دعني اقول بأن الامة شبعت من ترديد هذه المناحة وترديد الانشاء وببغاوية ما قيل في كل زمن وكل حين .. لنكن شجعانا ونعلن عن مواطن الخراب والدمار والعفونة في حياتنا العربية ! لنكن شجعانا لنقول بأننا بحاجة الى نقلة نوعية لا يمكن ان تحدث من دون تغيير حقيقي في اساليب تربوياتنا واعلامياتنا وتبديل كل واقعنا .. وماذا بعد ؟
ثانيا : تدعو الوثيقة إلى تهيئة الظروف اللازمة لتمكين الشعب العربي من أداء دوره الحقيقي في الاقتصاد العالمي من خلال ارساء التكامل الاقتصادي العربي مما سوف يمكننا من المشاركة الفاعلة في نماء الحضارة الانسانية ..وتشجيع ما تذخر به شعوبنا من قدرات ومواهب وإبداع فكري وماتمتلكه من إرث تاريخي حافل بالمنجزات، والتعامل الايجابي مع النظام الاقتصادي العالمي على اساس المصالح المتوازنة والاستفادة من معطياته لتحقيق التنمية المستدامة ومواجهة تحديات العصر”.
وكالعادة ايضا من ترديد احجية تمكين الشعب العربي من اداء دوره الحقيقي .. واين ؟ في الاقتصاد العالمي ؟ هكذا مرة واحدة من خلال ارساء التكامل الاقتصادي العربي ؟ ومن يقبل فعلا وواقعا بمثل هذا ” التكامل ” اذا ما كانت هناك ثمة اختلافات جذرية في واقع كل اقتصاد محلي واقليمي عربي ؟ كيف يمكن لمشروع استراتيجي عربي يطرح للتصويت اذا كان صادقا تماما وهو لا يدرك حجم التباينات في الانتاج والاستهلاك لدى الدول العربية ؟ كيف يمكن بناء تكامل اقتصادي عربي اذا لم توفر الارضية المشتركة لتبادل المنتجات العربية ؟ واين هي المنتجات الصناعية العربية وما حجمها ضمن القياسات العالمية ؟
ثالثا : كما تؤكد ذات الوثيقة “وقوف القادة العرب متضامنين في تعزيزالعلاقات والروابط العربية وتقوية القدرات العربية الدفاعية لضمان سيادة وأمن وسلامة وصون الاراضي العربية، وتحصين التضامن العربي باستنهاض المواطنين عن طريق توسيع المشاركة السياسية وانجاز الاصلاحات الضرورية في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية مع اقامة الهياكل اللازمة لتنفيذ ذلك”، داعياً في هذا الصدد إلى العمل على تدشين “الآليات اللازمة لتقرير السياسات المشتركة لتحقيق اهداف ومقاصد ميثاق جامعة الدول العربية ووضع الخطط المناسبة للتنفيذ، وكذا إنشاء الاجهزة والهيئات التابعة الضرورية للوفاء بهذه الاهداف، بما في ذلك الاجهزة والهيئات المعنية بتطوير خطة العمل والتفاوض بشأن الآليات التنفيذية”.
كله كلام جميل منقول من توصيات سابقة وقديمة .. لا نريد ان نسمع بعد اليوم كلاما انشائيا ! لا نريد ان نسمع بعد اليوم تهويلات ومبالغات وتطمينات .. كفى نخدع شعوبنا ! كفى نضحك على نخبنا ! كفى نختبىء وراء الكلمات .. لابد ان نقول : علينا باقتناص الفرص السانحة لترتيب شؤوننا الداخلية .. وعلينا بحقوق الانسان وعلينا بتصويب وضع المرأة العربية وعلينا بمحاربة الارهاب وعلينا بالانفتاح على العالم وعلينا بالدفاع عن حقوقنا باساليب جديدة .. وعلينا بتغيير قوانيننا القديمة بما يستقيم والحياة المعاصرة .. علينا بتغيير مناهج الدراسة بما يتلاءم وروح العصر .. علينا بمد مواصلات برية وتأسيس شبكة سكك حديد عربية .. علينا بفتح الحدود العربية .. علينا بصناعات مشتركة .. علينا بالقضاء على ايديولوجيات الماضي السياسي العقيمة وبناء سياسات جديدة علينا باعلاميات عربية حيادية لا اعلاميات الردح والاكاذيب وخلق التوترات .. علينا بمؤسسات المجتمع المدني واحترام حقوق الاقليات علينا بتطوير جامعاتنا ومؤسساتنا العلمية .. علينا بمحاربة الفساد الاداري والمالي والاقتصادي .. الخ
وماذا تضمنت الوثيقة ايضا ؟
وفي شأن ممارسة الرقابة على تنفيذ الدول الاعضاء لالتزاماتهم، دعت وثيقة الأمين العام إلى أن آليات تلك الرقابة لابد أن تتضمن “تقرير العواقب والعقوبات المناسبة في حالة عدم تنفيذ تلك الالتزامات، ودعم العلاقات البينية العربية، وتنسيق السياسات الامنية والدفاعية والخارجية، وتطوير الآليات الخاصة بالنسبة للمؤسسات الاقليمية والدولية، وتحقيق التكامل الاقتصادي، وتأسيس أجهزة رقابة قضائية فضلاً عن الاصلاح الداخلي”.
تأتي هذه الوثيقة وسط أنباء متواترة عن خلافات بين الدول العربية بشأن مسألتين، الأولى هي المبادرة الثلاثية التي طرحتها مصر والسعودية وسورية، والثانية هي التعاطي مع المبادرة الأميركية المعروفة باسم “الشرق الأوسط الكبير”، ولفت مصدر دبلوماسي عربي إلى أنه من المقرر أن يحسم وزراء الخارجية العرب خلال اجتماعهم على مدى يومين الخلافات بشأن المبادرة الثلاثية، بينما سيتم إرجاء مناقشة المبادرة الأميركية إلى وقت لاحق، لإجراء مزيد من المحادثات الثنائية والاتصالات على هامش الاجتماعات أو حتى بعدها.
السؤال الحقيقي الذي يطرح نفسه : لماذا جاءت مثل هكذا وثيقة في مثل هكذا ايام من دون دراسة معمّقة ولا تحليلات موسّعة من قبل الرأي العام قبل التصويت عليها ؟؟؟؟؟
وأخيرا : ماذا اقول ؟
ان ما جاءت به هذه الوثيقة لا يمكن ان يصمد ابدا ازاء تيار المبادرة الامريكية الجارف ، وكنت اتمنى ان يكون للعرب في مثل هذا الوقت أساليب جديدة وابتكارات معاصرة يقنعوا العالم بها انهم ماضون من اجل اللحاق بركب العالم كما هو حال الامم الاخرى .. واقول بمرارة ان العرب اذا ما وافقوا على مثل هكذا وثيقة بليدة .. فسيبرهنون للعالم كله انهم غير قادرين ابدا على ادارة دفة التغيير الذي يطمح اليه عقلاء هذه الامة ! اننا نريد ان يأتي التغيير من داخل حصوننا المتهرئة لا من خارجها .. اننا نطمح ان نغدو امة فاعلة ومنتجة وحرة كبقية الامم الاخرى .. ولكن يبدو ان ابناءها – مع كل الاسف – لا يريدون او بالاحرى لا يدركون او ما زالوا لم يدركوا حجم الخطر الذي يهدد حياتنا وثوابتنا وقيمنا وتقاليدنا التي ليس لنا الا ان نتشدّق بها من دون فعل اي شيىء في سبيل استعادة الارادة العربية .. وان كل ما جاءت به هكذا وثيقة من تضمينات انشائية ومقترحات غير عملية لا يساعد ابدا على تلك الاستعادة .. ولنعلم اننا كدول عربية لا يمكن لها ان تحافظ على حقوقها او ان تستعيد ما تبدد من حقوقها ان لم تمتلك ارادتها .. ان اي مشروع مستقبلي من اجل اجيالنا القادمة لا تصنعه المواعظ ولا ترديد الشعارات التي الفها الناس ، بل انها بحاجة ماسة الى عقلية جديدة ومشروع حقيقي في التغيير .. ولابد ان يؤمن الجميع بمبدأ التغيير الداخلي دولا وشعوبا ، والا فلا نفع لمثل هكذا وثائق ابدا .
( ايلاف يوم 2 مارس 2004 ) .
القمة العربية القادمة : سيناريوهات متخلّفة ازاء متغيرات صعبة
د. سيّار الجميل
أساليب فاشلة :
لابد من تحديد الامور من دون مواربة او تورية وان تقدّم اجتهادات عملية لما يطرح اليوم على مائدة القمة العربية التي ستجتمع في تونس . وكنت قد قد انتقدت في الاسبوع الماضي الوثيقة التي تقّدم بها السيد عمرو موسى الامين العام لجامعة الدول العربية واختلفت معه اكثر مما اتفقت بل قل ربما تقاطعت وأياه في المقترحات التي قدّمها من اجل اصلاح ما يسمّى بـ ” النظام السياسي العربي ” في حين استنتجت ان كل المقترحات التي قدّمت لا نفع فيها ما دام النظام الاساسي لمثل هذه الجامعة العربية لم يعد صالحا البتة للحياة السياسية العربية وهي تدخل القرن الواحد والعشرين الا اذا كان العرب يختلفون عن بقية خلق الله !
ولعل من اتعس حالات هذا العصر ان تبدو الانقسامات العربية واضحة ومكّرسة بعيدا عن اي لغة للحوار ولم تجد العرب اليوم الا كما الفتهم على امتداد تاريخ طويل اصحاب مفارقات كونهم دوما فرقاء لا يجمعهم اي جامع ولم توحّدهم اية تحديات .. وهذا يتضح بشكل جلي باللغة السائدة التي تفصل بين ما يريده المسؤولون العرب وما يتجاذبه المفكرون العرب ! اقول : بأن ليس هناك وضوح يقول الحقيقة، ولا تجسير يهتم به اصحاب القرار ، ولا معالجة لما يصدر من ابناء الداخل بينما هم يهرعون خوفا ورعبا من مشروعات امريكية تأتيهم من الخارج برغم انوفهم ولا يستطيعون ان يقولوا لها : لا ! انني اقول تعليقا على ما حدث في المؤتمر الصحفي الذي عقده بعض المسؤولين العرب وهم يخرجون من مؤتمر وزراء الخارجية بأن ليس كل ما يقال عربيا هو عين الصواب دائما، لكن لابد ان يفهم ويدرك من يخرج على الملأ من المسؤولين ويحجب اي معلومات عن ذلك الملأ بحجة الكتمان واسرار الامة واصرار الزعماء على تلك الاسرار .. كلها اساليب لا تخلق مشاريع عربية وحيوية للحوار او التجسير ابدا .
التجارب التاريخية لا تعّلم العرب شيئا !!
