يقول الاخ طلعت: (وعندما تستجيب الجامعة بل وتنشط لتحقيق الرغبة المشروعة في الإصلاح والتطوير، يخرج من ينادي بعدم جدوى الاصلاح والتطوير الأمر الذي يثير الاستغراب والتساؤل). ولا أجيب على هذا الكلام إلا بالإحالة الى ما كتبته من تساؤلات ثلاثة يوم 23 كانون الأول 2002 قائلاً عن جامعة الدول العربية: (انني اطرح تساؤلات ثلاثة: هل انها محتضرة في طريقها للزوال؟ أم ان الحاجة تقضي بعلاج أوضاعها واصلاحها؟ أم انها على ما يرام وهي تمضي في سبيلها كما كانت عليه منذ أن نشأت قبل اكثر من نصف قرن؟؟؟ لقد كان هذا الموضوع يشغلني كثيرا منذ زمن طويل، وكم اشتركت مع زملاء لي من أساتذة ومفكرين في التطرق إليه عندما أشرفنا وناقشنا بعض الاطروحات الجامعية عن موضوعات تخص جامعة الدول العربية في بعض أروقة الكليات والأقسام العلمية.. كما تنبأنا وبشكل واضح تلك الأدوار الفنية التي أدتها هذه المنظمة العربية في ظل أوضاع وعهود وتحولات سياسية متنوعة) (الزمان 23 كانون الأول 2002).
وعليه، فإنني أخي طلعت لم اخرج اليوم لأحبط ما تقومون به من اصلاحات (فذّة)، بل كنت اول من طالب الجامعة بأن تصلح نفسها ومنذ عهد امينها العام السابق السيد عصمت عبد المجيد.. كنت أتمنى ألا يكتب الاخ طلعت كلامه من دون ان يتحّرى قليلا ما كتبته من نقدات وما اثرت من تساؤلات في السنوات العشر الاخيرة.. ولما نشرت مقالي في جريدة النهار البيروتية يوم 14 كانون الثاني 2003، خرج علّي الاخ السفير السعودي في لبنان ليرد عليّ مدافعا عن الجامعة دفاعا مستميتا مخاطبا اياي بأن الجامعة ليست بحاجة الى اية اصلاحات (كذا)! ومرّ الزمن، ولما ازداد الضغط على العرب وخصوصا بعد سقوط صدام حسين ونظامه، بدأت الجامعة تقول بأنها تستجيب للنداءات، ولكن أي استجابة هذه؟ ان ما تقدّمت به الأمانة العامة لا يعد مشروع اصلاح او تغيير.. انني اعتبرته اقحام مشكلات من نوع آخر لمؤسسة متعبة هرمة شاخت وباتت لا تقّدم شيئاً مهماً الى (الأمة العربية)!
الاخ عمرو موسى يغّرد خارج سرب العرب
لقد قلت في مقالة لي (نشرت في ايلاف يوم 2 آذار 2004) عنوانها: (وثيقة السيد عمرو موسى: الأمة العربية ليست بحاجة الى عهود وبلاغات، انها بحاجة الى تبدلات حقيقية)، طرحت فيها آرائي بشأن وثيقة السيد عمرو موسى وما تضمنته من البنود، وتساءلت: كيف يمكن للأخ عمرو موسى ان يقترح هكذا اقتراحات وكيف نالت الشرعية من دون ان تعرض على كل المهتمين والمحللين والمختصين العرب ليبدوا رأيهم فيها؟ وقمت بتفكيك الوثيقة وقلت بأن البرلمان العربي مجرد اضحوكة عربية وان مجلس أمن عربي هو تكريس للوصاية وبأي آليات يتم اصلاح المجلس الاقتصادي الاجتماعي، وان التنمية العربية ليست بحاجة الى جامعة الدول العربية فما دخلها ودواخل البلاد العربية واختلاف السياسات الاقتصادية العربية وهل ستنجح اي محكمة عربية وباستطاعتها ان تحل القضايا العربية؟ وقلت بأن الجامعة منظمة وليست دولة، ولا يمكن لأي منظمة ان تمتلك سلطات تشريعية وتنفيذية، وان الثقافة العربية ليست بحاجة الى مجالس كالتي اقترحته وثيقة عمرو موسى (انظر مقالتي المذكورة (ايلاف يوم 2 آذار 2004) وقلت أيضا: (ان الاخ عمرو موسى يغرد بعيدا خارج سرب هذه الأمة التي اعتقد انها لا تريد وصفات بدائية او مشوهة او منقولة ان لم نقل مسروقة عن منظمات اخرى في العالم.. انها لا تريد اضفاء ملاحق على النظام الاساسي لجامعة الدول العربية.. انني اعتقد بأن هذه الأمة بحاجة ماسة اليوم الى إلغاء النظام الاساسي القديم لهذه المنظمة.. وتأسيس نظام اساسي جديد يتماشى مع روح هذا العصر، يخلق شراكة حقيقية وحيوية بين اجزاء هذه (الأمة).. يلزم (الأمة) بمبادىء جديدة لا تخرج عن ثوابتها الاساسية ولكنها تعمل على خلق بدائل من اجل تأسيس واقع جديد! ان (الأمة العربية) بحاجة الى بيروسترويكا اصلاحية متجذرة لاقتلاع كل العفونات وكل ما تعارف عليه العرب من اساليب رديئة وبدائية.. وخلق حركة غلاسنوست من الشفافية السياسية لتعزيز فرص المجموعات والفوريومات النخبوية العربية.. ان مسافات بعيدة تفصل بينكم وبين الواقع، فالأمة ومشكلاتها اليوم لا يمكنها ان تعالج بهكذا اساليب قديمة لا يلتفت اليها العرب انفسهم فكيف يلتفت العالم اليها.. واذا ما اقتنع بها الزعماء العرب، فإن خدعة كبيرة تمارس معهم لتمرير مشروعات بليدة من خلالهم باسم الاصلاح والبلاغ والعهود.. وما شابه ذلك من التوصيفات).
اعود الى الأخ طلعت لأسأله: من قال ان هناك رغبة قوية في ضرورة اقامة برلمان عربي يكون ممثلا لشعوب الأمة العربية؟ انني اتحدى هنا أن يأتيني بمطالبات عربية عن ذلك قبل ان يأتينا الأخ عمرو موسى ليقول بمثل هذا البرلمان الذي لا ادري كيف سينتخب اعضاؤه؟
كان على القطار ان ينطلق قبل عشر سنوات
يقول الاخ طلعت: (وألم تكن هناك رغبة قوية في ضرورة أن يجتمع القادة العرب مرة كل عام مثل الاتحاد الأوروبي وسائر المنظمات الدولية الإقليمية الأخرى؟ وألم تكن هناك رغبة في تطوير المجلس الاقتصادي والاجتماعي وأن يكون لمؤسسات المجتمع المدني دور فيه؟ وألم تكن هناك رغبة في تعديل وتحديث ميثاق الجامعة ليواكب متطلبات العصر؟).
لو بحث الاخ المستشار قليلا لاكتشف بأنني كنت اول من طالب بمثل هذه المبادىء قبل ما يقرب من عشر سنوات. فماذا طالبت وسأنقل ذلك حرفياً حتى لا اتهم بالتضليل:
قلت: ان ما يمكن التفكير به عربيا واسلاميا من اجل بناء المستقبل، الاولويات التالية:
1- كيفية التعامل مع المشروعين (الشرق اوسطية والمتوسطية) بكل ثقة وذكاء لاختراقهما والاستجابة لتحدياتهما الايجابية والسلبية.
2- التفريق الملزم للعرب والمسلمين أجمعين في دولهم وعوالمهم وبيئاتهم المتعددة، بين السياسات الأميركية والسياسات الاوروبية، اذ ظهر الغرب لأول مرة، وقد انقسم على نفسه، وغدت بعض الدول الاوروبية ليس على اتفاق تام مع الخطط الأميركية.
3- لعل أهم ما يمكن تأسيسه لمواجهة التحديات الراسمالية القادمة: كتلة اقتصادية عربية — اسلامية، تتألف من وحدات انتاجية واسواق حيوية تجتمع فيها.. سواء على مستوى انتاج بضائع مشتركة، او تسويق منتجات معينة.. وإقامة مناطق تجارة حرة بين الاعضاء لدعم العلاقات السياسية والاقتصادية ووضع إطار لخفض التعرفة الجمركية.
4- تشكيل مجلس على مستوى وزاري (ومن ثمّ رئاسي فيما بعد) بين دول الشرق الاوسط لتفعيل المجال الحيوي للمنطقة وتحريك قوّته من اجل الاشراف والتنسيق وإعادة النظر في قضايا مشتركة وأساسية، ومنها تطبيق تخفيض التعرفة الجمركية..
5- تأسيس شبكة مواصلات برّية متطورة بين بلدان العالم الاسلامي، وابرزها شبكة خطوط سكك حديدية متطورة بين المدن والحواضر الاقتصادية والعواصم السياسية..
6- تأسيس برلمان عربي.. موّحد تجتمع فيه نخب المثقفين والساسة والمفكرين.. لمعالجة السياسة الدولية والاقليمية، شريطة تمتّعه بصلاحيات واسعة من اجل إيجاد حلول للمشاكل العرقية والمذهبية والطائفية والحدودية والاقليمية، كما ويشترط على القيادات السياسية للدول العربية والاسلامية الاستئناس بآراء البرلمانيين الجدد من خلال تجسيد الفجوة بين القيادات السياسية والنخب الفكرية (انظر كتابي: العولمة الجديدة والمجال الحيوي للشرق الاوسط: مفاهيم عصر قادم، ط1، بيروت: مركز الدراسات الاستراتيجية والبحوث والتوثيق، 1997، ص 289-290).
