الرئيسية / الشأن العراقي / العراق رواندا جديدة ؟

العراق رواندا جديدة ؟

ان مشروع الشحن الطائفي الذي يجري في العراق بتغذية متعمدة من اطراف محددة ومعروفة انتج وباءً تاريخياً لا يمكننا تخيل ابعاده ابدا ، والمشكلة ان كل الاطراف لم تعترف كل واحدة بنصيبها من اشعال الفتن وارتكاب الاخطاء .. وانها لم تتراجع عن كل ما اقترفته من خطايا قادت الى المأساة . ان التفكير بالابادة الجماعية قائم لدى بعض العراقيين احدهم تجاه الاخر ، بل وسمعناه من اكثر من زعيم عراقي سابق ! ناهيكم عن بعضهم سمعته يقول : لولا الامريكان لاستطعنا ان نسحقهم جميعا ! اما الطرف الاخر ، فيقول لولا الامريكان لاكتسحنا هذا الاقليم ! ويعلق آخرون انه لولا العمل بالفتاوى لقضينا على هذه الطائفة تماما !
ان مشروع الابادة الجماعية يبدو انه كامن في عقلية البعض ممن يغرق في تعصياته تجاه طائفته او فصيلته او قوميته او حزبيته .. وهذا كما يبدو اليوم يترسخ شيئا فشيئا في شرائح معينة من مجتمعاتنا في الشرق الاوسط خصوصا ! ان الابادة الجماعية كما عرفتها اتفاقية جريمة الابادة والمعاقبة لسنة 1948 ، انها تتكون من افعال معينة ” ارتكبت بقصد التدمير الكامل لجماعة قومية او عرقية او جنسية او دينية ، جزئيا او كليا ، باعتبارها كذلك .. وان ثالث ابادة حدثت في القرن العشرين هي التي جرت في رواندا عام 1994 .. اذ قتل ما بين نصف مليون ومليون انسان توتسي وهوتي معتدل بعد انقسام سياسي واجتماعي مرير ! فهل يمضي العراق الى الكارثة ايضا ان لم يحدث تغيير جذري في الاسس المبدئية والسياسية المعتمدة في العراق الجديد ، وان لم يجر اي تأسيس جديد يقوم على اساس الاعتراف بكل الاخطاء ، فسوف نبقى ننتظر ولادة عراق حضاري مثالي وهذا لن يحصل لسنوات قادمة بفعل الاخفاقات المتتالية التي منيت بها كل الجهود ..
لقد كانت الامم المتحدة ممثلة المجتمع الدولي برمته تدرك تماما ان جريمة كبرى ستقع في رواندا ، وان تشبث الحكومة الرواندية بالحكم وخططها التي تقضي بالاعتماد على طرف دون آخر ، فقاد ذلك الى مذابح جماعية مروعة للتوتسيين في شمال البلاد بين 1993 و1994 بعد حرب اهلية انقسامية قاسية استمرت لاربع سنوات .. وكان مصرع رئيس رواندا ذريعة لتنفيذ الابادة .. واشترك الاعلام باطلاق تعليمات الى فرق الموت التي تدعى انتراهاموي (: المقاتلون معا ) وبلغت حدة التصعيد على المذابح ، ودعمت القوات الرواندية المسلحة تلك الفرق ضد المدنيين التوتسيين والتجمعات المنعزلة .. ان ما يحدث في العراق يكاد يشابه الى حد كبير حالات الانقسام في رواندا وسيناريو التمزق الذي اعدّ من اطراف عدة لصراع اهلي دام اربع سنوات ..
