ان العراق والعراقيين بحاجة ماسة الى اجندة عمل سياسية وفكرية في مؤسساتهم وبرامجهم ومناهجهم واعلامياتهم واساليب حياتهم بعيدا عن اي وازع من صراع الاضداد . ليعتزوا بانتماءاتهم مهما كانت في دواخل مجتمعهم ومدنهم واريافهم .. ولكن ليبعدوا كلا من الدولة ومؤسساتها والنظام السياسي والدستور ( = القانون الاساسي للبلاد ) عن اي انتماءات طائفية او مذهبية او دينية واية محاصصة طائفية ليتفاهم كل العراقيين على قواسم مشتركة في المبادىء لا في التطبيقات من اجل ان لا يجر هذا بطرف والاخر بطرف اخر .. انني اعيد واكرر منذ سنوات خلت بأن لا حياة للعراق والعراقيين من دون اساليب مدنية وقوانين مدنية واحزاب مدنية ووسائل مدنية وادوات مدنية وعناصر مدنية وسياسات مدنية .. الخ لا اطلق عليها بالعلمنة التي يتكهرب منها البعض ، بل اسميها بـ ” الاهلنة ” (= حكم المؤسسات الاهلية ) التي تقطع الطريق على كل الانتماءات التي يريدها البعض بديلا عن الانتماء الوحيد .. الانتماء للعراق .
واذا كان هناك من العراقيين اليوم من غدا يكره العراق واسم العراق نتيجة ما تحمله من اعباء وبلايا ومآس .. فلا يمكن ارسال هؤلاء الى مصحات عقلية كما يتبجح البعض من المعقّدين ، بل انهم بحاجة ماسة الى حكومة عراقية نظيفة وقوية ومدنية وكفوءة ونزيهة .. تعمل جهدها الى بناء دولة جديدة وارساء نظام سياسي جديد يحقق للمجتمع اهدافه وتطلعاته وحاجاته وطموحاته ..
لقد اوضحت لنا التجارب وكما يطلعنا عليه واقع العراق اليوم بأن اي انتماء خارج عن سياق العراق والدفاع عن كل شبر فيه والاعتزاز بكل شبر فيه والتحرك في كل شبر فيه والتلاحم من خلاله بكل انسان في مكانه في هوره وكردستانه .. في فراته الاوسط وجزيرته الفراتية .. في جباله ووهاده .. في سهوله ووديانه .. بين نهريه العظيمين شريانيه الازلييين .. تحت ظلال نخلاته وبساتين برتقاله .. في بطائحه وصحرائه الخ سوف لن يقّدم شيئا من حياته المأساوية التي نشهد فصولها اليوم .. والخوف كل الخوف من ان يتحول الصراع الى حرب شرسة بين الاهل من طوائف واحزاب واطراف في مدن معينة تأخذ طريقها الى مختلف الجهات لا سمح الله .. ان كل عراقي اليوم مدعو الى ان يحافظ على الاخر وان لا يكون اخوه مشروعا مباحا للقتل ! ان كل عراقي اليوم مدعو الى ان يدرك بأن ما حصل من تحولات تاريخية تحصيل حاصل ولا يمكن ارجاع عقارب الساعة الى الوراء ..
ما العمل من اجل وزارة عراقية متميّزة ؟؟
على الرغم من اختلاف اساليب الحكومة المؤقتة او الانتقالية السابقتين عن ذاك الذي اتبّعه مجلس الحكم منذ سنتين ونصف السنة والذي قام على اساس المحاصصة الطائفية كي تتفجر الاوضاع بشكل عنيف .. ان انجع وسيلة لاستقرار الوضع هو كيفية ادارة الازمات العراقية مستقبلا من قبل اناس لهم نزاهتهم وصراحتهم والتصاقهم بشعبهم وشفافيتهم وتقديم مصالح العراق فوق كل شيء وان يكونوا فوق الميول والاتجاهات لا اطماع لديهم ولا ترّفع عندهم ، يخلصون لكل ترابهم يجمعون ولا يفرقون ، يسمعون ولا يخطبون ، يعملون ولا يتقولون .. يؤمنون بسيادة القانون .. يعترفون بالاخطاء امام الجميع لا يواربون ولا يخادعون ولا يتكبرون .. اناس يضعون العراقيين فوق الاكف ويكون العراق عندهم فوق كل الانتماءات .. يعملون على خلق الانسجامات في النسيج العراقي ولا مصالح شخصية ولا انوية ولا عشائرية ولا جهوية ولا قبلية ولا طائفية ولا عرقية ولا دينية .. يحاسبون انفسهم قبل الاخرين وينقدون تجربتهم قبل ان يتناولهم الاخرون .. يعملون ليل نهار من اجل سيادة العراق واستقلاله السياسي .. زعماء عراقيون جدد لا علاقة لهم بموروثات وترسبات القرن العشرين .. ان خلق آليات عمل يمارسها العراقيون جميعا من خلال نظام يقوم على القطيعة بين الدولة والمجتمع وبين السياسة والدين وبين الطائفية والوطنية .. ولابد لأية حكومة عراقية قادمة ان تأخذ بمبدأ ” خذ وطالب ” ، وان يكون هناك جدولة ومقاييس لكل الحالات ، وان يكون هناك تطبيق كامل للاحكام والعقوبات وفرض السيادة ..
اننا نحلم برئيس وزراء له فاعليته وبراغماتيته وتجاربه وخبراته وواقعيته وكاريزميته والتصاقه بالجماهير وحركته ليلا ونهارا على كل التراب العراقي ليعالج ما يحتاجه الناس .. كل الناس ان العراقيين جميعا بحاجة الى وعي جديد في تقييم الاوضاع وان تهدأ الخواطر وان يعتنوا بالقانون من اجل ضبط الحياة وليس احوج للعراقيين اليوم من استعادة التكوين المعرفي بتطوير الاجهزة العلمية والجامعات ونشر الالاف المؤلفة من المدارس ونقل التفكير والوعي العراقيين من انساق الماضي الى رؤى المستقبل .
انني اخاطب في دعوتي الصريحة هذه كل العراقيين والعراقيات سواء كانوا في دواخل العراق ام اولئك الذين توزعهم الشتات ، بأن يقرؤوا الواقع العراقي الصعب قراءة جديدة ، وان احتلال العراق هو الذي لم يقض على نظام صدام السياسي حسب ، بل قضي على تاريخ دولة العراق المعاصرة التي نشأت قبل اكثر من ثمانين سنة .. وان تكيفهم مع هذا ” الواقع ” سلبا ام ايجابا لا يمكن له ان يتم بمعزل عن تأسيس مشروع عراقي باستطاعته ان يرجع للعراق سيادته المنقوصة وكامل استقلاله .. وهذا لا يمكن ان يتم من دون بيروستريكا عراقية ( = اعادة الاصلاح ) وغلاسنوست عراقي ( = الشفافية العراقية ) يؤهل كل منهما المجتمع توافقيا ويجعله متفقا على حدود دنيا من المبادىء والقيم الحضارية العراقية .. من اجل العمل على اعادة بناء العراق الحضاري ومؤسساته المتطورة الجديدة.
الصباح 28 فبراير 2006
شاهد أيضاً
نقطة نظام ضد الفساد والمفسدين والفاسدين
ملاحظة : طلب مني عدد من الاصدقاء العراقيين ان اعيد نشر هذا ” المقال ” …