نحن لا نملك سندانا سلطويا ولا مطرقة أميركية
أين كانت جامعة الدول العربية إبان التسعينيات من الاصلاحات التي طالبنا بها؟ اين كنتم عندما طالبنا بإحداث المزيد من التجديدات في واقع كان افضل بكثير مما هو عليه اليوم؟ وهل كنتم ستسمعوننا نحن ثلة من نخبة مفكرة عربية منذ ذلك الوقت حتى اليوم لو لم تكن هناك تغيرات في الواقع السياسي الدولي والإقليمي والعربي؟ ولو لم تكن هناك مطرقة أميركية بدأت تطرق حديديا على الرؤوس بعد هول الذي حدث في 11 أيلول 2001، لما بدأ السيد عمرو موسى ينادي بأن عجلة الاصلاح قد بدأت؟ وعندما طالبنا بكل اخلاص ومعرفة بتلك (المشروعات)، لم تكن المتغيرات الساخنة قد حدثت، اذ كنا لم نزل في ذيول القرن العشرين، أما وان بدأت جملة هائلة من المتغيرات في المنطقة فلم تعد تنفع هكذا اصلاحات. لقد كان حجم الاهتراء أقل بكثير مما حدث بعد ذلك وخصوصا بعد الوقفة غير المبررة التي وقفتها جامعة الدول العربية من العراق متمسحة بنظام صدام حسين الذي لم تدرك بأنه سيسقط وينسحق ويغدو العراق محتلا بأيدي القوات الأميركية؟ انني كتبت وساكتب بأن ذلك الموقف الذي وقفته جامعة الدول العربية سوف لن ينساه التاريخ ابدا وسيسجله بأحرف سوداء تدين كل الذين لم يسعوا عربيا لاحتواء أزمة العراق وادانة صدام حسين والعمل (مجرد العمل أو مجرد محاولة) لإقصائه عن السلطة وتجنيب العراق كوارث الحرب. لقد وقف رئيس دولة الامارات العربية المتحدة الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان – رحمه الله -، وقفته التاريخية الشجاعة التي سيتذكرها التاريخ، وقد ناورت جامعة الدول العربية من اجل تغييب مبادرة الشيخ زايد، وهي المبادرة العربية الوحيدة التي شعرت بمصالح العراق وكل (الأمة) في الوقوف ضد احتلال العراق!
البرلمان العربي: معضلة جديدة
ويسأل الاخ المستشار قائلاً: (وألم تكن هناك رغبة في تعديل وتحديث ميثاق الجامعة ليواكب متطلبات العصر؟). وهنا اسأل: ما الفرق بين التعديل والتحديث؟ وسواء كانت هناك مطالبات بالتعديل او الترقيع او الإصلاح او التحديث او حتى الالغاء من اجل ولادة منظمة جديدة، وعندما كنا نطالب جامعة الدول العربية بالإصلاحات وتطوير وتحديث هياكلها، فلابد ان تطرح (الجامعة) افكارها ومشروعاتها على النخب العربية لمناقشتها قبل ان يقوم الامين العام بطرح مشروعاته على القمة العربية، وبعد ان كان هناك من تعب ونادى ليس بالاصلاحات فحسب، بل بإحداث تغيير جذري. وأسأل السيد المستشار: لماذا تدور عجلة التشكيك والريبة، وتعلو الاطروحات والتساؤلات (وليس الاتهامات كما وصفها) والتي عبّرت عنها ليس في مقالي الأخير ضد مشروع عمرو موسى، بل في عدة مقالات امتدت منذ اربع سنوات.
انني اذ اقول اليوم بألا حاجة للبرلمان العربي الذي سيكون تابعا لجامعة الدول العربية، وان لدى (الأمة العربية) من المهام والاعباء اكثر بكثير من هذا الموضوع، فانني ادرك بأن مثل هذا كله سوف يزيد من ترهّل الجامعة ومن مشاكلها، كونه سيرتبط بها لا ان يكون مؤسسة قائمة لوحده.. والسؤال: من الذي سيمثّل فيه العرب؟ وما هي آليات التنفيذ؟ وهل سيكون من خلال مبعوثين رسميين عرب تختارهم حكوماتهم؟ واذا لم تخترهم حكوماتهم العربية، فهل بإمكان الأخ عمرو موسى ان يقنعنا كيف يمكن لحكومات عربية ان تقبل ببرلمان عربي تمثّله قوى شعبية غير رسمية وبأي صفة؟؟ لماذا لم يذكر الأخ طلعت المقارنة التي قمت بها في مقالي الذي ردّ عليه بين برلمان اتحادي اوروبي وبين مشروع برلمان عربي؟ هل يمكنه ان يقرن وضع دول الاتحاد الأوروبي بجامعة الدول العربية؟؟ لنكن عقلاء مرة واحدة أيها العباد العرب؟ ولنكن متواضعين أيها الأعضاء في الأمانة العامة ونحن نخاطب المتخصصين بالشأن العربي ويدركون أولويات ما حدث.. اننا ننتقدكم نقداً مشروعاً ونقيم الحجة والقرائن فلماذا تصفون ما نقول بـ(تعالت الصيحات)؟ كيف لا ترتفع أصواتنا ونحن نجد بأن مثل هذه (الحلول) سوف تزيد جامعة الدول العربية مشكلات واعباء هي في غنى عنها؟ وان السبيل الى تحديث هذه (المؤسسة) هو غير ما تسلكون، وستوضح الايام القادمة صواب ما اقول.
سوق عربية مشتركة لم تر النور ابداً.
وتعال يا سيدي طلعت وقد افرحتنا بقولك وكأن جامعة الدول العربية لم تصدر قرارات ومعاهدات يوّقع عليها الاعضاء ولكنها لا تجد طريقها الى النور. تقول: (عندما تعالت الصيحات والكتابات بضرورة إقامة سوق عربية مشتركة على غرار الاتحاد الأوروبي، وعندما تقرر قمة القاهرة غير العادية في عام 1996 تكليف المجلس الاقتصادي والاجتماعي باتخاذ الخطوات والإجراءات اللازمة لإنشاء منطقة تجارة حرة عربية كبرى، وعندما يتم تنفيذ هذا القرار المهم وتقام منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى في 1/1/2005، لتكون الخطوة والمقدمة لإنشاء السوق العربية المشتركة، لم نسمع من الدكتور سيار الجميل موقفه أو رأيه في هذه الخطوة الكبيرة والمهمة على صعيد العمل العربي الاقتصادي المشترك، كما لم نسمع رأيه في مشروع الربط الكهربائي بين الدول العربية والذي يعد من أهم إنجازات العمل الاقتصادي العربي المشترك).
وأقول: يبدو ان الأخ طلعت يجهل تاريخ مؤسسته التي يعمل فيها، ويجهل تماما ما كنت قد نشرته من مقالات عن الجامعة ومشكلاتها؟ وما كان قد صدر عنها من كتب ودراسات عن آخرين، وما دمت قد أثرت هذا (الموضوع) فلابد ان اضعك والأمانة العامة الموقرة بالصورة قائلا لكم بأن المشكلة في مكان وانتم في مكان آخر تماما.. ان المشكلة تكمن في الميثاق والهياكل والمبادىء وسياسة الترهل في آليات العمل.. فلماذا تذهبون بعيدا من اجل إصدار قرارات لا نفع فيها؟ ولماذا تفرحون ايها الاخوة في الأمانة العامة بأنه تمّ تنفيذ القرار المهم وتقام منطقة التجارة الحرة الكبرى في 1/1/2005، فسواء نفّذ هذا القرار ام لم ينفّذ، فليعلم القارىء العربي الكريم بأن جامعة الدول العربية قد قررت تأسيس سوق عربية مشتركة منذ العام 1954! وعليه، لابد ان نشكر الجامعة التي نفّذت ما اقّرته بعد مرور خمسين سنة على تأسيس مشروع السوق! وهل يعتقد الاخ طلعت وكل الاخوة العرب الذين ليست لديهم معلومات عن حجم التبادل التجاري بين الدول العربية بأن هذه (السوق) ستقلب حياتنا رأسا على عقب؟ هل غدت الصناعات والمنتجات الزراعية وحجم الصادرات والواردات من السعة حتى يمكن ان تقام مثل هذه السوق التي تمنيت على العرب ان يؤسسوها قبل نصف قرن..؟؟ فماذا سيتبادل العرب تجاريا في ما بينهم؟ منكة مصرية ام تمرا عراقيا ام تفاحا لبنانيا ام زيتونا مغاربيا..؟؟ اعتقد ان هذا لا يحتاج الى سوق عربية مشتركة ولا الى تعرفة جمركية؟ بل وحسب اعتقادي بأن هذا لا يعد منجزا استراتيجيا يا جامعة الدول العربية!واتمنى عليها ان تقرن سوقنا العربية المشتركة ما دامت فرحة بتنفيذه بالسوق الأوروبية المشتركة التي تطورت اليوم الى اتحاد أوروبي، يكفي ان تختنق عملات أوروبية عدة مع وجود اليورو!