ان الانقسامات التي يعيشها العراقيون اليوم وهم يعانون من الصراعات الاهلية ستودي بهم الى مجازر وتصفيات للاقليات السكانية ، وخصوصا في المناطق والبيئات المختلطة . وان مذابح الروانديين كانت على مشهد من العالم كله اعلاميا ، بل مع وجود قوات حفظ السلام التابعة للامم المتحدة على الارض الرواندية .. وقد وقف كل افرادها جانبا وهم يراقبون الفلم المرعب حقيقة .. ان الموقف العربي لم يزل صامتا ومحتارا ولا يعرف ما الذي يفعله ازاء الصراع في العراق ، فاللعبة الدولية لم تكتف في ان تقف جانبا ، بل انها تدرك حجم التدخلات الاقليمية في العراق ، كما وتدرك ان الاثمان التي يدفعها العراقيون غالية جدا واننا نخشى ان تنتهي بمجازر وحروب ابادة ما دام الصراع الداخلي قد انتقل الى مراحل متدنية جدا .. وهي وصمة عار وصفحة مخزية من التاريخ .
ان ما حدث ويحدث في العراق من مذابح وتهجير واختطافات وتفجيرات وتفخيخات .. يفوق كثيرا في صوره المرعبة ما جرى في رواندا .. وكنا وما زلنا نجد المجتمع الدولي يقف عاجزا عن تقديم اي حلول ومعالجات عملية وجذرية .. وتكاد تكون الصورة مشابهة تماما كما اتذكرها كتلك التي جرت في رواندا التي افرشت الجثث المتعفنة ترابها . ان الاستئصال السكاني لهذا الطرف او ذاك من العراقيين لا يمكن ان نرجعه الى ” الارهاب ” فقط .. صحيح ان منظمة القاعدة كانت ولم تزل لها جرائمها القاتلة بحق العراقيين ، ولكن ثمة تعقيدات لا يمكن حلها بسهولة .
علينا ان نوفّر اية علاجات لايقاف الكارثة الزاحفة ، وان نخضع العراق كله الى انعاش وعناية مركزة .. وعلى العراقيين ان يجتثوا بأنفسهم كل عوامل الصراع الذي تغذيه اطراف متنوعة وتتوزع جيوبه وميليشياته وحواضنه في داخل العراق سواء تلك المعلنة التي تعمل نهارا.. او تلك التي تعمل تحت الارض ليلا . وكما حدث من تعتيم اعلامي كامل في رواندا ، فثمة تعتيم اعلامي او اعلام مضلل يجري في العراق اليوم الذي تؤهله الى حيث الابادة والتهجير.
اننا لا نريد ان يمّر العراق بتجربة رواندا في الابادة .. وعلى المجتمع الدولي ان يساهم في ايقاف هذا النزيف.. ان عمليات التهجير والقتل نتاج فعلي لحرب اهلية لا يمكنها ان تبقى ابدا كي تصل مرحلة الابادة .. وعلى العراقيين ان يعالجوا مسيرتهم كلهم ، ويفكروا بالتنازلات احدهم للاخر ، وان يدرك الحكام الجدد بأن السلطة لا تحتكر ، وعلى المعارضة ان تدرك بأن الوطنية لا تحتكر هي الاخرى . وليدرك العراقيون ان تجربة الاختلاط والزيجات بين التوتسيين وبين الهوتيين تشبه الى حد كبير تجربة زواج السنة والشيعة او العرب والاكراد .. ومع ذلك ، فقد كانت هناك ابادات بشعة واستئصال مرعب .
واخيرا اقول : أن إبادة الراونديين كان يمكن منعها لو أن العالم الخارجي امتلك الإرادة لفعل ذلك. كانت الحقائق بيّنة. وكانت أسس التدخل القانوني موجودة، وما كان مفقوداً ليس إلا الشجاعة. فهل يمكن للعراقيين استيعاب هذا الدرس البليغ ؟
www.sayyaraljamil.com

البيان الاماراتية ، الاربعاء 19 سبتمبر 2007.

شاهد أيضاً

نقطة نظام ضد الفساد والمفسدين والفاسدين

ملاحظة : طلب مني عدد من الاصدقاء العراقيين ان اعيد نشر هذا ” المقال ” …