الرئيسية / مقالات / امريكا مطالبة باعتذار تاريخي !!

امريكا مطالبة باعتذار تاريخي !!

هنا دعوني اطرح أسئلة مباشرة على الولايات المتحدة الأمريكية ومن حقي أن أسألها ، فأنا مواطن عراقي تحتل جيوشها أرضه وأهله وبلاده ، علما بأنني لن اكرهها شعبا وثقافة ومكانة في هذا العالم . أقول : كيف يمكن إنجاح أي عملية ديمقراطية في بلاد تطوف في بحر من الدماء..وبعد افتقاد الأمن والنظام والاستقرار ؟؟ ونحن لا نعرف ما الذي تريده الولايات المتحدة ولماذا استعجلت بالانتخابات وإصدار الدستور ؟ لماذا يعّد كل ما فعله الأمريكيون في العراق على مدى خمس سنوات : حزمة خطط لا مجموعة أخطاء ؟ انهم يبررّون في صحافتهم أفعالهم في العراق كونها ” مجرد أخطاء ” ، في حين أن المنطق يقول بأن ما حصل هو نتيجة خطط مرسومة بدقة متناهية !! وعليه ، لماذا سمحت الولايات المتحدة الامريكية منذ اللحظة التاريخية الأولى بانطلاق الفوضى وأعمال السلب والنهب ؟ لماذا بقيت صامتة على مشهد اغتيال ثقافة العراق وممتلكاته وكنوزه وسحق ذاكرته التي لا تقدّر بثمن ؟ لماذا بقيت الحدود العراقية مفتوحة أمام كل من هبّ ودبّ لدخول العراق والخروج منه بلا أي مساءلة ؟ لماذا لم يحاسب كل المسؤولين على كل ما اقترفوه بحق العراق ومؤسساته وبحق العراقيين ومنظومة حياتهم ؟ علينا أن نطالب بمساءلة دولية عن جملة من الاخطاء أو الممارسات في قيادة العراق . لماذا استعجلت الولايات المتحدة الأمريكية إجراء الانتخابات التشريعية ؟ ولماذا وافقت على إصدار دستور لا يلائم العراقيين أبدا ؟ لماذا تعاملت الولايات المتحدة مع العراق كجماعات واقطاعات ومكوّنات ولماذا لم تتعامل معه كوطن ومواطنين بمعزل عن انتماءاتهم الأخرى ؟ لماذا استخدمت الولايات المتحدة ترسانتها الإعلامية في نشر وبث معلومات كاذبة عن العراق والعراقيين ومن دون أي وثائق وإحصاءات .. وقد تناقلها العراقيون عن سذاجة او عن سوء نية ورددوها منذ خمس سنوات بلا أي تدقيق ولا أي توثيق ولا أي تردد ، فأثارت بذلك الشقاقات والنزاعات والانقسامات ؟؟