كنت اتمنى على البعض ممن امتنع عن الافصاح عّما جرى داخل اروقة اجتماعات وزراء الخارجية العرب وان يعلن بشجاعة وجرأة عما حدث ولكن كتم على ذلك من اجل عرضه على القمة العربية من اجل ان يقول الزعماء العرب كلمتهم من دون ان يقول من له رأي او فكر او نقد ما عنده ! ان مشكلتنا نحن العرب ليست في الازمة التي يخلقها الموضوع بل في الذات التي تخلق تلك الازمة وان التجارب التاريخية لا تعلم العرب شيئا . كان من الضروري ان تعرض اية مشروعات او مقترحات على نخبة من اصحاب الرأي قبل البدء بالسيناريوهات او حتى الاعلان عن السيناريوهات ، وهي كما اعتقد لا تعدو اكثر من فقاعات او بالونات هواء سرعان ما تتبدد ويرجع القديم الى قدمه ! في حين ان تساؤلات متنوعة لابد ان تبحث لها عن اجوبة فعالة وحقيقية بدل التباكي او التماهي او استجداء العواطف واللعب بالكلمات بمعزل عن واقع عربي مؤلم جدا مليىء بالقضايا الصعبة والمعقدة التي كانت ومازالت تشغل كل عربي في هذا العالم ، بل وبدا الاهتمام اليوم عالميا بمنطقتنا ومشكلاتنا الاخذة بالاتساع ليتساءل اي انسان : من المسئول عما يحدث لنا، وكيف لا يستطيع العرب ان يحلّوا مشاكلهم انفسهم بانفسهم ؟ ومتى كانت العرب من دون مشكلات في ما بينها قبل ان تكون بينها وبين الاخرين ؟ ولماذا يعجز العرب في التعامل مع اسرائيل حربا وسلما ؟ وما قدرة العرب على صناعة مستقبلهم انفسهم بانفسهم عندما جعلوا انفسهم رهانا للنظام العالمي الجديد ؟ وهل باستطاعة العرب ان يتفاهموا في ما بينهم بعيدا عن آليات التخوين والاستخفاف والمكابرات والتسلط والاكاذيب والمفبركات والشعارات التي كانت كلها ويا للاسف وراء مصائبنا وهزائمنا؟
العرب ازاء المشروع الامريكي في بناء الشرق الاوسط الكبير
أسأل سؤالا واحدا : لماذا يبّرر العرب بحجج واهية رفضهم او اعتذارهم لمشروع الشرق الاوسط الكبير ؟ ولا اقصد بمثل هذه التبريرات التي نسمعها او نقرأها عربيا الخطاب الرسمي حسب ، بل تشتمل على خطاب مجاميع واسعة من الكتاب والمثقفين والصحفيين وحتى من يسمّون انفسهم بـ ” المفكرين ” .. ان كان الخطاب الرسمي اعتذاريا تبريريا ، فان الخطاب السياسي العربي بشكل عام دفاعيا ضعيفا عند البعض ، او هجوميا تسويغيا عند البعض الاخر .. وبطبيعة الحال لا يخلو الاعلام العربي من اساليب الشتائم والردح التي اعتادها البعض من المتعصبين والمتشددين . وتكاد يكون كل ما سيق من حجج ومسّوغات متشابهة ومكررة تعيد انتاج نفسها منذ خمسين سنة ولكن بعبارات جديدة ! ان اقصى ما نجده من صفاقة التفكير وبلادة التناقضات :
اولا: ان حجّتهم الاولى تقول بأن الديمقراطية والاصلاحات السياسية لا تفرض من الخارج ، ولم يعلموا او انهم يعلمون بأن امريكا فرضت كل ارادتها على المنطقة منذ الحرب العالمية الثانية وحتى الان . وكانت لها مشروعاتها السرية والعلنية واضحة تماما في اكثر من مجال حيوي عربي .
ثانيا : انهم يقاطعونها كمبادرة لم تناقشها الولايات المتحدة الامريكية مع المعنيين او بمعنة مع الحكومات العربية . وهذؤه حجة لا تقوى على الصمود ، اذ ان العرب لا يدركون حتى الان بأن امريكا لا تناقش مبادراتها ومشروعاتها مع غيرهم ، فكيف بها تناقش ذلك معهم ؟؟ وهنا أسأل : هل الحكومات العربية لا تدرك ذلك ، ام انها تخدع شعوبها بما لا تريده او انها تخالف المشروعات التي اكتشفت امريكا متأخرة ما لابد له ان يكون !
ثالثا : يقولون بأن المبادرة الاميريكية تطرح حلا غير ملائم او وصفة تقليدية او صيغة نمطية لرقعة جغرافية واسعة لها تنوعاتها وتواريخها وواقعها ( التي لا ندري مدى قدرة الولايات المتحدة التمكن في معلوماتها منها ) ، ولكن بنفس الوقت فان العرب يدعون ذلك على الامريكيين من دون فحصهم تفصيلات ما تريده الولايات المتحدة من الشرق الاوسط الكبير . باختصار ، ثمة تخوفات لدى الزعماء العرب من الديمقراطية الحقيقية .. انهم يخافون من شعوبهم اكثر من خوفهم من الولايات المتحدة ! وهنا أسأل : كيف يمكنهم تقديم اي بديل لتلك ” المبادرة ” التي لم يدركوا بعد بنودها وما اقّر اصلا في مضامينها ! واذا كانت المبادرة الامريكية التي تأتي من الخارج جاهزة في وصفتها لكل المنطقة . وأسأل ايضا : هل كان العرب على استعداد لتقديم اي مشروع يوازي تلك المبادرة نوعيا ؟؟ هل لهم القدرة على التغيير الفعلي .
رابعا : يبررون ايضا خلافهم مع المبادرة الامريكية انها لم تعتن بالقضية الفلسطينية ، ولم تقّدم اي حلول لانهاء العدوان الاسرائيلي الذي يمثّل واحدا من أهم المشكلات التاريخية المزمنة ان لم يكن من اهم عوامل التطرف في المنطقة ! ونحن ندرك ان العرب ( وبالذات اصحاب القضية من الفلسطينيين ) هم آخر من اعتنى بالقضية الفلسطينية ! علما بأن العرب وافقوا على اشراك الامريكان والسوفييت في حل القضية في مؤتمر مدريد العام 1992 ، ولما سقط الاتحاد السوفييتي غدت الولايات المتحدة راعية للسلام دون منازع .. وقد اشترك العرب معها في مفاوضات ومكاتبات ومعاهدات .. فلماذا يأتي رفض العرب للمبادرة الامريكية ؟؟ ماذا يخبيء لنا المستقبل؟
ان عملية استشراف مستقبل المتغيرات العربية لا تحتاج ابدا الى كل هذا الصراخ والامتناع ومنتجات عقل تآمري يملكه العرب بامتياز، ان اي مشروع يخدم المصالح العليا للعرب لابد من مناقشته لمعرفة نقاط قوته وضعفه .. ان ما يشاع من ” ان ما يستورد من الغرب عموما لا ينفعنا ” هو كلام خاطىء لا يمت للحقيقة ابدا .. لابد من قراءة المشروع الامريكي حول مستقبل المنطقة ونقده . ولنا ان نقول بأن العرب كلهم لا يستطيعون – كما يبدو – من تقديم مشروعات حقيقية للتغيير والتبديل بدل تقديم مبادرات كلامية عن الاصلاحات .. وتمضي الايام من دون اي تفعيل لتلك المبادرات ! انني اقول بأن المشروع الامريكي لبناء الشرق الاوسط الكبير لابد من دراسته ومعالجته والبدء باتخاذ مبادرات عربية تبدأ مباشرة بالتغيير نظرا لظروف المنطقة .. نريد من مؤتمر القمة القادم ان يكون شجاعا امام العالم كله ويعلن عن بدء التغيير الجذري لا الاصلاح التقليدي !
ان الاعتذار عن ذلك تحت حجج واهية وذرائع كالتي تقول بعضها من ” ان الاصلاحات لابد ان تنبع من تقاليدنا وظروفنا .. ولا نريد وجبات جاهزة ” !! انني اعتقد بأن مثل هذا الكلام هو حق يراد به باطل .. فمتى فكّر العرب بالاصلاحات ان لم توقظهم صعقات الاحتلال ؟ ومتى بدأوا يفكرون بالاصلاحات لولا المطرقة الامريكية التي جاءتهم بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001 ؟ ومتى فكّروا فعلا بالمستقبل وبالمبادرات ان لم يقّدم الاخر لهم وصفات وعلاجات ومشروعات ؟؟
وأخيرا : ماذا اقول ؟
انطلاقاً من هذا كله ، اريد القول ان سيناريوهات مستقبل المتغيرات العربية الذي لابد ان تلتفت اليه القمة العربية لابد ان يرقى بالطبع الى مستوى حاجة العرب والمنطقة الى التغيير ، وليكن العرب كلهم من قادة ومسؤولين ونخب وجماهير ممتلكين للشجاعة الكافية والارادة القوية التي تعمل جميعا من اجل نزع العلاقة نهائيا مع مواريث القرن العشرين ، وان التغييرات الجذرية حاجة ملحة بعيدا عن الاصلاحات الجزئية وان لا خوف ابدا على تقاليد الامة وقيمها ومصالحها لأن المكونات الجديدة هي التي ستمتد بالحياة العربية الى الامام ما دام اي مشروع حقيقي سيرتبط ارتباطاً عضوياً بالمواقف الوطنية ، وبسوابق التاريخ وبشواهد الاحداث في محاولة تاريخية لبدء مسيرة جديدة .. ومغادرة الزمن العتيق الذي شهد على مدى نصف قرن الكثير من الهزائم والبلايا . فهل سيتحقق ما نصبو اليه في القمة العربية القادمة ؟ انني اشك في ذلك !( ايلاف ، 9 مارس 2004 ) .
على رسلكم ايّها الزعماء العرب
ما المطلوب عشية انعقاد مؤتمر القمة العربي بتونس الخضراء ؟؟
د. سيّار الجميل
مدخل في الذي اريد قوله
كنت قد نشرت في الاسبوع الماضي مقالي ” القمة العربية القادمة : سيناريوهات متخلّفة ازاء متغيرات صعبة ” ( ايلاف 9 /3/ 2004 ) الذي وجهت فيه بعض ملاحظاتي النقدية عن القمة العربية القادمة والتي وصفت فيها ما سيعرض امام انظار الزعماء العرب الكرام من جدول اعمال سيتضمن حتما : سيناريوهات متخلّفة ازاء متغّيرات جد صعبة وفي مرحلة تعج بالبدائل والتناقضات خصوصا ما يتعلق بالشأن العربي المعاصر والظروف التي خلقتها متغيرات ما بعد سقوط النظام العراقي السابق .. والتداعيات التي نتجت عن ذلك وخصوصا بطرح مشروعات بديلة لما هو سائد اليوم والتي يقف على رأسها مشروع الشرق الاوسط الكبير الذي تتبناه الولايات المتحدة الامريكية بقوة لا يمكن لغيره مقارعته او الصمود امامه .. وثمّة وثيقة قدمتها جامعة الدول العربية من اجل ما اسمته باصلاحها وهي الوثيقة ( المتخلفّة ) التي لم ينجح السادة وزراء خارجياتكم من الاتفاق عليها فحوّلوها امام انظاركم لاقرارها ويا للاسف الشديد ..
