الرئيسية / افكار / مجتمعاتنا وشحوب الفكر المعاصر !! القسم الأول: الفكر والتفكير في مجتمعاتنا .. من يطلق سراحهما من السجن رقم واحد ؟؟

مجتمعاتنا وشحوب الفكر المعاصر !! القسم الأول: الفكر والتفكير في مجتمعاتنا .. من يطلق سراحهما من السجن رقم واحد ؟؟

مقدمة
كم هي حاجة مجتمعاتنا في الشرق الاوسط قاطبة الى الفكر المعاصر والتفكير الحر .. فالعالم يتقدّم الى الامام بشكل عاجل لا يمكن اللحاق بكل منجزاته وابداعاته .. ان ” الفكر” غير ” التفكير ” ، وان لا ابداع في الاول ان لم يشتغل الثاني بشكل صحيح .. كما يصطلح على ذلك اغلب علماء الاجتماع والفلاسفة من المعاصرين الذين يهتمون اليوم بامرهما كثيرا ، باعتبارهما يقودان حركة اي مجتمع معاصر الى الامام بمعزل عن كل من يريد جذبه نحو الماضي .. وكما نعلم ان الزمن قد تجاور الماضي اليوم بكل متغيراته الجذرية وتبايناته الفكرية وتشيؤاته المادية .. وان الانسان بات لا يستطيع ان ينفصل ابدا عن حياة هذا العصر ومنتجاته وابداعاته وكل مخترعاته وتطوراته في كل مجالات الحياة . إن حجم ما يعالج من موضوعات في هذا الذي يسمونه (فكر ) في مجتمعاتنا لا يتناسب ابدا مع ما يحتاجه الواقع المضني الذي نعيش مآسيه ونعاني من اوصابه .. ونحن ندرك بداياته المحددة وانطلاقاته المعينة ومدي متطلباته الاساسية في التغيير الجذري ، والامر يختلف بالنسبة للنهايات التي سوف لن تنتهي.. الفكر الناضج والحيوي يبقي مدي التاريخ حيا لا ينضب ولا يموت.. وقد آلت مجتمعاتنا الى النكوص ، وغدا الناس في فكرهم وتفكيرهم اليوم اشبه بمقلدين مغيبين عن الوعي الواعي بنفسه ، بل ويخشى كل انسان من الاعلان عن اي فكرة ناضجة وحيوية ومدنية يحتاجها الجيل الجديد .. وغدت اساليب التربية والتعليم بليدة ومتخلفة ، وبدت تصرفات المجتمع والناس فيه الي شحوب كأنهم يتحشرجون في طريقهم الي الموت بعد ان عصفت بهم الاقدار ذات اليمين وذات الشمال من دون ان يعرفوا من اين يبدأ طريقهم!

محنة الوعي والثقافة والانتاج في مجتمعاتنا
الحياة في كل منطقتنا بما فيها العربية والايرانية والتركية كأكبر ما يحتلها من ثقافات ستمضي من سييء الي أسوأ وستبقي مفتوحة لكي تتلقي المزيد من الضربات الموجعة من دون ان يستفيق اصحابها ابدا من نومهم.. قال لي صاحبي: بل هم احياء لكنهم كالاموات.. قلت: ستبقى هذه المجتمعات تعاني من المحن واضراب الاحن وهم يشيعون انفسهم الي طيات الثري من دون ان يفكروا يوما بأن يكونوا من اصحاب العقل والرشاد والتفكير المعاصر والتمدن ليعترفوا في لحظة واحدة انهم من المذنبين.. ان المجتمعات في منطقتنا تدور حول نفسها ، بل وتحاول ان تعيش مخيالها الذي يجعلها تفكر بمثاليات نفسها وانها الافضل في هذا الكون .. انها واقعة تحت سطوة عاملين خطيرين اثنين : الدولة والاعلام وبكل ما تروجه ثقافة الممنوعات والمحرمات وتقييد العقل وتقييد الحياة من اساليب تعتبرها مجتمعاتنا اليوم هي المشرعة للحقيقة .. والحقيقة مغيبّة وراء طيات الادمغة البليدة .

