الرئيسية / كتب / الرهانات المستحيلة 3

الرهانات المستحيلة 3

شهادة البكار: وقفة لابد منها
كان لابد لي ان اكتب هذا (الملحق) في نهاية هذه الدراسة مستندا فيه الي ما كتبه السيد عبد الهادي البكار في كتابه (المأزق: مصر والعرب الآخرون) والمنشور بدمشق: دار طلاس، ط 1، 1987. ومن اجل التثبت والتحليل والمقارنة لبعض المعلومات التاريخية.. وان عبد الهادي البكار كان واحدا من ابرز الاعلاميين الناصريين ابان عقد الستينيات، وكانت له حكايته في العراق مع كل من الرئيسين العراقيين الاخوين العارفيين . وكان قد استقدم من مصر الي العراق علي عهد عبد السلام عارف ليذيع من اذاعة بغداد برنامجه السياسي اليومي (صرخة الثوار) ضد نظام الحكم في سوريا . وعليه، فإن شهادته لها قيمتها في هذا المجال.. وسأتوقف عند بعض أهم مروياته من المعلومات التي تؤكد جميعها ما توصلنا اليه من استنتاجات في دراستنا للرهانات المستحيلة: العراق وعبد الناصر في مذكرات امين هويدي:
1 ــ يقول عبد الهادي البكار: (في الفترة ما بين آب (اغسطس) عام 1964 وايلول (سبتمبر) 1966 عشت في بغداد بطلب من الرئيس عبد السلام عارف رحمه الله، وبتعليمات من الزعيم الراحل جمال عبد الناصر.. وقد اقمت في العاصمة العراقية، بجواز سفر مصري، مراقبا لبرامج اذاعة بغداد، في الوقت الذي كانت فيه (الجماهير العربية) كلها تظن عن حسن نية ان العلاقة بين جمال عبد الناصر وعبد السلام عارف هي علاقة انسجام كامل، بينما كان الواقع الموضوعي يؤكد لي يوما بعد آخر، خلال تلك المرحلة، ان العلاقة في ما بينهما كانت علي عكس ذلك تماما) (المرجع نفسه، ص 15).
2 ــ يقول البكار : (أؤدي في العراق مهمة مزدوجة، وهي ان ادير اذاعة بغداد وان اشرف علي حملة اذاعية موجهة ضد نظام الحكم في دمشق خلال تلك المرحلة.. وهو ازدواج في المهمة لم امارسه عمليا قط، واكتفيت بمهمة قيادة الحملة الاعلامية الاذاعية ضد نظام الحكم الذي كان قائما في دمشق..) (نفسه، ص 15 ــ 16) . وأود ان أعلق مصححا ذلك ان ادارة اذاعة بغداد لم تسند الي البكار ابدا، فقد صدق بقوله انه لم يمارس الازدواج .
3 ــ يقول عبد الهادي البكار: (كان برنامجي الاذاعي السياسي اليومي (صرخة الثوار) متوجا بصوت عبد الناصر. كنت اقتطف من تسجيلان إحدي خطبه المرتجلة جملة يحرض فيها الجماهير بصوته علي حماية المسيرة الوحدوية، ويحرض جماهير شبه الجزيرة والخليج علي التحرر والتحرير.. خلال شهر رمضان من عام 1964 وبعد تناول الافطار علي مائدة الرئيس عبد السلام عارف.. ما كدت أجلس الي جانبه حتي فوجئت به يصرخ : (بن بركه) هذا الذي قتلوه اليوم وخطفوه في باريس (يقصد: المهدي بن بركة الزعيم المغربي المعارض) بن بركه هذا جاءني منذ ايام في زيارة لم تعلن.. وقد أمرت انا بعدم الاعلان عنها بعدما اكتشفت ان المهدي بن بركه هذا شيوعي ابن شيوعي، واعتقد ان جده شيوعي ايضا!! ثم استدار نحوي وصرخ بصوت عال وهو منفعل جدا : هل تعرف شيئا عن بن بركه الذي تمتدحه اذاعات القاهرة؟.. كم اذاعة يمتلك عبد الناصر في القاهرة الآن يا بكار؟… ان عبد الناصر يمتلك في مصر وفي غير مصر اكثر من ثلاثين اذاعة سرية وعلنية.. وهو حين يريد ان يذيع بصوته خطبه انما يذيعها من احدي اذاعاته التي يمتلكها في القاهرة.. هذه اذاعة بغداد يا بكار وليست اذاعة عبد الناصر..) (نفسه، ص 21 ــ 22).
موقف عارف من ناصر
واريد ان أتساءل فقط: اذا كان هذا موقف عبد السلام عارف من جمال عبد الناصر العام 1964، فكيف سيكون اذاً موقفه بعد محاولة الانقلاب الناصرية عليه والتي قام بها رئيس وزرائه عارف عبد الرزاق بتشجيع وترتيب من عبد الناصر في مارس العام 1965؟؟؟ واعتقد بأن عبد السلام عارف الرئيس الهاديء في الستينيات هو غير عبد السلام عارف الضابط الاهوج في الخمسينيات! وكما قال لي واحد من الذين كانوا بقربه انه قد عقل كثيرا بعد ان كان متسرعا وأحمقا! ولنا ان نسأل : كيف كان شعور عبد السلام بعد ان غدا اكثر ادراكا من خلال تجاربه ازاء العلاقة التي كانت بين اثنين من الزعماء العراقيين الذين سبقوه (نوري السعيد وعبد الكريم قاسم) وبين جمال عبد الناصر والتي قاتلهم من اجلها؟
4 ــ يقول البكار: (حاولت الخلاص مما انا فيه من حرج عظيم، فتقدمت باستقالتي من منصبي.. ولم يكن امامي سوي واحد من ثلاثة حلول: اما ان اتصل بجمال عبد الناصر لأوضح له ما حدث، أو بالسفير امين حامد هويدي، وبذلك سأتسبب في دلق مزيد من البنزين علي (النار المشتعلة سرا) بين القاهرة وبغداد.. واما ان اغادر مستقيلا بلا استئذان.. واما ان اجد مخرجا) (نفسه، ص 23 ــ 24). اذن ما يعنينا، هي تلك النار المشتعلة سرا، فاذا علمنا أن آخر حلقة اذاعها البكار من برنامج (صرخة الثوار) كانت مساء يوم 15/12/1964، ادركنا ان بين ثلاثة شهور فقط تفصل بين هذه الحلقة التي اختفي صوت جمال عبد الناصر من اذاعة بغداد ومحاولة الانقلاب الناصرية الاولي ضد عبد السلام عارف في مارس 1965! وعلينا ان نقدر حجم اللعبة بعد ان تكشفت حقائق الاشياء.
