الرئيسية / مقالات / لبنان.. شباك تذاكر لمسلسل مرعب

لبنان.. شباك تذاكر لمسلسل مرعب

مرة تلو أخرى، يتعرض لبنان لمشهد مرعب ضمن مسلسل بدأ مع تفجير هائل ذهب ضحيته الرئيس رفيق الحريري وقافلة معه في فبراير 2005، تلك السنة التي تعتبر علامة فارقة في تاريخ كل من العراق ولبنان بهدف سحقهما تماما وضمن خطة باتت مكشوفة للعيان في صراع الأطراف، كان رد الفعل قويا، ولم يكتمل منتصف 2005 حتى كان مصرع الإعلامي سمير قصير في انفجار آخر. مما قاد إلى بدء تحالفات سياسية جديدة، وإذا كان اللبنانيون يختلفون سياسيا ضمن أوراق لعبة تشترك عدة أطراف داخلية فيها، فان قواعدها بمجملها تكمن من وراء الحدود لتنفيذ سيناريوهات مرعبة كما هو حال العراق، إذ لا يمكن إيقاف شبابيك التذاكر العربية والإقليمية والدولية لمشاهدة ذلك المسلسل الدامي!
ولم يكن الأمر هينا لإيقاف عرض تلك السيناريوهات كونها تهدف إلى تحقيق جملة مطالب تراهن عليها قوى عديدة، لم تنفع أبدا كل التحقيقات التي جرت من اجل معرفة من يكمن وراء هذا المسلسل الذي سيقود إلى البشاعة، وان لبنان سيلحق برفيقه العراق الذي بات على مفترق طرق لتاريخ الصعب. لقد بقي المسلسل الدامي لا يميز أبدا في قتل قومي النزعة أو ليبرالي النهج أو شيوعي المذهب أو كتائبي الولاء، انه القاتل نفسه الذي يريد لبنان كله، ولا يريد أي جزء منه، فهو يدرك أن الأجزاء قد بقيت تصارع نفسها كما كانت في سنوات عجاف من الحرب الأهلية، ثم عادت مرة أخرى تتغنى به، فلقد كان لبنان في الماضي «قطعة سما» وهي ظّل كل اللبنانيين، وبات اليوم ساحة صراع من نوع جديد لم يكن مألوفا في السابق أبدا.
وراهنوا على قتل جورج حاوي بعد أيام من مصرع سمير قصير، لقد استهدفوا زعيم الحزب الشيوعي اللبناني الأسبق، نعم، مات جورج وهو يرفع ارزة لبنان، ولم تكتمل سنة 2005، حتى تم القضاء على الصوت الهادر جبران تويني محرر النهار وابن صاحبها في ديسمبر من ذاك العام الدامي، هكذا أخذ المسلسل المنتج للعنف يؤسس له تاريخا جديدا في حياة لبنان، ويبقى القاتل مجهولا أو متهما حتى تثبت إدانته من دون جدوى، ليس لأنه الأقوى، بل لأن لبنان هو الأضعف نظرا للانقسامات الجديدة التي يحفل بها اليوم، ويمثله اليوم صراع إرادات وتنافس قوى تستعرض عضلاتها باسم لبنان، ولكنها مرتبطة بأطراف خارجية، وكل طرف له أجندته الخاصة وطريقته الخاصة وساحته الخاصة وأساليبه الخاصة في تصفية حساباته.
ولما مضينا في العام 2006، شهدنا وراقبنا بمرارة في شهر يوليو اندلاع حرب قاسية بين حزب الله وبين إسرائيل دامت 34 يوما وخلفت نحو 1200 قتيل بلبنان و158 بإسرائيل، وبالرغم من نتائجها المأساوية، إلا أن اللبنانيين اثبتوا للعالم أنهم إرادة واحدة إزاء قضية وطنية مهما راهن على نتائجها الفرقاء بين الداخل والخارج، وهنا يتبين لنا مبدئيا كم هو حجم الفارق بين الصراع من اجل السلطة وبين نصرة الدفاع عن الوطن.
