الرئيسية / فن وموسيقى / المسلسلات التلفزيونية : موديل طفيلي جديد !!

المسلسلات التلفزيونية : موديل طفيلي جديد !!

يمر بنا شهر رمضان الفضيل هذا العام مع حالة جديدة لم نألفها سابقا بغزو ظاهرتها مجتمعاتنا العربية قاطبة . ولم اجد اي دراسة جادة لها في حياتنا الثقافية حتى الان . ان تاريخ المسلسلات التلفزيونية درامية او ميلو درامية يعود الى مصر منذ اكثر من ثلاثين سنة مضت من وجود محطات التلفزيون في بلداننا عندما كان بالابيض والاسود . والحقيقة ، انها لم تكن تجارة يتنافس من اجلها المنتجون والفنانون وتدخل في خفاياها رؤوس اموال خاصة وشركات متنوعة .. والامر ليس جديدا حتى على الثقافات الاخرى في العالم ، ولكنها هناك ، لم تشكل ظاهرة بارزة للعيان في اي مجتمع على الارض مقارنة بما غدت عليه في محيطنا العربي وثقافتنا التي غدت تهتم بالمسلسلات التلفزيونية بشكل خاص ، وهذا من اخطر ما تواجهه الاجيال في المستقبل .
انني لست ضد اي انتاج فني سينمائي او ابداع تلفزيوني عربي ، بل اعتقد ان الفن السابع يشكل اليوم واحدا من اروع مظاهر العصر ، وخصوصا اذا ما استغل بطريقة ذكية وعلمية حقيقية لبناء المجتمع ومعالجة قضاياه واحياء ذاكرته وتطوير رؤاه وانعاش ذوقه .. كي يكون ظاهرة ثقافية حقيقية لا تجارية طفيلية بائسة ،مهمته سلق الاعمال التافهة لنهب الاموال ، وقتل الزمن ، واعاقة الانتاج ، وزرع الخمول والكسل ، وتشويه القيم .. تنعكس كل هذه السلبيات على مجتمعاتنا التي هي بالاساس تمر بمخاضات صعبة من التحولات القيمية . انها بأمس الحاجة اليوم الى قيم جديدة تراعي فيها الاستجابة الذكية والمخلصة لكل تحديات العصر وتدرك كيفية معالجة مشاكله ومعضلاته بوسائل اعلامية وثقافية وخصوصا توظيف الدراما والكوميديا بشكل عالي المستوى .. لقد تفوق التلفزيون على اي وسيلة اخرى من وسائل هذا العصر كونه اخترق كل الجدران والمسافات والاسوار والحدود ودخل بالشاشة الصغيرة الى كل بيوتنا وجلس حتى في مخادعنا ، بل واصبح جزءا لا يتجزأ من حياة اي انسان في هذا العالم ، فكيف بمجتمعاتنا العربية التي تلتصق بالشاشة ملايين الناس صباح مساء !؟
قرأت قبل ايام قلائل ونحن نعيش الشهر الفضيل النص التالي الذي آمل ان نتأمل فيه طويلا كي نناقشه لنرى اين موقعنا نحن من حياة العصر اولا واين نحن من حياتنا وثقافتنا ثانيا .. يقول النص : ” تغزو الشاشة الصغيرة مع حلول شهر رمضان هذا العام عشرات المسلسلات التلفزيونية المصرية التي تتميز بحضور قوي للنجوم والمخرجين العرب. فقد تم انتاج ما لا يقل عن 80 مسلسلا بمناسبة رمضان بينها 40 من مصر وما يوازيها من المسلسلات السورية التي ستنافسها بشدة على جذب اكبر عدد من المشاهدين. ويقول احد ابرز كتّاب السيناريوهات لتلك المسلسلات مستطردا : ” ان هذا العدد الكبير من المسلسلات التي تم انتاجها مقارنة بالأعوام الماضية يعود الى “اتجاه راس المال الخاص وراس المال الخليجي والقنوات الفضائية العربية الى انتاج المسلسلات الدرامية والتركيز على ان تكون جيدة مع نجوم متميزين لجذب شركات الاعلان باسعار عالية خلال عرض المسلسلات على الشاشة الصغيرة”.
