Home / مشروعات / مشروع دعوة علمية من أجل دراسة : الفكر السياسي الحديث في العراق وبلاد الشام 1850-1950

مشروع دعوة علمية من أجل دراسة : الفكر السياسي الحديث في العراق وبلاد الشام 1850-1950

أهمية الموضوع :
لا جدال أن موضوعا كهذا له أهمية بالغة جدا في حياتنا الفكرية عند بدايات القرن الواحد والعشرين ، خصوصا أنه كان منذ ولادته ونشأته في القرن التاسع عشر ومن ثم تطوره إلى عدد من الاتجاهات والتيارات والأيديولوجيات في القرن العشرين ، سيعلمنا المزيد من الدروس الذكية ونحن نعايش اليوم عند مفترق تاريخ صعب : مجموعة واسعة من التداعيات الفكرية الغريبة والانتكاسات السياسية المذهلة التي تستوجب العديد من الدراسات العربية الجادة والمعالجات المتخصصة ليس من أجل كتابة بايوغرافيات وسير وسرد نصوص واقوال ووقائع أو ترديد نصوص وبنود اتفاقيات ومعاهدات .. بل من أجل قراءات فكرية تحليلية معمقة تستبطن موضوعه المقارن في كل من بلاد الشام والعراق على امتداد مائة سنة 1850-1950، ليس من الناحية التاريخية حسب ، بل من الناحية الفكرية والخروج بنتائج ينتفع منها الجيل الجديد في مستقبلنا المنظور والبعيد . وهذه دعوة للمزاوجة بين العراق وبلاد الشام نظرا لقوة علاقاتهما ولحمتهما .. وانهما عاشا أدوارا مشتركة في التكامل الفكري والسياسي وغدا كلا منهما أيضا حاضنة للآخر ، وعمقا أساسيا في الواقع والممارسة .
مشروع علمي أكاديمي لم ينجح !
كنت قد قدمت هذا ” المشروع ” قبل سنوات ضمن إطار الهيئة العلمية للندوة التخصصية حول ” بناء الدولة العربية الحديثة ” في جامعة آل البيت بالأردن عندما كنت أعمل فيها أيام رئيسها المؤرخ الدكتور محمد عدنان البخيت ، ونجحنا مع الرجل في عقد أكثر من ندوة تخصصية لدراسة تاريخ العرب الحديث ، ولكننا لم نوّفق أبدا في تنفيذ هذا ” المشروع ” لمعوقات لم اعرفها إلى حد الآن ، ربما كانت سياسية وربما كانت غير ذلك ! لا أدري ، وازعم أنني نجحت في تقديم رؤية موسعة عن هذا ” المشروع ” وقاعدة معلوماتية مؤهلة بغية تحقيق الأهداف العلمية التي نصبو إليها نحن معشر المؤرخين العرب في تحليل أبعاد مثل هذا ” الموضوع ” الذي لم يزل حتى يومنا هذا مشتتا بل ومغبونا في اغلب جوانبه عندنا نحن المشارقة ، كما يسمينا إخواننا المغاربة الذين نجحوا هم في دراسة فكرهم السياسي الحديث أكثر منّا نحن ، ناهيكم عن جهل المثقفين العرب بمعلومات غاية في الأهمية واحتجابها ، بدليل عدم تكامليتها ، ونظرا لأن دراسات عدة في الموضوع قد صدرت مجتزأة في جوانب معينة .. إضافة إلى أن كتابات أخرى قد اضطرت لدراسته مختزلا بشكل عام ، في حين كرست كتابات ومعالجات أخرى دراسته متجزئا زمانيا بين قرنين ، أو مكانيا بين أكثر من قطر : سوريا ولبنان وفلسطين والأردن وبقي العراق لوحده عندما كتب عن الفكر السياسي الحديث فيه وبشكل غير ناضج مع الأسف !! وعليه ، فان دعوتي هذه للعديد من المؤسسات العربية سواء كانت أكاديمية أم بحثية خاصة يتوجب عليها أن لا تنطلق من نزعة إقليمية أو قطرية معينة ، وكأنها موجهة لتأسيس مشروع تاريخي انقسامي غير منتم كما يتصور البعض من ضعاف النفوس الذين ليس لهم إلا التشدق باسم القومية العربية وهم من ابعد الناس عن العروبة والأصالة والتفكير السياسي الحر!! وان هذا ” الموضوع ” أجدى بالدراسة والأتعاب من موضوعات سياسية مستهلكة ومشاركات إنشائية مؤدلجة كالتي تعقد من اجلها المؤتمرات والندوات وتستعرض فيها العضلات !
معرفة مختزلة لمضامين ما يمكن دراسته !
تتضمن دعوتي هذه لمن سيتبنى هذا ” المشروع ” مستقبلا ويتكفل بنجاحه أن يؤسس له أربعة محاور أساسية بعد أن يقدم للفكر السياسي الحديث في العراق وبلاد الشام وتاريخ إرهاصاته بين المتغيرات الجغرافية وتحولات التاريخ .
المحور الأول : الجذور الأولى
لابد أن يتضمن دراسات معمقة لتلك الجذور وخصوصا متغيرات بلاد الشام بعد اتفاقية لندن 1840 وتحولات العراق في إطار المركزية العثمانية والتعمق في التجربة اللبنانية لما قبل فخر الدين المعني وما بعده . ولعل سياسات العثمنة مهمة هنا جدا في تتبع تأثير الإصلاحات السياسية ومؤثرات التنظيمات الخيرية والانتقال إلى أوضاع الإصلاحات المحلية لنموذجين اثنين ، أولاهما شكيب أفندي في لبنان وثانيهما مدحت باشا في العراق وسوريا . ولا يكتمل هذا المحور من دون السيطرة المعرفية على تأثيرات أوربا عند بدايات التحول وخصوصا مشاكل الكنيسة والطائفة والامتيازات الأجنبية والتبشير والتدخلات بحجة حماية الاقليات وتأسيس القنصليات والمدارس والمستشفيات وكثرة الرحالة والمنقبين والآثاريين ، والاهم من ذلك كله : تأثير هجرة انتلجينسيا المثقفين من بلاد الشام والعراق إلى مصر وأدوارهم الفكرية الخصبة فيها ، مقارنة باحتضان كل من العراق وبلاد الشام لمجموعات كبيرة من المهاجرين الأرمن والجراكسة والشيشان وغيرهم.