هل كانت المشاركة في فرانكفورت منجزا؟
وهل تعتقد يا أخ طلعت ويا أيها الاخوة العرب بأن تصدّي الاخ عمرو موسى لموضوع المشاركة الثقافية العربية في معرض فرانكفورت للكتاب للعام 2004 هو منجز استراتيجي وهو من صميم الإصلاحات التي ننادي بها؟ وحتى ان سلّمنا لمثل هذا الامر، فلابد ان تكون جامعة الدول العربية حيادية في اختيار من يمثل (الأمة)، علما بأنني لم اعالج مثل هذا الجانب. ان هناك ثمة مواريث وتقاليد بالية على جامعة الدول العربية التخلّص منها، وخصوصا احتكار الثقافة العربية من قبل هذا البلد او ذاك! خصوصا وان الدول العربية يغيب عنها يوما بعد آخر ذلك الرابط التي كان يجمعها كمنظومة قيمية وجغرافية بفعل حجم سياسات التمزقات والتشققات والعداوات والحروب الباردة والساخنة التي عانت منها في النصف الثاني من القرن العشرين. ان ما حدث في فرانكفورت عربيا لم يكن يرض كل الاطراف العربية، بفعل ما مورس من جنايات بحق الثقافة العراقية مثلا. وكان من المفروض ان تكون جامعة الدول العربية حيادية في تقييم المواقف، فما صدر من انتقادات عربية عديدة بصدد المشاركة العربية في فرانكفورت لابد ان تؤخذ بالاعتبار. وعليه، فإن الجامعة لا تستطيع بعد اليوم ان تكون وصية ومسؤولة عن ثقافة العالم العربي، ومن السذاجة بمكان ان يقارن وضعها باليونسكو مثلاً.
الفرصة التاريخية الموهومة
يقول الاخ طلعت: (ان عمليات الإصلاح والتطوير في منظومة العمل العربي المشترك والتي يقوم بها حالياً الأمين العام تعد فرصة تاريخية ومهمة لمواكبة التطورات والإصلاحات التي تدور من حولنا، وأن قرار إنشاء البرلمان العربي المؤقت، وبحث آلياته تشكل خطوة مهمة تعكس بوضوح الرغبة الجادة والموضوعية في تحديث آليات وقواعد العمل العربي المشترك كي تستطيع التعامل مع التحديات غير المسبوقة التي تواجه العالم العربي، وكلنا يذكر بدايات البرلمان الأوروبي وما هو جار حالياً على المستوى الأفريقي).
اقول ما هذا الوصف الجميل؟ ما هذا المديح للاخ عمرو موسى من قبل مستشاره؟ وهل عمليات الأصلاح والتطوير في منظومة العمل العربي المشترك يقوم بها شخص واحد في هذه الأمة ممثلا بالأخ عمرو موسى؟ انك وصفتها بـ (الفرصة التاريخية) وهل هي كذلك لمواكبة التطورات والإصلاحات؟ انني في العديد من المرات أشفق على اولئك المستشارين الذين يكلفون بكتابة دفوعات او تحقيقات او ردود.. ولأن ليس لديهم ما يقولون، فهم يكتبون انشاء وحشوا. وأرجو من الاخ طلعت ان لا يتهمني باللاموضوعية، فالنص امامنا في اعلاه ولنا ان نتأمل في الكلام الكبير الذي تعود العرب على ترديده منذ زمن طويل.. ثم هل يعقل ان يمارس الامين العام دوره في امور يقولون عنها اصلاحية وهي ليست كذلك! اذا كان هناك من يطالب ويقول بأن ثمة خلل في الميثاق وان الميثاق لابد ان يخضع لتحديث واسع النطاق، وان منظومة هذه المؤسسة بالكامل تحتاج الى تغيير في الآليات، فكيف يمكننا ان نستحدث مؤسسات جديدة كبرلمان عربي او محكمة عدل عربية استنادا على ميثاق مختل؟ ويا ما صدرت قرارات بتشكيل لجان وهيئات لم تجد فرصتها لأن تولد.. وأضرب مثالاً لكم، فلقد اتفق العرب ووقعّوا على معاهدة الدفاع العربي المشترك منذ خمسين سنة، فهل طبقوها في يوم من الايام؟ صحيح هناك رغبة جادة في تحديث آليات وقواعد العمل العربي المشترك، ولكن ليس بمثل هذه الأساليب والكل يدركون ما طبيعة واقعنا العربي اليوم، فلماذا نضحك على انفسنا لنسجل منجزات وانتصارات وهمية لا اساس لها من الصحة؟ واعتقد ان ليس في كلامي ما يجرح او يسيىء حتى يقول الاخ طلعت بأنني القي عليهم اتهامات!
هل التعايش مع الواقع مفخرة؟
يقول الاخ طلعت: (إننا إذ نؤكد على أننا مع النقد الموضوعي والبناء والذي يصب في مصلحة الأمة العربية العليا، فإننا لسنا مع دعوات الإحباط ورؤية السالب على الدوام وتجاهل الإيجابي… ان العمل في اجتماعات جامعة الدول العربية يسير وفق خطوات منتظمة ومدروسة، وان القائمين على أمانة العمل العربي المشترك لا ينجرفون وراء مقالات نظرية واطروحات نقدية لا تعيش ولا تتعايش مع الواقع العربي، وهو واقع ضعيف نريد دعم جهودنا في تقويته وتطوره وحمايته، وتشجيعه).
انني أتمنى ان يكون ذلك، ولكن توضّح لي بأن الاخ طلعت ليس مع النقد الموضوعي والبنّاء الذي يصّب في مصلحة العرب العليا، لأنه لو كان كذلك لأعطى اهتمامه مع مخالفته آرائي وافكاري نظرا لما طرحته من ملاحظات من حقّي طرحها، ولا ادري ان توقّف الناس عن توضيح ملاحظاتهم بحجة دعوات الإحباط وذبح الهمم وقهر الذات، فلا ادري من سيصلح شأن (الأمة)، وهل تقدّمت وتطوّرت بقية الأمم بالمديح الكاذب والتضليل المارق؟؟ وهل كل من يخالفكم في نهجكم وعملياتكم يكون داعيا الى الإحباط؟ ومتى كانت هناك ايجابيات وابداعات في جامعتنا العربية حتى نفّوت عليها سلبياتها؟ وإذا كان العمل في اجتماعات جامعة الدول العربية يسير وفق خطوات منتظمة ومدروسة.. فإن الأيام هي التي ستقول كلمتها. واعتقد ان مقالاتي كما وصفتها بالنظرية واطروحات نقدية.. فما العيب في ذلك؟ اعتقد انك لم تدرك بأن من يطرح افكاره النقدية بشكل مثير الى هذا الحد يمتلك خبرة عملية تؤهله ليجازف في الذي يطرحه عليكم!
وعليه، كيف يمكنكم التعايش مع هكذا واقع؟
اولا: لا يمكنك ان تحكم على افكاري بأنها لا تعيش ولا تتعايش مع الواقع العربي. واطمئنك بأنها ستعيش ولكنها لم ولن تتعايش مع هذا الواقع العربي الذي ارتضيتموه، في حين انني اطمح الى تغييره نحو الافضل. انه ليس واقعا مهزوزا ومختلا فحسب، بل انه غدا اليوم وخصوصا في السنتين الاخيرتين واقعا عقيما متورما يطمح كل ابنائه البررة الى تغييره. اننا لا يمكننا ان نرضى بأن نتعايش مع واقع كهذا ونخالفكم ان بقيتم تتعايشون معه، وهذا هو الفرق بين من يريد التغيير والتجديد وبين من يريد الترقيع والتعايش..
ثانيا: لا يمكن ابدا من تقوية الواقع وتطويره ان ابقيتم القديم على قدمه.. فان لم يستطع الأخ عمرو موسى ذلك واظنه لا يستطيع ابدا، فثمة من له القدرة على قيادة التغيير الحقيقي لجامعة الدول العربية كي تغدو منظومة حيوية جديدة بميثاق جديد يراعي جملة كبيرة من المستلزمات السياسية والحضارية بعيدا عن المؤدلجات المتخمرة. انني لا يمكنني ان اتخيل كيف يوهم البعض الناس ويضللونهم بشعارات ومجرد يافطات والنتيجة اهتراء وخور ولا حتى بصيص من الأمل مع كل الأسف ان تصل مؤسسة جامعة الدول العربية الى هذا المستوى.. وقبل عام مضى كنت قد شاركت في تحليل مشروع رائع تقدمت بها نخبة من المؤتمرين المثقفين والمفكرين الذين اجتمعوا في مكتبة الاسكندرية واصدروا وثيقة الاسكندرية التاريخية الرائعة.. وكم كنت اتمنى على جامعة الدول العربية الأخذ بها نظرا لما تحّلت به من رصانة وثقل وبراغماتية.. ولكن الأخ عمرو موسى لم يفعل ولن يفعل ذلك ابداً.
واخيراً: ما الذي يمكنني قوله؟
واخيرا اقول، لقد تجاوزت أخي طلعت على آرائي وتجاهلت مطالباتي واستخففت بأفكاري وما عليك إلا ان تراجع قراءتك (اللا موضوعية) وتعيد التفكير في كيفية التعامل مع اناس صرفوا اعمارهم في معرفة هذا الواقع وما وراء هذا الواقع، ولا اريدك ان تصرف وقتك الثمين في قراءة ما نشرته حول الشأن العربي المعاصر لتجد بأن اغلب ما كنت قد توقعته منذ عشر سنوات قد حدث.. ويكفي انني قد طالبت بتشكيل برلمان عربي للمثقفين والمختصين قبل عشر سنوات وتأتي الجامعة اليوم لتؤسس برلمانا في وقت لم يعد يجدي أي برلمان نفعا هذا اليوم! اتمنى على الأخ عمرو موسى وعلى الأخوة القائمين على امانة العمل العربي المشترك ان ينزلوا من ابراجهم العاجية الى الناس لا من اجل تبادل المديح والكلمات الفارغة، بل من اجل استمزاج الآراء ومن تجدون عنده فكرا ورأيا لابد من الإفادة منه لا تجريحه والتقليل من شأنه.. وسيكشف المستقبل من هو مع المصالح العربية العليا، ومن هو واقف ضد تطلعاتها وأمنيات الأجيال الجديدة.. وأخيراً وما دمت أنت قد طلبت حق الرد في نفس المكان على مقالتي، فإنني أطالبكم بنشر هذا الرد في نفس المكان من موقع جامعة الدول العربية عندما نشرتم ردكم ضدي من دون ان تنشروا مقالي، اطلب منك نشر ردي على موقعكم إعمالاً للمبدأ الديمقراطي في حق الرد وساتابع ذلك. دمتم اخوة أعزاء أجلاء ليس لنا إلا خدمة مصالحنا العربية العليا.. مع اسمى التقدير.