باختصار انتم ستجتمعون والتحديات قوية جدا في مواجهتكم واعتقد انها من اقوى ما يصادفكم منذ عقود خلت ، كما واعتقد انكم سوف لن يكون باستطاعتكم هذه المرة الخروج بأي ( مبادرات ) كالتي الفناها دوما من دون أي حلول عملية وعلاجات اساسية تتطلبها الامة منكم مهما كانت حجوم الانقسامات في ما بينكم . انني ادرك ايها الزعماء العرب الكرام انكم تختلفون واحدكم عن الاخر ، فعندما نجد فيكم البعض من الحكماء العقلاء سنجد ايضا من هو قليل التجربة وغير مدرك عواقب الاحوال والمصير ! وعندما نجد من بينكم من له شرعيته التاريخية التي لا يمكن ان تهّزها الرياح العاصفة ، سنجد من ليس له اي سند يحميه ابدا . وعليه ، فان اقصى ما يمكن عمله اليوم انما يكمن بتفعيل اي مبادرة حقيقية من اجل تغيير اوضاع الامة حسب كل الذي جرى لدى الامم الاخرى ، فنحن لسنا اليوم خير امة اخرجت للناس ، واتمنى ايضا منكم بعدم الركون لما يقوله لكم المستشارون والتابعون الذين اكل الدهر عليهم وشرب منذ مرحلة الخمسينيات والستينيات في القرن العشرين كما واتمنى عدم المصادقة على اية شعارات انشائية لا معنى لها تطلقها جامعة الدول العربية في الهواء من اجل اسكات افواه الناس الذين لا لن تسكتهم هكذا مقترحات واهنة وتقريرية وانشائية لا نفع فيها . انهم يعتقدون بأن الاصلاحات لابد ان تبدأ من هذه اللحظة ولتكن جذرية مقتلعة لكل الترسبات وعلى ثلاث محاور : سياسية ومعرفية واقتصادية وهذا بحد ذاته هو اضعف الايمان في الرد على اشتراطات مشروع الشرق الاوسط الكبير .
نحن بين مشكلات الداخل وتحديات الخارج
وانني اذ اكتب لكم هذه الكلمات التي اتمنى ان يعيرها البعض اهمية استثنائية ، فأنني مدرك تمام الادراك بأن ثمة عقلاء وحكماء بينكم يريدون المصلحة العربية العليا ويطمحون الى الوصول الى حد ادنى من المعالجات الواقعية ولكن ثمة زعامات ما زالت تتخّيل ان بمقدورها ان تتلاعب بالشعارات والافكار المثالية والرومانسية التي طالما خدعت بها الامة طوال خمسين سنة من حياتنا العربية ، ولكنها اليوم لم يعد باستطاعتها خداع العالم الذي يتغير بسرعة مذهلة .. ومن لم يكن بمقدوره ان يصلح من شؤونه الداخلية ، فلن يكن باستطاعته تحّمل حجم ما سيصيبه من جراء المواجهة .. ثمة امر آخر لا يفوتني ان اذكره قبل ان انتقل الى فقرة اخرى ، ذلك ان بعض الزعماء العرب ما زالوا يعتمدون ما يقوله لهم بعض المستشارين الذين اكل الدهر عليهم وشرب ناهيكم عما ينشره البعض من الكتاب والصحافيين والاعلاميين الذين ما زالوا لم يدركوا حجم التحديات ولا طبيعة المتغيّرات وهم ما زالوا يغّنون اغنياتهم القديمة ويبيعون هذه الامة المشاعر والعواطف ويشحنون الزعماء بالعنتريات ويرددون الشعارات التي اودت بكل نفائسنا على امتداد النصف الثاني من القرن العشرين . وعليه أقول بأن هناك امام بعض ( وليس كل ) زعمائنا العرب الذين سيجتمعون ( او من يمثّلهم ) في مؤتمر القمة العربية بتونس مسألتين اساسيتين ، هما :
1/ الشأن الداخلي لكل دولة عربية وكيفية ترتيب ذلك الشأن بما يتوافق ومشروع الشرق الاوسط الكبير الذي تطرحه امامهم الولايات المتحدة الامريكية .
2/ الشأن الخارجي لكل دولة عربية وكيفية ترتيب ذلك الشأن بما يتوافق والمتغيرات في النظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة الامريكية .
كي لا تضيع فرص تاريخية اخرى ايها الزعماء العرب
لقد فاتت عليكم وعلى هذه الامة فرص تاريخية ثمينة منذ سقوط الاتحاد السوفييتي في العام 1992 من اجل ان تجدوا مكانا لهذه الامة ( تحت الشمس ) او كما يسمونه بالنظام العربي الذي غدا حبرا على ورق منذ زمن طويل ، ولم تنفع مؤتمراتكم كافة في ان تعالجوا شؤونكم العربية في ما بينكم منذ غزو صدام للكويت العام 1990 حتى اليوم .. وفاتت عليكم ايضا فرصا ثمينة اثر هزة 11 سبتمبر 2001 وما احدثته من تداعيات وكأنكم لم تسمعوا او تقرأوا ما هو حجم الثقل التاريخي الذي القي عليكم من قبل العالم كله المتحالف او الصديق للولايات المتحدة الامريكية درءا لمصالحه المتنوعة ضد الارهاب .. وبرغم كل الاجراس التي دقّت عليكم لتخرجوا عالمكم العربي من اوضاعه المزرية او تحاولون على الاقل طرح بدائل عملية واجراءات فعالة واصلاحات واقعية لمعالجة دواخلكم السياسية والادارية والاقتصادية والثقافية .. ولكن لن يجد العالم منكم اي استجابة ولا اي محاولات في التغيير حتى اليوم .. ولنا نحن العرب انفسنا ان نراجع ما قد اعلنه الحكام العرب من مبادرات وشعارات وتصريحات من اجل الاصلاحات التي وعدتم بها دون اي جدوى ! وحتى سقوط نظام صدام حسين في العام 2003 .. كان امامكم ايها الزعماء العرب فرصة ذهبية في مؤتمر قمة بيروت ان تقفوا الى جانب الشعب العراقي لا الى جانب صدام حسين ، وان لا تدفعوا باتجاه الحرب وكأن الحرب نزهة اذ كان الرهان على الانتصارات ولم يقف الا القليل من المنذرين بالفجائع ومسلسل النكبات .. كان عليكم ان تقفوا ضد صدام حسين مهما كانت الاثمان من اجل درء الحرب ضد الشعب العراقي ومن اجل درء تداعياتها ضدكم .. ولكنكم لم تفعلوا ذلك ابدا ، وكم كان من الحكمة العربية تفعيل مبادرة صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ، ولكنكم لم تفعلوا وقد ركب معكم هذا المركب الخطر كل من جامعة الدول العربية والنخب السياسية والفكرية والقومية والاعلاميات العربية الماكرة التي انشبت اظفارها وتمسكت باهداب كل ما هو مثالي وعاطفي وقديم باعتباره صالحا حتى وان كان ضد الارادة الدولية التي وصل اليها النظام العراقي السابق مجابهة غير متكافئة ابدا .. فماذا كانت النتيجة ؟ فهل نفّكر اليوم معا في طبيعة التحديات ومدى استجابتنا لها .. ام اننا نجتمع من اجل عقد صفقات آنية ومرحلية نرضي فيها انفسنا ونحاول ان نرد فيها على الاخرين الذين لم يلتفتوا الينا ؟؟
مستلزمات اساسية من اجل المستقبل
لابد ان نعلم جميعا بأن اي مشروع تطرحه الولايات المتحدة الامريكية اليوم ازاء مستقبلنا فهو ليس من باب الترهيب او الترغيب ، بل من باب رد الفعل المنظّم والموّجه الذي سيأخذ طريقه للتنفيذ .. ولابد ان نعلم بأن المشروع الامريكي للشرق الاوسط الكبير هو ليس ذاك المشروع الشرق اوسطي الذي طرحه شيمون بيريز رئيس الوزراء الاسرائيلي الاسبق قبل سنوات طوال ! وهو ليس اي مشروع للشراكة كالمتوسطية الذي طرحته اوروبا قبل سنوات خلت .. مشروع اليوم بمحاوره الثلاثة يختص بتغيير الاوضاع العربية رأسا على عقب ، وقد تبلور بعد احتلال العراق كجزء من خطة استراتيجية بعيدة المدى كان العبد الفقير قد نبّه اليها منذ العام 1996.. فهل نحن مدركون بكيفية التعامل مع هذه المستجدات التي كان العرب سببا اساسيا في خلقها ازاء اوضاعهم التي استسهلوها من دون ان يعالجوها وخصوصا بعد 11 سبتمبر 2001 ! وعلينا ان لا نتذرع بأن لدينا اساليبنا وقيمنا ومواريثنا التاريخية فهي كلها لا تنفع اليوم ابدا او ان لنا وسائلنا في الاصلاحات وكأننا نتوسل الاخر ان يبقينا مشروعا مؤجلا والعالم كله يندفع نحو الامام الا هذه الامم الاسلامية التي كتب عليها ان تشقى منذ قرون وتبقى لا حراك بها الا بوسائل الاخرين او بتغيير الاخرين او بنظم الاخرين .. او كما نسميهم في القرن العشرين بـ ” المستعمرين ” او ” الامبرياليين ” ! ليس المطلوب الان ومثل هذه الاوضاع السيئة امنيا وسياسيا واقتصاديا ان تفتحوا الحدود على بعضكم البعض .. ليس لأنكم ستفعلون ذلك ، بل لأن الاخطار السياسية باتت متلاقحة بين بلد وآخر ولقد بات الارهاب ينتقل باساليب جد ماكرة .. وهنا لابد ان يعترف الزعماء العرب بالارهاب لأنه سيطال الامة قبل اعدائها كما هو واضح اليوم .. والجميع يتهمنا نحن العرب بالارهاب من دون ان نفعل شيئا للرد عليه !
