الرئيسية / الشأن العراقي / استحقاقات العراقيين

استحقاقات العراقيين

ثمة حقوق وواجبات مفتقدة اليوم لدى اوساط متنوعة من العراقيين الذين من حقهم تماما ان يطالبون بما لديهم من حقوق انسان او حقوق مواطن .. اجدها ضائعة في خضم المتغيرات التي حصلت من دون رؤيتنا أي اصلاح ولا أي تغيير ولا أي معالجات ولا أي منجزات .. ان ما يثير الاسى في أوضاع العراقيين انهم لم يحققوا حتى اليوم عشر معشار ما كانوا يحلمون به .. بل وانهم يجدون العدالة مفتقدة في مجتمع تنحره الانقسامات ، وتضيع فيه الحقوق ، وتتردى فيه الخدمات ، وتتراجع فيه الارادة .. ويتبدد فيه الزمن ، ويتفاقم فيه الطفيليون والسراق والانتهازيون والوصوليون والمراوغون والطائفيون .. ويفتقد فيه الامن ويزداد فيه الغلاء ويموت فيه سوق العمل وتنعدم الخدمات .. فما الذي يمكننا ان ننتظره ؟

الديمقراطية تكفل التظاهر السلمي
.. ان العراقيين لا يطالبون بشيئ الا بحقوقهم التي يجدونها مهدورة تماما من دون ان يفعل المسؤولون شيئا حتى الان ، بالرغم مما نسمعه من تصريحات وخطابات ، الا ان الحقائق تكذب كل الذين يصفقون للاوهام ، ولا يعبئون بارادة الناس الذين لا اعتقد انهم سيبقون ساكتين على الاوضاع .. ربما كان العراقيون لهم مطاليبهم المشروعة التي نعرفها تماما ، ويريدون طرحها على العالم ، ومن حقهم ذلك ، ما دام العراق يعيش حياة ( ديمقراطية ) ـ كما يقولون ـ . المشكلة اليوم انك تجد هيمنة الايديولوجي او الطائفي او الشوفيني او العرقي او الفاشي على الوطني والاجتماعي والاخلاقي .. ان من حق العراقيين جميعا ان يعيشوا منسجمين ومتلاحمين في صد التفرقة وعواملها .. هناك من يتخندق في طرف ازاء الطرف الاخر نتيجة ثقل المعاناة التي افرزتها الظروف الصعبة .. ولقد مر العراقيون في عصور مختلفة بمثل هذه الاحوال ، وعانوا من القسوة والظلم والقمع المنظم .. فما الذي فعلته الدولة ازاء المجتمع ؟ اين تذهب ثروات العراقيين منذ سنين ، وهم لا يجدون حتى الان الحياة الكريمة والعيش الرغيد ؟ وعليه ، فان الديمقراطية كفيلة باية تظاهرات سلمية تطالب الناس من خلالها باستحقاقاتها كلها من اية حكومة ..
لا نريد طبقة حاكمة لشعب مقهور
ان سلوكيات مزمنة تفّشت على السطح لدى بعض المسؤولين العراقيين الذين وجدوا أنفسهم يتعالون على شعبهم ، بل ولا يتكلمون الا من فوقية عالية تثير الهزل ، فهل يشاركون شعبهم همومهم واتعابهم ومآسيهم ؟ ما الذي يجعل المنطقة الخضراء واحة منفصلة عن العراقيين ؟ ما الذي يجعل المسؤول العراقي اليوم يقّدم الشأن الخاص على الشأن العام ..؟؟ ولا يمكن أن يسكت أي عراقي ، وهو يسمع ما يقبضه المسؤولون في العراق من رواتب وامتيازات فاحشة لا يمكن أن يتصورها خيال انسان ! واذا ما انتقد او قدمّت اليه اية نصيحة ، فان المسؤولين يرفضون ويتهمون من ينتقدهم باقسى التهم .. واذا ما اعلن الناس عن تظاهرات لهم لعرض مطاليبهم المشروعة ، ثار البعض ليتهمهم بشتى التهم ! فأين يذهب أي عراقي وهو يطالب بحقوقه او يسأل عن حل مشكلته ! ان المناخ الديمقراطي يوّفر لكل مواطن عراقي ان يمارس حقه المشروع بعرض مطاليبه ، وهو يعتقد بأن له الحق في ان يتحرر من قبضة سجن الماضي . ان من وعد الشعب بالاصلاح وتقديم الخدمات والسعي لتوفير الامن واتاحة فرص العمل وتحسين المستوى المعاشي وحل مشكلة السكن .. مطالب ان يحقق ما وعد به الناس ، فهي استحقاقات مشروعة لمجتمع تمزقه الاهواء ويسحقه الفساد ويعمّه الخراب .. ان العراقيين لا يريدون ابدا ان يجدوا انفسهم من المقهورين ، وهم ازاء طبقة حاكمة لا تتعامل الا بالملايين والمليارات !