توجهات وحدوية
5 ــ يكتب البكار نصا خطيرا بوعيه او من دون وعيه، فيقول: (وبعد شهور من المضايقات المقصودة.. زارني في داري في عمارة اليرموك في منطقة المنصور في بغداد، الاستاذ عبد الرزاق شبيب العربي القومي الناصري نقيب المحامين في العراق يومئذ، وهو متزوج من سيدة من عائلة (الفحام) السورية الدمشقية، وأخذنا، كرفيقين في الدرب الواحدة، بمناقشة الاحوال التي انتهي اليها عبد السلام عارف في العراق، بحيث أصبح مؤكدا أنه قومي غير صادق بإيمانه بالقومية، ووحدوي غير أمين علي التوجهات الوحدوية، ورجعي حقيقي يتمسح بالاسلام ويتطلع الي ان يكون أميرا جديدا للمؤمنين.. وبحيث اصبح مؤكدا ايضا ان احد الفصائل الشعبية والتجمعات السياسية السرية والعلنية، لم يعد موافقا علي استمرار عبد السلام عارف بقيادة دفة الحكم في العراق.. وكنا متفقين، عبد الرزاق شبيب وأنا، علي ان ايام عبد السلام عارف في الحكم باتت معدودة، وان من الواجب الا ابقي اساعده حتي ولو بمجرد استمرار تواجدي في بغداد، لأن تواجدي في العراق يومئذ، وأنا قادم اليها بأمر من جمال عبد الناصر في القاهرة، كان يوحي للجماهير العربية بأن العلاقة بين القاهرة وبغداد العارفية، هي علاقة طيبة، والامر كان غير ذلك، وبأن عبد السلام عارف، وحدوي، قومي، متحالف مع جمال عبد الناصر بينما العكس كان هو الصحيح…) (نفسه، ص 26ــ 27).
ولا اريد أن اعلق هنا علي (نص) واضح جدا بكل ابعاده، وان تآمرا ناصريا واضح المعالم لا يعمل به القوميون الناصريون العراقيون ضد عبد السلام عارف بمعزل عن ناصريين مصريين كانوا موجودين في العراق نفسه! وعلي صعيد نقيب المحامين العراقيين عبد الرزاق شبيب! انني لست عارفيا بحيث اساند موقف عارف ضد الناصريين، فلقد كان عبد السلام عارف نفسه قد جر علي العراق جملة من المصائب والكوارث من خلال اخطائه.. ولكن لا يمكن أبدا ان يكون العراق مستودعا للمؤامرات مهما كان نوعها! ويبدو واضحا لنا اليوم وبعد مرور وانقضاء عهد البعثيين 1968- 2003 بأن عبد السلام عارف افتقد كل القوى السياسية ولم يعد عنده الا البعض من الضباط العسكريين الموالين بعد ان الصراع على السلطة قد وصل اعلى مداه بين القوى القومية العراقية المفككة والمتنازعة ، وخصوصا بين البعثيين والناصريين ، واثبتت الايام بأن الناصريين قد فشلوا فشلا ذريعا في الوصول الى السلطة برغم محاولاتهم التي لا تعد ولا تحصى ، في حين كان البعثيون يشتغلون بمنتهى السرية سواء على مستوى الداخل ام على مستوى الخارج وخصوصا في عهد عبد الرحمن عارف .. وبرغم كل ما اذيع وكتب واعلن من نضالات سياسية سرية تحت الارض ، فان البعثيين ما كانوا ليصلوا الى استلام العراق بمنتهى السهولة لولا خيانة الداود والنايف ، وهنا اسقط بيد جمال عبد الناصر اذ بدأت العلاقات العراقية المصرية تتخذ لها منحى آخر ، اذ لم تمض عدة شهور على انقلاب 17 تموز/ يوليو 1968 حتى اندلعت الحرب الكلامية والاذاعية القبيحة بين الطرفين العراقي البعثي والمصري الناصري خصوصا وان نظام البعث الذي تزعمه احمد حسن البكر ومجموعة من القيادات البعثية قد بدأ منذ الثلاثين من تموز / يوليو 1968 يمارس منذ تسلم الحكم الاعتقالات والتحقيقات والمطاردات والسجون والاغتيالات والاعدامات بحق كل القوى السياسية العراقية : العسكرية والمدنية العارفية والليبرالية السياسية ومختلف القوى القومية وفصائل الناصريين والحركيين والاشتراكيين وجماعات المنشقين البعثيين اليساريين والقوى الاسلامية وبدأت الملاحقات ضد الشيوعيين قبل انبثاق ما سمي بـ ” الجبهة ” .. وذهبت قوافل من الناس من دون رجعة تحت تهمة التجسس والعمالة والرجعية للاستعمار.

(جريدة (الزمان) — العدد 1548 — التاريخ 2003 – 7 – 5 )
انقلاب الجبناء : دشاديش الهرب
تقدمت الدبابات وعلى كل واحدة ثلاثة أو أربعة ضباط يقودهم عرفان وجدي آمر الكلية العسكرية ومعه كيس يحوي دشداشة للهرب في حال فشل المحاولة. شجاعة هؤلاء الناصريين مضحكة. اصطحبوا الدشاديش سلفاً. عندما صارت الدبابة الأولى في مرمى نيراننا سألني الضابط ان كنت أريد اطلاق النار عليها، فقله له اطلب منهم ان يدخلوا. كان ذلك قرب الفوج الثاني. اصطفت دبابات الانقلابيين وراء بعضها. تقدمت من ضابط الدبابات الأولى وسألته الى أين تتجه، فقال الى معسكر الرشيد سيدي. فسألته عن السبب فقال: لاستقبال رئيس الجمهورية عارف عبدالرزاق. انتابني غضب جديد فصفعته وأمسكته من قميصه وانتزعته بيدي. أشار ضابط رفيق له الى آخر ان يطلق النار عليّ فسارع حراسي الى قتله. أمرتهم ان ينزلوا من الدبابات وكانوا في حدود 56 ضابطاً، وأخذتهم الى السجن مع عدد من الجنود بعدما توجهت الى الاذاعة وسيطرت عليها. طلبت احضار عارف عبدالرزاق فجاؤوا به الى القصر ووجدته جالساً على الأرض. قلت له: “لماذا يا أبو رافع؟ نحن يجب أن نلتقي في فلسطين وليس هنا. في المرة الأولى اخرجتكم وارسلتكم الى عبدالناصر. ماذا تفعل؟ هل تراهن على هؤلاء الجبناء الذين اصطحب كل واحد منهم تحت إبطه دشداشة للهرب في أول فرصة”. قبل أن ينتصف الليل كان جميع المتورطين في الانقلاب في السجن. في الواحدة ارسل عبدالرحمن عارف ورائي فذهبت اليه وكان رئيس الوزراء البزاز معه. شكرني، فقلت انني قمت بواجبي، لكنني يئست لاحقاً من عبدالرحمن وكنت قائد 17تموز 1968 التي اطاحته ” ( انتهى نص ما قاله الداوود ).