الركائز الاساسية للتغيير والاصلاح
ان الحاجة العربية اليوم باتت ماسة للالتفات الى جملة من الركائز الاساسية التي ان فّكر فيها المؤتمرون من الزعماء العرب او من يمثّلهم سينقلهم الى حالة جديدة يكسبوا فيها ثقة شعوبهم التي تنتظر فعل اي شيىء يخدم الامة ، كما ويحققوا فيها ثقة العالم اجمع وهو يرى فيهم اناس لم يعد يصلحوا لتحقيق متطلبات دواخلهم وشعوبهم اصلا :
اولا : تغيير الاوضاع السياسية
يعتمد ذلك على توفير قدر واضح وفعال من الشرعية والدستورية والشفافية والحريات العامة والسياسية وتوفير القدر الكافي من بيروستريكا عربية تبدأ فعلا من كل بلد عربي يشعر انه بحاجة الى مثل هذه التغييرات قبل ان يجرفه التغيير من الخارج كما حدث للعراق .. على البعض من الاخوة الزعماء العرب وهي نصيحة اسديها اليهم من اجل مستقبل هذه الامة واجيالها ان يبدأوا تغييرا جذريا في سياساتهم ويفككوا منظومات سياسية وحزبية وامنية قديمة لم تعد صالحة اليوم للتعامل مع هذا العصر .. عليهم بدساتير جديدة ومنح حريات اوسع وفصل سلطات اكثر ومحاربة كل الفساد السياسي وان لا يكون هناك احتكار للسلطات ولا توريث للرؤساء الجمهوريين كي يؤسسوا سلالات جمهورية بدائية وان يكف البعض من اخواننا الزعماء العرب عن التنطع والتحدث باسم المبادىء والتاريخ والشعارات الرنانة .. لأن التاريخ الزعاماتي العربي المعاصر قد علمنا من خلال مؤتمرات القمة العربية ان ما يقوله الزعماء العرب لا ثبات فيه ابدا .. فهم يقررون ويشجبون ويعارضون ويبادرون وينددون وتتكلم الصحافة العربية عن الانتصارات وتصفق البرلمانات بمنتهى البلادة عن المواقف المبدئية والشجاعة العنترية والقيم القومية ثم يبدأ مسلسل التنازلات . فما علينا الا ان نحترم انفسنا ونعمل بانفسنا على ان نغّير ما بانفسنا بما يضمن تجديد الدماء في السياسة العربية بعيدا عن كل مانشيتات القرن العشرين . ان الامة العربية يا زعمائنا الكرام بحاجة الى بيروسترويكا شاملة في التغيير السياسي واستحداث برامج جديدة في السياسة الداخلية بدل التصلب الذي لن يجدي نفعا .
ثانيا : تغيير التشريعات والقوانين وثورة المعرفة
لا يمكن ابدا ان تبقى مجتمعاتنا اسيرة الدول والسلطات العربية اذ لابد للزعماء العرب ان يعلنوا بشجاعة متناهية بجعل دولهم في خدمة مجتمعاتهم .. وتشريع قوانين قوية جدا في تغيير كل ما يتعلق بحياتنا العربية التي يأسف عليها العالم المعاصر ان تعيش بمثل هذه الاحوال وهي تمتلك امكانات هائلة من القدرات والثروات . ايها الزعماء العرب : امتكم بحاجة الى تبديل كل قوانينها بما يضمن تسهيل حياة الامة .. امتكم بحاجة الى تغيير فعلي لكل المناهج التربوية والتعليمية التي اكل الدهر عليها وشرب .. ومنذ سنين ونخبة من العلماء العرب تطالب بذلك ولا حياة لمن تنادي .. اساليبنا العتيقة انتجت او انها اعادت انتاج كل ما نجده من التخلف والركود ! ان بلدانا عربية عديدة بحاجة الى تغييرات جذرية في نظم الخدمات والبلديات والاسكان والضمان الاجتماعي واخراج المواطنين من ازماتهم التي اثقلت كواهلهم منذ ثلاثين سنة ! عليكم باصدار قوانين تحارب الفساد وتسن قوانين محاسبة المخطئين ! عليكم بالمرأة العربية وتوفير فرص الاخذ بيدها من خلال اصدار قوانين تقف الى جانبها والى جانب الاطفال العرب ورعايتهم وتكوينهم علميا ومعرفيا ومهنيا . عليكم بتحرير الاعلام من قبضة السلطات ! ان مجرد التلكؤ في مثل هكذا تشريعات سوف يجعلكم في واجهة الاخر كي يصدر اوامره ويأخذ زمام المبادرة ويلزمكم بالتغيير .
ثالثا : تغيير انماط الحياة الاقتصادية العربية :
ان تضييع الوقت ازاء جدول اعمال مؤتمر قمة غارق باجترار مشكلات او الاغراق بما يسمى وثيقة السيد عمرو موسى سوف تبعدكم عن الهدف الذي لابد ان تسعوا اليه من اجل بلوغه بمنتهى الذكاء وخصوصا عندما تعتمدوا مشروعا عربيا مشتركا من اجل التغيير لا من اجل الاصلاح ! ان عصرنا اليوم يطالبكم ان تنظروا الى المستقبل وتحدياته وثقوا ان اية خطوات عملية وفعالة في اقتصادياتكم وميادينكم الانتاجية سيساعد الى جانب ما توفرونه من قوانين فقهية جديدة تتطلبها المقاصد الجديدة للقرن الواحد والعشرين .. بحل كل المشكلات المتعلقة والموروثة من عهود مضت . ان خلق منظومة اقتصادية عربية ليس امرا سهلا سيتحقق بين ليلة وضحاها ، انه سيستغرق وقتا طويلا ولكن سيكون سريعا في حركته . انني اقول ضمن هذه المستلزمات بأن كل ما طرحته وثيقة السيد عمرو موسى – مع احترامي لها – لا يصلح ابدا ، فهي لا تعدو اكثر من شعارات نرددها نحن العرب ولكن لا واقع يسندها ولا قيم تساعدها ! وعليه ، فان المطلوب من الزعماء العرب ان لا يضيّعوا وقتهم الثمين في مجرد تمنيات لا تتحقق ابدا ! ان الحاجة الماسة ايها الزعماء العرب ومن اجل خلق نظام عربي جديد العمل على تجديد كل مبادىء وتغيير بنود النظام الداخلي لجامعة الدول العربية كي تخرج للوجود منظومة حيوية تمثّل حلقة وصل حقيقية بين الاعضاء لا منظّمة ميتة لا عمل لها الا تنظيم مؤتمرات القمة والتصريحات والخطابات والشعارات القومية وخلق المشكلات وعدم المساهمة في حسم الامور ! هنا عليّ ان اختصر لأقول بأن الذي تتخيله جامعة الدول العربية لا يتحقق ابدا لفقدان مقوماته الواقعية .. وعليه ، فلابد من معالجات سريعة وقاطعة تعطي أثرها حالا . واعتقد ان هذه المطالب شعبية ونخبوية عربية قبل ان تكون اشتراطات امريكية !
واخيرا : مطلب من اجل المستقبل
انني اذ اختتم هذه الدعوة لكل الزعماء العرب الكرام الذين يلقي الجميع اليوم عليهم تبعات ما يحدث كونهم من المسئولين القائمين على هذه الامة وهم يعلمون علم اليقين حجم المعارضة العربية لسياساتهم الراهنة .. ان يتعلم كل زعيم منهم من ايجابيات اي زعيم عربي آخر او اي تجربة عربية متقدّمة وصالحة ! ان يقوم الزعماء العرب بزرع علاقات جديدة في ما بينهم وبين شعوبهم ويوفروا القسط الاكبر من الحياة الكريمة لهم ويعملوا على تغيير طواقمهم من الاتباع والمستشارين بالاعتماد على شخصيات عربية من الجيل الجديد الذي يتفّهم مجريات ما يحصل اليوم . وان يبدأ الحكام العرب بتنفيذ ما يقولونه ويذيعونه ليكسبوا ثقة العالم ، واطالبهم بادانة الارهاب وقتل الابرياء في كل هذا العالم .. وان لا تأخذهم العزة بالاثم ان اعترفوا باخطاء ارتكبوها وان لا يعترضوا على كل ما يأتيهم علنا ويوافقوا سرا على اي مبادرة او مشروع يأتي من الاخرين او من الخارج فليس كل ما يأتي من الخارج كرها او حراما .. اتمنى لهم دوام الصحة والعافية والتقدم وتحقيق الفرص السانحة وان يكون مؤتمرهم في تونس الخضراء بداية جديدة لصنع تاريخ جديد يتعامل مع عصر جديد .. فهل سيحدث ذلك بمنتهى السهولة ؟ انني اشك في ذلك !
( ايلاف ، 15/3/ 2004) .
القمة العربية ستبقى فاشلة !
مطلوب من جامعة الدول العربية ان تقيل نفسها !
د. سّيار الجميل
كنت قد نشرت قبل ثلاثة اسابيع مقالي ” القمة العربية القادمة : سيناريوهات متخلّفة ازاء متغيرات صعبة ” ( ايلاف 9 /3/ 2004 ) .. ثم نشرت من بعده مقالي : ” على رسلكم ايها الزعماء العرب : ما المطلوب عشية انعقاد مؤتمر القمة العربي بتونس الخضراء ؟؟ ” ( ايلاف ، 15/ 3/ 2004) .. اوضحت فيهما جملة من العوائق والبدائل التي ازعم انها اساسية هذه الايام والعرب بهذه الاحوال المفككة والهزيلة وهم يريدون تقديم مشروع استراتيجي ولكنهم ما زالوا على عاداتهم وخيالاتهم واساليبهم ويا للاسف الشديد . واليوم اذن ، حدث ما توقعنا حدوثه وفشلت القمة العربية حتى لو انعقدت بمثل هذه الروح المنسحقة والانقسامات والعجز والتشرذم .. لآنها كانت قد اخفقت مرات ومرات بفعل السياسات العربية المتناقضة وبفعل انعدام التحكم الى العقل والموعظة الحسنة ! ومرحى لجامعة الدول العربية التي كانت وراء كل هذه الوقعات الكسيحة . لقد كان سقوط صدام حسين تعرية فاضحة لكل الذين راهنوا على جعل الخيالات حقيقة ولم يعاونوا انفسهم ابدا حتى الاسابيع الاخيرة عندما خرجوا يعتمون على جدول اعمالهم وعلى انقساماتهم بحجة رغبة الزعماء العرب بعدم نشر الاسرار على الملأ ! هل يعقل ان يجبر الزعماء للتوقيع على امور مختلفين عليها اصلا ؟؟ لقد ساهمت جامعة الدول العربية في هذا الاخفاق المرير الذي توقعه العقلاء .. وقد قلنا منذ زمن طويل بأن هذه الامة ليست بحاجة الى مبادرات انشائية على الورق او اقرار مشروعات اصلاحية لا تنفع فالشقوق اصبحت اوسع على الراتق وما ينفعها هو التغيير في كل جوانب الحياة !