المحور الثاني : التحولات الجديدة
هذه التحولات لها أهميتها البالغة ، ومنها : مشروع المورنة الفكري في الإطار السياسي ، ثم جانب الإصلاحات الفكري والأدبي واللغوي ومؤثراته السياسية وصولا إلى توضيح الاستحداثات الجديدة وادوارها في نضوج الفكر السياسي ومنها : الطباعة والصحافة واليات التفكير المستحدث ثم تنوع الفكر الأوروبي وانتشار مضامينه ، وصولا إلى الجمعيات الإصلاحية الأولى وآثارها وانتهاء بتأسيس الجامعتين الأمريكية واليسوعية في بيروت وفشل تأسيس الجامعة الأمريكية في الموصل ! ويأتي الانتقال إلى التعمق في معرفة ممارسة الفكر السياسي الدستوري وخصوصا في تجربة مجلس المبعوثان العثماني بنموذجيه لعامي 1876 ، 1908 وتأثيره في التفكير بالذات . لقد كان تأثير الجامعة الامريكية ببيروت كبيرا في الفكر السياسي العربي الحديث وخصوصا في بلاد الشام والعراق على امتداد القرن العشرين ، فلقد بدأت في اروقتها جملة من الافكار الجديدة التي اينعت بعد ذلك حركات واحزاب وتيارات سياسية تقدمية ومشروعات فكرية عند العرب المحدثين ، وخصوصا عندما اخصبت منتجاتها عددا من المثقفين الراديكاليين العرب الذين سيكون لهم شأنهم في النصف الثاني من القرن العشرين .
المحور الثالث : قراءات منتجات المفكرين السياسيين العرب المحدثين
انه العمود الفقري لمشروع هذه ” الدعوة ” ، إذ لابد أن يتضمن قراءات معمقة وتحليلية ذكية وبارعة ومحايدة وموضوعية لتجارب الفكر السياسي الحديث في كل من العراق وبلاد الشام ، ومنها : توجهات أديب اسحق وزملائه ( = الرابطة العثمانية ) ، فكرة سليمان البستاني (= الوطن العثماني ) ، جوائب احمد فارس الشدياق ( = الفكرة الوطنية ) ، فكر عبد الرحمن الكواكبي ( = العروبة والخلافة العربية ) ، آراء الياس حبالين (= الخصوصية الطائفية ) ، تفكير نجيب عازوري بالفرنسية ( = القومية العربية ) ، مقالات شاهين مكاريوس ورصفائه (= الماسونية ) ، أعمال رفيق العظم وحقي العظم ورفاقهما ( = اللامركزية ) ، بيانات السيد محمد مهدي الخالصي وغيره من الأئمة الشيعة في العراق ولبنان (= الفتاوى الدينية ) ، كتابات شكيب ارسلان وجماعته ( = الجامعة الإسلامية ) ، تصورات الملك فيصل بن الحسين للمشروع القومي ( = الولايات العربية المتحدة )، محليات الشيخ طاهر الجزائري وندمائه ( = جمعية النهضة الإصلاحية ) ، قصائد اليازجي والرصافي ومردم وغيرهم ( = الشعر السياسي )، رواية سليمان فيضي الموصلي ( = الفكرة الايقاظية ) ، الموسيقار الملا عثمان الموصلي (= ريادة الموسيقى الوطنية ) ، انطباعات احمد عزت الاعظمي ( = المنتدى الأدبي) ، مساجلات علي الجميل ( = أول من نادى بمصطلح الأمة العربية وتأسيس النادي العلمي ) ، أوراق محب الدين الخطيب (= التقلبات السياسية منذ مؤتمر باريس ) ، مقالات عبد الغني العريسي والزهراوي ( = العروبة ) ، مكاشفات جميل صدقي الزهاوي واشعاره (= تحرير المرأة ) ، تفكير عمر فاخوري (= المدنية العلمانية ) ، دعوة معروف الرصافي ( = الجمهورية ) ، مشاكسات أنيس النصولي (= الحرية الفكرية ) ، آراء