الرئيسية / الشأن العراقي / رفقا بالنصف الآخر أيها العراقيون !

رفقا بالنصف الآخر أيها العراقيون !

اعتقد ان قرابة مائة سنة مرت والمرأة العراقية لم تنتصر بعد في مواجهتها للتحديات القسرية التي أشبعتها بالقساوة والضنك والعزلة وكللت حياتها بالآلام والأحزان المريرة خصوصاً عندما نعلم بأن النسوة العراقيات قد اسهمن كأمهات وزوجات واخوات في بناء أقوى الأجيال واذكى الرجال واروع الخصال ، ولا يمكننا أحصاء ما انجزته المرأة العراقية من أدوار فاعلة ونشيطة ومبدعة في الحياة والاداب والفنون ، إذ تبدو لي انها كانت ذات كفاءة عالية في مشاركة الرجل في الإنتاج والوطنية والتنظيم في مجالات عدة . أنها ذات حركة وفاعلية ساخنة منذ زمن طويل عندما تعتني بنفسها وبذاتها وعزة نفسها والاعتناء بسيرتها والحفاظ على كبريائها واخلاقها وسمعتها والاعتزاز بهويتها .. وتكبر ويكبر معها حلمها ببناء فضاء عراقي من الأمنيات الجميلة ، وأنها اعمق من أن تكون امرأة عادية قبل حطام التحديات التي صادفتها في العقود الثلاثة الاخيرة عندما سحقت من خلال الترّمل والتثاكل والتيّتم وحقنت بالتقوقع والتهميش والاوجاع والاسقام .

من خطوات التقدم إلى تراجع الخطوات
لقد وجدت المرأة العراقية نفسها مندفعة لتحقيق عدة أدوار منذ بعيد الحرب العالمية الثانية بشكل فّعال ، وكان جيل ما بين الحربين قد برزت فيه اسماء عراقيات رائعات في مجالات محددة ، ولكنها أسهمت جملة عوامل في تقدمها وصياغة تفكيرها المدني ومنح الفرص لإبداعاتها، فتبلورت شخصيتها الحقيقية ومنحت بعض حرياتها في الخمسينيات والستينيات بعد أن كانت مختفية وراء حجب التخلف والسكونية . نعم ، لقد بدت عند منتصف القرن العشرين : امرأة مثقفة وبراغماتية وتحمل حداثة ابداعية مستنيرة في التوجهات بعد تخرجّها من المعاهد والكليات والجامعات ، وبدأت تشارك في الصحافة والكتابة أو في أروقة المحاكم أو في ردهات المستشفيات أو في المدارس والجامعات .. بل ونجدها عاملة في المصانع .. في حين بقيت غالبية النسوة في الريف يعملن بتربية المواشي والزراعة المنتجة للقوت اليومي المحلي .. وهن تجّربن تقاليدهن القديمة في المدن وتنزعن دوما إلى التسامح مع الرجل الذي تعتبرنه كسوة سميكة لهن ولأولادهن حتى وهو يمارس ضدهن ابشع أنواع القسوة البربرية وهن غير محميات بقوانين مدنية ويخشين ان يطالبن بحقوقهن الشرعية وأحوالهن الشخصية . لقد عانت المرأة العراقية من الفقر والجوع ومشكلة عدم التكافؤ الاجتماعي خصوصا عندما يجبرها أهلوها على زواجها ممن لا تريده أو تطاردها عشائريا حتى تقتل أن تزوجت من دون موافقتهم في بيئات معينة ، وبرغم ذلك ، فثمة سيطرة مازوشية من قبل الأب والاخوة الذكور او الازواج على حقوقها او مواريثها وهذه عادات غير إخلاقية ابدا تشترك فيها كل مجتمعاتنا العربية والاسلامية ! فالمرأة هي الوحيدة التي تدفع الثمن الباهض لاحوالها الشخصية وهي الوحيدة التي تغمط حقوقها الشرعية علانية عن قصد وسبق إصرار، ولعل بعض التقاليد والقيم والعواطف تجبرها على قبول تلك الأوضاع المهينة وحتى الإعجاب بها – مع الأسف – اذ يأخذها سيل من العواطف المتنوعة والاوهام البليدة والقيم العائلية .