جامعة الدول العربية : مبعث الانقسامات
وقلنا ايضا بأن مبعث الانقسامات هذه التي يسمونها بجامعة الدول العربية التي يريدون اصلاحها اليوم وهي التي تحتضر منذ سنوات ! وكانت ولما تزل مبعث خلافات حادة زاثارة المجادلات بين الاعضاء ، خصوصا مواقفها غير المبدئية من القضايا العربية الاساسية ، وبالاخص المسألة العراقية ، فجعلها ذلك ليس فاقدة للثقة بل معدومة للمشروعية ! ان تورطها في عدم تفعيل المبادرات الاستراتيجية لازاحة الرئيس صدام حسين واعوانه عن السلطة وانقاذ العراق من الحرب وتداعياتها .. وكم تمنى العرب العقلاء لو اتخذ العرب من خلال هذه الجامعة قرارا عربيا بالاجماع تفعيلا لمبادرة الشيخ زايد في قمة شرم الشيخ ( مطلع شهر مارس 2003 ) لغدت الجامعة في موقع ريادي محققة انتصارا سياسيا بالاجماع .. ولكن بأي وجه وبأية اخلاقيات تقدم على طرح مشروع في اصلاحها بعد كل الجنون الذي مارسته بحق القضايا العربية ؟ وبأي وجه يمكنها ان تلاقى المستقبل ، وهي تتبجح بقدراتها واستعراض عضلاتها قبل عام من اليوم .. انها اليوم تتوسل بقبول مشروعها في الاصلاح واي مشروع هزيل الذي قدمته ، وقد فندناه فقرة فقرة في مقال لنا بموقع ايلاف . وعليه ، مطلوب من امين عام الجامعة تقديم استقالته ليترك مكانه لمن هو اكثر عقلانية ومقدرة في تكييف العالم العربي نحو صياغة تاريخية جديدة !
ان جامعة الدول العربية كمنظمة مترهلة تجاوزها الزمن لابد ان تنفض عن نفسها غبار السنوات العجاف التي عانت الامة الويلات في نصف قرن من دون ان تعترف هذه المنظمة بفشلها الذريع ليس في السيطرة والهيمنة وتوزيع التصريحات ، بل حتى في تنظيم مؤتمر للقمة ! مؤتمر القمة الذي توّقع كل المراقبين العرب الاذكياء فشله وراهنوا على ذلك ، لم يستطع بكل ما اوتي به من قوة ان يعالج التصدعات التي خلقتها هذة الجامعة البليدة التي اصبحت حجر عثرة في سبيل التقدم وبناء المصالح العربية الجديدة ، فهي لم تزل تغنّي على معزوفات الماضي التعيس ! هذه الجامعة التي لم تفهم او تدرك حتى اليوم بأن مؤتمرا للقمة العربية هو الاخطر على امتداد حياتها ! جامعة لم تبصر طبيعة الظروف التي تحيط بالعرب ولابد ان يكون العرب وزعمائهم ازاء موازنات داخلية صعبة لابد من علاجها قبل ان تتداعى الكوارث سجالا .. وامام موازنات خارجية ودولية خطيرة لابد ان تحدد الاولويات بشأنها ، وخصوصا بين العرب والولايات المتحدة الامريكية وقوى التحالف بعد كل هذا الذي يصطدم بنا من جراء الارهاب .. وليدرك العرب بأن الاخر لن يلعب او انه يتنزه او انه يشغل وقت فراغه .. انه يريد معالجة كارثة الارهاب العالمي والتي يتهم بها العرب ! فهل ندرك طبيعة التحديات ام ما زلنا نتدافع لتقديم المبادرات الهشة ونتبارى في التنطع بالاصلاح !
اين تنام هذة التي يسمونها بـ جامعة الدول العربية ؟ بماذا تحلم زعامة هذه الجامعة التي غدت عبئا علينا ! اي مستلزمات طوباوية تريد تحقيقها والامة العربية تواجه اصعب التحديات التي تطال كل بنيوياتها السياسية والاجتماعية والتعليمية والثقافية ؟؟
جدول الاعمال : مضامين الفرقاء
ان جدول الاعمال الذي لم يتفّق عليه الا بشق الانفس وقد حسم بعض الزعماء العرب الامر بالاعلان عن عدم حضورهم جعل تونس البلد المضيّف اعلان التأجيل وسوف لن ينفع اعتراض جامعة الدول العربية على ذلك تحت اي من الذرائع ، وكان على الجامعة سحب مشروعها الذي تنوي فيه اصلاح مرافقها بنفس الوقت الذي تريد الامة اصلاح نفسها ؟ كان على جامعة الدول العربية ان لا تركب رأسها وتستمع الى خطاب العقل عندما فندنا مطاليبها التعجيزية فكيف تريد في مثل هذا الوقت العصيب ان تزيد مرافقها وبها تزيد من مشاكلنا وبعثرة زمننا العربي الثمين ؟؟ كان على جدول الاعمال ان يتضّمن مسائل محددة تخص مشروعا عقلانيا موحّدا يخص مستقبل الاصلاحات وموضوع الاصلاحات واساليب الاصلاحات .. لا شيىء آخر ، وقد قرأنا بأن الولايات المتحدة قد أجّلت تفعيل مشروع الشرق الاوسط الكبير بانتظار نتائج القمة العربية كي ينبثق مشروع داخلي عربي يستقيم ومستلزمات الاصلاح الفعالة الحقيقية لا الانشائية الطوباوية !
نعم ، لقد كان الرهان الدولي وليس العربي على خروج العرب بمشروع مبادرة تاريخية يمكنها ان تجمع الاغلبية حولها ليس لموازاة ما طرحته الولايات المتحدة الامريكية ، ولا للوقوف ازاءه ، بل لتحقيق الارادة العربية ليس في الاصلاح كما يشاع ، بل حتى في التغيير كما يتطلب الامل .. وكما يريده العالم كله من العرب .. ويا للاسف الشديد خّيب العرب كل الرجاء وخربوا على انفسهم كل الامال . واحاول الان ان اتقّدم ببعض التساؤلات لكل اولئك الذين يتشبثون بالاخيلة والاوهام والشعارات والاقاويل واستعراض العضلات : اليس من الصواب تضمين جدول الاعمال كل المطاليب العقلانية التي يمكنها ان تتحقق ؟ اليس من الجنون ان تتقدم خمس مبادرات لتصبح اربع بعد التي واللتيا ؟ ماذا لو اقتصر الامر على مبادرتين تتضمنان قاسما مشتركا ؟ هل يأتي مؤتمر القمة لارضاء الشهوات واسقاط فرض ام انه ضرورة لسد حاجات داخلية ومتطلبات خارجية ؟ لماذا لا تدرج محاكمة الرئيس العراقي السابق صدام حسين على جدول الاعمال .. وكأن جامعتنا العربية لم تزل تخشى عودته وهو قابع في زنزانته الامريكية ؟؟ لماذا يصر السيد عمرو موسى على اقرار مشروعه الوهمي الذي انتقدناه ووجدنا كم هو هزيل ؟ وكيف يريد عمرو موسى ان يعيد تكرار ما تقر في قمة بيروت وكأن لم تحدث اية تغييرات مصيرية منذ زمن طويل ؟ وكيف يريد ان يسّلم رسالة خجولة للامريكيين بواسطة مؤتمر القمة بصدد القضية الفلسطينية ؟
قمة فاشلة لانها لا تعرف ماذا تريد !
ان ابرز ما يمكننا التوّصل اليه هو وجود انقسام داخل الامة لا يريد الجميع الاعتراف به ، علما بأن ثمة ازدواجية في المعايير العربية ازاء سياسة الولايات المتحدة الامريكية التي بدأت تداعياتها اليوم واضحة تمام الوضوح . وأسأل عن ماهية قمة تونس ؟ جامعة لدول العربية تريد اقرارا لمشروعها .. والولايات المتحدة تنتظر مشروعا عربيا بديلا لمشروعها .. وليبيا تريد فقرة لنزع اسلحة الدمار الشامل العربية وسوريا ضدها .. والفلسطينيون يريدونه مؤتمرا للتنديد باسرائيل وعملياتها ومشروعاتها وكل من مصر والاردن على الجانب الاخر ! والاردن يتنازل عن مبادرته لمصر ومصر تقدم مبادرتها بمعزل عن السعودية ! والعراق ينتظر تنديدا عربيا صارخا بالارهاب الذي حل بارضه وشعبه والعرب يتفرجون عليه ! وكل بلد عربي له مشكلته التي يريد من القمة ان تحلّها له ، والقمة عاجزة اليوم عن السير فالامة العربية ليس رجلا مريضا بل عجوزا اكلتها الامراض وهي لا تقوى على الحركة بكل جروحها وقروحها .. انها بحاجة الى علاجات حاسمة لا يمكن للعرب ان ينتظروا في البوابات الخلفية ما تسفر عنه هذه الاحوال الصعبة واسرائيل تقول بأن فشل القمة ما هو الا اشارة ايجابية لأن يبدل العرب سياساتهم ازاء اسرائيل ! في حين تريد اليمن نقل القمة الى مقر جامعة الدول العربية وكأن الخلافات مصدرها تونس ! وكأن المشكلة هي مشكلة مكان !
وأخيرا : ما العمل ؟
لابد ان يعترف العرب بعجزهم ليس عن عقد مؤتمر للقمة ، بل عن عجزهم في تقديم مشروع عربي من اجل مستقبلهم لا من اجل مستقبل الاخرين ! فاذا كانوا يعجزون عن اصدار مشروع والاتفاق عليه ، فكيف يمكنهم ان يطبقون ما يتضمنه من مضامين تخص الحياة العربية . انني انصح الزعماء العرب ان يقيلوا جامعة الدول العربية عن العمل ، ويبادروا فورا الى تأسيس منظمة جديدة بنظام داخلي جديد تجد غايتها الاساسية تقويم الامة من عجزها بوسائل حديثة وعقلانية لا خيالية وهمية وطوباوية .. وان يسرعوا بالتقليل من الفوارق بينهم .. او ان يقبلوا بالاخرين يعالجونهم ويقدموا لهم المشورة والنصيحة وذلك اضعف الايمان .
( السياسة ، 1 / 4/ 2004 ) .
وثيقة الاسكندرية من اجل الاصلاح
هل تكون بداية تاريخ جديد للعرب ام سيطويها النسيان ؟
د. سّيار الجميل
مقدمة :
عقد في مكتبة الاسكندرية العريقة مؤتمرا موّسعا على مدى ثلاثة ايام في الفترة12 ـ14 مارس2004 . واعتقد انه المؤتمر الاول الذي كان باستطاعة العرب ان يكونوا عقلاء فيه بعيدا عن الشعارات والمخاطبات الانشائية اذ تميز بنوعيته عالية المستوى وشارك في ا نحو 170 مفكرا ومثقفا عربيا ظهروا وهم يمثلون ألوان الطيف السياسي والفكري والايديولوجي ولكن ينحو معظمهم نحو الاستقلالية عن السياسات الحكومية وتعليمات الاجهزة البيروقراطية والمخابراتية الحاكمة وسكت في اروقته اولئك الذين يزايدون ولا يتفكرون ويتوهمون ولا يتحققون .. وأجد ان العرب ينجحون اذا ما توفّرت عندهم عللا وتحديات اساسية فضلا عن مناخ ملائم وأرضية مشتركة خصوصا وان هذه النخبة التي تمثل صفوة المجتمعات العربية المعاصرة ‚ ان جاز التعبير‚ وكانت قادرة على البحث عن اجابة واضحة للاسئلة الصعبة التي طرحتها عليهم المشاريع الغربية . والواقع ان نخبة المؤتمرين من المفكرين والمثقفين قد تلاحمت في حوارات معمقة حول أربعة محاور تمّثل اربعة انواع من الاصلاحات هي : السياسي المؤسس ، والاقتصادي ، والاجتماعي ، والثقافي ..