تحليل النص وجملة تساؤلات :
مهما كانت رواية ابراهيم الداود في افشال مؤامرة عارف عبد الرزاق ومحاولته الانقلابية الناصرية ، فان فيها قدرا كبيرا من الصحة بدليل عدم اعتراض عارف عبد الرزاق عليها حتى الان وهو حي يرزق ، واعتقد ان ليس هناك اي مصلحة للداود في ان يختلق اية معلومات ، ربما يزيد فيها او ينقص ، فما ذكره هو جزء لا يتجزأ من عمليات تدخل سافرة من قبل نظام جمال عبد الناصر في الشؤون الداخلية العراقية وتصل تلك التدخلات الى اشعال مؤامرات وعمليات انقلاب عسكرية .. ويؤكد الداود على ان التآمر كان قد انطلق من القاهرة ووصل عارف عبد الرزاق الى العراق لاشعال انقلابه ، ولكن السؤال المهم : هل عبر الرجل فعلا عبر اسرائيل وسوريا ؟ اننا نعرف انه وصل الموصل عن طريق سوريا ، ولكن بأية وسيلة ومن الذي اوصله ؟ ويبقى السؤال الاهم : هل انه وصل سوريا من مصر برا ام بحرا ؟ فاذا كان قد وصل برا ، فهل عبر الاراضي الاسرائيلية ام لا ؟ واسأل ايضا عن الحرس القومي الذي ذكره الداود .. هل ثمة وجود لحرس قومي من البعثيين في الشارع السياسي على عهد البعثيين ؟؟ وان امين هويدي نفسه قد ذكر هو الاخر ” الحرس القومي ” على ايام عبد السلام عارف ! ولدينا اسئلة اخرى حول حسم الموقف لصالح نظام عبد الرحمن عارف ، ذلك لأن المعلومات التي يزودنا بها الداود جديدة وخصوصا في ما يتعلق بمرسلات اذاعة ابو غريب ، ودوره في قطع القوة الكهربائية عنها ، ولكن هل حسمت الاحداث لصالح النظام في بغداد ام الموصل ؟ واذا كان في بغداد كما ذكر الداوود ، فهل كان من خلال ايقاف زحف الدبابات ام اسكات بيانات الانقلابيين من الاذاعة ؟ وهل ان العمليتين قد جرت باشرافه وانه هنا يسجل من جديد دالة على ابقاء عبد الرحمن عارف في كرسي الحكم ! ولكنه لم يتحدث لنا ان كان ثمة دور سياسي في المشكلة الانقلابية التي يحاول عارف عبد الرزاق اشعالها من قبل السفارة المصرية ببغداد ؟؟ ولا ندري هل قام ابراهيم الداود فعلا باعتقال الانقلابيين وعلى رأسهم عارف عبد الرزاق ؟ ولا نريد من الاخ عارف عبد الرزاق اليوم ان يكتب لنا شهادته التاريخية ليحكي لنا عن كل الذي حصل ، لأننا واثقون بأن تلك ” الشهادة ” سوف لن تفصح عن الحقيقة ابدا ، وسوف لن يحكي لنا ابو رافع الوقائع كما جرت بدءا بالاسباب والدوافع وصولا الى المؤامرة واعدادها وطباختها في المطبخ المصري وصولا الى عملية الانتقال عبر دول مختلفة الى العراق ووصولا الى محاولة الانقلاب نفسها وكيفية فشلها !!
المسألة الوطنية أكبر من الامجاد الشخصية
واخيرا اقول حول كل الذي سجله ابراهيم الداود في الحوار عن ذكرياته التاريخية : ان من يكتب مذكراته السياسية وقد اصبح في عداد التاريخ اليوم ، عليه ان يدرك بأن المسألة الوطنية أكبر من الامجاد الشخصية ، وعليه ان لا يغّيب معلومات على حساب تسويق معلومات معينة ! وعليه ان يعالج الاسباب والدوافع بشكل مفصّل قبل كتاباته عن الذات واقحامها في كل الجبهات .. ونحن نعلم بأن تاريخا عقيما ومظلما وسقيما عاشه العراق وابنائه في العقود الثلاثة الاخيرة من القرن العشرين بسبب خيانة كل من ابراهيم الداود وعبد الرزاق النايف لسيدهما عبد الرحمن عارف الرئيس العراقي .. وكان الذي فعلاه صبيحة 17 تموز / يوليو 1968 قد كلف الشعب العراقي اثمانا باهضة لا يمكننا تخيلها ابدا .. وما الذي قبض عليه كل منهما ؟على المستوى الشخصي ، خسر النايف حياته بعد نفيه في لندن سنوات طوال ، اما الداوود ، فلقد عاش منفيا منذ خمس وثلاثين سنة .. واذا كان النايف قد ذهب في رحاب الله ، فيبدو انه والداود يتحملان مسؤولية خطيرة سوف لن يرحمهما التاريخ ابدا في الذي جنته ايديهما يوم 17 تموز / يوليو 1968 . وليسمح لي الاخ الداود ان احمّله هذه المسؤولية من دون ان اتهّمه باية تهمة في التعاون مع جهات اجنبية لأن ليس لي ما يؤكد لي ضلوعه معها من اجل ازاحة عارف والاتيان بالبعثيين .. انه يتحّمل مسؤولية كبرى حول كل ما جر اليه العراق منذ ذلك الانقلاب في 17 تموز / يوليو 1968 وانتهاء بـ 9 نيسان / ابريل 2003 !! واذا كان الداود يدّعي انه وراء تنصيب عبد الرحمن عارف ، فانه كان جزء من منظومة عسكرية عراقية دمّرت العراق عندما سيطرت عليه سيطرة غبية مبعدة المدنيين عن السلطة العليا بأي ثمن !
ملحق الرهانات المستحيلة
شهادة عبد الهادي البكار : وقفة لابد منها !
كان لابد لي ان اكتب هذا ” الملحق ” في نهاية هذه الدراسة مستندا فيه على ما كتبه السيد عبد الهادي البكار في كتابه ( المأزق : مصر والعرب الاخرون ) والمنشور بدمشق : دار طلاس ، ط 1 ، 1987 . ومن اجل التثبت والمقارنة لبعض المعلومات التاريخية .. وان عبد الهادي البكار كان واحدا من ابرز الاعلاميين الناصريين ابان عقد الستينيات ، وكانت له حكايته في العراق مع كل من الرئيسين العراقيين الاخوين العارفيين . وكان قد استقدم من مصر الى العراق على عهد عبد السلام عارف ليذيع من اذاعة بغداد برنامجه السياسي اليومي ” صرخة الثوار ” ضد نظام الحكم في سوريا . وعليه ، فان شهادته لها قيمتها في هذا المجال .. وساتوقف عند بعض أهم مروياته من المعلومات التي تؤكد جميعها ما توصلنا اليه من استنتاجات في دراستنا للرهانات المستحيلة : العراق وعبد الناصر في مذكرات امين هويدي :
1/ يقول عبد الهادي البكار : ” في الفترة ما بين آب ( اغسطس ) عام 1964 وايلول ( سبتمبر ) 1966 عشت في بغداد بطلب من الرئيس عبد السلام عارف رحمه الله ، وبتعليمات من الزعيم الراحل جمال عبد الناصر .. وقد اقمت في العاصمة العراقية ، بجواز سفر مصري ، مراقبا لبرامج اذاعة بغداد ، في الوقت الذي كانت فيه ( الجماهير العربية ) كلها تظن عن حسن نية ان العلاقة بين جمال عبد الناصر وعبد السلام عارف هي علاقة انسجام كامل ، بينما كان الواقع الموضوعي يؤكد لي يوما بعد آخر ، خلال تلك المرحلة ، ان العلاقة فيما بينهما كانت على عكس ذلك تماما ” ( المرجع نفسه ، ص 15) .