لقد كانت العهد الجمهوري في بعض العراق قد ولّد باستمرار الصدمات الصاعقة للمرأة ! ولأول مرة تجد نفسها وجها لوجه معارضة سياسية تلاحق وتعتقل وتعّذب وتعدم مهما حملت من اتجاهات سياسية، سواء راديكالية ام ليبرالية ام دينية أو غير ذلك ! لقد ضيّقت ( الحكومات الثورية المتعاقبة ) بسياساتها القمعية في قذف اللهب وتحريكه باتجاهات مختلفة وترهيب الناس على قتل روح التحرر الخلاق ووأد جذوة الإبداع وتشويه المثل العليا والقيم والأخلاقيات وخصوصا في شرائح مجتمعات المدن الحضرية القديمة . لقد بدأ الخوف والرعب يسيطران كاملا على المرأة العراقية ويكبت مشاعرها وينحر تفكيرها .. وهي تسمع ما حّل بمناضلات عراقيات في الزنزانات المخيفة أو ما تعرّضت له نسوة حرائر سواء من الأبكار أو الثيّبات من الاعتداءات القاسية والمنكرة التي طالت استخدام أجسادهن وأعراضهن أمام محارمهن ببشاعة متناهية من اجل سحب اعترافات لا أساس لها من الصحة أو الحقيقة وهذا ما حصل بشكل فاضح تحت مسمّيات لا حصر لها ! ان المرأة العراقية قد ازدادت معاناتها اليوم ليس بفعل الانظمة السياسية بل بفعل مقموعات الانظمة الاجتماعية التي ازدادت شراستها ضد المرأة !! وهذا من ابرز اسباب الهجرة النسوية العراقية الى الغرب .

المرأة العراقية أقوى من كل التحديات

لقد كانت المرأة العراقية وستبقى أقوى من كل التحديات التي مرت بها كونها جابهت أقسى المعاملات المأساوية بشجاعة نادرة .. وثمة قناعة راسخة عندي أن المجتمع العراقي بكل تنوعاته معين لا ينضب من ولادة نسوة مبدعات في كل المجالات .. مبدعات يلاحقن مبدأ التغيير لتفعيله في الحياة خصوصا إذا ما تمتعن بكل الحريات السياسية والثقافية والشخصية .. مبدعات يعرفن كيف ينتجن اللحظات الثمينة والفرص المتاحة من دون أي غطاء أو تعقيدات أو مكبوتات او تخوفات ! مبدعات يعرفن بأن ثمة رموزا نسوية عراقية ستكون أمثلة لهن في التكوين والبراعة وخلق الجماليات والمخلوقات السحرية والأدبية والنماذج التشكيلية العظيمة، أن مبدعاتنا يمتلكن عيونا مفتوحة وآذانا صاغية وخيالاً جامحاً وعواطف مشبوبة وانفعالات ساخنة .. وان قدراتهن على خلق النماذج والاشياء والنصوص في فضاءات المجتمع المتنوع من تربية وصحة وتعليم وشعر ورسم وقصة ومقالة وعمارة ورواية وقانون وتشكيل وموسيقى واعلام .. تجعلنا نشعر بالسعادة والفخر ولكن يحزنني جدا أن أجد عراقيات لا يعرفن أساليب المنازلات الفكرية ولا صياغات الجدل في الثقافة السياسية او الطروحات الفلسفية . وهذا هو حال المرأة العربية عموما .


المرأة العراقية والمستقبل

وأخيراً، أتمنى عليها أن تستعد اليوم وهي عند منطلقات القرن الواحد والعشرين لمجابهة تحديات قاسية في كيفية نيل حقوقها كاملة والتمتع بحرياتها المشروعة .. وان تسعى بكل فعالياتها في بلورة المجتمع المدني بعيدا عن الممارسات المخجلة لاناس بدائيين ومتخلفين ومكبوتين ومتوحشين ووجوب أن يعاملها الرجل ككائن مستقل له شخصيته وقوته ودوره لا كسلعة أو بضاعة من المفاتن ! وعليها واجب أن تخلق من الوحوش المفترسة بشراً سويا بوسائل تربوية وعلمية وأخلاقية وحضارية .. وان تسعى لتحقيق ذاتها والدفاع عن قضاياها وتخوض دراما سياسية اجتماعية لممارسة ضغوطات حقيقية من اجل التغيير، وان لا تقبل بقوانين وتعليمات مجحفة طالت حقوقها المشروعة .. فضلا عن خلاصها من جملة التناقضات الاجتماعية التي أدخلتها في نفق من الانعزال .. عليها التخلص من أحادية التفكير وان تنفتح سياسيا وحضاريا وثقافيا على كل النوافذ وان تؤسس التجمعات والهيئات والشركات والمنتديات برفقة اخيها الرجل وتحقق أمنياتها الخصبة لتمتد في كل الفضاءات المتسعة من آليات التغيير الجديدة وعلى الانظمة السياسية والاجتماعية العربية قاطبة أن تقر عنايتها بالمرأة وتجيز القوانين والتشريعات الخاصة بها وبأدوارها بمنحها حقوقها وبتنمية قدراتها ومعالجة أوضاعها وتطوير مواهبها من اجل الأجيال القادمة .

الصباح البغدادية ، 18 مارس 2006

شاهد أيضاً

نقطة نظام ضد الفساد والمفسدين والفاسدين

ملاحظة : طلب مني عدد من الاصدقاء العراقيين ان اعيد نشر هذا ” المقال ” …