قيمة الوثيقة من اجل المستقبل
وقد توّصل المؤتمرون النخبويون من ابناء مجتمع عربي لا ابناء سلطات ودوائر مخابرات .. الى اصدار وثيقة انطلقت من بهو مكتبة الاسكندرية . وأجد تلك ” الوثيقة ” قد عبرت بدرجة واخرى عن وضوح في حياتنا المعاصرة مثلّتها جملة من آراء ومواقف صريحة باتجاه ضرورات الاصلاحات الديمقراطية الشاملة وحتمية اجرائها الآن قبل الغد وبأيدي العرب أنفسهم لا بأيدي الآخرين . لقد تابعت شؤون المؤتمر بكل جلساته وانني قد سعدت لأول مرة عندما ارى أول بادرة عربية من اجل التغيير .. كما تابعت ردود الفعل العربية على مدى هذين الاسبوعين ، فالذي لاحظته في الحقيقة لهو امر محزن جدا فهذا المؤتمر الظاهرة لم يلق من الاهتمام ما تلقاه احداث ومواقف أخرى تافهة .. ويبدو ان هذه الامة قد غرقت حتى أذنيها بالتخلف وبلادة التفكير عندما يقال بأنه مؤتمر يجمع الليبراليين العرب ولا صوت فيه للقوميين والراديكاليين .. علما بأن معظم ما تضمنته وثيقة الاسكندرية قد مثلته الحكمة الحسنة في معالجة الاوضاع العربية السيئة التي طالما نادى العقلاء بالاصلاحات من دون اي استجابة .. ولكن عندما طالبت امريكا بالاصلاحات ولم يستجب العرب بادرت الى تقديم مشروع الشرق الاوسط الكبير فوجد العرب انهم امام مأزق حقيقي لا يمكن اختراقه الا من خلال تقديم معالجات داخلية .. وعليه ، فان مؤتمر الاسكندرية يأتي تلبية لحاجات ماسة تتطلبها هذه المرحلة الصعبة ، وحرص المؤتمرون ان يعقدوا مؤتمرهم ويخرجوا بتوصياتهم التي اسموها بوثيقة الاسكندرية قبل انعقاد القمة العربية في تونس نهاية مارس 2004 . المشكلة تكمن في تفعيل ما صدر في ردهات مكتبة الاسكندرية قبل ان يهملها العرب لأنها لا تدغدغ عواطفهم ولا تطلق خيالهم ، ولا ترضي ايديولوجياتهم ولا تفرح رجالات السلطة .. بل تدعو الى تغيير اوضاع عدة نحو الافضل وخصوصا بعدم احتكار السلطة او التشبّع بها او احتكارها او توريثها ! لقد كانت جامعة الدول العربية قد قدّمت هي الاخرى وثيقة لاصلاحها والبيت العربي ولكن شتّان بين الوثيقتين فوثيقة الاسكندرية تمثّلها الحكمة والمنطق وترى في تغيير الواقع امرا ملزما من جميع النواحي في حين تضمنت وثيقة الجامعة مقترحات غير عملية ابدا ولا يمكن تطبيقها ابدا .
المناداة بماذا ؟
تمثل وثيقة الاسكندرية واحدة من أهم ادوات الاصلاحية الحديثة ، اذ تمثل معالجة اساسية ( لا جذرية ) لمواجهة استحقاقات التغيير والتطوير والتحديث .. وقد غدت تلك ” الاستحقاقات ” بمثابة مطالب عربية اساسية واسعة النطاق في مواجهة حالات الاحتقان التي تخنق الجميع ! وانطلاقا من هذا المحور ، فأن السؤال الذي يطرح دوما بصعوبة متناهية : هل تستجيب النظم العربية المأزومة والمحاصرة بالضغوط الاجنبية‚ للمطالب ليس الشعبية بل النخبوية الواردة في الوثيقة‚ أم انها ستعاند وتكابر إلى ان تعود الضغوط الأميركية والأوروبية تدق الرؤوس دقا لا يرحم ولا تُبقي على رأس كبير أو صغير إلا وسحقته ، وليس الخوف من مبادرتها التي اسماها الكتبة العرب بـ ” المعلبة ” – كما ارى – بل الخوف من تدخلاتها العسكرية بلا استئذان واملاءاتها المشروطة ! لقد طالب مؤتمر قضايا الإصلاح العربي بإطلاق الحريات العامة وحرية الصحافة وبإلغاء اعتقال الصحفيين في قضايا الرأي وبإلغاء القوانين الاستثنائية والطوارئ المعمول بها في الدول العربية. وأصدر المؤتمر وثيقة في ختام أعماله بمكتبة الاسكندرية أكد فيها أن الإصلاح يجب أن ينبع من داخل المجتمعات العربية ويأخذ في الاعتبار أحوال كل قطر عربي علي حدة دون إغفال القواسم المشتركة بين الدول العربية. وهنا يمكنني القول بأن هذا المؤتمر لم يكن الاول في مطالبته بهذه المستلزمات ، الا انه تمّيز عن غيره من المؤتمرات بعدم ترديده للشعارات المستهلكة اولا ، ثم انه طالب بعقلانية الاعتبارات الخاة لكل بلد عربي ثانيا .
ما الذي تضمنته وثيقة مؤتمر الاصلاح العربي ؟
لعل من اهم ما تضمنته هذه ” الوثيقة ” العربية الرائعة : ادانة للارهاب بكل اشكاله، ومواجهة النواتج الخطيرة لانواع التعصب الديني من خلال تجسيد قيم التسامح والتفاعل الخلاق بين الثقافات والحضارات .اولا : الاصلاح السياسي :
ان المجتمعات العربية تملك من النضج والخبرة التاريخية في الاسهام الحضاري الانساني مع ضرورة الانفتاح علي العالم والتفاعل مع تجاربه الحديثة طبقا لاولويات محددة في الإصلاح السياسي وجميع الخطوات المباشرة, وغير المباشرة التي يقع عبء القيام بها عتق كل من الحكومات والمجتمع المدني ومؤسسات القطاع الخاص في طريق بناء نظم ديموقراطية. وبالامكان رسم خطوات ملموسة, في اطار من الشراكة بين الحكومات والمجتمع المدني وتتمثل بالاصلاح الدستوري والتشريعي الذي ينشده المجتمع وان تتوافق مع المواثيق الدولية الانسان ويعني ذلك ان تعكس نصوص الدستور المتغيرات والتطورات التي وقعت بالفعل, الأمر الذي يفرض ضرورة تصحيح الاوضاع الدستورية في البلاد العربية بتعديل المواد التي تتعارض مع المتطلبات الديمقراطية الحقيقية, او وضع دساتير عصرية لتلك الدول التي لم تشهد هلمرحلة بعد, مع ازالة الفجوة بين نصوص الدساتير واهداف المجتمع في التطور الديمقراطي بما يضمن الفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية فصلا واضحا صريحا ، وتجديد اشكال الحكم بما يضمن تداول السلطة بالطرق السلمية دوريا, طبقا لظروف كل بلد, فالة دولة مؤسسات ونصوص وليست نيات حسنة ، ثم اقامة انتخابات دورية حرة تصون الممارسة الديمقراطية, وتضمن عدم احتكار السلطة, وتضع سقفا زمنيا لتولي الحكم. ثم إلغاء مبدأ الحبس او الاعتقال بسبب الرأي في كل الاقطار العربية, واطلاق سراح سجناء الرأييقدموا الي المحاكمة او تصدر ضدهم احكام قضائية. أما ما يخص اصلاح المؤسسات والهياكل السياسية من تنفيذية وتشريعية وقضائية وصحافة واعلام ومؤسسات المجتمع المدني ، فلابد من مراجعة هذه المؤسسات لضمان ادائها الديمقراطي السليم. ومن هنا تم التأكيد علىالغاء القوانين الاستثنائية وقوانين الطوارئ المعمول بها والغاء المحاكم الاستثنائية ايا كانت اشكالها ومسمياتها وتكفي القوانين العادية لمواجهة كل الجرائم فذلك مطلب اساسي للاصلاح التشريعي الديموقراطي ولا ينفصل عن ذلك مراعاة الخروج باطار تشريعي فعال لضمان العامل مع الارهاب, وبلورة ضمانات تكفل عدم الاعتداء علي الحريات العامة والحقوق السياسية. ولابد من اطلاق حريات تشكيل الاحزاب السياسية في اطار الدستور والقانون وعرض برامجها بشكل متكافئ تحت مظلة الحريات المنصوص عليها في المواثيق الدولية. ناهيكم عجميع الدول على منظومة المواثيق الدولية والعربية. فضلا عن تحرير الصحافة ووسائل الإعلام من التأثيرات والهيمنة الحكومية باعتبارها دعامة قوية للشفافية. ويكون ذلك بتطوير أساليب الإعلام والتحرير في القوانين المنظمة لإصدار الصحف وإنشاء الإذاعات والقنوات افزيونية كي تعتمد علي الاستقلال في الملكية والإدارة, والشفافية في التمويل, وتحقق قدرة الإعلاميين علي تنظيم مهنتهم وممارستها دون تدخل السلطة. ثم إطلاق حرية تشكيل مؤسسات المجتمع المدني, وذلك بتعديل القوانين المقيدة لحرية تكوين الجمعيات والنقتحادات التطوعية لضمان حريتها في التمويل والحركة. ولابد من تشجيع قياسات الرأي العام وتحريرها من العوائق, والعمل علي تأسيس الهيئات والمراكز البحثية لاستطلاع الرأي العام العربي دور
ثانيا: الإصلاح الاقتص يشمل جميع التشريعات والسياسات والإجراءات التي تسهم في تحرير الاقتصاد الوطني والتسيير الكفء له وفقا لآليات السوق بما يمكنه من الانتعاش والازدهار وبما يسهل تكامله مع الاقتصاديات الإقليمية واندماجه في الاقتصاد العالمي. ويهدف ذلك ا انخفاض معدلات النمو في الدخل القومي وتدهور نصيب الفرد مقارنا بالمؤشرات الدولية. ومعالجة تراجع نصيب الدول العربية في التجارة الدولية ومعالجة تركز الصادرات في منتجات أولية مع هامشية نصيب المنتجات ذات القيمة المضافة العالية في الصادرات العربية. ومعالجة تراجع نصيب المنطقة من تدفقات رءوس الأموال الأجنبية والاستثمارات الأجنبية المباشرة وغير المباشرة. ودرء الإخفاق في توليد فرص عمل كافية للداخلين الجدد في سوق العمل . ثم الحد من تزايد حدة الفقر في اغلب البلدان العربية . ان المنهج الذي ركّرامج التثبيت والخصخصة والتحرير الاقتصادي لم يهتم اهتماما بمعالجة البطالة وتوفير الخدمات الاجتماعية الأساسية في عالم عربي يتضخم ديمغرافيا بشكل مذهل ومادته اغلبها من الشباب التي تتطلب جودة في التعليم والخدمات والبرامج .. ولابد من الاخذ بالمقترحات الآتية