محمد رشيد رضا (= الخلافة الإسلامية ) ، مشروع انطون سعاده (= الوطن السوري القومي ) ، منظور رستم حيدر ( = السياسة التنموية ) ، شوفينية سامي شوكت (= صناعة الموت ) ، أفكار كامل الجادرجي ومحمد حديد وعبد الفتاح إبراهيم ( = الوطنية الديمقراطية) ، خطابات نوري السعيد (= مشروعي جامعة الدول العربية والهلال الخصيب ) ، مناداة فاضل الجمالي بالتحالفات (= مع الغرب ) ، دعوات ساطع الحصري ( = الوحدة العربية ) ، كتابات زكي الارسوزي وميشيل عفلق واكرم الحوراني ( = البعث العربي الاشتراكي) ، تنظيمات خالد بكتاش وعز الدين ساطع ( = الشيوعيون السوريون ) ، خلايا فهد وحسين الرحال (= الشيوعيون العراقيون ) ، تأسيس ارتين ممادويان وبوياجيان ( = جماعة سبارتاكوس الشيوعية ) ، جهود فؤاد الشمالي ويوسف يزبك (= الشيوعية اللبنانية ) ، صحافة غسان تويني ( = النهار : المشروع المتواصل ) ، فلسفة شارل مالك (= التفكيرالمدني ) ، سخريات مارون عبود ( = النقد السياسي ) ، دعوات قسطنطين زريق ( = القوميون العرب ) وغيرها.
المحور الرابع : الفكر السياسي المعاصر
اعتقد أن مشروعا آخر يكمل ما دعوت إليه يتدارس الفكر السياسي ابان النصف الثاني من القرن العشرين ، سيفصح عن معلومات مهمة في ظل ما حدث لهذا الفكر في ظل أوضاع هيمنة القوى السياسية الراديكالية والعسكريتاريا وموجة الانقلابات في كل من العراق وسوريا ، وفي أوضاع كل من لبنان والأردن وفلسطين .. وخصوصا على امتداد هجمة إسرائيل بعد تأسيسها في قلب المنطقة ، مع تأثيرات الهجرة وسياسات القمع والكبت على الفكر والحريات السياسية .. ومقارنة حالته مع ما كان عليه في تواريخه السالفة وخصوصا اثر الحرب العالمية الثانية وتأثيرات الحرب الباردة وانقسام العالم في عصر الأيديولوجيات الثورية عليه .
استنتاجات وتساؤلات
أتمنى أن يتحقق حلم هذه ” الدعوة ” العلمية كمشروع تاريخي حيوي يساهم في رفد تفكيرنا المعاصر اليوم عند بدايات القرن الواحد والعشرين ويكشف للأجيال الجديدة المكانة المتميزة لمفكرين أقوياء من العراق وبلاد الشام ساهموا في خلق مجموعة حية وثرة من المشروعات والأفكار والآراء المتنوعة والمتعددة ، وسواء كانت قوية بإيجابياتها أو هزيلة بسلبياتها .. فهي تعلن للملأ عن حجم التفكير السياسي العربي الحديث في المشرق وحيويته على مدى قرن كامل 1850- 1950 وقبل أن يغتاله المتسلطون من العساكر والجهلة والأغبياء ! فهل من مستجيب لهذه ” الدعوة ” المخلصة إثراء لتاريخنا المعاصر ؟ أم أنها ستصادف من العنت والمكابرة ؟ أم أن البعض سيخاف ويخشى من مجرد التفكير بها ؟ أم أن هناك من سيسرقها ويجّيرها لمصالحه السياسية والشخصية ؟ أم أن إهمالا متعمدا ستلقى من اجل موازنات سياسية ومؤدلجات معينة ؟ دعونا ننتظر ونرى !

نشرت في ملحق ألف ياء ، الزمان اللندنية ، العدد 1319 ، 23 ايلول / سبتمبر 2002



Check Also

ممكنات التقدّم : من اجل مشروع في الاصلاح والتغيير (الحلقة الثانية)

كنت قد حللت قبل سنوات وثيقة الاسكندرية للاصلاح ، والتي تعتبر واحدة من اهم الوثائق …