الرئيسية / الشأن العراقي / تقسيم العراق قضية وطنية أم معضلة سياسية ؟

تقسيم العراق قضية وطنية أم معضلة سياسية ؟

من يحترم تاريخه يعشق وطنه، ومن يمتلك الوعي به يخشى عليه من الفواجع والنائبات.. ومن يدرك قيمته سيفخر به وبكل منجزات اهله من الآباء والاجداد.. وسيعمل على ان يصنع منه ضرورة لهذا العالم حاضرا ومستقبلا.. والعراق قد عرفه العالم منذ ازمان طوال مهدا للبشرية ومأوى للحضارات الاولى بكل ما انبثق على ترابه من اعظم المنجزات.. هذا العراق الذي عاش ابناؤه بين الرافدين الازليين دجلة والفرات وعلى جنباتهما اصبح في نظرهم جثة هامدة تنهش فيه الذئاب.. بل ويريد الكونغرس الاميركي تفسيخه الى ثلاثة كيانات، ويدعو بايدن المجتمع الدولي كي يعترف بهذا التقسيم البليد..
ومن المؤلم حقا ان يصفق لذلك نفر ممن غابت عنهم اية مواطنة عراقية واختلطت عندهم قضيته الوطنية بمعضلته السياسية، من دون اي بدائل او اصلاحات. وهنا اقول: من يريد ان يبقى مع العراق موحدا، فليعلن عن عراقيته اولا وولاءاته الاخرى ثانيا وثالثا.. ومن يريد له وطنا من نوع آخر فليعلن استقالته.. وانني مقتنع بأن من يريد العراق اكبر بكثير ممن يرفضونه.. وان من يسعى لمستقبل زاهر لكل المنطقة عليه ان يبقى مع العراق في محنته لا ان يغادره برفقة السناتور بايدن او غيره. واضحة هي مقاصدهم الشريرة مذ اعتمدوا خطوط العرض قبل سنوات، مقاطع اساسية لهم في تكوين ثلاثة كيانات، والعراق ان كانت ثلثا اراضيه صحراوات قاحلة، فثلثه سيطاله التقسيم !
هكذا، بدأ “المشروع” باسم مناطق عازلة، ثم روج لشعار الفيدرالية الذي لا يصلح الا لاقليم كردستان في الشمال، وعند شهر آب 2005 استمعنا لأول مرة باقليم الجنوب.. واليوم يخرج علينا الكونغرس بعراق ثلاث حكومات وحكومة مركزية هشة ! وهذا ذكرّني بثرثرة بعض العراقيين انهم لا اعتراف عندهم بحدود ما يسمى العراق.. بل واعتبروه صناعة بريطانية لما بعد الحرب العالمية الاولى، متجاوزين على كل التاريخ الموثوق ومسمياته القديمة والحديثة ومن دون اي شعور بالذنب او القرف.. بل ووصل الامر الى سدنة من مختصين وساسة ومثقفين ومهرجين يكرهون العراق، فقالوا بأن لا وجود للعراق وليس هناك اي تاريخ لولاياته القديمة ودساكره واعماله وامصاره ونسيج مجتمعه ومدنه المترابطة واريافه وسكة حديده وحيوية اسواقه وعبق تراثه واصالة مقامه وفولوكلوره.. الخ ووجدت بعضهم يكره بغداد كراهية عمياء وهو من قلب العراق، فان سألته عنها لعن مؤسسها ابو جعفر المنصور لاحقاد موروثة.
ان كراهية العراق صناعة اميركية بحتة.. فقد روجوا لمصطلح ” المكونات العراقية ” بدل ” شعب العراق “، وبدل التأسيس على تماسك المجتمع العراقي راحوا يصنفونه سّنة وشيعة وكردا.. بل واستهين بكل الاقليات السكانية الاخرى.. وروجوا للتجزئة اعلاميا على السن بعض العراقيين انفسهم من دون اي حياء.. وبدأ العراق يتلقى السهام والطعنات من كل حدب وصوب على ايدي بعض ابنائه الذين أخذوا يميزون بين الاغلبيات والاقليات.. ويشهّرون بين الطوائف والمذاهب والاديان.. ويزرعون العداء بين آل البيت الاطهار وبين اهل السنة والجماعة الاخيار.. وفاضلوا بين المتحزبين وغير المتحزبين، او بين ابناء الاعظمية والكاظمية.. الخ