ثمة ملاحظات ينبغي علي ّ تسجيلها من اجل ما يمكن تقويمه او عمله او تصويبه :
1) ليس العبرة في الكم من المسلسلات التلفزيونية ، ولكن المهم بما يمكن ان تتضمنه من معالجات لقضايا مهمة وحيوية تعيشها مجتمعاتنا كلها .. ويؤسفني القول ان اغلب ” المسلسلات ” تضّم مواد تافهة ومستهلكة وتشكّل عروض حلقاتها مضيعة للوقت .. ونحن ندرك كم هو الزمن ثمين جدا في حياة المجتمعات قاطبة .
2) لقد غدت ظاهرة المسلسلات التلفزيونية تجارة طفيلية رابحة ، ممّا أثّر كثيرا على مستويات ما يقدّم من اعمال .. ويقال ان التعاقدات مع فنانين معينين بالاسم تبلغ الملايين ، وان المسألة ليست ذات مصداقية حقيقية في خدمة مجتمعاتنا وتطورها بقدر ما غدت هذه التجارة للاسماء والاعلانات والعروض باسعار غالية جدا .
3) صحيح ان هذه الظاهرة التلفزيونية قد تبلورت اثر ثقل الظاهرة السينمائية منذ زمن بعيد في مصر ، وخصوصا رفقة الثورة الاعلامية التي عاشتها مصر ابان الستينيات .. ولكنها حملت مضامين تافهة في اغلب الاحيان تضر المتابعين والمشاهدين وحتى يومنا هذا .. لم تزل المضامين قاصرة ولا يمكنها ان تقدم شيئا جديدا الى الحياة .
4) لعل من اهم ما يمكن رصده من افلام المسلسلات تلك التي تعالج ذاكرتنا التاريخية بكل ما فيها من حالات وشخصيات وموضوعات تاريخية .. واعتقد ان مسلسل الملك فاروق الذي يعرض حاليا قد غطى موضوعه جيدا في التعرّف على سيرة ملك اضاع عرشه مع متابعة مختزلة لحياة مصر السياسية .. ولكن ثمة اعمال كلها استنساخ ومسوخات لا معنى لها ابدا ، وان ضررها على المجتمع كبير جدا ّ.
5) ان الادمان الاجتماعي لمشاهدة المسلسلات هو نوع من الهروب نحو الشاشة الصغيرة ، وان ” الادمان ” خطير جدا ، فهو يعبث بالزمن ويبث الخمول وينحرف بالذاكرة وبالرغم من قوة الانتقادات التي توجه دوما لمسلسلات معينة ، الا ان المنافسة الشديدة لا تمس عصب المضامين بقدر ما تقف عند نخبة من الفنانين المستحوذين على سوق المسلسلات .
واخيرا اقول ، ان ثورة الاعلام المرئي لم تخلق من اجل ان يستحوذ عليها تجار المسلسلات التي لا يمكن تصنيف اغلبها على الفن الدرامي مسرحيا كان ام سينمائيا .. فثمة هشاشة في الفن ، وهزال في الحوار ، واخطاء في المعلومات .. وتشتيت للزمن وافساد للذوق .. مع نقص للنقد الفني التلفزيوني ، فمن يتنبّه الى هذا الوباء الذي بامكاننا تحويله الى مدرسة حضارية وابداعية حقيقية تسعى لأغناء مشروع التقدم الاجتماعي والبناء الثقافي في حياتنا وتنمية قدراتنا وادوارنا في عالم اليوم ؟ من يشاركني هذه الهموم التي لا تنحصر في شهر فضيل كرمضان ولكنها تجارة طفيلية لا تستقيم وقيمه المباركة !

www.sayyaraljamil.com

البيان الاماراتية ، 2 اكتوبر 2007

شاهد أيضاً

فقرات من كلمة الدكتور سيار الجميل في حفل تكريم صديقه الفنان حمودي الحارثي في كندا الحفل اقامه اتحاد الفنانين التشكيليين العراقيين الكنديين يوم 29 /5 / 2011 على قاعة اسيمبلي هول في مدينة تورنتو

ايها الاصدقاء الاعزاء اسعدتم مساء شكرا جزيلا لاتحاد الفنانين العراقيين الكنديين استضافته لي هذه الامسية …