2/ يقول البكار : ” أودي في العراق مهمة مزدوجة ، وهي ان ادير اذاعة بغداد وان اشرف على على حملة اذاعية موجهة ضد نظام الحكم في دمشق خلال تلك المرحلة .. وهو ازدواج في المهمة لم امارسه عمليا قط ، واكتفيت بمهمة قيادة الحملة الاعلامية الاذاعية ضد نظام الحكم الذي كان قائما في دمشق .. ” ( نفسه ، ص 15-16) . واود ان اعلق مصححا ذلك ان ادارة اذاعة بغداد لم تسند الى البكار ابدا ، فقد صدق بقوله انه لم يمارس الازدواج .
3/ يقول عبد الهادي البكار : ” كان برنامجي الاذاعي السياسي اليومي ( صرخة الثوار ) متوجا بصوت عبد الناصر . كنت اقتطف من تسجيلاحدى خطبه المرتجلة جملة يحرض فيها الجماهير بصوته على حماية المسيرة الوحدوية ، ويحرض جماهير شبه الجزيرة والخليج على التحرر والتحرير .. . خلال شهر رمضان من عام 1964 وبعد تناول الافطار على مائدة الرئيس عبد السلام عارف .. ما كدت اجلس الى جانبه حتى فوجئت به يصرخ : ( بن بركه ) هذا الذي قتلوه اليوم وخطفوه في باريس ( يقصد : المهدي بن بركة الزعيم المغربي المعارض ) بن بركه هذا جاءني مكنذ ايام في زيارة لم تعلن .. وقد أمرت انا بعدم الاعلان عنها بعدما اكتشفت ان المهدي بن بركه هذا شيوعي ابن شيوعي ، واعتقد ان جده شيوعي ايضا !! ثم استدار نحوي وصرخ بصوت عال وهو منفعل جدا : هل تعرف شيئا عن بن بركه الذي تمتدحه اذاعات القاهرة ؟ .. كم اذاعة يمتلك عبد الناصر في القاهرة الان يا بكار ؟ … ان عبد الناصر يمتلك في مصر وفي غير مصر اكثر من ثلاثين اذاعة سرية وعلنية .. وهو حين يريد ان يذيع بصوته خطبه انما يذيعها من احدى اذاعاته التي يمتلكها في القاهرة .. هذه اذاعة بغداد يا بكار وليست اذاعة عبد الناصر .. ” ( نفسه ، ص 21-22 ) .
واريد اتساءل فقط : اذا كان هذا موقف عبد السلام عارف من جمال عبد الناصر العام 1964 ، فكيف سيكون اذن موقفه بعد محاولة الانقلاب الناصرية عليه والتي قام بها رئيس وزرائه عارف عبد الرزاق بتشجيع وترتيب من عبد الناصر في مارس العام 1965 ؟؟؟ واعتقد بأن عبد السلام عارف الرئيس الهادىء في الستينيات هو غير عبد السلام عارف الضابط الاهوج في الخمسينيات ! وكما قال لي واحد من الذين كانوا بقربه انه قد عقل كثيرا بعد ان كان متسرعا واحمقا ! ولنا ان نسأل : كيف كان شعور عبد السلام بعد ان غدا اكثر ادراكا من خلال تجاربه ازاء العلاقة التي كانت بين اثنين من الزعماء العراقيين الذين سبقوه ( نوري السعيد وعبد الكريم قاسم ) وبين جمال عبد الناصر والتي قاتلهم من اجلها ؟
4/ يقول البكار : ” حاولت الخلاص مما انا فيه من حرج عظيم ، فتقدمت باستقالتي من منصبي .. ولم يكن امامي سوى واحد من ثلاثة حلول : اما ان اتصل بجمال عبد الناصر لأوضح له ما حدث ، أو بالسفير امين حامد هويدي ، وبذلك ساتسبب في دلق مزيد من البنزين على ( النار المشتعلة سرا ) بين القاهرة وبغداد .. واما ان اغادر مستقيلا بلا استئذان .. واما ان اجد مخرجا ” ( نفسه ، ص 23-24 ) . اذن ما يعنينا ، هي تلك النار المشتعلة سرا ، فاذا علمنا بأن آخر حلقة اذاعها البكار من برنامج ( صرخة الثوار ) كانت مساء يوم 15/12/1964 ، ادركنا ان بين ثلاثة شهور فقط تفصل بين هذه الحلقة التي اختفى صوت جمال عبد الناصر من اذاعة بغداد ومحاولة الانقلاب الناصرية الاولى ضد عبد السلام عارف في مارس 1965 ! وعلينا ان نقدر حجم اللعبة بعد ان تكشفت حقائق الاشياء .
5/ يكتب البكار نصا خطيرا بوعيه او من دون وعيه ، فيقول : ” وبعد شهور من المضايقات المقصودة .. زارني في داري في عمارة اليرموك في منطقة المنصور في بغداد ، الاستاذ عبد الرزاق شبيب العربي القومي الناصري نقيب المحامين في العراق يومئذ ، وهو متزوج من سيدة من عائلة ( الفحام ) السورية الدمنشقية ، وأخذنا ، كرفيقين في الدرب الواحدة ، بمناقشة الاحوال التي انتهى اليها عبد السلام عارف في العراق ، بحيث أصبح مؤكدا أنه قومي غير صادق بايمانه بالقومية ، ووحدوي غير امين على التوجهات الوحدوية ، ورجعي حقيقي يتمسح بالاسلام ويتطلع الى ان يكون اميرا جديدا للمؤمنين .. وبحيث اصبح مؤكدا ايضا ان احدا من الفصائل الشعبية والتجمعات السياسية السرية والعلنية ، لم يعد موافقا على استمرار عبد السلام عارف بقيادة دفة الحكم في العراق .. وكنا متفقين ، عبد الرزاق شبيب وأنا ، على ان ايام عبد السلام عارف في الحكم باتت معدودة ، وان من الواجب الا ابقى اساعده حتى ولو بمجرد استمرار تواجدي في بغداد ، لأن تواجدي في العراق يومئذ ، وأنا قادم اليها بأمر من جمال عبد الناصر في القاهرة ، كان يوحي للجماهير العربية بأن العلاقة بين القاهرة وبغداد العارفية ، هي علاقة طيبة ، والامر كان غير ذلك ، وبأن عبد السلام عارف ، وحدوي ، قومي ، متحالف مع جمال عبد الناصر بينما العكس كان هو الصحيح …” ( نفسه ، ص 26- 27) .