ايلاف في 10 /3/ 2005
البرلمان العربي: ما الذي سيقّدمه للتاريخ ؟
د. سيّار الجميل
عندما انتقدت مشروع البرلمان العربي قبل عام في مقال نشرته بعنوان ( البرلمان العربي اضحوكة جديدة : خطاب مفتوح امام العرب ) يوم الجمعة 28 يناير 2005 ، طالبت السيد عمرو موسى الامين العام الاجابة على تساؤلات ليست مبهمة ، بل هي في صلب ما يتطلبه التفكير العربي ، لكنه بدل ان يجيبني بكل شفافية وتواضع أمر الاخ طلعت حامد مستشاره لينشر ردا على مقالتي مبتعدا عن تساؤلاتي المشروعة وكان جوابه يتضمن انشاء وتسطيحا للامور واشباعا للعواطف وترضية لمقام الامين العام .. وبدل ان ترد الجامعة العربية على ما يطرحه عدد من المفكرين والكتاب العرب الذين يعّبرون عن ارادة مجتمعات عربية تعيش اسوأ ايامها وتمّر بمخاض عسير في تاريخها ، تذهب هذه الجامعة لتطبق مشروعات رسمية من دون ان تقنع الرأي العام العربي بما تفعله ..
لقد مرّت هذه المنظمة بمراحل عدة لم تعش اسوأ مما تعيشه اليوم بسبب خلطها بين المسائل الفنية وبين الاتجاهات السياسية بل وخلطها الاوراق متبعّة نفس الاسلوب الشعاراتي والعاطفي كي تسكت الحاجات الملحّة لمن يسعى نحو الاصلاح الحقيقي .. بل وانها لا تعمل لتلبية ما تحتاجه المصالح العليا ، فما يصدر عنها من مواقف يعّبر بالضد ازاء طرف ضد طرف آخر . ولقد سمعنا مؤخرا ان الجامعة العربية قد جمعت وزراء الخارجية واسست البرلمان العربي واسمته بـ ” الانتقالي ” وعالمنا العربي يعيش مخاضا صعبا من الاحداث والتغّيرات .. وكأن العرب كلهم لم يهمهم من مشلكلاتهم الصعبة الا تأسيس ” برلمان ” .. فالعقلاء من العرب يعتقدون ان اي مؤسسة مثل هذه الجامعة وما ينبثق عنها لا يزيد حياتنا الا تعقيدا وارباكا وبعثرة للثروة بدل كل ما قيل من احتلامات .. وان هكذا مؤسسة ما هي الا مجرد اضافة مشكلة الى مشاكلنا التي لا تعد ولا تحصى .. ومن يؤيد هذه المشروع فهو واهم على اشد الوهم لأن هكذا مشروع لم يصلح العرب منذ خمسين سنة ، فكيف به يصلحهم اليوم في عصر متغيرات جديد ؟
تجدر الإشارة الى أن البرلمان العربي الانتقالي هو ثمرة القرار رقم (292) المتخذ من قبل مجلس الجامعة العربية على مستوى القمة في دورته السابعة عشرة المنعقدة بالجزائر في الفترة 22 -23 من شهر مارس الفائت، ومن بين اختصاصات البرلمان البحث في سبل تعزيز العلاقات العربية العربية في إطار ميثاق الجامعة العربية وأنظمتها والمواثيق والاتفاقيات العربية السارية، وإيلاء الاهتمام للتحديات التي تواجه الوطن العربي وعملية التنمية فيه، وخاصة في المجالات الاقتصادية والبشرية والتكامل الاقتصادي، وكذا إقامة علاقات تعاون مع الاتحادات البرلمانية والبرلمانات الدولية والإقليمية والوطنية، بما يخدم مصالح الأمة العربية والأمن والسلم والاستقرار في المنطقة.
ويجتمع البرلمان الذي مقره العاصمة السورية دمشق في دورات عادية مرتين في السنة على الأقل، ومدته خمس سنوات يجوز تمديدها لمدة عامين كحد أقصى كمرحلة انتقالية نحو قيام برلمان عربي دائم، ويتكون من أربعة أعضاء لكل دولة عضو في جامعة الدول العربية ( أي بمجموع 88 عضوا بمشاركة 22 دولة عربية ) . لقد دشن الأمين العام للجامعة العربية الثلاثاء 27- 12- 2005 أعمال البرلمان العربي الانتقالي معتبرا أن هذه المؤسسة الجديدة التي أضيفت إلى منظومة العمل العربي المشترك بقرار من قمة الجزائر في مارس/آذار 2005 هي دليل على أن : “التطور الديموقراطي في العالم العربي ينطلق”.
انني أسأل بدوري الاخ عمرو موسى : أي تطور ديمقراطي هذا الذي ينطلق من مؤسسة مشلولة ؟ اي تطور ديمقراطي يبّشر به عمرو موسى في العالم العربي في تغييب الرأي العام العربي ؟ اي دور تجميلي محض سيلعبه هذا البرلمان ؟ اي تسمية هذه نضحك بها على الناس الذين ينتظرون الاصلاح الحقيقي ؟ أي برلمان يؤسس بلا سلطة تشريعية ؟ اي برلمان هذا الذي يشترك فيه 4 اعضاء من كل دولة ؟ من الذي يرشحهم ؟ ما دورهم ؟ ما تأثيرهم ؟ ما فعلهم ؟ لماذا كل هذا الاستهزاء بالعقل العربي ؟ لماذا تكونوا ساذجين الى هذه الدرجة ؟ اي وسيلة هذه ولأي غاية ؟ اي نخبة نيابية او فئة نقابية او حركة شعبية يمثلها هذا الوليد الكسيح في حياتنا العربية ؟ اي مقصد سام له واي توسيع للمشاركة الشعبية في مناقشة المشكلات وبلورة السياسات في هذا العصر ؟
ما هذه السذاجة التي تأبى الجامعة العربية الا ان تبقى في بؤرتها ؟ اي ذراع تشريعي تضيفه الجامعة الى ذراعها التنفيذي ؟ هل لديك دولة ومؤسسات ام لديك منظمة اقليمية ؟ اي سلطة تنفيذية تتمتع بها حتى تضيف اليك سلطة تشريعية ؟ ولمن تشّرع ؟ وبأي دستور ؟ وبأي قاعدة ؟ وبأي قانون ؟ واذا كنت تؤسس برلمانا انتقاليا على امل تأسيس برلمان دائم .. فبأي صلاحيات يمكن ان يستمدها البرلمان وانت ليس صاحب سلطة ، فانت امين عام لمنظمة ! فاذا انبثق البرلمان عن الجامعة ، فمن هو الاكبر البرلمان ام المنظمة ؟
من قال لك ان آمال وتطلعات الشعوب العربية لا تحتمل التأجيل والارجاء وكأن العرب كلهم ليس لديهم من هم الا البرلمان العربي ؟ وهل مجرد مشاركة لنواب نعتزّ بهم من برلماناتنا العربية ( وهل هناك برلمانات عربية ؟؟ ) في التعامل مع قضايا الامة يخطو بتطوير الجامعة العربية خطوة رائدة ؟ وهل يلبي كل ذلك تطلعات شعوبنا نحو مزيد من الديمقراطية ؟ اي دمقراطيات هذه التي يتحدث عنها العرب ؟ وسواء كانت دمشق ام غيرها مركزا لهذا البرلمان .. فما الذي يفعله الاعضاء الـ 88 عندما يجتمعون في السنة مرتين والاحداث العربية تتضخم بكل اثقالها يوما بعد آخر ؟ ما فائدة هكذا مؤسسة كسيحة سيصرف عليها الملايين ازاء برنامج تلفزيوني اعلامي واحد يستقطب الملايين وهم في بيوتهم ؟ اي نظام أساسي هذا الذي اعد للبرلمان العربي الانتقالي ؟ اي سبعة اختصاصات هذه التي من أبرزها : “مناقشة الموضوعات المتعلقة بتعزيز العمل العربي المشترك وإصدار آراء وتوصيات بشأنها وايلاء الاهتمام إلي التحديات التي تواجه الوطن العربي وعملية التنمية فيه وخاصة في المجالات الاقتصادية والبشرية والتكامل الاقتصادي في العالم العربي”. كما تتضمن اختصاصاته “مناقشة مشاريع الاتفاقيات الجماعية العربية” ؟؟ واذا كان الاخ عمرو موسى قد وصفه بسلطة تشريعية فما معنى ما نصّ على : ” لا يحق له إلا إصدار توصيات وليست له أي صلاحيات تشريعية وهو أمر يتفق مع طبيعة التطور الديموقراطي في الدول الأعضاء التي لا تمتلك جميعها برلمانات تقوم بدور تشريعي ” ؟؟ .
النهار البيروتية
العراق والعرب : جدلية عصّية !!