الاعلان خطط واضحة وبرامج زمنية محددة للإصلاح المؤسسي والهيكلي ، فضلا عن التصدي الحاسم للمشكلات المعوقة للاستثمار وإزالتها أمام الاستثمار العربي والأجنبي. وهناك تشجيع برامج الخصخصة حتى في القطاع المصرفي, وفقا للضوابط القانونية وتقليص الاستثمارحكومية ما عدا المجالات الاستراتيجية والسلع ذات النفع العام .. ولابد من إلغاء الحقوق الاحتكارية الحكومية لتشجيع القطاع الخاص وجذب المزيد من الاستثمارات من اجل إسهام القطاع الخاص في إيجاد فرص للتشغ
لابد ليضا من تطوير برامج تمويل المشروعات الصغيرة لعلاج مشكلة البطالة مع إعطاء الفرصة كاملة للإناث في الحصول علي التمويل. ووضع معايير للارتقاء بنوعية المنتجات الوطنية وتأسيس مجالس قومية لدعم القدرة التنافسية مع القيام بإجراء تقويم مستمر يتم نشوإرساء قواعد جيدة للنشاط الاقتصادي مع تأكيد الشفافية والمحاسبة وتنفيذ أحكام القضاء. ولابد من تمكين المرأة للاسهام في قوة العمل الوطنية بخبراتها ومؤهلاتها . ولابد من مراجعة السياسات الاقتصادية المتبعة من منظور تحقيق التشغيل الكامل لما يقدر بايين من الداخلين الجدد لأسواق العمل العربية سنويا ورفع معدلات النمو الاقتصادي الحقيقي بما لا يقل عن6% إلي7% سنويا في المتوسط في السنوات العشر المقبلة . ولابد من معالجة الفقر بأبعاده المتعددة من التهميش الاجتماعي والسياسي وضعف المشاركة وقلة فرص ااء. وضرورة اصدار تشريعات تلزم الجهات المصدرة للبيانات والمعلومات الاقتصادية . ومن الاهمية بمكان تطوير القطاعات المالية العربية بشكل عام, وأجهزتها المصرفية بشكل خاص, وتشجيع إقامة كيانات مصرفية كبيرة, وتحديث أسواق المال العربية والعمل علي ر. مع تطوير الأبنية الأساسية لتكنولوجيا المعلومات والربط بينها عربيا . مع تفعيل الاتفاقات العربية بوضع أهداف قابلة للتحقيق مع تحديد بعض القطاعات ذات الأولوية بوصفها صاحبة الفرصة الكبيرة في نجاح التعاون الاقتصادي مثل: النقل والمواصلات والكهرباءة وتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات. ومن الاجدر وضع إطار ملزم لتحرير التجارة في الخدمات بين الدول العربية وتنظيم سوق العمل العربية عن طريق صياغة واعتماد اتفاقية متعددة الأطراف لتنظيم انتقال العمالة العربية بهدف تنظيم الانتقال لمدد زمنية محددة وتووف العمل في أثناء الإقامة في دول الاستقبال وتحديد مسئولية الدول المرسلة في التحقق من مهارات وقدرات قوة العمل التي ترسلها. ويترافق ذلك مع تأسيس آلية فاعلة لتسوية المنازعات الاقتصادية بين المستثمرين. والمطالبة بمعاملة الاستثمار العربي بما يعاملستثمار الوطني في كل البلدان العربية. ومطالبة الدول المتقدمة بفتح أسواقها للصادرات العربية, وتحديدا الصادرات من السلع الزراعية. ولابد من تأسيس إدارة متخصصة وكفوؤة في إطار الجامعة العربية لمتابعة قضايا التجارة الدولية وتمكين الدول العربية من الفعال في منظمة التجارة العالمية وتنسيق المواقف العربية والدفاع عن مصالحها, وتدريب الكوادر العربية وتأهيلها للتفاوض في قضايا تحرير التجارة والزراعة ونفاذ المنتجات الصناعية إلي الأسواق والتعامل. فضلا عن إنشاء مؤسسة يمولها ويديرها القطاع الخاص فلم العربي لتدريب القيادات العليا في الإدارة لإعداد أجيال جديدة قادرة علي تنفيذ برامج الإصلاح وتطويرها. وهناك تشجيع الابتكار والعمل علي جذب الاستثمارات اللازمة للبحث والتطوير وإقامة المشروعات في القطاعات الخدمية والإنتاجية ذات القيمة المضافة العالية وير الحماية الكافية لحقوق الملكية الفكرية. ومن الاهمية بمكان مراعاة الحفاظ علي البيئة في جميع الأنشطة الاقتصادية. وأكد المؤتمرون أن مؤسسات المجتمع المدني العربي, ومؤسسات القطاع الخاص إذا مكنت من أداء دورها برفع القيود عنها, قادرة علي الإسهصلاح الاقتصادي, ويطلب المجتمعون في مكتبة الإسكندرية, سعيا إلي تنفيذ هذه المقترحات, الاتفاق مع جامعة الدول العربية بتبني سلسلة من المؤتمرات العامة والندوات المتخصصة, لمناقشة هذه الموضوعات بالعمق الذي يتناسب وأهميتها ودقتها, ومن أهم هذه اا يلي:1 ـ القطاعات المالية العربية والقيود علي الاستثمار.2 ـ النظام الجمركي الموحد والتجارة البينية.3 ـ القدرة التنافسية العربية والمعايير القياسية, وإنشاء مجالس قومية للقدرة التنافسية العربية وتوحيد المعايير القياسية.4 ـ الحضانات التكنولوجرة الموارد العامة في الوطن العربي.6 ـ الحكم الجيد للنشاط الاقتصادي.7 ـ الإعلام الاقتصادي والارتقاء ثالثا: الإصلاح الاجتماعي العربويقتضي ذلك العمل علي تحقيق الأهداف التالية: لابد من تطوير نمط العلاقات الأسرية العربية بما يخدم بناء الفرد المتميز المستقل القادر علي ممارسة حرياته وخياراته بمسئولية, ويتطلب ذلك إعادة النظر في بعض القيم التي لا تزال تؤثر بالسلب في الحياة العربية كقيم الخضوع والطاعة علي سبيل المثل, وإحلم الاستقلالية والحوار والتفاعل الإيجابي محلها ( وتمنيت على الاخوة المؤتمرين ان يعالجوا هذا المنحى معالجة تفصيلية نظرا لخطورته على الواقع ودوره في التراجع عن كل المتغيرات في القرن العشرين ) ! ويقوم الإعلام بدور أساسي في بناء الثقافة العامة للفرد ، الأمر لذي يستلزم تأكيد دوره في إعادة بناء القيم المساندة للتطوير والتحديث, كقيم المساواة والتسامح والقبول بالآخر وحتي الاختلاف, جنبا إلي جنب مع قيم الدقة والإتقان والالتزام وغيرها من القيم الإيجابية التي تساعد المجتمع العربي في التحول إلي مجتمع جديد فعفضلا عن توجيه المجتمعات العربية نحو اكتساب ونشر وإنتاج المعرفة والمعلوماتية, وفي هذا الإطار فلابد من التركيز علي خمسة توجهات, تتكامل وتترابط فيما بينها لتحقيق مجتمع المعرفة وهي: تأكيد التنمية الإنسانية وأولوية تطوير التعليم ، وتحقيق التطويلوجي وتوفير بنيته الأساسية. وتطوير استراتيجيات البحث العلمي. ودعم العمل الحر, والمبادرة الخلاقة في مجالات الابتكار والإبداع. توفير المناخ المساند لمجتمع المعرفة, سياسيا وثقافيا وضمانا لتحقيق ذلك ، أوصى المؤتمرون بوضع معايير عربية لمخرجات التعليم في جميع مراحله بما يتوافق والمعايير العالمية ، وإنشاء هيئات للجودة والاعتماد والرقابة علي التعليم في كل دولة عربية, مستقلة عن الوزارات المعنية. ثم استمرار تحمل الدولة مسئوليتهمويل ودعم مؤسسات التعليم مع ضمان الاستقلال الاكاديمي لها, سواء كانت مؤسسات حكومية أو خاصة, مع فتح الأبواب لمشاركة المجتمع في تمويل التعليم الجامعي في إطار لا يهدف للربح. ودعم البحث العلمي, وزيادة موارده المالية والبشرية, وربطه بمؤسسات اتطوير, وإزالة جميع المعوقات البيروقراطية التي تعرقل حرية البحث وانتاج المعرفة. التوجه نحو اللامركزية في إدارة المؤسسات التعليمية, مع المرونة اللازمة لتنوع برامجها. اضافة الى المواءمة بين مخرجات نظم التعليم واحتياجات سوق العمل المتغيرة والنمادي وبناء القدرة التنافسية. ودعوة المجتمع المدني للمشاركة في تمويل التعليم والاسهام في إدارته ورقابته في المجتمعات العربية. وكفالة حق ممارسة الطلاب لحقوقهم السياسية, بما في ذلك المظاهرات السلمية المنظمة, وحرية التعبير عن الرأي بجميع أشكخذ بنظام الانتخاب الديمقراطي في الاتحادات الطلابية. ولابد من القضاء علي الأمية في فترة زمنية لا تزيد علي عشر سنوات, خصوصا بين الإناث العربيات . واكد المؤتمرون على الاهتمام باللغة العربية وتطوير مناهجها, والاتفاق علي أسس التقويم المقارن بين عربية في السنوات الدراسية الأولي. وأيضا : العمل علي تحقيق الاستقرار الاجتماعي في المجتمعات العربية, الأمر الذي يتطلب صياغة سياسات فعالة, تضمن عدالة توزيع الثروة وعوائد الانتاج في مجالاته المختلفة. ان الحاجة تتطلب صياغة عقد اجتماعي جديد بين المواطن في المجتمع العربي, هذا العقد من شأنه ان يحدد علي وجه قاطع حقوق الدولة والتزاماتها إزاء المواطن, كما يحدد بشكل حاسم حقوق المواطن العربي وكيفية الحفاظ علي