ما الذي سيجنيه العراق من تجزئته غير الحرب والدمار والويلات والهشاشة والضعة وهو يعتلي اهم موقع جيو ستراتيجي في قلب الشرق الاوسط؟ كيف سينتهي العنف اذا تم انفصال هكذا اقاليم متداخلة فيما بينها سكانيا عبر التاريخ؟ من سيتفرغ كي يحمي العراق ان كان العراق سيشيعه ابناؤه الى الابد؟ من يضمن لكم يا مروجي التقسيم انكم ستبقون احياء ترزقون ترحمون او تتلظون من هذا الطرف من العراق او ذاك في منطقة تعج بالقوى الاقليمية الكبيرة؟ فان كانت ايران هي الوحيدة التي باركت لكم مشروع تقسيم العراق، فهل تقبل ان يطبق مشروع التقسيم عليها؟ ام سيجن جنونها ويتطاير شررها؟ كيف فات عليكم ايها الانقساميون العراقيون ان لا تميزوا حتى الان بين قضية وطن قديم وبين معضلة سياسة مزمنة؟ ما الذي جعلكم لا تميزون بين عدالة مركزية وبين دكتاتورية بشعة؟
من افهمكم ان تقسيم العراق هو الحل تحت اي شعار او مشروع؟ وهل عشتم مجتمعكم منذ قرنين كاملين في تعايش رائع ام في صراع مرير؟ وأسأل: هل تنفعكم ثلاث حكومات في العراق ام انكم تريدون تأسيس حكومة في كل حي او قصبة او زقاق؟ من اعطاكم الحق في ان تؤلفوا ثلاث حكومات على اسس طائفية وعرقية لاغلبيات كي تسحقوا بقية الاقليات؟ ان كان الاميركيون قد شرعّوا لكم ثلاث حكومات، فان التجزئة غير عادلة ابدا ايها الانقساميون، اذ لابد من حكومة تركمانية وحكومة آشورية وحكومة صابئية واخريات يزيدية وكلدانية وسريانية وشبكية وارمنية وبروتستانتية ناهيكم عن كاثوليكية وارثوذكسية.. بل لابد من حكومة تركمانية شيعية واخرى سنية.. بل لماذا لا تستحدث حكومة لكل قبيلة او عشيرة ونصبح مجتمعا مهلهلا يأكل أحده الاخر، بل يأكل القوي منّا الضعيف او يبتلع الاكبر فينا الاصغر..
وهكذا، فان من المخجل حقا ان يكتب التاريخ يوما ما يحدث للعراقيين وقد افتقدوا مشيتهم الطبيعية اليوم كي يفسّخوا العراق على اسس واهية طائفية وعرقية.. وكأنه الوحيد بين دول المنطقة كلها لم يعد مجتمعه بقابل على الحياة. انني ادرك ان الغالبية من ابناء العراق البررة يعشقون العراق الى حد العظم، ولكن الاقدار قد جعلت مقاليد الامور بأيدي اناس ليست لهم اية احاسيس ومشاعر وطنية تتعلق بالعراق.. او ان ولاءاتهم الاخرى تتقدم بمراحل كبيرة على مشاعرهم العراقية. ان من يقتل عراقيا تحت اية مسميات جهادية او اهداف سلطوية لا يمكنه ان يكون عراقيا بأي حال من الاحوال.. وان من يريد ان يكون العراق مجرد دفتر صكوك موقع على بياض فانه ليس من العراقيين.. وان من يريد العراق مقطوما او مقطوع الرأس والاطراف فهو ليس من العراقيين.. وان من يريد تنفيذ اجندته الانقسامية باسم واقع صنعه الاميركيون فهو ليس من العراقيين.. وان من يصنف العراقيين على اساس اي ولاءات حزبية او دينية او عرقية او كتلوية او طائفية او مذهبية.. فهو ليس من العراقيين. وان كل من يبارك مشروعات الاميركيين او اي طرف من الاقليميين ويتهم غيره بالعمالة والخيانة فهو ليس من العراقيين. وان كل من يصفق لنحر العراق الى ثلاثة اجزاء او اكثر فهو من غير العراقيين.. وان كل من يسحب آثام دكتاتور سابق ليتهم طائفة او قومية او قبيلة بآثامه فهو من غير العراقيين. وان كل من يجعل من نفسه او بيته او بستانه او كراجه مأوى وحاضنة للارهاب والارهابيين فهو من غير العراقيين.. وان كل من يسعى لاحادية سلطة او فاشية حزب او دكتاتورية فرد او طائفة.. فهو ليس من العراقيين.. ان العراق كان موحدا وسيبقى كذلك لكل العراقيين مهما تغيرت حكوماته وانظمته السياسية. سيبقى هو الوطن الى الابد.
www.sayyaraljamil.com
الصباح البغدادية ، 9 اكتوبر 2007

شاهد أيضاً

نقطة نظام ضد الفساد والمفسدين والفاسدين

ملاحظة : طلب مني عدد من الاصدقاء العراقيين ان اعيد نشر هذا ” المقال ” …