مقدمة : انها جدلية مبررة
كلما يمضي الزمن تزداد هذه الجدلية قوة وارهاصا ، جدلية تتخذ لها اليوم ابعادا خطيرة بعد ان كانت سياسية مؤدلجة خفية اصبحت اليوم اللعب فيها على المكشوف .. وكلما تتفاقم التجارب ، وتتعاقب الاحداث ، وتتسع التباعدات .. تتمخض الرؤى عن هوة عميقة بين الطرفين . نعم ، ان المشكلة لم تعد سياسية حسب ، بل تتخذ لها اليوم ابعادا ثقافية واقتصادية واجتماعية وسايكلوجية .. خصوصا اذا علمنا بأن العراق لم يعد كما كان سابقا وان العراقيين قد تعرضوا لابشع الاحداث على امتداد قرابة خمسين سنة من حياة العراق المعاصر ، واستطيع ان اجزم تاريخيا بأن العراقيين قد دفعوا لوحدهم الاثمان الباهضة بسقوط الاف مؤلفة من شبابهم في الحروب القاتلة .. وعاشوا وما زالوا يعيشون ضنك الحياة الصعبة بسبب بعثرة ثرواتهم واختلاس مواردهم وضياع مصالحهم الوطنية .. وانهم كانوا وما زالوا موضع شك في اغلب البلدان العربية ، بحيث يتعرضون للمسائلة والتحقيق وحتى الاهانة فيها . لقد عانوا من الاضطهادات وفرض التهديدات والملاحقات والممنوعات والمحرمات والحصارات وألمّت بهم فجائع وكوارث لا اول لها ولا آخر .. انهم من بين شعوب العالم كله قد عانوا من قسوة الحياة طويلا علما بأنهم لم يكونوا يوما رعاعا لأحد ، ولم يعتاشوا على صدقات أحد .. وكانوا على امتداد سنوات خلت يريدون ان يقف ايا من العرب الى جانبهم من اجل كبح جماح الدكتاتورية والطغيان ولكن لا احد يسمعهم أبدا ولا احد يسعفهم دوما باستثناء من كانت له مصالح قوية لديهم .. وعليه ، ان كانت لديهم مشكلاتهم الداخلية ، فهم اولى الناس بايجاد الحلول لأنفسهم ، ومهما بلغت بهم الانقسامات السياسية والاجتماعية ، فان طبيعة بلادهم التي لم يصنعها احد غير قابلة للانقسام ، الا ان تعرضت – لا سمح الله – لاعتداء اقليمي من بعض الدول المحيطة .
جذوع العراق الاستراتيجية
ان العراق هيكل جغرافي يتركب من ثلاثة جذوع اساسية ، كل جذع له استراتيجيته القوية التي تستمد قوتها من الجذع الاخر .. وان شريانيه الازليين : دجلة والفرات يحكمان طوق هذا التركيب الجغرافي العجيب منذ الاف السنين .. ومهما تعاقبت على العراق انظمة سياسية ودول تاريخية ودويلات انقسامية وحضارات ومهما شغلته ثقافات متنوعة شتى .. بل ومهما تعّرض الى تحديات وحروب وغزوات خارجية ، فانه سرعان ما يعود الى تلائمه وسيرورته الطبيعية .. بل ومهما عاش في ظل انقسامات وصراعات داخلية ، فان الغلبة ستكون له في نهاية المطاف . انه بحاجة ماسة الى من له نظرة موسعة لحياته وتاريخه ، وهو بحاجة الى من له رؤية عمودية وافقية معا لتكتشف تناقضاته الحضارية وانصهار جملة هائلة من الثقافات والسكان فيه .. صحيح انه اليوم يعيش مخاضا صعبا ، وطنا وشعبا ومصيرا .. انه بحاجة ماسة الى عناية فائقة ومركّزة من اجل ان يتعافى بعد سنوات القهر وعهد الحروب وسقوط الالهة .. انه بحاجة الى تضميد جراحه العميقة التي تلقاها تباعا على مدى عقود طوال من السنين .. وان شعب العراق بحاجة الى استعادة الروح الواحدة من خلال نزعة التعايش والمحبة والتسامح .. ان العمل على ترسيخ الفرقة وتوسيع الهوة بين ابناء الشعب العراقي مهما يكن مصدرها ، فذلك جريمة ترتكب بحق العراق والعراقيين .
العرب بين سماء المبادئ وارض الواقع
منذ زمن بعيد ونحن ندعو اخواننا العرب وجيراننا الايرانيين والاتراك الى عدم التدخل في الشأن العراقي الداخلي .. وترك العراقيين يحّلون مشكلاتهم المعقدة بأنفسهم وان تكون لهم اجندتهم الوطنية العراقية في التفاهم مع قوى التحالف بقيادة الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا على كيفية صياغة مستقبل العراق .. ان اي تدخّل من قبل الاطراف الاقليمية الثلاثة تحت اي غطاء وضمن اي مسميات في العراق سيزيد من مشكلات العراق المعاصرة ، وسوف لن يخدم المسألة العراقية عاجلا ام آجلا . لقد راهن الاخوة العرب على بقاء صدام حسين في السلطة من دون ان يتخذوا اي قرار يخدمون به الشعب العراقي ويخلصونه من مآسيه .. وهنا اقول : على العرب ان يدركوا بأن جل العراقيين قد سئموا المواقف العربية التي غيبتّهم تناقضاتها عبر خمسين سنة .. فماذا تريدون اليوم من شعب العراق ؟ هل باستطاعة العرب ان يخلصوه من ازمة الكهرباء والماء والخدمات ؟ هل قاموا بـتأهيل مدارس العراق وجامعاته ؟ هل باستطاعة العرب ان يقدموا اي معنويات سياسية عالية للعراقيين في كوارثهم وفواجعهم ؟ هل يستطيع عمرو موسى ان يمنع الارهابيين المتسللين من هنا وهناك الى قلب المدن العراقية ؟ هل يمكن للعرب ان يدينوا الارهاب الشنيع في العراق ؟
لقد سمعنا مؤخرا عن مواقف جامعة الدول العربية وبعض المنظمات والاتحادات العربية من العراق والعراقيين .. ومنها موقف اتحاد الادباء والكتاب العرب المخجل من ادباء العراق وعضويتهم !! فهل فكر الاخوة العرب بما تنطوي عليه مواقفهم العاطفية ؟ وهل هذا هو العلاج الحقيقي الذي يمكن ان يتخذه العرب ازاء العراق والعراقيين ؟ ربما افهم ان هناك من لم يتفق مع وصول بعض القادة العراقيين الحاليين الى السلطة .. ولكن دعوهم يقدموا تجربتهم التي ربما تنجح او تنهزم ومن بعد ذاك قولوا ما تشاؤون .. علما بأن القادة الجدد لا يمكن ان يغّيرهم الا شعبهم .. واستطيع القول بأن اولئك القادة الجدد هم اضعف من البقاء في السلطة الى ابد الابدين !
مشروع تغيير العراق بداية الطريق !!
لماذا تطلق الاراء والمقترحات اليوم لتجميد عضوية العراق في جامعة الدول العربية ؟ لماذا يطلق السيد عمرو موسى تصريحاته المضادة للعراق ؟ انني كعراقي لي الحق في انتقاد اي بنود في الدستور الجديد .. ولكنني لا اسمح ابدا لغيري ان يتدخّل بالشأن الدستوري للعراق ؟ ليعلم عمرو موسى وكل الاخوة العرب بأن الرهانات المستحيلة والمؤامرات السيئة والتدخلات غير المبررة والحملات الاعلامية الشرسة والخطابات النارية والمواقف المضادة والتصريحات البليدة والسياسات العقيمة والوقوف الى جانب الجلاد حتى الان لاسباب مصلحية غير مبدئية ومنها كوبونات النفط والمنح والعطاءات .. وغيرها كثير قد سّببت كل هذه النقمة من قبل العراقيين على العرب . لقد وصل الامر بالعراقيين رفض ذلك ” الانتماء الشاذ لأمة وهمية لا وجود لها .. ” ولمؤسسة نظام عربي مشلول . هل يدرك الاخوة العرب الذين تزداد ضراوة اقلامهم اليوم ليس ضد القادة العراقيين ، بل حتى ضد العراق والعراقيين بأنهم يزيدون النار اشتعالا في العراق ؟؟ هل يدرك الكّتاب العرب بأن سكوتهم في الماضي على فنون الجلاد ومباركتهم حروبه وطغيانه وجبروته .. قد أخل بالمعادلة العراقية – العربية كاملة وخلق جدلية مضادة لا يمكن اصلاحها بسرعة ابدا ؟ هل يدرك الاخوة العرب بأن مشكلات العراق ليس في دستور جديد له ، بقدر ما تكمن في قدرة العراقيين على فهم واقعهم واصلاح ذات البين بينهم ؟
المشكلة اكبر من عروبة العراق !!
