الرئيسية / الشأن العراقي / اليزيديون: خصوصيّة عراقيّة.. دعوة للمساندة

اليزيديون: خصوصيّة عراقيّة.. دعوة للمساندة


الانقسام .. الثنائية :
تسلمت البارحة رسالة من صديق احترمه وأجله ، وهو مواطن عراقي مثقف من الطائفة اليزيدية ، لا يريد أن أبوح باسمه ، وكان قد طلب مني قبل شهر أن أقف إلى جانب الأخوة اليزيدية في محنتهم اليوم ، وهم ينقسمون إلى قسمين اثنين ، أولاهما : يمالئ الأخوة الأكراد في مشروعهم الفيدرالي، ويعتبر نفسه جزءا منهم ، وان قضيته هي قضيتهم ، وثانيهما : يعد نفسه قومية يزيدية قائمة بذاتها لها خصوصياتها وتاريخها وعلاقاتها وعناصرها التي ترغب أن تكون مستقلة الإرادة والمصير ! وكنت قد تلقيت رسالته وأنا على سفر بعيد ، فوعدته خيرا ، علما بأنني قد وعدت نفسي منذ أكثر من ثلاث سنوات أن لا أتدخل بالشأن اليزيدي ، نظرا لما تلقيته من إساءات لا معنى لها من قبل أخوة يزيديين يرفضون كل ما ورد في كتب التاريخ ، بل ويرفضون ما تتضمنه أخبارهم وتسمياتهم وخصوصياتهم ! باختصار ، إن موقفا سياسيا يحرّك ذلك البعض ، وباتجاه معين ، عندما قبل أن يلغي خصوصيته القومية ، ويلتحق بركب سياسي أسوة بطوائف وجماعات أخرى من طيف المنطقة ! وربما كان لبعضهم الحق نظرا للتحديات التي واجهتهم ، وقسوة المعاناة التي مرّوا بها على مدى زمني طويل ، ولكن السؤال : هل ستعطى لهم حقوقهم التي ينادون بها ؟ وهل المسألة أيديولوجية أم وطنية ؟

هواجس ومناشدات
أتمنى أن أكون مخطئا دوما ، وان يكون غيري على صواب ، ولكن ما ينتابني من هواجس ومخاوف على مصيرهم ومصير أي عراقي له خصوصيته وثقافته ، أو هويته وانتماءه ، أو دينه وطقوسه .. إنني دوما ما افكّر بمصير الطيف العراقي عندما يزج البعض نفسه مع الفرقاء الكبار ! إن هؤلاء الذين ليس لهم إلا أسلوب المواجهة الفاشلة ، لا يقدرون الأمور حق قدرها اليوم ، وسوف لن يصيبهم إلا الشقاء لا سمح الله .. وهذه كلمة أقولها للتاريخ ، خصوصا ، وإنني قد خبرت تاريخ اليزيدية عبر الزمن ، ودوما ما كنت وما زلت أقول في محاضراتي وكتاباتي : ان اليزيدية قد دفعوا أثمانا غالية من دمائهم وأرواحهم دفاعا عن وجودهم ومصيرهم .. عن دينهم وتقاليدهم .. ولم يقف معهم أحدا على امتداد خطوط عيشهم وترابهم على جانبي نهر دجلة .. ربما كانت لهم صراعاتهم الداخلية في ما بين عشائرهم ، ولكنهم تلقوا أقسى الضربات عبر التاريخ . اليوم ، آليت على نفسي أن تكون إجابتي لهذا الصديق اليزيدي الذي يكتب رسائله لي بشفافية مريحة جدا ، وبأخلاقية عالية جدا .. أن أناشد أولا المسؤولين العراقيين في كل من مركز بغداد العاصمة ، وأيضا حكومة الموصل الإدارية الجديدة ( وهي الأهم ) الانفتاح على الإخوة اليزيدية لمعرفة مشكلاتهم وتطمينهم .. واعتقد أن الأخوة اليزيدية يدركون بأن مكاسبهم من عراق ديمقراطي له ثرواته ومجالاته الواسعة وعوامله في الإنتاج ، أفضل بكثير من التقوقع محليا .