رابعا: الإصلاح الثقا يضع المشاركون في المؤتمر المشكلات والتحديات الثقافية القومية والقطرية في اعتبارهم, وذلك من منظور يؤكد مجموعة من الأولويات الثقافية التي لا يمكن اغفالها. وفي مقدمتها: العمل علي ترسيخ أسس التفكير العقلاني والعلمي بتشجيع مؤسسات البحث العلمير التمويل اللازم لها, وإطلاق حريات المجتمع المدني في تنميتها, وفي الوقت نفسه, القضاء علي منابع التطرف الديني التي لا تزال رواسبها موجودة في المناهج الدراسية وخطب المساجد ووسائل الإعلام الرسمي وغير الرسمي. وتشجيع الاستمرار في تجديد الخطاب الا الي تجسيد الطابع الحضاري التنويري للدين بما يقتضيه ذلك من إطلاق الحريات الفكرية, وفتح أبواب الاجتهاد علي مصراعيها في قضايا المجتمع للعلماء والباحثين. ولابد من المضي قدما في تحرير ثقافة المرأة وتطويرها بما يحقق مساواتها العادلة بالرجل في العلم وا, تأكيدا لفاعلية المشاركة الاجتماعية بمعانيها الكاملة. ويتطلب كل ذلك تهيئة المناخ الثقافي لتحقيق التطوير الديمقراطي وتداول السلطة سلميا من خلال العمل علي مواجهة الرواسب والعادات الجامدة والآثار المتراكمة لأوضاع وأساليب سياسية فاسدة من شأنها أن تحول فاعلية المشاركة السياسية, وشأن هذه المواجهة تغيير النظرة السياسية والاجتماعية الي المرأة, وتأكيد اسهامها الثقافي وانجازها العلمي, ودورها اللازم في عملية التنمية, انطلاقا من أن التنمية الثقافية هي أساس أي تنمية, والخطوة الأولي لأي إصلاحمكن نجاحها إلا باشاعة ثقافة الديمقراطية في مناهج التعليم والإعلام. ولابد من تجديد الخطاب الثقافي وتخليصه من الرواسب المعوقة لتقبل الاختلاف والحوار مع المغايرين, وذلك جنبا الي جنب مع تجديد ما يتصل بهذا الخطاب من أنواع خطابات الإعلام والسياسة والطوائاجتماعية. ومن الاهمية بمكان إصلاح المؤسسات الثقافية العربية وتفعيلها عن طريق دعمها ماديا ومعنويا بما يعينها علي التفكير المستقل, وتوسيع دوائر خططها, والتنسيق بين هذه المؤسسات وغيرها من المؤسسات والهيئات الأخري المؤثرة في العمل الثقافي. ثم ا إلغاء أشكال الرقابة علي النشاط الفكري والثقافي بما يدعم حرية الفكر, ويحرك عملية الابداع, بعيدا عن وصاية أي جهة أو فئة باسم الدين أو التقاليد أو الخصوصية أو السياسة. ودعم العمل الثقافي علي المستوي القومي ، وتجسيد مبدأ الاعتماد المتبادل في اقتالثقافة. والحفاظ علي اللغة العربية وتحديث آليات تكيفها مع التقنيات الرقمية الجديدة في عصر المعلومات. وان من ابرز المتطلبات : تشجيع التفاعل الثقافي مع العالم كله بما يؤكد ثقافة التنوع البشري الخلاق, والإسهام الفاعل في المنظمات العالمية بما لا يتناصوصيتنا الحضارية التي تؤكدها الأبعاد الانسانية لميراثنا الثقافي الأصيل. والتأكيد العلم بوصفه مكونا أساسيا من مكونات الثقافة, وبوصفه مسارا راسخا للنظرة المستقبلية التي تؤسس في الوعي الثقافي العام ضرورة مجتمع المعرفة الذي هو السبيل الأمثل للتقدم في كال. ومن الاهمية توثيق الواقع الثقافي العربي في بيانات وإحصاءات سنوية, ترصد آليات الانتاج وأشكال المتابعة, وكذلك تنسيق الجهود في تنظيم أنشطة النقابات العربية والمهنية العاملة في ميادين الثقافة, ونشر نتائجها. تنشيط التبادل الثقافي القومي اجراءات التالية: إعفاء الانتاج الثقافي العربي من القيود الرقابية والعوائق الجمركية. وتنمية مشروعات النشر الإلكتروني المتبادل للصحف والمجلات والكتب للتغلب علي مشكلات التوزيع وعرقلة تدفق المطبوعات العربية. وتنشيط مؤسسات الترجمة الحكومية والأهلية, وتنسيق اا في مسارين متزامنين: أولهما الترجمة من العربية لكل اللغات الحية, وثانيهما من اللغات الحية الي اللغة العربية. وحاجة الاجيال الى تشجيع الإبداع والانجازات الفكرية الخلاقة علي المستويين القطري والقومي. ( لقد تمنيت على الاخوة المؤتمرين استخدالعربي والعروبي بدل استخدام القومي ، فالنزعة العربية الاصيلة هي غير الفكرة القومية الشوفينية التي اتعبت الفكر السياسي العربي على امتداد القرن العشرين ).
خامسا: آليات المتابعة مع المجتمع المدني إن إبراز المؤتمر لجوانب الإصلاح العربي المطلوبة يقتضي بالضرورة وضع مجموعة مترابطة من آليات التنفيذ, تتيح متابعة ما تم التوصل اليه من مقترحات وتوصيات. وفي هذا الصدد, لابد من التركيز علي دور المجتمع المدني العربي في الإصلاح, خصوصا في جمت التنمية المستدامة, بما يتطلب اتخاذ الاجراءات التالية تأسيس منتدي الإصلاح العربي في مكتبة الاسكندرية, ليكون فضاء مفتوحا للمبادرات والحوارات الفكرية والمشاريع العربية, ويتم ذلك من خلال عقد ندوات وحوارات مشتركة, عربية وعالمية, حول موضوعات التنمية بشكل عام, وإبراز دور الشباب والمرأة فيجه خاص, يضاف الي ذلك تنفيذ مشروعات التعاون في مجالات التنمية المختلفة, ويتصل بعمل هذا المنتدي تأسيس مرصد اجتماعي عربي, لمتابعة نشاط المجتمع المدني العربي, ورصد وتقييم مشاريع الإصلاح السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ولابد من اسسات المجتمع المدني في كل قطر عربي عددا من نماذج الجمعيات غير الحكومية الناجحة في مجال التنمية وحقوق الإنسان وذلك لعرض نشاطاتها وبيان مردودها الاجتماعي في مؤتمر عربي عام يعقد سنويا في أحد الأقطار العربية لإبراز دور المجتمع المدني في التنمية.ن عقد مؤتمرات عربية وطنية داخل كل بلد لمناقشة الفكر الإصلاحي وعرض التجارب الناجحة في هذا المجال علي المستويين: العربي والعالمي, وتبدأ مكتبة الاسكندرية بالإعلان عن استضافتها للمؤتمر القادم عن الإصلاح في مصر. وهل من عقد ندوات عربية إقليمية تناقش ت محددة في مجالات الاصلاح المختلفة. ومن الضرورة تشكيل لجنة متابعة تجتمع كل ستة أشهر علي الأقل لمراجعة ما تم تنفيذه, وذلك لدعم منتدي الحوار بعد تأسيسه. ويؤكد المجتمعون ـ في النهاية ـ أن رؤي الإصلاح التي قاموا بصياغتها لا تقع مسئولية تنفيذها علي ات وحدها, وإنما علي المجتمع المدني والحكومات معا, فالمستقبل الواعد لأمتنا العربية لن يتحقق إلا باستثمار كل الطاقات الخلاقة والاجتهادات الأصيلة والعمل الدءوب الذي يجمع بين الرؤية والتنفيوماذا بعد ؟ وماذا يمكنني قوله ؟
1/ المبادىء الاصلاحية :
بالرغم من ان كل هذه المبادئ تبدو مستقرة تاريخيا وفكريا وحضاريا في الأدبيات الديمقراطية المتوارثة عالميا ، إلا انها تعتبر في الواقع من المبادئ الجديدة في ثقافتنا السياسية وهي تطرح اليوم من اجل ايقاف ثقافة مناقضة وممارسات هزيلة وعادات سقيمة سادت حياتنا العربية على مدى قرون طوال .. وهي حياة تسلطية من قبل الدولة والمجتمع قامت على احتكار السلطة والثروة والحكمة وصنع القرار وبالتالي نفي المشاركة واحتكار إرادة الشعب واختياراته وترجيح أهل الثقة على أهل الخبرة وتفضيل المؤيدين والمنافقين على المعارضين والمستقلين بالرأي بالموقف .ومن ثم فان تطبيق هذه المبادئ الديمقراطية الحقيقية في مثل مجتمعاتنا يحتاج إلى ثورة فكرية ونهضة ثقافية حقيقية‚ تغير العقول الحاكمة والمحكومة‚ وتنبع من «قلب حركة المجتمع‚ من مراجعة الذات ونقدها‚ وإعادة النظر في مفاهيمها وطموحاتها في ضوء التحديات التي تواجهها عند مفتتح القرن الواحد والعشرينولعلنا نشير بهذا إلى ضرورة اجراء اصلاحات جذرية في المنظومة الثلاثية‚ التي تشكل العقل وتصنع الوجدان وتصوغ الأفكار والمواقف‚ ونعني منظومة التعليم والثقافة والاعلام‚ تلك التي تعاني اليوم من قصور واضح وتخلف هائل‚ في ظل هيمنة الدولة واحتكارها وسياساتها المنفردة الاحادية التي لا مثيل لها إلا في الدول المتخلفة كثيرا ، الأمر الذي لا يكابر فيه إلا مكابر يعادي التطور والحرية.
2/ التسارع التاريخي :
هذا هو المصطلح الذي نادينا من خلاله العرب باحداث التغييرات منذ سنوات خلت وقبل ان تصدر وثيقة الاسكندرية باربع – خمس سنوات ! ان هذا ” المشروع ” لا يرنو الى تقديم وصفات علاجية مؤقتة سرعان ما تتبخر فاعليتها ، بل انه يدعو الى اصلاح منظومة مركبة ومعقّدة ، وهو بحاجة الى زمن ليس بالقصير والى جهد كبير ، ولا ينبغي ان يبقى المشروع الاصلاحي ينتظر أو يتلكأ‚ كما حدث في الماضي بحجة التلاؤم وعدم التعجيل حتى يحدث التطور الطبيعي .. فلقد اضاع العرب قرنا كاملا في الانتظار والمصابرة بينما كل العالم يتقّدم بسرعة مذهلة امام اعيننا ونحن اسرى الترسبات القديمة العقيمة وهي ذرائع مختلفة وحجج مختلفة . لقد تأجلت خطط التنمية العربية الشاملة بحجة مقاومة الاستعمار ، واستبعدنا تطبيق الديمقراطية بحجة تكريس الجهد لتحرير فلسطين من الاحتلال الصهيوني‚ ورفضنا مطالب شعوبنا بالتطوير والتحديث وإطلاق الحريات بحجة ان شعوبنا قاصرة جاهلة ان حصلت على
يتبع الجزء الثالث