ولا اريد أن اعلق هنا على ” نص” واضح جدا بكل ابعاده ، وان تآمرا ناصريا واضح المعالم لايعمل به القوميون الناصريون العراقيون ضد عبد السلام عارف بمعزل عن ناصريين مصريين كانوا موجودون في العراق نفسه ! وعلى صعيد نقيب المحامين العراقيين عبد الرزاق شبيب ! انني لست عارفيا بحيث اساند موقف عارف ضد الناصريين ، فلقد كان عبد السلام عارف نفسه قد جر على العراق جملة من المصائب والكوارث من خلال اخطائه .. ولكن لا يمكن ابدا ان يكون العراق مستودعا للمؤامرات مهما كان نوعها ! ! ويبدو واضحا لنا اليوم وبعد مرور وانقضاء عهد البعثيين 1968- 2003 بأن عبد السلام عارف افتقد كل القوى السياسية ولم يعد عنده الا البعض من الضباط العسكريين الموالين بعد ان الصراع على السلطة قد وصل اعلى مداه بين القوى القومية العراقية المفككة والمتنازعة ، وخصوصا بين البعثيين والناصريين ، واثبتت الايام بأن الناصريين قد فشلوا فشلا ذريعا في الوصول الى السلطة برغم محاولاتهم التي لا تعد ولا تحصى ، في حين كان البعثيون يشتغلون بمنتهى السرية سواء على مستوى الداخل ام على مستوى الخارج وخصوصا في عهد عبد الرحمن عارف .. وبرغم كل ما اذيع وكتب واعلن من نضالات سياسية سرية تحت الارض ، فان البعثيين ما كانوا ليصلوا الى استلام العراق بمنتهى السهولة لولا خيانة الداود والنايف ، وهنا اسقط بيد جمال عبد الناصر اذ بدأت العلاقات العراقية المصرية تتخذ لها منحى آخر ، اذ لم تمض عدة شهور على انقلاب 17 تموز/ يوليو 1968 حتى اندلعت الحرب الكلامية والاذاعية القبيحة بين الطرفين العراقي البعثي والمصري الناصري خصوصا وان نظام البعث الذي تزعمه احمد حسن البكر ومجموعة من القيادات البعثية قد بدأ منذ الثلاثين من تموز / يوليو 1968 يمارس منذ تسلم الحكم الاعتقالات والتحقيقات والمطاردات والسجون والاغتيالات والاعدامات بحق كل القوى السياسية العراقية : العسكرية والمدنية العارفية والليبرالية السياسية ومختلف القوى القومية وفصائل الناصريين والحركيين والاشتراكيين وجماعات المنشقين البعثيين اليساريين والقوى الاسلامية وبدأت الملاحقات ضد الشيوعيين قبل انبثاق ما سمي بـ ” الجبهة ” .. وذهبت قوافل من الناس من دون رجعة تحت تهمة التجسس والعمالة والرجعية للاستعمار .

جريدة (الزمان) — العدد 1548 — التاريخ 2003 – 7 – 5

6/ يقول البكار : ” وما كدت اصل الى بيروت ، حتى سقطت الطائرة المروحية التي كان يستقلها عبد السلام عارف ومعه عبد الله مجيد ولفيف من المسؤولين وغيره ، وبذلك قضى عبد السلام عارف نحبه في ( حادثة ) ستظل اسبابها غامضة وقدرية ، الى ان يجيىء اليوم الذي سيكشف فيه النقاب عن حقيقة الاسباب التي ادت الى سقوطها ، بحيث ( تمكنت القاهرة ) بعد ذلك . وعلى الفور ، من ارسال كل من عبد الحكيم عامر وعبد الحميد السراج ( الذي كان قد حاول اسقاط عبد السلام عارف بالانقلاب الاول الشهير بانقلاب عارف عبد الرزاق !!! ) اللذين قاما هما ، وليس الجيش العراقي ، ولا الشعب العراقي ، بتنصيب عبد الرحمن عارف خليفة لعبد السلام ( علما بأن عبد الحميد السراج لم يكن ايضا بعيدا عن ترتيب شؤون وامور الانقلاب الثاني الذي فشل فيه عارف عبد الرزاق وهو يحاول اسقاط عبد الرحمن عارف .. وتلك قصة مثيرة اخرى ” ( نفسه ، ص 27-28 ) .
معنى ذلك ، ان البكار بقي في بغداد حتى قبل ايام من مصرع عبد السلام عارف ! ولنا ان نسأل : اذا كان قد ترك تقديمه برنامج ( صرخة الثوار ) منذ زمن طويل ، فماذا كان يفعل ببغداد اذن حتى قبيل مصرع عارف بأيام ، وهو – كما وجدناه – ينعت عبد السلام باشنع الصفات وغدا ينسق مع الناصريين العراقيين ضد عبد السلام ؟؟ ومتى سيأتي اليوم الذي يكشف فيه النقاب عن اسرار مقتل عبد السلام عارف ؟ ويوضح البكار دور عبد الحميد السراج ( الذي كان لاجئا في مصر ) اي بمعنى : دور مصر في عمليتي الانقلاب الناصريتين ضد الاخوين العارفيين ! ويؤكد البكار دور مصر عبد الناصر بتنصيب عبد الرحمن عارف وليس دور لا الجيش العراقي ولا دور الشعب العراقي . وعليه ، فكل شيىء صريح وواضح الان .. ولا يمكن لأي مخلوق ان ينفي العلاقة المصرية ودور جمال عبد الناصر في ازاحة كل من عبد السلام عارف اولا ، وعبد الرحمن عارف ثانيا !
7/ يقول البكار : ” كان الانقلاب على عبد الرحمن عارف ، بقيادة عارف عبد الرزاق ، وبترتيب من عبد الحميد السراج ، قد فشل ايضا . وكانت صلة القاهرة ببغداد بدأت بالتدهور من جديد .. وكنت بدوري قد اكتشفت ان ( الزعامات الناصرية العربية ) أغلبها انتهازي باحث عن منصب ، عن سفارة ، عن وزارة في ظل عبد الناصر .. وان الجماهير الناصرية الشعبية العربية .. مخدوعة بزعاماتها الناصرية القطرية ، الامر الذي جعلني افكر بالانسلاخ عن ( المشاركة السياسية ) قرفا واستكبارا ، لأن اقترابي من دائرة ( صناع الاحداث العربية ) سرعان ما كشف لي عن ان عالمنا العربي ، ليس فيه يمين ولا يسار وليس فيه رجعيون ولا ثوريون ، وانما فيه ظالمون ومظلومون ومخلصون وانانيون .. وان السياسة في عالمنا العربي ليست فنا ولا علما ، وانما هي تشرذمات ومصادفات وصراعات بين كتل باحثة عن السلطة والمكاسب .. وفرض الهيمنة والاثراء ، حتى ولو على حساب المبادىء الثورية الاشتراكية الوحدوية .. ” ( نفسه ، ص 24-25) .
أخيرا ، لا اريد ان اعلق على هذه النقطة الاخيرة ، وهذه النتيجة التي توّصل اليها عبد الهادي البكار ! ولكن هل كتبها عن صدق واخلاص نتيجة تجربته الناصرية المريرة ؟ ام انه كتبها مجرد نفثة صادرة من انسان كان يصرخ في الاذاعة ويتآمر اعلاميا ويشارك في حرب باردة عربية قميئة ولكن ناله الاحباط لأنه لم يحصل لا على مركز ولا على سلطة ولا على مال !! وفي كلتا الحالتين فان الرجل قدم لنا شهادة تاريخية مفيدة عن دور مصر الناصرية في العراق العارفي .. وهي تدعم وتصوب ، او تعدل وتفصح عن ذاك الذي كتبه امين هويدي في مذكراته .. وتبقى الحاجة التاريخية ملحة لمعرفة المزيد من المعلومات الاساسية والنادرة والسرية عن العهد العارفي في العراق ، وخصوصا اسرار مصرع عبد السلام عارف ! ومن هو صاحب المصلحة الحقيقية في ان يزيحه عن قيادة العراق .. هذا ما سيجعلنا نبحث عن المزيد من المعلومات ومقارنتها واجراء حفريات علمية للمزيد من الشهادات والوثائق الرسمية وغير الرسمية .. وستنجلي الحقيقة يوما !
