الرئيسية / اخبار وبيانات / بيان من أجل الموصل.. كتاب مفتوح أمام سيادة الرئيس جلال طالباني

بيان من أجل الموصل.. كتاب مفتوح أمام سيادة الرئيس جلال طالباني

تحية طيبة وبعد ،
من اجل حوار يسوده الاحترام.. من اجل مصالح وطنية مشتركة تجمعنا .. من اجل مصير أولادنا وأحفادنا .. من اجل إصلاح واقع متهرئ ينبغي إصلاحه .. من أجل استعادة الحياة إلى الموصل وأطرافها وكل العراق .. من اجل كلمة حق فاصلة لكل العراقيين ، وليس لأصحاب النفوذ والاتجاهات السياسية فقط .. من اجل استعادة حقوق من اضطهد، أو قتل، أو شرّد، أو هجّر، أو فجّر، أو اقتحم بيته ، وهدّ كيانه ، ومورست بحقه أشنع الأساليب مهما كان دينه وعرقه وطيفه .. اكتب لكم هذه ” الرسالة ” ، والتي ارفعها ، بيانا صادقا من اجل الموصل وأبنائها الأحرار .. وأنا لا أريد جوابا عليها بقدر ما أريد ترجمة فعلية لمضمونها من اجل وحدة العراق الوطنية وإبعاده عن شرور أي حرب أهلية يبشر بالتهديد بها بعض الذين فقدوا مصالحهم هنا أو هناك .. إنني إن كتبت لكم ، فانا مواطن عراقي ومن أبناء الموصل المعروفين ، وان تاريخي الشخصي يشهد لي بأنني عربي قح ، ولكنني أسوة بكل الموصليين ، صديق حقيقي لكلّ الأكراد ، وللموصل العربية ارتباطاتها العضوية والتاريخية بالكرد منذ القدم .. ولكن ما جرى منذ لحظة السقوط عام 2003 ، من نهب لبنوك الموصل وجامعتها ودوائرها ومكتباتها .. فضلا عما اقترف من أخطاء كبيرة مخفية ويعتم عليها ، ولا يحقق فيها ، مع فقدان الثقة بشأن استشراء الإرهاب في الموصل ، والوقوف ضد أي قوة محلية تتشّكل لمحاربة الإرهاب ، جعل الناس في الموصل تشكّل لها إرادة سياسية جديدة ، اشترك في صنعها كل فسيفساء الموصل ..
لقد أيدتّم قبل أيام مذكرة قائمة نينوى المتآخية ، بشأن ادعائها ، خطورة خرق مبدأ (التوافق) من قبل قائمة الحدباء ، واستحواذ الأخيرة على مناصب مهمة .. واعتبرتم ذلك هو ” غلطة خطيرة ذات نتائج خطيرة على مستقبل العلاقات الوطنية في العراق ، وعلى مستقبل الوحدة الوطنية ” .. وانتم تعلمون جيدا من الذي استحوذ على مدى السنوات الأربع الفائتة على مجلس إدارة الموصل من دون أن يتذكر احد مبدأ التوافق في الموصل التي عانت أقسى الأحداث في تاريخها ، ولم يتحدث أحد عن أخطر غلطة ارتكبها الحزبان الكرديان باستحواذهما على مقاليد الموصل .. وكنت أتمنى أن تراعى العدالة والحكمة والتوازن بدل الغطرسة المحلية والاستحواذ والتسلط ، لكانت سيولا من الدماء ستجف ، وكّنا سنبّني مجتمعا متآلفا من دون أية أطماع ؟ وكنت أتمنى معالجتكم لأخطاء جسيمة حدثت بالموصل ، خصوصا ، وأنكم كنتم تصرحون دوما على التلفزيون ، بأن الموصل عربية منذ القدم .
إنكم يا سيادة الرئيس قد صادقتم على نتائج انتخابات مجلس محافظة الموصل أخيرا، ليس فقط احتراما للأغلبية العددية ، بل لئن هناك إرادة حقيقية تبلورت بعد أربع سنوات ضد حكم محلي هيمن فيه الحزبان الكرديان على الموصل ، وكانت له أخطاؤه الجسيمة .. وإذا كانت الحدباء قد خالفت مبدأ ” التوافق ” ، فلماذا لم يؤخذ بالتوافق عندما استحوذ الأخوة الأكراد على اغلب مقاعد مجلس المحافظة في الدورة السابقة ؟ وإذا كنتم تنصحون من اشتكى إليكم أن يراجع المحكمة الدستورية لتحقيق العدالة والقانون.. فمن حق أهل الموصل وأطرافها أن يطالبوا بالتحقيق الفوري في كل الجرائم التي حدثت في الموصل على مدى أربع سنوات مضت لمعرفة من كان وراءها ، وان تسترد الناس حقوقها التي سحقت ، وكراماتها التي أهدرت ، ودمائها التي أزهقت . إن الوحدة الوطنية لا تبنى على الباطل وحده ، بل أن يسعى الجميع من اجل كلمة الحق .. وأريد أن أذكركم فقط بالرسالة الخطية التي تفضلتم بإرسالها لي بتاريخ 7 شباط / فبراير 2006 ، وقد شكرتكم عليها ، وانتم تقدمون اعتذاركم وأسفكم عمّا حدث في الموصل ، عندما اقتحمت جماعات من البيشمركة بيت والدتي ، كبيرة السن ، بالموصل عند الرابعة فجرا وهي نائمة لوحدها وأرهبوها ، وحطموا الأبواب والشبابيك وكل الأثاث ظلما وعدوانا .. وطلبتم مني في رسالتكم أن يتسّع صدري لذلك ، وقلتم ـ أيضا ـ أنكم أوعزتم إلى مسؤول الفرع الأول بالموصل أن يقوم بالتحقيق في الأمر .. فلا تحقيق جرى ، ولا عرفنا الأسباب وكان من جراء تلك الحملة الشرسة اللا أخلاقية أن أصيبت والدتي ـ رحمها الله ـ بالجلطة الدماغية ، ورحلت يوم 16 آب / أغسطس 2006 ، أي بعد مرور خمسة أشهر من المعاناة! وكنت قد لزمت الصمت لما حدث حتى الآن احتراما لرغبتكم .. فمن يأتيني بحقي أنا أسوة بالآلاف المؤلفة من أهل الموصل الذين هوجمت بيوتهم ظلما وعدوانا ، وقد هددّوا ورحّلوا وهجّروا إلى هنا وهناك ، ليس في مركز المدينة فقط ، بل في كل أطرافها ، وما أصاب كل من الأخوة المسيحيين والتركمان والشبك والعشائر العربية على امتداد حوض نهر دجلة ، وما أصاب الأخوة اليزيدية من مصائب ومحن في قراهم ومناطقهم على الجانبين من نهر دجلة .. أسألكم : من كان مسؤولا حقيقيا عن الموصل وقت ذاك ؟ أتريد يا سيدي أن تبقى الموصل بأيدي العابثين ، أم أن عليك أن تكون عونا لكل العراقيين ، تشد من أزر أبنائها لاستعادة الحياة وإعادة الأمور إلى طبيعتها ، وتتابع حقوق الناس. وانتم تعلمون بأن كل الذي اذكره ـ هنا ـ هو الجزء الأصغر من الحقيقة .. والكل يدرك أنكم تعلمون جيدا ، أن القانون والحق الديمقراطي والرأي الشعبي والرأي السياسي في العراق كله مع قائمة الحدباء وهنا ، لا يمكن أن تصبح مسألة الموصل موضوعا دعائيا من اجل الانتخابات ، علما بأن أهدافا إستراتيجية ينتظرها الناس ، وقد وصفتموها مؤخرا بالأحلام غير قابلة للتحقيق!
لقد تأكدت أن قائمة الحدباء قد ضمّت كل الطيف الموصلي : عربا وأكرادا وشبكا وتركمانا ومسيحيين .. وان الانتخابات جرت بلا تزوير ، فلماذا يعلن بعض القائمين على بعض الوحدات الإدارية إذن عن نوايا الانفصال عن مركز الموصل للالتحاق بإقليم كردستان ، وهم منفصلون حقيقة ! فهل يعد هذا من الإجراءات الدستورية ؟ أليس هناك انتخابات أخرى للاقضية والنواحي ؟ واعتقد أن الموصل ، نفسها ، هي التي ستلجأ إلى المحكمة الدستورية لأخذ رأيها حول تحريض الاقضية المحاددة للانفصال عن محافظة نينوى .. وهنا ، أود فقط الإشارة إلى مجموعة من الحقائق الغائبة التي لا يعلمها كل المواطنين العراقيين :
أولا : إن هذه الاقضية هي في الواقع منفصلة عن محافظة نينوى منذ خمس سنوات ، فقضائي الشيخان (= عين سفني ) ومخمور لا يملكان مجالس أقضية ، كما هو الحال في بقية أقضية محافظة نينوى !
ثانيا : يتم تعيين القائمقامين ، ومدراء النواحي مباشرة من إقليم كردستان ، بينما في بقية أقضية محافظة نينوى يقوم مجلس القضاء بانتخاب القائم قام .
ثالثا : إن جهاز الاسايش ( = الأمن الكردي ) يعمل في أقضية شيخان ومخمور وسنجار بنفس أسلوب العمل الذي كان يمارسه جهاز الأمن العراقي قبل 2003 !! حيث يقوم بالاعتقال والتحقيق ، والإحالة إلى محاكم إقليم كردستان بينما يعمل جهاز الأمن الوطني الآن في بقية محافظة نينوى كجهاز جمع معلومات فقط .