هول التناقضات وزحمة الثنائيات والمزدوجات
اذا ما قيض لمن يتابع ويتدارس بعد ان يتأمل المسيرة الفكرية لمجتمعات كل المنطقة في القرن العشرين فسيري العجب العجاب من هول التناقضات وزحمة الثنائيات التي يعج بها تفكير الناس ، وكلما يتقدم الزمن نحو الامام سنجد ازدياد شرخ الهوة بيننا وبين العالم .. لقد كنت قد عالجت هذا ” الموضوع ” في العديد من المقالات قبل عشرين سنة ، بل وثمة تحليللات موسعة يتضمنها كتابي ( التحولات العربية : اشكاليات الوعي وتحليل التناقضات وخطاب المستقبل ) المنشور ببيروت عام 1997 . ان التفكير الوهمي الذي يسود مجتمعاتنا سيبقى سائدا ومكرسا للهزائم والانقسام والتشرذم والتخلف .. انه يسقضي على كل تفكير مخالف له في الحياة ، وهو عقيم لا ينجب المبدعين ولا يعتني بالرائعين ولا يسمح بأي حريات ويحارب الانفتاح ويتسلط على كل ما هو مدني وحضاري .. انه سيلتقط الرؤي ويتلهف لمن سبقه ويسير علي الخطوات نفسها المتعبة من دون ان يرسم له اي منهج جديد في التفكير ولا اي مشروع جديد في الرؤية والحياة.. ربما سيبرز هنا او هناك من له القدرة ان يخرج من الدوامة البلهاء وسيغدو متحررا ليلحق وبشجاعة بالغة بالاحرار وبالثقافة المدنية وبالتفكير المدني وسيكون جزءا من النخبة الرائعة ويترك هذا الخليط العجيب من الملايين الذين يعيشون الاوهام وهم يستمعون الى قادة وزعماء وكتّاب وصفوا انفسهم بمثقفين ومفكرين وهؤلاء هم الذين اساؤوا الي التاريخ والواقع وهم يسمون انفسهم بـ(المفكرين او المثقفين ) الذين لا يدركون اولويات المعاني والاشياء وهم ينفخون انفسهم بالالقاب العلمية او بصفات المختصين او بمناشيتات الاعلاميين المزيفين! وليس لهم الا التنطع على شاشات الفضائيات او استعراض تخلفهم على صفحات الصحف والمجلات .. او القاء مواعظهم وانشائياتهم السمجة في ندواتهم ومؤتمراتهم التي لا تعد ولا تحصى ..

التفكير في سجن رقم واحد
انهم لا يدعون الى اي فكرة ناجحة تنشر علي الناس ولهم القدرة في محاصرة كل الاكفاء والاذكياء والموهوبين والمبدعين.. تجدهم اليوم وقد غدوا مافيات يتلاعبون بمصالح انبل وسائل الفكر والتفكير واجهزة التربية والتعليم .. لا يريدون ان ترتسم الافكار الجديدة في تشكيلاتها وبنيوياتها.. وهناك من هو مسلط علي النابهين تجدهم عصابات سياسية واعلامية وجامعية وقلوبهم شتي.. تجدهم غرقي بكل الموبقات: يحاصرون فكرة الحقيقة ويحقدون علي نخبتها العليا ويكرهون الاحرار كراهية عمياء ، كون الاحرار لا يفكر وهو في سجن رقم واحد ، اذ انه يفكّر ولكن ربما في معتقلات من نوع آخر .. انهم يستخدمون ببساطة كل فنون الارتداد والتراجع: حظر قضائي وقهر اجتماعي وعهر سياسي.. التهم جاهزة بكل اوصافها التعيسة والجارحة لكل من يقف معترضا علي هذه الحال والاحوال.. وكم من ذهب ضحية تلك الاحقاد والخصومات عندما يخالفك احد برأيه، فيصبح وكأنه صاحب مثالب او كأنه من عتاة المجرمين.. واصعب الامور عندما يسكت المفكر الحر والكاتب الشجاع عن مأساة شعب !

شحوب الفكر في مجتمعاتنا .. لماذا؟
نعم انه شاحب ما دام لا يعبر عن الواقع المضني تعبيرا ملتزما وامينا وحياديا وصادقا.. لقد نخرت الايديولوجيات والتحزبات السابقة كل منطلقاته الاساسية واولوياته الحقيقية وقد اختلطت الامور بعضها ببعض آخر، فالمؤسسات العلمية في منطقتنا بائسة تمام البؤس والاعلام في منطقتنا بكل اصنافه ووسائله واجهزته وشبكاته .. قد وصل الي درجة من التفاهة والبشاعة بحيث غدا يشوه ويسمم عن قصد وسبق اصرار كل الصفحات البيض التي سيمتلكها الجيل الجديد باسم التقاليد مرة وباسم الدين مرة اخرى وباسم التاريخ والسياسة والسلطات مرات اخرى .. اصبحنا نجد من يسمّون انفسهم كتابا كبارا ومحللين سياسيين واستراتيجيين لا يعرفون الا اللف والدوران من دون ان يعلموا الاساليب الجديدة والمبتكرات الرائعة ودون ان يكونوا بناقدين شجعانا .. ودون ان يفكروا يوما بكيفية الانفصال والقطيعة عن كل خطايا القرن العشرين .. بل ودخل المعترك اناس لا تفقه معنى الكتابة ولا اصول التفكير ولا اساليب التحديث بل ولا حتى المعاني الاساسية التي كانت تتربى عليها الاجيال السابقة ، وكلها معاني وطنية ومدنية وجمالية وبنائية ونهضوية حضارية .. بل وكان بعضها ينادي بالحريات والتقدمية والاشتراكية ..
للمقال صلة

www.sayyaraljamil.com

شاهد أيضاً

مطلوب لائحة اخلاق عربية

تعيش مجتمعاتنا العربية في حالة يرثى لها، لما أصابها من تفكك سياسي جعلها تتمزق اجتماعيا، …