استنتاجات تاريخية
احتراق كل الطبخات !
لابد لنا ان نخرج باستنتاجات تاريخية من خلال جولتنا النقدية في تفكيك النصوص وتحليل المواقف والافاضة في التساؤلات .. ذلك ان العراق قد جني عليه في القرن العشرين جنايات لا تغتفر ابدا .. وان الاجيال القادمة من ابناء العراقيين ستزيد من غيضها وتفيض بتساؤلاتها عن كل من ارتكب او ساهم بارتكاب جنايات فاضحة بحق العراق والعراقيين .. بحق حاضر العراق في القرن العشرين وبحق اجياله القادمة في القرن الواحد والعشرين ! واعيد واكرر بأن التدخلات العربية بالشؤون العراقية الصعبة قد زادت في الطين بلة برغم انها جاءت تحت مسميات ومانشيتات قومية ووحدوية متنوعة .. فاذا كان عبد الناصر واجهزته السياسية والاعلامية والدبلوماسية لا يفقهون صعوبات العراق واوضاعه وتراكيبه المعقدة وحدوده الخطرة .. فتلك مصيبة ، وان كانوا يدركونها ادراكا سليما فالمصيبة اعظم ! ومن يقرأ الادبيات الوثائقية التي جمعت عبد الناصر بعدد من القادة العراقيين يتلمس قوة معرفة عبد الناصر بمشكلات العراق الخارجية والاقليمية والداخلية ! وان المشكلة لا تنحصر في مصر والمصريين ابدا .. انها تنحصر بالرئيس جمال عبد الناصر وحده واجهزته القيادية والمخابراتية والاعلامية ليس ازاء العراق حسب ، بل ازاء كل البلدان العربية ، ولكن العراق كان من اخطرها وهو الوحيد الذي دفع ثمن تلك التدخلات السياسية والاعلامية والمخابراتية التآمرية .. وعندما اقول بأن مصر والمصريين لا علاقة لهم بموضوع مشكلات العراق وتعقيداته ، فانني على صواب ، ذلك لأن العروبة الثقافية وعشق العراق شيئ وان القومية والتدخلات السياسية شيىء آخر ..
الاهواء والامزجة الحاكمة !
ولابد ان نتعلم بأن العلاقات العربية العربية لابد ان تحكمها المؤسسات والمبادىء والقيم والمصالح لا الامزجة الشخصية والاهواء الخاصى لرؤساء الدول .. ان العلاقات بين عبد الناصر وبقية القادة العرب لابد لها من اكثر من دراسة معمقة لمعرفة تأثيراتها على المحيط العربي والاقليمي والدولي وقت ذاك وكم كان تأثير عبد الناصر على طبيعة العلاقة بين عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف الذي اتهم بعد ايام قليلة من ثورة تموز / يوليو 1958 بتدبير مؤامرة ومحاولته اغتيال شريكه قاسم الذي قام بتقديمه الى المحاكمة وحكم على عارف بالإعدام ولكن ابقاه في السجن من دون تنفيذ الاعدام حتى وقع الانفصال بين سوريا ومصر العام 1961 ، فقام قاسم بالاعفاء عنه واخرجه من السجن بنفسه ويقال بأنه اعاد له كل رواتبه التقاعدية وأرسله إلى الحج .. ولكن المعادلة ستكون معكوسة يوم 8 شباط / فبراير 1963 عندما غدا عبد السلام عارف رئيساً للجمهورية على ايدي البعثيين ، فحكم على قاسم بالاعدام مع جماعته سريعا ومن اي محاكمة أصولية تذكر .. ولم يتدخل الرئيس جمال عبد الناصر لوقف او منع او تأجيل تلك القرارات العراقية السريعة في التصفيات المضادة ، علما بأن قاسما طلب ان يحاكم محاكمة عادلة سواء قبل او بعد استسلامه لجلاديه وكان مشروع الانتقام العراقي شيئا مباحا من دون ان نسمع عنه اي ادانة عربية ومصر في مقدمة الصف بحكم سياساتها واعلامها الواسع .
خطورة الدور الاعلامي والسياسي
لقد كان الإعلام المصري منحازا الى جانب عارف مندداً بمحاكمته من قبل قاسم ، ولكنه لم يكن حياديا ازاء قاسم يوم 8 شباط / فبراير 1963 ولا حياديا ازاء فيصل الثاني واسرته يوم 14 تموز / يوليو 1958 .. كان استخدام التهجم على القادة والزعماء العراقيين عبر خطابات الرئيس ، وعبرإذاعة صوت العرب، واعتقد بأن الاخ امين هويدي لا يستطيع نكران انهماك السفارة المصرية في بغداد التي كان يرأسها هو نفسه في تدبير سلسلة المؤآمرات المتلاحقة لقلب انظمة الحكم ، ولقد تم فضح بعض تلك المؤآمرات في مناسبات وامام اجهزة سياسية وقضائية واعلامية وبشهادة العديد من الشهود المشتركين بها ، وما قبضوه من مبالغ نقدية من السفارة لتدبير تلك المؤآمرات ، وبرغم كل ذلك لم نسمع ابدا بأن استطاع اي زعيم عراقي من ايام العهد الملكي ومرورا بنوري وقاسم وعبد السلام وعبد الرحمن ان تفّوه احدهم بكلمة واحدة تسئ إلى عبد الناصر، أو رد على الشتائم المقذعة والاتهامات الخطيرة التي كانت تنهال عليهم صباح مساء والتي كشف التاريخ بأن ليس لها اي اساس من الصحة ، فهل باستطاعة السفير هويدي ان ينكر ذلك ؟ وهل يمكنه اليوم وقد اصبح مؤرخا للاحداث ان يكشف لنا وبشجاعة عن سر خلق تلك المشاحنات والصراعات الباردة التي انتجت تاريخا مؤلما مع الاسف ؟ هل جرى كل ذلك من أجل إلحاق العراق بحكم عبد الناصر بصورة غير دستورية ؟ ام كان لأغراض اخرى وعبد الناصر يدرك طبيعة العراق التاريخية المختلفة عن مصر !