أين الوعود التي سمعناها ؟
ان الحقائق التي نسمع بها ونقف على حيثياتها لا يمكن ان تصدق ابدا .. وكم تمنينا ان تتبدل الصورة التي استمرت لسنوات مضت عن مقاساتها ووضعيتها كي تغدو اكثر اشراقا وجمالا ، ولكنها لم تزل قبيحة المنظر سيئة المقاييس .. خصوصا اذا علمنا بأن الحقيقة لم تزل شديدة المرارة ، وان حجم الخبايا لم يزل مطويا بالاسرار !! وكم طالبنا بالكشف عن الحقائق المخفية ، خصوصا تلك التي تشكلت عنها لجان وتحقيقات .. ولكن لم يزل المسؤولون يلوذون بالصمت .. ، ليس لأنهم يجهلون الحقائق ، ولكن لأن الحقائق خطيرة جدا سيذهل الشعب ان عرف تفاصيلها .. ومن حقه ان يدرك كل حقائق بلده .. ومن حقه ان يسأل عن أسباب التغييب والتعتيم والتضليل .. وهو يعيش ظروفه الصعبة والقاسية التي لم تمنحه الوقت والطمأنينة ان يعترض .. ان أي معارضة ، وأي نقد ، وأي شكوى ، وأي مطالبات ، وأي رأي آخر .. لا يمكن ان تعامل جميعها بأنفاس عدائية ، وأدوات قمعية ، وتجاهل متعمد .. ان العراقيين لا يمكن ان يسكتوا على ما يصادفونه .. ولا يمكنهم ان يصمتوا على ما يسمعونه .. انهم لا يريدون الا حقوقهم الوطنية واستحقاقاتهم في حياة كريمة وعيش مرفه وخدمات كاملة ..

الممارسات الغبية : الى أين ستأخذ العراقيين ؟
ان السياسات الداخلية التي تمارس اليوم من قبل هذه المؤسسة او تلك الوزارة .. من قبل مجلس العاصمة او مجلس تلك المحافظة .. من قبل مجلس العاصمة او المجلس البلدي .. لا يمكن ان يتقبلها الشعب العراقي بكل اصنافه واطيافه .. ان فرض تعليمات كسيحة بالقوة باسم الدين على المجتمع ومثقفيه سيولد انفجارا غير مسبوق .. يستخدم الدين غطاء واهيا لأن الدين اصلا اصبح تجارة رائجة في كل الثقافات الموجودة في المنطقة .. وغدا بعض المسؤولين لا يرتفع فوق طائفته او حزبه كونه لا يرى الحقيقة الا في حزبه او طائفته . هنا أنبه ان يعالج امر اية تظاهرات بالمعروف ، حتى وان بلغت شأوا كبيرا .. وأتمنى على المسؤولين العراقيين حسن تقدير للامور ، وان يعالجوا الامور بمنتهى الحكمة خصوصا وان موجة التغيير تكتسح كل المنطقة في ظل الكارثة المروعة التي تعيشها شعوب المنطقة في ظل انظمة وبات يخاف ان ينتهي ببشاعة .. اصبح يهادن وهو يكذب ويعرف انه يكذب .. اصبح يشيّد من عندياته قصصا لا اساس لها من الصحة .. اصبح لا يرى من الحقيقة الا ما يخدم اغراضه والحفاظ على رواتبه وامتيازاته ووسائله المكشوفة .. اصبح لا يستمع لأحسن القول ، بل لأسوأ الاقوال .. اصبح يتكلم معسول الكلام ويعمل في الضد مما يقول ..