اليزيدية : ضمانة حقيقية
إنني أطالب ببث وعي جديد إزاء اليزيدية كونهم مواطنين لهم حقوقهم وواجباتهم لا بل اطلب من كل أبناء الموصل بمختلف أطيافهم ان ينفتحوا على اليزيدية على كلا جانبي دجلة سواء محور بعشيقة ـ بحزاني ـ عين سفني ( الشيخان ) ، أو محور جبل سنجار غربا .. فهم ضمانة حقيقية لهم ، وليعلم الجميع أن مثل هذه الهيئات الاجتماعية المسالمة هي مقتنعة تمام الاقتناع بخصوصيتها ، ولكنها بحاجة إلى من يقف إلى جانبها ، وان يمتعها بكل حقوقها وواجباتها ، فهي تضم مواطنين عراقيين أولا وأخيرا .. وكما ذكر لي صديقي اليزيدي في رسالته بأن العرب قد اخطئوا كثيرا بعدم انفتاحهم منذ اللحظة الأولى علينا .. فكان أن انقسمنا إلى قسمين اثنين .. وأضيف بأن سكان المنطقة بكل أنواعها السكانية تريد لها ضمانات مستقبلية لها ، ولأولادها وأحفادها من بعدها .. وان تلك ” الضمانات ” لا يحققها لهم إلا العراق بكل ثرواته ووسائل إنتاجه ، خصوصا ، إذا ما استعادت البلاد أنفاسها وسلكت طريق بناء المستقبل .

الاخطاء .. من يعترف بها ؟
يقول الرجل مشخصا حالة نينوى وهو يتابع رسالته : ” ويجري من مغالطات ودمار سببها الوجود الكردي في غياب الدولة والأخطاء الشنيعة التي اقترفها عرب المحافظة منذ الاحتلال ولغاية الانتخابات الأخيرة بسبب عدم مشاركتهم السياسية وترك المجال لغيرهم ” . نعم ، لقد كان خطأ كبيرا ، واذكر أنني قد خرجت على شاشة التلفزيون أيام الانتخابات الأولى ، طالبا من أبناء محافظة نينوى الذهاب إلى صناديق الاقتراع .. وقد خاصمني البعض كوني دعيت للذهاب إلى الانتخابات من دون أن يدرك انه بمقاطعته تلك ، قد ضّيع فرصة ذهبية من يده .. واليوم ، وقد صنعت نينوى إرادتها بمشاركة كل الطيف ، فأنني أناشد الموصل مراعاة الوجود اليزيدي على جانبي دجلة .. وأنا واثق تمام الثقة ، أن أبناء المركز والأطراف لا ينكرون الوجود اليزيدي ودوره في تغيير المعادلة .. ولابد من فتح باب التحقيقات بشأن التفجيرات الكارثية التي حلت بهم ، ومعرفة من كان وراءها !

لماذا تشويه العلاقة ؟ دعوة لتجسير العلاقة مع الجميع
أن اليزيدية اليوم في محافظة نينوى يشكلون عمقا استراتيجيا ويمكنهم أن يغيروا المعادلة في المحافظة لصالح هذا الطرف أو ذاك .. ويتابع صديقنا اليزيدي قائلا : ” كان العرب قد أهملوا دورهم ، وخلال السنوات الخمس المنصرمة عززت المعادلة لصالح الإخوة الأكراد . لقد نجحوا إلى حدٍ بعيد عن طريق العديد من القنوات منها؛ محو العلاقات التاريخية بين العرب واليزيدية في المنطقة مع إهمال العرب لأي تقارب ممكن أن يوقف هذا التجاوز .. وثمّة اتصالات بين الشيوخ من الطرفين، ولكن بدون استجابة من العرب. لقد عانى اليزيديون في مناطقهم من التهديد والتشريد والقتل وترك الدراسة والأعمال وبتدبير وتخطيط جيدين عملوا على دق الإسفين بين العرب واليزيديين بالرغم من أننا نبهنا جهات كثيرة سواء بشكل مباشر أو من خلال وسطاء ونبهناهم، بل وعرضت نفسي للمهالك بسبب تلك المواقف .. ” ! ( انتهى )