العراق ومصر : هل من فهم جديد ؟
علما بأن العراقيين كانوا يناشدون مصر باحسن الروابط واوثقها في كافة المجالات ، وان تاريخا حافلا بين الركيزتين يرجع في قدمه الى اعماق التاريخ ، وان الشعب العراقي كله كان يسعى الى ذلك كل ضمن اساليبه واطروحاته بين اهداف الوحدة بالنسبة لكل الفصائل القومية ، ولم يبخل حتى الشيوعيين العراقيين في طرح اقامة اتحاد فيدرالي مع مصر .. وكان نوري السعيد في النظام القديم صاحب مشروع الاتحاد الكونفدرالي ، وهو صاحب مشروع جامعة الدول العربية . صحيح ، ربما لم يكن هناك من الزعماء العراقيين والعراقيين سعي جاد الى الوحدة الفورية او الاندماج الكامل ، فان لذلك اسبابه ودوافعه ومبرراته فالعراق كما علمتنا احداث القرن العشرين وخصوصا عند فاتحة القرن الواحد والعشرين عالما يبدو انه كان مجهولا على الاخرين بحكم تنوعاته وتعددياته ومشكلاته وقضاياه الداخلية والاقليمية والدولية .. فليس من باب العقل ان يكون مندمجا مع مصر وهو على رأس الخليج العربي مثلا ، او انه قلب منطقة الشرق الاوسط في غربي آسيا بين القوتين الاقليميتين ايران وتركيا .. وهو كتلة حية من الهلال الخصيب .. الخ وهذا كله ما غاب فهمه في مباحثات الوحدة التي انشغل بها القوميون جميعا : الناصريون والبعثيون والحركيون وغيرهم . ومن الطبيعي ان يسأل المرء اليوم عن اسرار فشل محاولات الرئيس جمال عبد الناصر على ارض الميدان وفشل الخطط التي اعدت بدعم منه سياسيا واعلاميا وعلى ايدي : عبد السلام عارف ورشيد عالي الكيلاني وعبد الوهاب الشواف وعارف عبد الرزاق .. وهذا الاخير جّرب ثلاث محاولات غير ناجحة وصولا الى عهد البعثيين بانقلاب 17 تموز / يوليو 1968 كي تبدأ حرب باردة في الاذاعات استخدم الطرفان العراقي والمصري اقذع الشتائم واسوأ المرادفات وصولا الى رحيل عبد الناصر العام 1970 . ان كلا من الشعبين العراقي والمصري لابد ان تتوثق علاقاتهما وروابطهما كما كانت على امتداد التاريخ باعتبار بلديهما ركيزتين اساسيتين للمنطقة ، ولكن لابد ان يفهم كل طرف مشروعات الطرف الاخر ومصالحه وخصوصياته .. وان تكون صفحات القرن العشرين دروسا بليغة الاثر في صناعة مستقبلنا المشترك .
خصوصيات العراق الصعبة
واتمنى على الاخ امين هويدي ان يتفق معي ، ولو لمرة واحدة فلا مصر نجحت في جعل العراق ناصريا كاقليم شرقي من الجمهورية العربية المتحدة ولا العراق نجح في ان يعالج مشكلاته المعقدة ، وكان بأمس الحاجة وقت ذاك للانطلاق نحو آفاق رحبة ضمن اصلاحات سياسية وثورة تحديثية وتعايشات اقليمية وركائز دستورية وتضامنيات داخلية لشعب متنوع في ثقافاته والوانه ومرجعياته وبيئاته وتعددياته ! فالعراق له خصوصياته التي لم يدركها العرب حتى اليوم بعد مضي قرابة قرن كامل على ولادة الاتصالات الحديثة وما ولد بمعيتها من افكار وممارسات وتجارب فاشلة للقومية العربية ! والعراق هو غير مصر بكل تأكيد كما توضّح ذلك للعالم كله عند نهايات القرن العشرين بشكل فاضح ، في حين أكد العديد من رجالات السياسة العراقيين على هذا المنحى على امتداد عهود سياسية متعددة ، وكان ان اتهموا شتى الاتهامات الشنيعة باعتبارهم من الشعوبيين او الانفصاليين او الرجعيين .. الخ انني واثق تمام الثقة بأن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر كان يدرك ادراكا حقيقيا حجم مشكلات العراق الاقليمية والداخلية ، وان العراق له حدود صعبة بكل تواريخها المعقدة مع كل من ايران وتركيا .. وان المجتمع العراقي على اشد حالات التنوع والتعددية الاثنية والمذهبية والطائفية والدينية والثقافية والطبقية .. وان اي قسر ايديولوجي عربي بمعزل عن رسوخ الوطنية العراقية سيولد حالات صعبة من عدم الاستقرار في الدواخل كما شهدنا على ايدي الحكومات والاحزاب القومية .
ومن حقنا ان نتساءل ونحن في طور الاستنتاجات : هل كانت العلاقات الدوبلوماسية بين مصر وبقية الدول العربية قد وصلت الى وضع مشابه لما كانت قد وصلت اليه بين مصر والعراق ؟ وقد عرفنا من الاخ امين هويدي حجم الانفلات في الاعراف الدبلوماسية والبروتوكولية بين الطرفين ! ونسأل ايضا : هل كانت تدخلات الرئيس عبد الناصر في الشؤون العربية تشابه ما حدث من تدخلات له في العراق ؟ وهل باستطاعة احد من الاخوة المصريين او العراقيين ان ينكر حدوث مثل تلك التدخلات ؟ وهل باستطاعتهم تسويغها تحت حجج وتبريرات لا معقولة ؟؟ واذا كان هناك جملة اختلافات بين الذي كان قبل اربعين سنة وبين الذي هو حاصل اليوم .. فبماذا يعزى ذلك ؟ وهل كانت تلك الاحوال سليمة ونظيفة اوصلت الطرفين الى نتائج طيبة .. ام خلفّت من ورائها مواريث سلبية وافتقدت روح الثقة بين الطرفين .. والانكى من ذلك كله : حصول كل تلك الموبقات بغياب المؤسسات الدستورية والتشريعية وعدم اخذ رأي الشعب بما هو حاصل !
الهراطقة المؤدلجون لا ينفعون العراق !
اما بالنسبة للعراق والعراقيين ، فهل باستطاعتهم اليوم ان يقوموا بمراجعة عقلانية هادئة لكل ما حدث في النصف الثاني من القرن العشرين ، بمعزل عن عواطفهم الساخنة واهوائهم المستعجلة وعصبياتهم المتوقدة وايديولوجياتهم الراحلة .. هل يمكنهم ان يجيبوا على تساؤلات لا مواربة ولا مزايدة ولا مفاضلة فيها : من الذي اعطى الحق للعسكريين العراقيين في التدخلات السياسية برغم كل العفونات التي كانت عليها احوال العراق ؟ وهل نجح العسكريون في اصلاح ما افسده السياسيون العراقيون سواء كانوا من المخضرمين ام من الجدد ؟ ما الذي كسبه العراق والعراقيين من كل هذا الخلل والاضطراب ؟ لماذا ضاع العراقيون اكثر من غيرهم في خضم موجات متكهربة من الايديولوجيات التي استشاطوا لها بشكل لا يقاوم من العنف السياسي المقيت ؟ لماذا ضاعت الهوية الوطنية تحت لافتات وشعارات لا تمت بصلة لا الى الواقع ولا الى المثال ؟ لماذا تركبت تلك الازدواجية وبحر من التناقضات المتصادمة بين الوطنية العراقية والقومية العربية ؟ ولما يزل الكثير من العراقيين يلوكون هذا التناقض بمنتهى القرف من دون ان يعتمد احادية ثابتة في الطرح المسؤول ؟ لماذا قدّم عبد الناصر على زعماء عراقيين آخرين – مع اعتزازنا بمكانة الرئيس عبد الناصر – ومن قبل العراقيين انفسهم فلم يرضوا يوما على زعيم واحد من زعمائهم ؟ لقد كان العراق مسرحا لصراعات الهراطقة السياسيين الذين قولبتهم تنظيماتهم على نمط معين من التفكير ، وجعلتهم لا يتقبلون الا انفسهم من دون سماع آراء الاخرين . وكانوا وما زالوا يقتاتون على نفس ما كانوا يلوكونه منذ عشرات السنين !
