى الشفافية وكانت فرص الهرموني يوفرها اوزاوا ما استطاع عقله ووجدانه ان يقدم .. كنت اتمنى ان يكون ذلك الابداع الموسيقى عالما حقيقيا يتعلم منه الانسان الكثير من اساليب تربية الذوق وتهذيب العواطف والمزيد من الاليات التي توفرها الحركات الموسيقية وهرمونياتها التي تصقل الاذهان وتفتح العقول وتهذب الصدور وتنقي الروح .. نعم ، ان الموسيقى الكلاسيكية قد مرت بتحولات جد اساسية على مدى قرنين من الزمن : التاسع عشر والعشرين اذ كانت حركاتها مجردة من كل ما يثير الذهن ولكنها غدت في القرن العشرين فضاء رحبا يستثير الذهن ويدفع الانسان الى ان يفكر بتلك الحركات الغنية بالمصورات .. بل ووصل بعض عمالقة الموسيقى الكلاسيكية امثال : مندلسن وفوجاك وولتون وايلكر ومالر ورخمانوف .. وغيرهم ان يرسموا بموسيقاهم جملة هائلة من التعبيرات وما يثير التفكير والذهن فانتقلت الموسيقى الى اطوار جديدة لم تكن معروفة سابقا .. ولكن بقدر ما يبدع المؤلف الموسيقار في بناء النص الموسيقى والحركة الموسيقية ، فان المايسترو والقائد الاوكسترالي هو الذي يضخ الحركة في قلب النص او يجردها منه .. ان فنانا بوزن اوزاوا له القدرة ان يزرع الحياة والروح في نصوص قد تكون جامدة تماما او راكدة او محتضرة ..
مكانة اوزاوا العالمية
لقد بقيت اتابع انشطة هذا الفنان الرائع حتى اليوم ، ففي السنوات الاخيرة ارتفعت قيمته جدا واصبح عملة صعبة جدا ، ولقد سمي على قدر من التشريف من قبل الرئيس الفرنسي جاك شيراك ليس بسبب ابداعاته الرائدة في الموسيقى ، بل اعترافا وتمييزا وتقديرا لمساعدته المؤلفين الموسيقيين الفرنسيين وتأثير ذلك على الذوق الفرنسي للشعب فضلا عن اسهاماته لاوبرا باريس .. وفي ديسمبر 1997 ، سمي اوزاوا ” موسيقار 1997 ” من قبل هيئة موسيقى امريكا .. كما حصل على وسام سيف الشرف في اليابان مقترنا اسمه بموسيقار القرن . ونال ايضا من مركز موسيقى تانغال وود على جائزة عالمية . وتنقل في اماكن عديدة من العالم وخصوصا في اوروبا وامريكا الشمالية وشرق آسيا واستراليا على امتداد التسعينيات ، واعطى للعالم جملة كبرى من ابداعاته وكان في كل مكان يثمنه الناس ويحتفون به وبجهوده وخصوصا في المهرجانات والاحتفالات التي حضرها وقاد موسيقاها على اكبر مسارحها .. ومنح شهادات دكتوراه فخرية من عدة جامعات ، كان من اشهرها جامعة مساشوسيتس الامريكية .
هل من استفادة من الياباني اوزاوا وعالمه وفضائه ؟
لقد حرصت ان اقدم مثل هذه ” الشخصية ” الرائعة في ذكرياتي لأقول بأن الموسيقى هي لغة كل الشعوب والمجتمعات والاعراق في هذه الدنيا .. ولم يعد هناك من يقول بأن على كل مجتمع ان يحتفظ بموسيقاه لنفسه .. اوزاوا انسان من اليابان ارتقى سلم هذا الفضاء الموسيقي الغربي في اصعب حالاته وقدم اروع التجارب .. لم تمنعه شرقيته القصوى من ان يتفوق بابداعاته الخلاقة ويقدمها الى البشرية قاطبة .. ولم يكن اوزاوا لوحده فقط في هذا الميدان ، اذ لدي اسماء عدة منها ما استمعت اليها او شاهدتها منذ ربع قرن وقد اتت من الصين واليابان وبلدان شرقية اخرى قصية وتفوقت في هذا الفضاء الرحب سواء في التأليف او العزف او القيادة الاوركسترالية او حتى في الغناء السبرانو وعلى اضخم القاعات في الغرب !! الا يدعونا ذلك للتساؤل عن اخفاق العرب والمسلمين حتى الان في ان يصل احدهم من اي بلد كان الى ان يفرض ابداعاته وتوهجاته على العالم ؟
( فصلة من كتاب سيار الجميل : نسوة ورجال : ذكريات شاهد الرؤية )
الرئيسية / فن وموسيقى / سيجي اوزاوا .. قائد اوركسترالي عالمي جاء من اليابان القصّية..يقود دفة الموسيقى الكلاسيكية الغربية ويذوب في ازمانها
شاهد أيضاً
فقرات من كلمة الدكتور سيار الجميل في حفل تكريم صديقه الفنان حمودي الحارثي في كندا الحفل اقامه اتحاد الفنانين التشكيليين العراقيين الكنديين يوم 29 /5 / 2011 على قاعة اسيمبلي هول في مدينة تورنتو
ايها الاصدقاء الاعزاء اسعدتم مساء شكرا جزيلا لاتحاد الفنانين العراقيين الكنديين استضافته لي هذه الامسية …