رابعا : إن معظم الدوائر في هذه الوحدات مرتبطة بإقليم كردستان إداريا وفنيا ..
ولهذا فان على الحكومة الإدارية الجديدة في الموصل أن تشكر الأخوة في الأحزاب الكردية ، لأنهم طرحوا موضوعا للمناقشة ، كان محسوما لصالحهم منذ خمس سنوات ويتعامل معه الجميع كأنه واقع ثابت . ويرى الموصليون أن وضعهم قوي جدا فهناك تأييد عربي في جميع أنحاء العراق ، وهم يخوضون صراعا تاريخيا وشجاعا ضد الإرهاب ( أيّا كان مصدره ) والذي انقطع فجأة أيام الانتخابات ، ولكن ما أن نشرت النتائج ، حتى عاد ماراثون الهجمات القاتلة ضد كل أهل الموصل . إن الموصليين باستجابتهم للتحديات ، يطالبون الحكومة العراقية بالوقوف إلى جانبهم سياسيا وعسكريا .. كما يطالبون الدولة ، تطبيقا للدستور ، إيجاد توازن في الجيش ، شريطة أن يكون مناطقيا ، ومن حق الموصل أن تكون لهم فرقتها العسكرية ، وجيشها وشرطتها ، المؤّلف من كل مكونات الموصل .
علينا قول ” كلمة حق ” من اجل السلام ، والعدالة ، والحياة بدل فرض أجندة الصراع والتهديد والوعيد والمحاكم ؟ لقد كانت للموصل تجربة مريرة يعرفها الجميع جيدا من قبل الإدارة السابقة ، فامنحوا الإدارة الجديدة فرصتها من اجل فتح صفحة تاريخية جديدة .. إن الأمور لا تحل إلا بالحكمة والموعظة الحسنة ! عكس ما تروّج له نخبة كتّاب ومستشارين موالين لكم ، وهم يدّقون إسفين الصراع والتحريض على الحرب ، وشتم العرب والعروبة في العراق ليل نهار .. وبالرغم من كوني لست قوميا ، فلا يمكنني أبدا تقبّل الردح بين الغلاة من القوميتين الاثنتين ، إذ يزيد ذلك من الأحقاد والضغائن والشوفينية العمياء .. وأنا واثق بأنهم سيتهمونني بشتى التهم الجاهزة وهم يدركون استقلاليتي القاطعة ! إننا إن تكلمنا بمنطقهم ، فنكون مساهمين في إشعال العراق وأهله . إن معالجة الأمور السياسية في الموصل وأطرافها لا يتم بقوة السلاح ولا بالتهديدات ولا بالشتائم .. وانتم اعرف الناس بالعلاقات التاريخية التي ربطت أهل الموصل بكل من أربيل وزيبار وعقرة وعين سفني والعمادية وزاخو ودهوك منذ القدم من كل النواحي الزراعية والتجارية .. الاجتماعية والثقافية والزيجات المشتركة .. واستطيع القول أن ما يربط مركز الموصل بكل من العمادية وبامرني ـ مثلا ـ هو أقوى بكثير من روابط هذه الأماكن بالسليمانية وحرير! فعلام الصراع إذن ؟ وعلام التبشير بالحرب الأهلية ؟ علينا أن ندرك بأن ليس من الصواب الوقوف أمام إرادة الموصل بهذا الشكل ، وعلينا أن نعمل معا للوقوف إلى جانبها ، وتشجيع إرادة أهلها كلهم لدحر الإرهاب فيها ومساعدتها للنهوض بواقعها المنسحق الذي لم تكن مسؤولة هي عنه أبدا ..
تمنياتي بأن يؤخذ كلامي على محمل حسن ، وان يرفّ السلام بجناحيه ربوع كل وطننا الحبيب .. وان تتحرر إرادته من كل دخيل أجنبي ، ويسوده السلام ، وتعمه المحبة والاحترام ، ويتمتع كل العراقيين بحقوقهم ، وأن يؤدوا واجباتهم بأخلاقية وطنية عالية وأساليب حضارية رفيعة ..
وتقبلوا سيادتكم أسمى التقدير والاحترام

أ.د. سيّار الجميل
سفير السلام العالمي ، منظمة يو بي اف الأمم المتحدة
في 5 مايو 2009

المصدر : موقع الدكتور سيار الجميل www.sayyaraljamil.com

شاهد أيضاً

تعزية برحيل الأستاذ سامي الجلبي

يقّدم موقعنا باسم الأستاذ الدكتور سيار الجميل أحر التعازي القلبية لمناسبة رحيل الأستاذ سامي الجلبي …