معبد الشيخ عدي بن مسافر

إن علاقة الموصل بكل من المحورين اليزيديين : عين سفني ـــ جبل سنجار ، كبير جدا ، أسوة بالمحاور الأخرى ومسالكها وبكل القاطنين بها ، وخصوصا من الجوانب الاقتصادية ، فالاقتصاديات المحلية للمحورين موثقة العلاقة منذ القدم ، وان ارتباط الموصليين بكل من الجانبين زراعيا وتجاريا قد أفاد الناس كثيرا .. فضلا عن أن الموصل تجمع مركزيتها كل تلك المناطق .. إنني اعتقد بأن حكومة بغداد مطلعة على كل الحيثيات والتفاصيل لأغلب ما جرى من وقائع خلال السنوات الخمس الماضية . ولكن تبقى إدارة الموصل هي المسؤولة عن إعادة تجسير العلاقة بين الطرفين ، وايلاء اليزيدية الاهتمام اللازم ، فضلا عن زرع وعي جديد بالانفتاح على الآخرين .. وكيفية بناء المصالح الجديدة بين مختلف الأطراف ، درءا للانقسام والتشظي والعبث بوحدة العراق الوطنية .. ويسعدني جدا إن لغة جديدة بدأت تسود الموصل من اجل السلم والحياة والتطور والانفتاح على الآخرين بعد موجات الرعب الشديدة التي كانت مسيطرة على الناس لأربع سنوات عجاف .. وبالرغم من كل الدعوات الكريمة بدءا بأئمة الجوامع وانتهاء بالتجار في الموصل بعدم إيذاء اليزيدية ومعرفة من تسبب ويتسبب في ذلك .. فان هناك بعض الكّتاب من اليزيدية قد قابل ذلك بالسخرية والتهكم من قبل من يريد فصم العلاقة مع الموصل والالتحاق بإقليم كردستان !

دعوة للوقوف الى جانب اليزيدية
كتبت لي احدى السيدات اليزيديات العراقيات قائلة : ” إني تأسفت كثيرا على تلك الهجمة غير المبررة التي تعرضت لها حول دراستك عن اليزيدية ، ولكن هؤلاء الغوغاء الدين ينعقون مع الناعقين والذين ينفثون سمومهم دون مسؤولية لكن ما بأيدينا حل لا نستطيع أن نكمم أفواه السفهاء ، وهم موجودون في كل مكان .إن للكلمة وقع كبير إذا صدرت من من كان أهلا لها وأنت سيد الكلام … إن اليزيدية أناس بسطاء اغلبهم عمال وكسبة وفيهم الموظفون والطلبة والأكاديميون لكن بنسب محدودة . كيف تريدهم أن يؤيدوا جلاديهم ؟؟ هل يستطيع أي يزيدي الآن بعد الأحداث الأخيرة أن يذهب إلى الموصل مهما كانت حاجته قوية وماسة؟؟ الم يقطعوها علينا أتباع الدولة الإسلامية ومن خلفهم السكان وهم صامتون وساكتون عن الحق ؟؟فقط لا تنسى هذه الملاحظات وأنت تكتب دراستك المقبلة عنهم ..ولك من كل الدعاء بالتوفيق وان يبعد عنك الغوغاء الجهلة” . وهذا نص الكلام أدبجّه بهذا ” المقال ” ، وأنا أدعو إلى أن يقف الجميع في الموصل ليحمي هؤلاء الناس المسالمين من سطوة الإرهاب .

وأخيرا : ماذا اقول ؟
نعم ، إنني أناشد أهل الموصل بشكل خاص الوقوف إلى كل أبناء الطيف المسالم عربا وكردا وتركمان وشبكا ويزيديين ومسيحيين كلدانا وسريان وآثوريين .. وليعلموا أنهم وإياهم في خندق واحد إزاء مصير موحد دوما ومجهول دوما ، فهم جميعا اليوم أمام تحديين خطيرين : تحدي الجماعات الإرهابية المسلحة من طرف باسم وازع ديني .. وتحدي قوى مليشية مسلحة تريد قضم الأرض من طرف باسم وازع قومي .. إنهم جميعا أمام قوى صعبة ومستفحلة ، معاندة ومتعصبة تريد قضم الحياة من كل الأطراف .. إن إرادتنا لا يمكنها أن تعيش لوحدها من دون أبناء الطيف في جميع أصقاع سوسيولوجيا نينوى . إن الموصل بكل فسيفسائها ينبغي أن تعمل معا من اجل مواجهة التحديات . إن اليزيدية لهم خصوصيتهم ومسالمتهم .. وليس لهم إلا الموصل حاضنة لهم في حاضرهم ومستقبلهم ، ولكل مصالحهم ، وليس لهم إلا عراقيتهم ووطنيتهم .. وان تحترم هويتهم وديانتهم وخصوصياتهم الثقافية والاجتماعية .. فهل سنشهد صفحة جديدة في تاريخ مجتمع نينوى بعيدا عن الإلغاء والإرهاب والتبعية وفرض أجندات الانفصال ؟

نشرت في جريدة الصباح ، 14 مايو / آيار 2009 ، ويعاد نشره كاملا على موقع الدكتور سيار الجميل
www.sayyaraljamil.com

شاهد أيضاً

نقطة نظام ضد الفساد والمفسدين والفاسدين

ملاحظة : طلب مني عدد من الاصدقاء العراقيين ان اعيد نشر هذا ” المقال ” …