ان المشكلة ايها الاخوة العرب ليست في اقرار عروبة العراق ام عدم اقرارها في دستور ربما لا يؤثر هذا البند على سيرورة العراق موحدا او منقسما .. بل ان المشكلة تكمن في كيفية معالجة العرب كلهم لما كانوا قد ارتكبوه من اخطاء شنيعة تجاه غير العرب ؟ لم يطلق العراق على نفسه الا المملكة العراقية او الجمهورية العراقية .. اذ لم يكن مثل سوريا او مصر او السعودية او الامارات .. كي يضفي صفة العروبة على نفسه .. واذا كانت هناك مشكلة للاكراد في العراق ، ففي السودان مشكلة في الجنوب ودارفور .. وفي الجزائر والمغرب مشكلة للامازيغ والشلوح .. ان جامعة الدول العربية لم تعالج في ميثاقها اي مشكلة من هذه المشاكل لأنها ولدت في مرحلة تشبعت بالفكر القومي العربي ، وهو الفكر الذي انكر على الاخرين حقوقهم ، بل ولم يعالج العرب في ما بينهم مشكلاتهم الداخلية على مدى خمسين سنة ، بل بقوا يرددون الشعارات ويلوكون الخطابات ويحوكون المؤامرات .. ان المشكلة ايها الاخوة العرب ليست مشكلة العراق لوحده ، ولكن العراق هو الذي نكأ جراحات المنطقة كلها ، وجعل القوى النائمة تنهض متساءلة عن حقوقها كاملة .. وهذا ما سيحدث في القرن الواحد والعشرين . ربما كانت مشكلة الاكراد معقدة جدا ، ولكن لا يمكن تخّيل ما ستحدثه المشكلة الامازيغية في المغرب العربي ، او حتى مشكلات الاقليات في كل من سوريا ومصر والاردن .. ثمة مشكلات في العراق للتركمان ولقومية الاشوريين تقف الى جانبها مشكلة أخرى للسريان في سوريا والذين لا يعتبرون انفسهم عربا كونهم يتكلمون اللغة السريانية ( =الارامية ) ، ثمة مشكلة اخرى للجركس والشيشان في الاردن .. وهناك الاقباط في مصر وهناك المارونيون في لبنان .. الخ هل استطاع العرب ان يتساءلوا يوما : من هي هذه الاقوام ؟ هل كان للجامعة العربية دور واضح في دراسة حقوق هذه الاقوام التي ترجع اصولها الى عصور كلاسيكية أم اعتبر ذلك من المحرمات بحجة الوحدة على حفاظ هذه الامة !؟؟
متى تتخلصون من الشوفينية ؟
عندما تشدّقت الايديولوجيات القومية العربية ( واغلبها كانت شوفينية ) بأن للعرب ثقافة انسانية ، وتستطرد بأن ” ما دام الانسان يعيش على ارض العرب ، فهو عربي .. ” . فان ذلك بحد ذاته كان ولم يزل اقصى درجات الاقصاء والالغاء والشوفينية المقيتة . لقد عمّر الاسلام التاريخي طويلا في منطقتنا ولكنه لم يفّرق بين الناس ابدا على اساس العرق او اللون او الاصل او حتى الدين اذ ” لا فرق بين عربي على اعجمي الا بالتقوى ” .. ولكن العرب قالوا بأنهم ” مادة الاسلام ” . نعم ، فالاسلام التاريخي هو غير الاسلام القومي ولا الاسلام الاصولي اللذين عرفهما القرن العشرون . فهل سيولد مستقبلا الاسلام الحضاري الذي سيتعامل مع آليات العصر ومنتجاته واستحداثاته ؟؟ وعليه ، فان الاسلام التاريخي كان خزينا للجميع وحافظة عربية بالضرورة ، فلقد كان هناك من غير العرب يفتخر بالانتساب الى العرب ، بل وعاش المسيحيون واليهود في حاضنة الاسلام وبالرغم من انخفاض اعدادهم بسبب قلة ولاداتهم مقارنة بولادات العرب وزيجاتهم المتعددة ، الا ان ابناء الديانتين الاخرتين حافظوا على وجودهم وكنائسهم ومواريثهم .. في حين سعت النظم العربية في القرن العشرين وخصوصا ايام المد القومي الى ترسيخ النزعة الشوفينية ومسخ العروبة الحضارية وجعلها اداة قمعية ضد الاخرين وتغييب وجودهم .. وقرنت العروبة بالاسلام وكلنا يدرك بأن البعثيين منحوا حكما ذاتيا مزيفا للاكراد ، كونهم يحكمون البلاد بشعارات الامة العربية الواحدة !
ماذا تنفعكم هلامية الامة العربية ؟؟
نعم ، ماذا نفعت هلامية الامة العربية ؟ لقد كان للعرب حضارتهم ومكانتهم في التاريخ ، ولكنهم في القرن العشرين قد أساءوا الى انفسهم والى مستقبلهم كثيرا بشعاراتهم ومخيالاتهم وطوباويتهم .. واضاعوا فرصا زمنية ثمينة في تحقيق مشروع حضاري وليبرالي للمنطقة كان كل من يعيش عليها بحاجة اليه !! لقد أخطأ العرب كثيرا ليس في تأسيس جامعتهم التي ولدت في مرحلة ليبرالية كانت النظم السياسية القديمة افضل بكثير من النظم السياسية الثورية التي جاءت بعد الحرب العالمية الثانية ، لقد اخطأؤا كثيرا في عدم تكريس الواقعية السياسية والاهتمام بكل القوميات والاقليات في منطقتنا العريقة واعتبارها عناصر واطياف انسانية حضارية جديرة بالتقدير والمحبة وعدم اشعارها باي مهانة ولا اي مذلة ولا اي اقصاء او اي الغاء .. ان ضياع الفرص والمحاولات الديمقراطية الاولى في بلداننا قد اجج روح الكراهية والنقمة بتوالي السنين ومرور الاجيال .. وان كان العرب يتكلمون وقد سكت الاخرون ، فليس معنى ذلك ان الاخرين كانوا راضين على ما اقترفته القومية العربية بحقهم جميعا .. واريد ان انبه الاخوة بدءا بعمرو موسى وصولا الى رهط واسع من المثقفين والساسة والصحفيين والكتاب العرب بأن عليهم ان يتخلصوا من عبء الماضي القومي الصعب ، فان هلامية الامة العربية المجيدة قد تبددت وان واقعا جديدا قد بدأ في منطقتنا .. وسواء احببنا ام كرهنا ، فالعرب هم ابرز جناة العصر بحق انفسهم ومستقبلهم ومصيرهم .
من كان على صواب : انت ام انا يا عمرو موسى ؟
انني اسأل من باب تحصيل حاصل : هل ستشهد المنطقة العربية هزات وارتجاجات داخلية ؟ الجواب : نعم ! هل ستتفكك الاوطان بتحلل وثاقات القرن العشرين بعد اضمحلال افكار العرب وايديولوجياتهم القومية ؟ الجواب : نعم ! هل سينتقل العرب من حالتهم الصعبة التي عاشوا عليها الى حالات عسيرة من نوع آخر ؟ الجواب : نعم . والاسباب كلها من مسؤولية العرب لا ان نعّلق مشاكلنا على شماعات الاخرين . وليس معنى الواقعية ان الواقع اصبح حسنا ، بل ما هي الا دليل صحة على ان الناس اصبحوا واقعيين يدركون حجوم اخطائهم ويؤمنون بالواقع لا بالخيال وبالافعال لا بالاقوال .. وقبل ان اغلق الباب اسأل الاخ عمرو موسى سؤالا واحدا : هل استطاع ان يحقق تهويماته التي اذاعها قبل عام واحد من الزمن ؟ هل حقق ما كان يتشدق به من تأسيس برلمان عربي ومحكمة عربية ومؤسسات اخرى ؟ عندما انتقدته نقدا مسؤولا وقت ذاك ، ردّ علي بواسطة نائبه او معاونه ردا رسميا غير مسؤول .. وعندما طالبته بأن يجيب على اسئلتي الصريحة .. صمت ولم يتكلم . اليوم اذكرّه بأن ما يصّرح به لا ينم عن مسؤولية ولا يفصح عن معرفة ولا يعالج اي واقع ..
وأخيرا : هل سيكون العراق نموذجا ؟
نعم ، هل سيكون العراق نموذجا للاخرين حتى العام 2009 ؟ ليس من اجل شعارات فضفاضة وخطاب لا اساس له ، بل من اجل ان تتفكك البنى الفكرية والسياسية القديمة التي لم تزل تعشش في الذهنية العربية ؟؟ فحفاظا على هذه المنطقة التي لم تنجح الانظمة القومية من الحفاظ عليها وتطويرها ضمن آليات معاصرة وعقلانية ومن خلال مبادئ انسانية ومدنية تراعي فيها مصالح الجميع .. فان الانطلاق من خصوصيات كل بلد من بلداننا العربية ومعالجته والاعتراف بحقوق ابنائه لابد ان يكون اساس الانطلاق .. وسيقضي اي مشروع من دون شك على جملة هائلة من المشكلات والمعضلات التي ستواجه العرب في المستقبل المنظور وخلال العقود القادمة من القرن الواحد والعشرين . فهل يا ترى ستصح اقوالي وافكاري .. ام انني على خطأ ؟ لا ادري .. فالمستقبل سيتكلم عن كل شيئ بحول الله .
ايلاف 10 سبتمبر 2005
قمة الخرطوم :
أجندة عربية تقود إلى الفشل !!
د. سّيار الجميل
” عند الرهان تعرف السوابق ”
مثل عربي
تنعقد خلال 28 – 29 مارس الجاري ، القمة العربية في الخرطوم والعرب يعيشون مشكلات وازمات لا حصر لها من خلال مرحلة تحولات خطيرة للغاية ، وعلى الرغم من كل ما صدر من قرارات عن مؤسسة القمة على امتداد اكثر من اربعين سنة ، الا ان قوة المتغّيرات لم تسمح بأي اساليب للتنفيذ .. وكلنا يتذكر ما اقر في القمة السابقة حول اصلاح جامعة الدول العربية واجهزتها ، فما الذي يمكننا توقّعه اليوم من هذه القمة ؟ وما الذي يمكنها ان تفعله ازاء التطورات الخطيرة في اكثر من بلد عربي ؟ خصوصا وان هناك من عارض انعقادها في السودان وهناك من وافق عليه .. ولقد مارست الولايات المتحدة ضغوطا هائلة ، وبدا ذلك من انشطة دبلوماسيتها مؤخرا من اجل توظيف اجندتها لخدمة مصالحها في الشرق الاوسط . انها بحاجة ماسة لغطاء عربي بعد التجربة المريرة لها في العراق منذ ثلاث سنوات .. واعتقد انها تخشى من انفجار قوي قد يحدث في المنطقة يبعثر كل وجودها ويجعلها ملتهبة لعشرات السنين ..