مشروعية الاستحقاقات الوطنية
ينبغي على العراقيين ان لا يسكتوا ازاء حقوقهم الثقافية والاجتماعية .. لا يسكتوا على كشف كل العيوب ، وفضح كل الممارسات بالأساليب الحضارية ، والأدوات السلمية ، والتظاهرات المدنية وأن يؤسسوا مواجهة بينهم وبين المسؤولين بلا خوف .. مع الالتزام باحترامهم ومن دون استخدام أي سباب او شتائم .. ان المجتمع العراقي قبل خمسين سنة كان يمشي نحو التقدم عندما كان الشعب يمتلك الشارع السياسي ليعبّر عمّا يريد ، في حين لا نجد أي لغة حوار بين السلطة والشعب هذا اليوم .. بل ان مجتمعنا العراقي اليوم بحاجة ماسة الى المطالبة باستحقاقاته الوطنية والكفاح من اجل نيلها ، فضلا عن تساؤلاته المشروعة عن موارده وسبل الانفاق لميزانية كل عام . ان كافة المسؤولين لابد ان يكونوا في طليعة الناس الموجهين المرنين الذي يؤمنون بالحوار .. وان يرى كل مسؤول نفسه مرآة عاكسة لهموم شعبه ، ويغدو خادما امينا لهم ويسعى لتحقيق ما يصبو اليه كل العراقيين . ان استحقاقات العراقيين لا تتحقق من دون التغيير والإصلاح .. من دون البرامج والمشروعات .. من دون التخصصات والكفاءات .. من دون التحديث والكفاءات .. فاذا لم يعمل كل المسؤولين العراقيين على التغيير ، فانهم يساهمون في قتل الحياة والابقاء على الخراب ..

وأخيرا : من اجل اجراءات حقيقية
ان التغيير لا يمكن ان يأتي بمواعظ وبيانات وفتاوى وتصريحات ولقاءات ماراثونية على شاشات التلفزيون .. انها مشروعات حقيقية لتغيير المجتمع تغييرا جذريا ومساعدة الناس ومنحهم حقوقهم ومحاسبتهم على واجباتهم .. اي بمعنى تغيير الوعي والتشيؤات والتفكير .. وان يفصل أي مسؤول في الدولة بين الدولة كمؤسسات وبين المجتمع كابناء شعب .. ولا يمكن اجراء اي تحولات حقيقية ان لم تجد دستورا مدنيا منفتحا يشكل القانون حدود منطلقاته .. لقد احبط الشعب العراقي جدا جراء عدم تنفيذ ما وعد به من قبل المسؤولين الذين لم نجدهم قد خطوا خطوة واحدة باتجاه التغيير والاصلاح . ان العراقيين يطالبون باستحقاقاتهم كافة ، ولا يمكن للحكومة ان تلغي ببساطة حقوق أي عراقي ساهم في انتخابها ام لم يساهم ، فهو مواطن له حقوق لابد ان يتمتع بها ، وواجبات لابد ان يمارسها ..
نعم ، ان على الحكومة ان ترعى مصالح الناس ، ولا تضايقهم ، وان تسعى لتوفير الخدمات اليهم .. وان يشعروا بأنها تعمل من اجل حمايتهم وأمنهم .. على الحكومة العراقية ان لا تكيل بمكيالين في تعاملها بين العراقيين .. وان لا تعد الناس بالوعود المعسولة من دون أي فعل او أي اجراء او أي نتائج .. على الحكومة العراقية ان تقابل اية مظاهرات سلمية بالمعروف ، من دون أي مواجهة قمعية أو استخدام العنف .. فحذار من اتخاذ اية إجراءات بوليسية .. ان من تعهّد ان يؤدي الأمانة في مسؤوليته وان يعمل على أتمّ وجه لابد ان يفي بعهده للناس والتاريخ .. وان يسجل صفحة بيضاء ونظيفة وان ينتظر ما يطالبه الناس به لتنفيذه .. وان يتمتع بدرجة عالية من الشفافية لاستيعاب أي نقد او معارضة او مخالفة والعمل بما يرضي الله ويخدم البلاد والعباد .. ان العراقيين بأمس الحاجة الى سلسلة طويلة من تحقيق المطالب .. من دون ان ينسى الجميع وطنهم العراق الذي هو بأمس الحاجة الى كل من المسؤولين والمواطنين معا . فهل وعينا الدرس قبل طغيان الامواج ؟

نشرت في جريدة الصباح البغدادية ( عمود : مكاشفات عراقية ) ، 17 شباط / فبراير 2011 ، ويعاد نشرها على موقع الدكتور سيار الجميل
www.sayyaraljamil.com

شاهد أيضاً

نقطة نظام ضد الفساد والمفسدين والفاسدين

ملاحظة : طلب مني عدد من الاصدقاء العراقيين ان اعيد نشر هذا ” المقال ” …