لماذا تمّ الاعتماد على أحزاب ( عراقية ) دينية أو طائفية أو أثنية .. من دون الاعتماد على أحزاب سياسية مدنية فقط ؟ ولماذا جعل العراق منطقة انتخابية واحدة من دون جعله مناطق انتخابية عديدة ينتخب الناس من يعرفونه في ما بينهم بدل هذا السياق الذي لا يلائم العراق أبدا في هذه المرحلة والمعمول به في كلّ من جنوب أفريقيا وإسرائيل ؟؟ لماذا سحقت الولايات المتحدة كل مؤسسات العراق انسحاقا نهائيا .. واليوم تتخلى عن اعمار العراق وتتركه بلا اية استحقاقات نكثا بكل العهود بعد كل ما فعلته بالعراق وأهل العراق ؟ لماذا همّشت الولايات المتحدة الهوية الوطنية العراقية بالعزف على شعار ( المكوّنات الثلاثة ) التي يتمثّلها : شيعة وسنة وأكراد ؟ هل نجد في أي مكان من الغرب الديمقراطي أحزابا طائفية أو جهوية ؟ وأين هو المكّون العراقي الجامع لكل الاكثريات والأقليات معا ؟؟ لماذا فتحت الأبواب على مصارعها ليغدو العراق جاذبا للإرهاب ومصدّرا له ؟؟ إن هناك من يقاتل من اجل الحرية وضد المحتل في العراق .. ولكن بنفس الوقت هناك في العراق قتلة يقتلون الأبرياء العراقيين ، وقد ذهب نتيجة ذلك الآلاف المؤلفة منهم ظلما وغدرا .
المطلوب اليوم ان لا تكتفي اي دولة منتصرة بالاعتراف باخطائها فقط ، بل بتقديم الاعتذار التاريخي لجناياتها بحق المجتمعات التي سحقتها ، او استلبت ارضها ومواردها ، وهّجرت سكانها .. ان تجاوزات الطواقم الامريكية في العراق وضد العراقيين تفوق التصورات ، فالامر لم يقتصر على سحق البنية التحتية للبلاد ، وبعثرة الذاكرة التاريخية، وسرقة الكنوز الحضارية عن قصد وسابق ترصد ، بل قضي على مؤسسات العراق ودوائره وشّردت الالاف المؤلفة من العراقيين وغدوا بلا رزق ولا وسائل لديمومة الحياة .. وفتحت الحدود امام كل الاشقياء والارهابيين ليكون العراق بؤرة ارهاب وقد اخترق من عصابات ودول وجماعات ؟ من شجع الطائفية والتمردات الداخلية ؟ من جعل العراق معصرة للدماء ومكانا لتصفية الحسابات ؟ من استخدام المعابد والمساجد اماكن لراحة الجنود .. من نزع كرامة الانسان امام اهله وذويه ؟ من اهان العراقيين في عاداتهم وتقاليدهم .. الخ كلها اخطاء قاتلة ينبغي الاعتذار عنها للشعب العراقي وتعويضه عن كل التجاوزات القاتلة .. انني اعتقد بأنها ليست باخطاء كما اعترف بها الامريكيون ، بل انها ذنوب اقترفت بحق الانسانية . ويتساءل عدد كبير من العراقيين : لماذا لم نجد اي برامج لتأهيل العراق وفتح صفحة جديدة امام العراقيين ؟ لماذا استخدمت مثل هذه الاساليب في العراق ولم تستخدم في بلاد خسرت حروبها امام الامريكيين كاليابان والمانيا ؟ والزمن غير ذاك الزمن .. زمننا الذي توسّعت فيه الافكار والشراكات كان بحاجة الى ان يكون العراق بلدا نظيفا من كل الاوبئة لو احسن التعامل معه ومع شعبه .. وكان على العراقيين ان يدركوا حجم المأساة التاريخية التي عاشوها على امتداد خمسين سنة ، ليبدأوا تاريخا جديدا من خلال ثقافة الاعتذار .. العراق كان مقبلا على ان يفتح ابوابه التاريخية امام العالم لو احسن التصّرف معه ! انني أسأل : لماذا اختلف العراق في هزيمته عن كلّ من المانيا النازية وايطالية الفاشية والمانيا الشرقية .. وغيرها من الامثلة التاريخية ؟؟ اليست كل هذه التجارب بكافية كي تؤمن للعراق برنامجا سياسيا وحضاريا جديدا ؟ اننا نطالب باعتذار تاريخي للعراق . فهل سيحدث ذلك ؟ انني أشك في ذلك .

www.sayyaraljamil.com
البيان الاماراتية ، 7 مايو 2008

شاهد أيضاً

زعامات ورزايا .. ورئاسات بلا مزايا

 الزعامة غير الرئاسة، والرئاسة غير الإدارة، والإدارة غير القضاء. لقد مضى زمن الزعامات الحقيقية، وماتت …