الرئيسية / الشأن العراقي / لبنان: حرب نظام أم كسر عظام ؟؟

لبنان: حرب نظام أم كسر عظام ؟؟

في كل مرحلة من التاريخ لنا نحن العرب مهرجان دم وتدمير .. يأخذنا نحو الخراب والدمار !! في كل مكان وزمان ندفع نحن بأنفسنا إسرائيل لتنفيذ خططها في التدمير ! بل ان ثمة طابور خامس قد اخترق مجتمعاتنا وبلداننا وهو يؤجج نار الحرب بمسميات عربية كي يستخدم العرب وقودا من اجل أهداف لا يمكن تحقيقها في هكذا ظرف زماني وفي هكذا واقع مكاني .. اسأل : لماذا نبكي اليوم لبنان ؟ ولماذا يصفق آخرون للمأساة ؟ من فوّض الربابنة الجدد في أكثر من بلد عربي أن يدّمروا بلداننا بلهيب عواطفهم وهوس تفكيرهم وقلة حيلتهم وانعدام مرونتهم ؟؟ لماذا ينقسم العرب ثانية بين من يهّلل للمواجهة في مثل هذا الوقت وبين من يتألم لما حلّ بلبنان في اقل من اسبوع ؟ وهل يريد اللبنانيون كلهم ان يعيشوا هذا المهرجان الصعب لوحدهم ؟ هل كان لبنان قد استعدّ لمثل هذا الصراع ؟ هل علم الناس ان رد الفعل سيكون بمثل هذه القساوة ؟ اذن ، ما هدف هذا الصراع بهذا الوقت بالذات ؟ ولماذا لم يدرك كل من يؤيد هذه ” الحرب ” حجم نحر لبنان من دون شعارات لم تزل تأخذنا من هزيمة الى أخرى ؟؟
نعم ، ما الذي سيجنيه العرب من هذا العدوان الغاشم على لبنان في مثل هذه الاونة الحرجة ؟؟ من الذي يسيئ الى حياتنا العربية وسياستنا التي هي بأمس الحاجة الى التلاؤم لا الى الانقسام ؟ من الذي يتدخّل في شؤوننا بكل وقاحة وباشكال مباشرة من دون ان يرتدع ولا ان يستحي ؟ انظروا ما الذي يجري في العراق ؟ وانظروا ما الذي سيجري في صنوه لبنان ؟ ان الكل يعترف بمخاطر اسرائيل ، وان حربها اليوم ضد لبنان لا معنى لها ـ على حد توصيف الاخ عبد الرحمن الراشد ـ .. وعلى لبنان أن يعي بأن ما يجري يعد بمثابة انتحار تاريخي لابد ان يتراجع عنه من اوقده .. لا ان يزيد من عناده بعد كل هذا الخراب ، ويجد من يطّبل أو يزّمر له !
على العرب أن يعيدوا التفكير ، ويكونوا اكثر عقلانية في قياس الامور ويفكروا في النتائج المأساوية والمصير القادم .. انني اعلم بأن العرب رسميا وشعبيا ينقسمون اليوم الى قسمين اثنين اولهما ينساق وراء عواطفه الساخنة التي تذكيها درجة وطنيته وشعاراته والتزامه بـ ” المقاومة ” في تأييد الاسباب مهما كانت النتائج . وثانيهما يحتكم في وطنيته للحكمة والعقل والمرونة في معارضة التبريرات وقياس ما سيترتب على الاحداث غير المتكافئة من نتائج كارثية .. ان هذا الانقسام واضح جدا لدى الرأي العام ، يعّبر عنه ليس في اجتماعات الدول العربية ، بل في ادبيات واعلاميات ومواقف قوى واحزاب ونخب ..
لا اقول ان اسرائيل ستكسب الجولة بمثل هذا العدوان او ذاك كما تكسب دوما ، ولكنها تريد كسر عظام المنطقة لأوهى الاسباب .. وعليه ، فان التناطح معها لا يجدي نفعا ابدا ، بل لابد من كسب العرب الجولة السياسية دوليا بوضع الكرة دائما في ملعبها .. ان الصراع اليوم ليس صراع وجود ، فلقد كسبت اسرائيل الجولة مذ اعترف العرب بها في مؤتمر مدريد .. ان العرب بحاجة الى ان يكونوا فنانين في ادارة الازمات وكيفية التعامل معها على اسس تجارب الصراع العربي الصهيوني السابقة ! ولكن علينا ان نعترف بأن المشكلة لم تعد عربية صرفة ، اذ دخلتها عناصر اقليمية اخذت على عاتقها اذكاء الحرب في كل المنطقة .
وانني اسأل : هل تريدون حرق لبنان .. هذا البلد الجميل لاسباب سوف لن تجعلكم ابطالا في عصر بات الكل يبحث عن مصالحه ومنافعه ؟ هل ترضون ان يبقى لبنان مخترقا تعبث به ارادة هذا ومخططات ذاك ؟ هل تقبلون ان يتحّول من جديد الى بركة دم مشتعلة لسنوات طوال قادمة ؟ هل تنفع لبنان هوس الخطابات واستعراض العضلات وتوهم الانتصارات ؟ الى متى يبقى العرب ضحية الشعارات والاوهام .. وهناك من يغذي نيرانه المشتعلة ؟! وأسأل : ماذا كنتم تتوقّعون من اسرائيل ؟ هل سيقف العالم معكم في مثل هذه المغامرة التي لا معنى لها غير خراب لبنان ؟ هل التصريحات الصارخة ستبني لبنان ؟ الى متى يدفع الاثمان الغالية والاخرون يتفرجون على مآسيه؟ انني اذكر في واحدة من زياراتي لبنان عام 1996 كيف قصفت اسرائيل محطات توليد الطاقة الكهربائية وكنت بالسيارة قريبا منها .. وعاشت مدن لبنان في ظلام دامس زمنا طويلا نتيجة استفزازات التي لا علم للحكومة اللبنانية بها !!
انني اتمنى على الجميع ان يحّكم العقل في معالجة هذه الظروف الصعبة ، وان يقف الجميع ليقولوا : كفى لهذا الترويع الهمجي الناتج عن صناعة مخطط للتوترات .. وكفى التدخّل بشأن لبنان ؟ دعوه يعيش بسلام ، فلقد اعطى الكثير .. دعوه يقرر بنفسه من دون أي وصاية .. واقول لاسرائيل : كفى ايذاء للبنان ولمصالحه الحيوية .. وكفى ضربا لبنيته التحتية وعدوانا على شعبه بالطائرات .. وكفى اختراقا لاجوائه وسمائه وضربا لاهله وارضه وشعبه الذي ليس مسؤولا ابدا عن هذا المهرجان .. دعوا لبنان للكلمة المبدعة والاغنية الصادحة والقصيدة الجميلة والوجوه الباسمة وللمدن الحالمة .. دعوه يسترجع عافيته بعد سنوات تلك الحرب الاهلية القاسية .. دعوه ، فهو الرئة الحقيقية التي تتنفس بها المنطقة منذ ازمان ، فهل ستحقق امنياتي الطيبة ؟ انني اشك في ذلك .

www.sayyaraljamil.com

البيان
19 /7/2006

شاهد أيضاً

نقطة نظام ضد الفساد والمفسدين والفاسدين

ملاحظة : طلب مني عدد من الاصدقاء العراقيين ان اعيد نشر هذا ” المقال ” …