ما نفع ترسيم أي حدود للمشكلات العربية ؟
انني لا أتوّقع بأن هذا ” المؤتمر ” سينجح في ترسيم أي حدود للمشكلات العربية سواء كانت مزمنة ام مستحدثة .. ولكن المشكلة ليست في تقديم توصيف للازمات والتشدق بالمعضلات بقدر ما تحتاجه المنظومة العربية من حلول ربما لا توفرها القمة ، بل تسعى الى الاتفاق على آليات لحركة مشتركة تحدد وسائل وبرامج عمل مشتركة تتكفل فعلا باحتواء عناصر الازمات المتتالية ليس بحلّها بل استيعابها والعمل على الاستجابة لها .. انني اعتقد ان القضايا العربية ستسير من سيئ الى أسوأ اذ يبدو ان الجميع قد اقتنع بالفشل بعد الاحباطات التي منيت بها المؤتمرات السابقة والتي لم تحقّق شيئا ابدا ، بل بالعكس زادت من الفجائع وفاقمت من المشكلات التي تضخمت وبدأت تؤثر تأثيرات واسعة على كل المنظومة العربية . والمصيبة انها مشكلات تتعقّد وتتوّرم لتولد منها مشكلات جديدة ..
عزوف تسعة من الزعماء العرب !!
ما معنى عزوف تسعة من الزعماء العرب عن الحضور والمشاركة في مثل هكذا مؤتمر ؟ انني اعتقد بأن اغلب الزعماء العرب باتوا يؤمنون ايمانا راسخا بانعدام جدوى مثل هكذا مؤتمرات لا تساهم لا من قريب ولا من بعيد بتأسيس تاريخ جديد لـ ” الامة العربية ” ! انني اعتقد اعتقادا راسخا بأن انعدام المشاركة ليس معناه اهمالا منهم للقضايا والمشكلات العربية ، بقدر ما يعد موقفا من حالة التدهور التاريخي التي تسري في كل اجزاء المنظومة العربية منذ الانكسار التاريخي الذي احدثته هزة 11 سبتمبر 2001 .. ان بداية المؤتمر ونهايته في يوم واحد والخروج بمجرد بيان هزيل يرد ردّا عمليا على كل الكلام الكبير الذي صرّح به الاخ عمرو موسى ووصفه للمؤتمر بأنه ” قمة تاريخية ” وترويجه لها ترويجا لا يليق ابدا . هل يدرك ما معنى هذا الوصف ؟ ما الذي ستأخذنا اليه هذه القمة ؟ لا يمكن ابدا ان نصنع كلاما كبيرا من فوق منصة المؤتمر ومن وراء نظارة شمسية سوداء ! ان قضايانا لا يمكن ان تحلها قمة بائسة تنعقد في يوم واحد مع عزوف تسعة من الزعماء .. كي نصفها بـ : قمة تاريخية ” ! ما الذي ستفعله القمة ؟ هل ستغّير احوال العرب تغييرا جذريا ؟
العرب بين ايران واسرائيل
هذا ما اسمعه دوما من اغلب ابناء العالم العربي ، بل وان هناك من يعتبر ايران جبل من نار وان اسرائيل جبل من جليد .. كنت اتوقع ان مؤتمر القمة في الخرطوم سيتسابق كل صاحب قضية لعرضها على الملأ من اجل ان يجد له سبلا للخلاص مما هو فيه .. ان الزعماء العرب اليوم امام خيارات صعبة جدا ، وأنهم اليوم ـ ايضا ـ امام تنفيذ ما يستوجب اصداره من قرارات .. ربما لم يعتادوا على طبيعتها ابدا . انهم امام ركام مشكلات داخلية لا تحصى ، ففي كل دولة عربية جملة من الملفّات العالقة التي هي بأمس الحاجة الى حلول عملية وواقعية ، وهم ازاء معضلات اقليمية لا حدود لمخاطرها اذا ما تفاعلت في الضد من أي تهادن او تسوية ، والعرب لا يمكنهم معالجتها لوحدهم ، اذ ان اغلبها قد غلب عليه التدويل ، واخطر مشكلات العرب اليوم ليس مع اسرائيل ـ كما يظن ـ ، بل مع ايران التي بدأت باستعادة نهجها القديم في التوسّع والسيطرة وتصديره الى المحيط . والزعماء العرب اخيرا يواجهون ازمات دولية مع العالم كله وخصوصا مع الامريكان .. فهل يمكنهم مواجهة هذا الكم الهائل من التحديات ؟
التشتت العربي يقود الى تدويل قضايانا
انها ليست نظرة تشاؤمية ، بل انها مواقف عملية لمن يحدد ناقدا لمثل هكذا تقليد لا ينفع ابدا ما دام هناك تجاهل اتخاذ قرارات حاسمة ولا اعتقد بأن الزمن يساعد في تطوير القمة العربية وتطوير جامعة الدول العربية .. علما بأن العرب حتى يومنا هذا لا يدركون ان عجزهم من تناولهم قضاياهم المدولنة التي لا يمكنهم ان يتخذوا أي قرارات ملزمة .. في حين انهم يمكنهم ان يلعبوا لعبتهم التاريخية بالبحث في قضايا اقليمية يمكنهم من خلالها التحرك وتقديمهم اكثر بكثير بعيدا عن المحددات او الكوتة التي يطالبهم الاخرون بها .. وخصوصا الولايات المتحدة الامريكية واسرائيل .. ولا ادري لماذا يرفض الاخ عمرو موسى من معالجة المقترحات التي تقدمها دولة الامارات العربية المتحدة وهي تدرك مدى الاخطار الاقليمية التي تحيط بمنطقة الخليج العربي وابعاد شبح التسلح النووي عنه بشكل مواز لما يمكن عمله في كل منطقة الشرق الاوسط ، اذ لا يمكن ابدا دفع المنطقة كاملة الى مخاض التسلح النووي لتغرق مستقبلا ببحر من الدماء . ان مؤتمر القمة الحالي لا يستطيع البتة ان يغدو مختصرا لموقف عربي موّحد ازاء الحالة في العراق الذي لم يكشف حتى يومنا هذا عن مصير ما يدور فيه بين الولايات المتحدة وبين العراقيين .
من يحدّد مصير العراق ؟
هذا سؤال كبير فعلا .. يسأله أي عراقي ما زال يلتصق بوطنه التصاقا حقيقيا : من سيحدد مصير العراق ؟ هل سيقوم العراقيون بذلك وهم مشغولون جدا ، بل وانهم يعرفون بأن مصير وطنهم بات على كف عفريت ! وهل سيقوم الايرانيون بهذه المهمة التي كانت تنتظرها منذ ازمان طوال ؟ ام سيقوم الامريكان بتنفيذ اجندتهم وخططهم المرسومة ؟؟ وعليه ، أسأل : هل يمكن للقمة ان تتفق على عدم التدخل في الشأن العراقي مع تدخلات اقليمية لتحديد مصيره وخصوصا الاوراق التي تلعبها ايران في داخل العراق . ان مجرد التلميح لاجراء مباحثات امريكية ـ ايرانية بشأن العراق بعيدا عن العراقيين انفسهم يمثل ـ كما وصفت ـ طعنة نجلاء في قلوب العراقيين .. فكيف يا ترى سيغدو الموقف العربي من هذا الشأن ؟ وهل كانت ايران قابلة بالوجود الامريكي في العراق حتى يمكن ابعاد الرؤية العربية عن التعبير لما يدور في تفكيرها عن مصير العراق ؟ ان مؤتمر القمة في الخرطوم ولد ميتا منذ الوهلة الاولى ..
حماس والابواب المسدودة
لقد خلق مجئ حماس من خلال انتخابات نزيهة ، أوضاعاً سياسية ستدفع وتشجع تيارات إسلامية أخرى في دول عدة لتكرار التجربة “الديمقراطية” من ناحية ثانية مما أثار أشد القلق في كل مكان. فضلا عن مأزق الحماسيين الفلسطينيين بدخولهم في زقاق لا يمكنهم الخروج منه الا بثمن باهظ عليهم .. واعتقد ان تعّويلهم على دعم العرب والمسلمين لا ينفع ابدا ، ولا يمكنهم اللعب بأي اوراق من دون الدعم الدولي . اما المشهد المأساوي العراقي الذي يسير من سيئ الى أسوأ نظرا للاخطاء التي ارتكبها الجميع بحق العراق والعراقيين منذ سنوات خلت .. فما الذي يمكن لهذا المؤتمر ان يقدّمه من حلول للمأساة ؟؟ وستعرض السودان مشكلتها في دارفور التي تدّولت واصبحت عرضة للتدخلات اسوة بمشكلات مدولنة اخرى . وعليه ، فأن ” المؤتمر ” لا يمكنه معالجة كل المشكلات ، او حتى التي سيتضمنها جدول اعماله .