فما إن عاد لبنان يعمل ليلتئم جرحه حتى رجع الصراع على السلطة من جديد بإخفاق على الاتفاق واستقالة وزراء، ولم يكمل نوفمبر 2006 أنفاسه حتى يسقط وزير الصناعة بيار الجميل صريعا أثناء مرور موكبه في حي سن الفيل المسيحي ببيروت. وبالرغم من موافقة مجلس الأمن الدولي بعد ساعات على خطط لإنشاء محكمة لمحاكمة المشتبه بهم في واقعة اغتيال الحريري والهجمات التي أعقبتها، إلا أن الأمور تسلك في تضاريس صعبة.
وتبدأ حدة الانقسامات السياسية تأخذ لها طابعا استعراضيا بالاعتصام في الشوارع لإسقاط الحكومة، أو تأخذ صيغة التحالفات نهجا لإقصاء الرئيس، فلا الرئيس يسقط ولا الحكومة تنهار وتفتتح سنة 2007 بخبر إصدار تعهد مؤتمر للدول المانحة في باريس بالمساعدة بأكثر من 6. 7 مليارات دولار في التخفيف من وطأة ديون لبنان الباهظة وإزالة آثار الحرب التدميرية التي لم يكن لها أي معنى!
ولكن بعد مضي أيام نسمع لأول مرة بخبر جماعة تعمل تحت الأرض وتتهم بالقتل وأعمال التفجير، ولم تنفع أية تحالفات جديدة لحل الأزمة، إذ حدث العكس بترسيخ الانقسامات بين الفرقاء والزمن كفيل بخلق خطوط حمراء ازدحم بها لبنان، وفي شهر مايو 2007 عندما يوزع مشروع قرار للأمم المتحدة من قبل الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا حول تشكيل المحكمة الدولية الخاصة بمحاكمة المشتبه بهم في مقتل الحريري في العام 2005، تتمرد جماعة فتح الإسلام ويدخل الجيش اللبناني في صراع طويل الأمد معها بتمركزها في مخيم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين ما أدى إلى سقوط 50 قتيلا على الأقل في اعنف اقتتال داخلي منذ الحرب الأهلية التي اندلعت بين عامي 1975 و1990، ويستمر القتال العنيف حتى شهر يونيو، وأدى إلى مقتل 136 شخصا على الأقل من بينهم 60 جنديا منذ بدء القتال.
ثم يأتي مقتل النائب وليد عيدو وتسعة آخرين في انفجار سيارة ملغومة عند ناد على شاطئ بيروت، أما قبل أيام من سبتمبر الجاري 2007، فسوف لن يكون مصرع النائب انطوان غانم الرجل القوي في حزب الكتائب اللبناني هو نهاية للمسلسل الدامي في لبنان. يتبين للمؤرخ أن لبنان كالعراق يعيشان في حقل ألغام شديدة الانفجار، وسيبقى شباك التذاكر مفتوحا لمشاهد من التحديات الصعبة بدءا من مصرع الحريري عام 2005، انتقالا إلى الحرب مع إسرائيل عام 2006، انتقالا إلى الحرب مع جماعة فتح الإسلام عام 2007 وبرفقة حفلات التفجير كلها أجزاء مسلسل لم ينته، ولا تكتمل نهايته إلا بوحدة اللبنانيين وتعايشهم ضمن أجندة وطنية لبنانية بعيدا عن الصراع.

www.sayyaraljamil.com
البيان الإماراتية ، 26 سبتمبر 2007

شاهد أيضاً

زعامات ورزايا .. ورئاسات بلا مزايا

 الزعامة غير الرئاسة، والرئاسة غير الإدارة، والإدارة غير القضاء. لقد مضى زمن الزعامات الحقيقية، وماتت …