لا أدري على أي أساس تاريخي استند السيناتور جوزيف بايدن في طرح مشروعه لتقسيم العراق، مقترحا ثلاث حكومات رفقة حكومة مركزية اتحادية لا صلاحيات حقيقية لها! ولا ادري كم هي معرفة هذا الرجل بالشأن العراقي وشؤون المنطقة ليقدّم هكذا «مشروع» من دون أي هواجس ومخاوف لما ستؤول إليه أوضاع المنطقة كلها !
ولا ادري لماذا قبل 75% من أعضاء الكونغرس الأميركي مقترحاته بالموافقة عليها، وحتى ان كانت بقرار غير ملزم، فالقرار يفتح الباب على مصراعيه لمشروعات مماثلة في التقسيم.. وإذا كان «المشروع» لعبة سخيفة لتغيير الأوراق من اجل مصالح الولايات المتحدة الأميركية، أو حّلا يجعلها تفّكر في كيفية التعاطي مع المشكلة العراقية.. فإنها لم تفكر بخطورة صناعتها لتاريخ خاطئ في منطقة الشرق الأوسط.
ولا نريد ان نلقي عليها دروسا عن العراق. ويبدو انها ماضية في طريق خاطئ على مدى أربع سنوات من دون ان تتعلم شيئا.. أو أن لها استراتيجية خطيرة جدا، وخفية، بدأت بها في العراق ولا نعرف ولا يعرف العالم كله إلى أين ستنتهي بها !
ان المشكلة ليست أميركية صرفة بقدر ما هي عراقية وإقليمية أيضا، ذلك أن هناك قوى وأحزابا عراقية برغم ضآلتها وانعزاليتها، فقد صفقت لمشروع بايدن في تقسيم العراق، بل وأنها تغالط نفسها وتكّذب الآخرين عندما تدافع عن بايدن بحجة انه يدعو إلى الفيدرالية لا إلى التقسيم. وقد هرع هو نفسه نتيجة الضجة الكبرى التي لم يتوقعها ضده، فتنازل قائلا انه يطالب بالفيدرالية لا بتقسيم العراق، علما بأن من يرجع إلى النص الأصلي الذي قدّمه إلى الكونغرس ويتمعن فيه سيجد ان «المشروع» يتضمن دعوة سلمية إلى تأسيس ثلاث حكومات في ثلاثة أقاليم من سنّة وشيعة وأكراد، وانه سيرضي السنة بقدر أكبر من الفطيرة. – كما يقول ـ فضلا عن دعوته إلى مؤتمر مفاوضات، والخروج بما يشبه ميثاق دايتون الذي أنهى الصراع العرقي في صربيا والبوسنة.. انه عندما يطالب بهكذا ميثاق، فإنما يطالب ليس بتقسيم العراق بل بتمزيقه ! وبهذا، فهو سيشعل عود ثقاب في منجم بارود قابل للانفجار في أي لحظة.
ان ما يثير حقا تصفيق بعض العراقيين للتقسيم من دون أي إحساس بالذنب، ومن دون أي تفكير وتأمل بعيد لمصير العراق الذي يقع في قلب الشرق الأوسط.. انهم بهذا لا يريدون إبقاء العراق بشكله الحالي الذي صنعته عهود طوال من التاريخ، بل ورسمت حدوده ليس من قبل الانجليز في العام 1921 كما يروج الانقساميون. بل اعتمادا على الخرائط القديمة للولايات الإدارية العثمانية والتي انبثقت في النصف الأول من القرن السادس عشر، ان العراق يبدو موحدا منذ القدم بهذا الشكل، ولم تكن مكوناته التاريخية الا إدارية صرفة: كأمصار ودساكر وأعمال وألوية وسناجق وولايات، ولم يعرف عبر تاريخه الطويل أية حكومات عرقية أو طائفية.. نعم لقد حكمته سلالات ملوك وخلفاء وأمراء وشيوخ ولكنه لم يعرف في حياته التجزؤ المذهبي أو الاثني.. كما ان نسيجه الاجتماعي لم يعرف الصراع الداخلي ولا الحروب الأهلية كالذي جرى في بلدان متفسخة أهلتها أوضاعها للتجزئة والاهتراء.
ان مشروع تقسيم العراق لا يمكن ان تقبله كل الأطراف، وحتى ان كانت إيران هي الوحيدة من دول الإقليم قد باركت تقسيم العراق، فإنها تعرف ان من مصلحتها إبقاء العراق مفكك الأوصال، ضعيف البنية، كسيح القوة ومخترقا من قبلها..
وإنني أسأل: ان كانت ترى في تقسيم العراق ضرورة ملحة على أسس طائفية وعرقية، فهل تقبل إيران تطبيق مشروع بايدن على نفسها؟ ومن الضرورة القول انه ان جاء التقسيم تحت مظلة الفيدرالية وبمباركة دستورية عراقية كون الدستور ينص على هذا المبدأ، فليس من الصواب ـ أولا ـ تطبيق أي تقسيم للعراق ككيان موحّد يمكنه ان يمضي نحو المستقبل من دون أي تجزئة.
كما انه من المضحك ان تقوم ” فيدرالية” على أساس طائفي وعرقي ـ ثانيا ـ فالفيدرالية توّحد الأقاليم في بلاد مفككة ولا يمكن ان تبعثر البلاد الموحدة إلى أجزاء، وجعل الوطن عدة أوطان.. إنني واثق تمام الثقة ان أي استفتاء يقوم في العراق تحت إشراف دولي حول مسألة الفيدرالية أو التقسيم، فان الكفة سترجح لصالح الوطنيين العراقيين الذين لا يقبلون بتجزئة العراق مهما كانت الأسباب التي يؤمن بها الانقساميون.
انني اعتقد ان مشروع بايدن قد جاء ليكشف القناع عن حقيقة ولاء العراقيين، أي بين من يريد العراق ومن لا يريده حتى على خارطة تاريخية، ان هذا المشروع مهما صادف من تأييد لدى الكونغرس، فسوف لن يجد شعب العراق بقابل على تمزيق وطنه.. ان مجرد التفكير بثلاثة كيانات هزيلة أو كانتونات مهترئة بديلا عن العراق.. ربما كانت ستعيش لو كانت في غير موقع العراق، ولكن ما دام يحتل هذا المكان من مربع الأزمات في الشرق الأوسط، كما ويمّثل الرابط الأساسي بين العالم العربي وكل من تركيا وإيران، ناهيكم عن موقعه على رأس الخليج العربي..
فالأهم أن يبقى موحدا بكل أجناسه وأطيافه وعناصره بديلا عن أي تجزئة.. ان المنطقة كلها لابد ان تدرك أهمية إبقاء العراق موحدا، ولكن يستلزم صناعة عراق حضاري ومسالم وآمن ومتطور ومبدع.. ويبقى حاضنة حقيقية لكل سكانه بمختلف قومياتهم وأديانهم ومذاهبهم.. ان فهما معمقّا لتاريخ العراق أيام المحن والتحديات والخطوب، تعلمنا بأن بلاد وادي الرافدين غير قابلة للانقسام أبدا.
www.sayyaraljamil.com
البيان الاماراتية ، 10 اكتوبر 2007
شاهد أيضاً
نقطة نظام ضد الفساد والمفسدين والفاسدين
ملاحظة : طلب مني عدد من الاصدقاء العراقيين ان اعيد نشر هذا ” المقال ” …