العالم وتهميش القضايا العربية
ان مجرد القاء نظرة عابرة على جدول الاعمال سيكتشف أي مراقب ذكي ان خلطة لا اول لها ولا اخر سيحضر الزعماء العرب على توصيفها واقرارها لا غير ليجلسوا في قاعة مغلقة يتنابذون حولها ويغادرون الخرطوم .. اليست هناك حاجة ماسة لاحداث الفصل بين القضايا العربية قاطبة ، وان تعالج كل قضية ساخنة في مؤتمر خاص بها ولأطول فترة ممكنة لتحديد برنامج ( قومي ) متفق عليه ازاء تلك القضية بكل عناصرها وطبيعتها .. من هنا يبدو ان أي مؤتمر للقمة لا يمكنه ان ينجح اذا كان الغير يهمّش دوره في معالجة قضاياه الخطيرة . ويمكننا القول بأن العرب انفسهم قد قاموا بتهميش قضاياهم بايديهم ، فالعالم لا ينتظرهم بعد ابدا .. وسيضحك عليهم دوما ان استمروا يجربّون ملكاتهم في صنع الكلام الكبير والتبجح بمقولات جاهزة لا اساس لها من الصحة ابدا .. العرب يمّثلون اليوم ادوارا باهتة وخاملة وهم انفسهم يعطون الفرص لغيرهم ان يلعبوا بالمنطقة على حساب حقوقهم ومستقبل اجيالهم . ان العرب ليس لهم اليوم أي فعل تاريخي ، ولكنهم ما زالوا واقعين تحت طائلة ردود الفعل .. انهم لا يعيشون داخل منظومة واحدة ، بل انهم يعيشون في جزر متباعدة وغدوا فرقاء لا شركاء وهم جميعا مقتنعين بعزلتهم عن كتلة تحتل قلب العالم اسمها العالم العربي .. وعلينا ان لا نسمع خطابات فارغة ومقولات وشعارات باتت لا تنفع ابدا .. فلقد انتهى زمن الخديعة وهناك جيل جديد له من الوعي بهذه الدوامة التي لم يستطع صناع القرار من ايجاد علاجات لها .
لماذا لم يقتنص العرب الفرص السانحة ؟
لما كنّا ننتقد المواقف العربية وحالات الجنوح وحالات الخدائع وحالات التشويه والاعلانات الطوباوية .. كانوا يجيبوننا بأننا نزرع التشاؤم ولا نسّوق الامل من دون ان يعلموا بأن الحياة العربية لا يمكن حل مشكلاتها بالشعارات والبيانات .. ولا يمكن المضي عبر هذا الزمن بعيدا عن الواقعية السياسية والسعي لدرء المشكلات والنضال دون ان تدوّل قضايانا .. وان تعالج قضايانا الداخلية المريرة داخل حصوننا من دون السعي لاشراك الاخرين وخصوصا منذ العام 1990 ، ولكن هذا لم يحدث ابدا .. لم يتعلّم العرب ابدا لا من تجاربهم المريرة في القرن العشرين ، كما لم يتعلموا ابدا من تجارب الاخرين وخصوصا اثر انهيار الكتلة الاشتراكية وكيف نجحت بلدانها القديمة في اقتناص الفرص السانحة !
الاجندة الامريكية :
أن الإحباطات والصدمات ستنعكس بالسلب على المؤتمرين الذين ستحكمهم خيارات صعبة للغاية .. واعتقد ان المؤتمر ليس من الاهمية ليكون ورقة تلعب بها الإدارة الامريكية وتوظيف مقرراته ، ” كأحد الأسلحة في خوض معركة انتخابات التجديد النصفي للكونجرس هذا العام التي تبغي من ورائها تقوية قبضة الحزب الجمهوري على مجلسيّ النواب والشيوخ ” !! ولكن يبدو أن العرب يعيشون اليوم دوامة عصيبة ، فهم بين أجندة امريكية مقننة وبين ارادة عربية مشتتة . ويبدو بوضوح أن الإدارة الأمريكية في حالة سباق مع الارادة العربية ، فهي تسابق الزمن لما هي عليه اليوم ازاء ما وقفت عليه من مستنقع الصدمات والإحباطات العديدة .
وأخيرا : اذا اقول ؟
ويبدو بوضوح ان مؤتمر قمة الخرطوم بات فاشلا فشلا ذريعا ، وهي نتيجة معروفة بسبب ما قدمته من افكار واسباب . نعم ، ان العرب في حالة تفكك بفعل الارادة المشتتة ازاء تحولات صعبة جدا لابد من دفع اثمانها . كنت اتمنى على قمة الخرطوم ان تكون لاعباً مهماً في مجال إعادة ترتيب الأوضاع العربية الملتهبة، والخروج ببرامج عمل موّحدة من اجل التغيير والسيطرة على التحولات ، وتلبية ضرورات وحاجات العرب في كل مكان لا لارضاء اية اطراف مأزومة.. ، بل من اجل الاستجابة للتحديات التاريخية التي ستواجهنا على امتداد سنوات قادمة .. ولكن هذا لم يحدث مع كل الاسف !
ايلاف 28 مارس 2006
مؤتمر القمة في الخرطوم : أجندة عربية أم ماذا ؟
د. سّيار الجميل
تنعقد خلال 28 – 29 مارس الجاري ، القمة العربية في الخرطوم والعرب يعيشون مشكلات وازمات لا حصر لها من خلال مرحلة تحولات خطيرة للغاية ، وعلى الرغم من كل ما صدر من قرارات عن مؤسسة القمة على امتداد اكثر من اربعين سنة ، الا ان قوة المتغّيرات لم تسمح بأي اساليب للتنفيذ .. وكلنا يتذكر ما اقر في القمة السابقة حول اصلاح جامعة الدول العربية واجهزتها ، فما الذي يمكننا توقّعه اليوم من هذه القمة ؟ وما الذي يمكنها ان تفعله ازاء التطورات الخطيرة في اكثر من بلد عربي ؟ خصوصا وان هناك من عارض انعقادها في السودان وهناك من وافق عليه .. ولقد مارست الولايات المتحدة ضغوطا هائلة ، وبدا ذلك من انشطة دبلوماسيتها مؤخرا من اجل توظيف اجندتها لخدمة مصالحها في الشرق الاوسط . انها بحاجة ماسة لغطاء عربي بعد التجربة المريرة لها في العراق منذ ثلاث سنوات .. واعتقد انها تخشى من انفجار قوي قد يحدث في المنطقة يبعثر كل وجودها ويجعلها ملتهبة لعشرات السنين ..
ان مؤتمر القمة في الخرطوم سيتسابق كل صاحب قضية لعرضها على الملأ من اجل ان يجد له سبلا للخلاص مما هو فيه .. ان الزعماء العرب اليوم امام خيارات صعبة جدا ، وأنهم اليوم ـ ايضا ـ امام تنفيذ ما يستوجب اصداره من قرارات .. ربما لم يعتادوا على طبيعتها ابدا . انهم امام ركام مشكلات داخلية لا تحصى ، ففي كل دولة عربية جملة من الملفّات العالقة التي هي بأمس الحاجة الى حلول عملية وواقعية ، وهم ازاء معضلات اقليمية لا حدود لمخاطرها اذا ما تفاعلت في الضد من أي تهادن او تسوية ، والعرب لا يمكنهم معالجتها لوحدهم ، اذ ان اغلبها قد غلب عليه التدويل ، واخطر مشكلات العرب اليوم ليس مع اسرائيل ـ كما يظن ـ ، بل مع ايران التي بدأت باستعادة نهجها القديم في التوسّع والسيطرة وتصديره الى المحيط . والزعماء العرب اخيرا يواجهون ازمات دولية مع العالم كله وخصوصا مع الامريكان .. فهل يمكنهم مواجهة هذا الكم الهائل من التحديات ؟
لقد خلق مجئ حماس من خلال انتخابات نزيهة ، أوضاعاً سياسية ستدفع وتشجع تيارات إسلامية أخرى في دول عدة لتكرار التجربة “الديمقراطية” من ناحية ثانية مما أثار أشد القلق في كل مكان. فضلا عن مأزق الحماسيين الفلسطينيين بدخولهم في زقاق لا يمكنهم الخروج منه الا بثمن باهظ عليهم .. واعتقد ان تعّويلهم على دعم العرب والمسلمين لا ينفع ابدا ، ولا يمكنهم اللعب بأي اوراق من دون الدعم الدولي . اما المشهد المأساوي العراقي الذي يسير من سيئ الى أسوأ نظرا للاخطاء التي ارتكبها الجميع بحق العراق والعراقيين منذ سنوات خلت .. فما الذي يمكن لهذا المؤتمر ان يقدّمه من حلول للمأساة ؟؟ وستعرض السودان مشكلتها في دارفور التي تدّولت واصبحت عرضة للتدخلات اسوة بمشكلات مدولنة اخرى . وعليه ، فأن ” المؤتمر ” لا يمكنه معالجة كل المشكلات ، او حتى التي سيتضمنها جدول اعماله .
أن الإحباطات والصدمات ستنعكس بالسلب على المؤتمرين الذين ستحكمهم خيارات صعبة للغاية .. واعتقد ان المؤتمر ليس من الاهمية ليكون ورقة تلعب بها الإدارة الامريكية وتوظيف مقرراته ، ” كأحد الأسلحة في خوض معركة انتخابات التجديد النصفي للكونجرس هذا العام التي تبغي من ورائها تقوية قبضة الحزب الجمهوري على مجلسيّ النواب والشيوخ ” !! ولكن يبدو أن العرب يعيشون اليوم دوامة عصيبة ، فهم بين أجندة امريكية مقننة وبين ارادة عربية مشتتة . ويبدو بوضوح أن الإدارة الأمريكية في حالة سباق مع الارادة العربية ، فهي تسابق الزمن لما هي عليه اليوم ازاء ما وقفت عليه من مستنقع الصدمات والإحباطات العديدة .
ويبدو بوضوح ان العرب في حالة تفكك بفعل الارادة المشتتة ازاء تحولات صعبة جدا لابد من دفع اثمانها . اتمنى على قمة الخرطوم ان تكون لاعباً مهماً في مجال إعادة ترتيب الأوضاع العربية الملتهبة، والخروج ببرامج عمل موّحدة من اجل التغيير والسيطرة على التحولات ، وتلبية ضرورات وحاجات العرب في كل مكان لا لارضاء اية اطراف مأزومة.. ، بل من اجل الاستجابة للتحديات التاريخية التي ستواجهنا على امتداد سنوات قادمة
ملحق البيان الاماراتية 28 مارس 2006