هل تنفعنا دروس التاريخ ؟
وكنت اذكر منذ ثلاثين سنة لجملة من اصدقائي المخلصين الذين اثق برجاحة عقولهم او حتى بهوس اذهانهم بأن مشكلة العراق في حكمه !! ولكن توارث الاخطاء السياسية على امتداد القرن العشرين هو الذي انتج ظاهرة تاريخية عراقية صعبة جدا اسمها ” صدام حسين ” ، فالاخير هو نتاج كل الموبقات التي حصلت في بلاد وادي الرافدين والتي لا يتحمل مسؤوليتها الحكام والدولة والسلطات ، بل يشارك في تحمل المسؤولية التاريخية عموم ابناء الشعب العراقي قاطبة ! هل ينكر الدارسون والباحثون والمؤرخون وكل المثقفين والساسة العراقيين بأن الاربعين سنة الاخيرة من حكم العراق 1963 – 2003 كانت من نصيب فئات معينة من الناس الذين تتوضح بيئاتهم الوسيطة والمعينة على حساب الاكثرية ؟ هل يمكننا ان ننكر الاحصائيات والارقام التي تتضمنها الوثائق الرسمية بأن العراق لم يعرف المواثيق الدستورية ولا تكافؤ الفرص ولا المساواة في الحقوق والواجبات منذ ازمان بعيدة وعلى امتداد عهود العسكريين ! لقد وصل الامر نتيجة تلك الاختناقات التاريخية المريرة ان يقوم عريف في الجيش العراقي ومعه ثلة من الجنود بحركة انقلاب عسكري .. ربما كانوا وطنيين في مقاصدهم ، ولكن مثل هذا الانتاج بمعزل حتى عن الاحزاب انما يعبّر عن افلاس العراق سياسيا على ايدي زعمائه العسكريين الذين لم يعرفوا جميعهم فن ادارة الحكم ، وغدوا مع جملة من معاونيهم وطواقهمم العوبة بايدي سفراء معينين او اهواء نفر معين من متعصبين او سحرة او مجانين او طوائف من القرويين او عناصر من اولاد الشوارع التافهين او اناس شوفينيين قوميين مهوسيين بشعارات وخيالات وطموحات ضباط انقلابيين من اجل السلطة .. كلها انتجت مشكلات العراق السياسية .. وهل لنا ان نسأل ايضا سواء رضي العراقيين عمّا اقول ام لم يرضوا ، اقول : بأي حق يرث الحكم في العراق اخ لأخيه ؟ وما هي الميزات القيادية التي تحّلى بها الرئيس الاسبق عبد الرحمن عارف – مع احترامي لمكانته وشيخوخته اليوم – ؟ ما هي الصفات الكاريزمية لزعيم نصّبوه على حكم العراق وهو يجلس في قصره يعد الساعات نهارا من اجل ان يغادر مكتبه الى بيته عند الساعة الثانية بعد الظهر وهو فرح بذلك كون الدوام قد انتهى ؟ وهل يستطيع الاخ هويدي او اي مثقف سياسي مصري يحمل درجة من العقل ان يقنعني بغايات عبد الناصر في تنصيب عبد الرحمن عارف بعد رحيل اخيه عبد السلام ؟؟ وما سبب اصرار عبد الناصر وجهاز مخابراته على محاولات الانقلاب الناصرية الفاشلة التي كانوا يعدون لها في القاهرة ؟ ولابد لي ان أسأل وربما ستظهر الايام لاحقا بعد سنين عن اسرار مصرع عبد السلام عارف ؟ ومن الذي اخبر عبد الناصر بالخبر ، فكان اول من عرف بذلك ؟ وما معنى وصول عارف عبد الرزاق بغداد بعد مقتل عبد السلام مباشرة وبمثل تلك السرعة من اجل ان يتولى الحكم في ظل غياب الشرعية ؟ هل ثمة وثائق دامغة ومعلومات مؤكدة تجيبني والاخوة العراقيين معي على هكذا تساؤلات خطيرة من اجل معرفة الحقيقة الغائبة ؟
وأخيرا
وأخيرا ادعو كل العراقيين ان يتعلموا كثيرا من تجارب القرن العشرين الساخنة ولابد لهم ان يقارنوا تاريخيا بين طبيعة العهود السياسية التي عاشها العراق في عهدية الملكي والجمهوري بمعزل عن تأثير ما خلفته تلك العهود ، وبمعزل عن اجندة ما انتجته التيارات والاتجاهات السياسية العربية ، وبمعزل عن تأثير التدخلات الخارجية والعربية في الشأن العراقي .. ولابد ان يتعرف اخواننا العرب على ما حدث للعراق المعاصر نتيجة تصادم خصوصياته مع عموميات الاخرين التي لا تستقيم واياها ابدا . والمطلوب ان يبدأ العراق تاريخا جديدا على ضوء الدروس التي تعلمها العراقيون من منتجات القرن العشرين .. ولابد للعراقيين من رجال حكماء يتساموا فوق كل الانتماءات من اجل مستقبل بلادهم الجميلة واجيالهم الجديدة التي اريدها ان تكون بمنأى عن كل امراض القرن العشرين وبقاياه .. ان العراقيين بحاجة ماسة الى ان يعتمدوا على انفسهم بعيدا عن العواطف الساخنة والتمجيدات الزائفة والشعارات السقيمة .. انهم بحاجة الى عقلية واقعية وذهنية براغماتية تتقبل كل التنوعات والتناقضات الداخلية بعيدا عن التطهير العرقي والاستئصال الطائفي والقسر الايديولوجي والقمع السياسي والعاطفة القومية والحكم الفاشي ..
ان الدرس الذي يعلمنا اياه هذا البحث الذي ناقشنا فيه معلومات وافكار وآراء ومواقف في العلاقات العراقية المصرية من خلال محور ذكريات رجل كان له دوره في صميم الاحداث ، انما يمكن توظيفه من اجل المستقبل .. وليعترف كل من كان له دوره في تلك العلاقات غير المتكافئة ولا المتوازنة ولا المحترمة .. بكل موبقات ما جرى فعله تحت يافطة سياسة المد القومي العربي وبعيدا عن اية حبكة اجتماعية من نقاء العروبة التي توارثناها جيلا بعد اخر .. اتمنى ان يكون الدرس التاريخي الذي خرجنا به من تفكيك نصوص امين هويدي قد افاد كثيرا كل المهتمين والباحثين والمؤرخين والسياسيين ..


ملاحظات
نشرت هذه الدراسة النقدية في جريدة الزمان اللندنية والبيان الاماراتية في العام 2000
ستنشر بقية الرهانات المستحيلة في الكتاب الذي سيصدر لاحقا .
كل التوثيقات والملاحظات عن هذا ” النص ” سيضمها الكتاب المطبوع لاحقا

شاهد أيضاً

الجامعة العربية.. اشتراطات التغيير في القرن الحادي والعشرين

سّيار الجميل جامعة الدول العربية أشتراطات التغيير في القرن الواحد والعشرين جامعة الدول العربية معلومات …