الرئيسية / مقالات / رسالة إلى السيد حسني مبارك المحترم

رسالة إلى السيد حسني مبارك المحترم

تحية طيبة وبعد
تابعت بشغف كبير حديثكم وتصريحاتكم التي أدليتم بها للسيدة جيزيل خوري على فضائية العربية قبل يومين .. وأنا أتابع كل خطاباتكم التي تخص مصر وغير مصر ، نظرا لما لمصر من مكانة كبيرة في المنطقة ولما لها من اعتزاز لا يضاهي في قلوبنا جميعا .. فضلا عن متابعتي اهتمامكم السياسي بالشأن العراقي منذ سنوات مضت ، خصوصا وأنني قد درست طبيعة العلاقات المصرية العراقية في القرن العشرين ودورهما السياسي في تاريخ العرب الحديث ، وربما يختلف معي بعض الأخوة في مصر نتيجة ما نشرته حول التدخلات المصرية في الشأن العراقي سواء على العهد الملكي في العراق 1921 – 1958 ، أو على العهد الجمهوري ( العسكري والدكتاتوري ) 1958- 2003 . وأنت أدرى بواقع تلك ” التدخلات ” السياسية والإعلامية والتآمرية الانقلابية باسم ” القومية العربية ” .. مع اعتزازنا بالعروبة واحترامنا لدور مصر والعراق الحضاري في تاريخ البشرية .. ونسأل : كم جّرت تلك ” التدخلات ” على العراق من مشكلات ومآس ما كان لها أن تكون أبدا خصوصا ونحن نعلم بأن كلا من الشعبين المصري والعراقي لهما تواريخ كلاسيكية غارقة في التاريخ ، كما أن كلا منهما يحترم مشاعر الآخر ، ولكل مهما مكانة في قلب الآخر ، وهذا ما نتلمسه من مشاعر يشعر بها كل العرب .
كنت استمع إلى حديثك الأخير وكم كنت أود أن تكون دقيقا في اختيار عباراتك سواء ما يخص العراق أو ما يخص لبنان أو سوريا أو أي بلد عربي آخر.. ربما لا يعنيني ما تتكلّم به عن مصر فأنت الوحيد المسئول عنها ، ولكن أود أن تتفضل بالعلم أن الحياة العربية بدأت تتغّير عما كانت عليه في القرن العشرين .. اذ لم يعد هناك من يسمع ويسكت ويكظم غيظه خصوصا وانت تعلم بأن الكلام قد يجرح أكثر من طعنة سيف .. وسوف لن يغّير كلامك بنية أي مجتمع ولا تاريخ أي امة ولا مصير أي دولة .. ولا استطيع القول أن كلامك الذي أطلقته على الشيعة من العراقيين وغيرهم لم يكن له من هدف سياسي معّين !؟ ربما كانت هناك جماعات وأحزاب وميليشيات من الشيعة لها موالاتها لإيران .. ولكن هل من الإنصاف أن اتهّم كل الشيعة في العراق وغير العراق بموالاتهم لإيران ؟؟ أقول هذا وأنا لست شيعيا ، ولكنني لا أرضى كمواطن عراقي أبدا أن اشمل كل ملايين الشيعة من العراقيين واللبنانيين وغيرهم بموالاتهم لإيران وهم عرب اقحاح يحترمون أرومتهم ، ويعتزون بمواريثهم ،ويقدسون أوطانهم وترابهم .. منهم قبائل وعشائر عربية قديمة ومنهم اسر وعوائل تنتمي إلى مدن وحواضر عربية قديمة .. فكيف لنا أن نطعن بمثل هذه السهولة لأسباب سياسية ، طعنة نجلاء في قلب المشاعر الاجتماعية العربية ؟؟
لقد ضربت يدا بيد وأنا اسمع تصريحك هذا وتوقعت فجأة ما الذي ستحدثه تصريحاتك غير المسؤولة عن أهم ما يعتز به العراقيون عربا أم غير عرب ناهيكم عما أحدثته من ردود فعل لدى الشيعة العرب في كل مكان من العالم .. وتساءلت : كيف يصدر هكذا حديث عن الرئيس مبارك وهو الزعيم المجّرب والذي حكم مصر قرابة ربع قرن من الزمن .. وأنا أتوقع بأنك غير مطّلع عن مجريات ما حدث ويحدث من تغييرات في اغلب مجتمعاتنا العربية وخصوصا بعد سقوط صدام حسين ونظامه في 9 ابريل 2003 وحتى اليوم.. كما وأنني استفهم : كيف تطلق هكذا كلام ثقيل جدا لا تجني منه شيئا على المستوى السياسي ولا على المستوى الحضاري .. فالعراق بالذات بحاجة إلى من يلملم جراحه اليوم لا أن يذكي النار فيه .. وهو بحاجة إلى من يدمل جراحه لا أن ينكأها .. ولابد أن تعلم يا سيادة الرئيس بأن الشيعة من العراقيين كانوا وما زالوا ملتصقين بترابهم ويعتزون بترابهم ولهم عاداتهم وتقاليدهم العربية الأصيلة ولهم تواريخهم السياسية الوطنية كما أن لهم إبداعاتهم الحضارية المتنوعة .. والأكثر من هذا وذاك أنهم قد تصاهروا واندمجوا وتعايشوا مع السنة .. ولم تتبلور حالات الانقسام إلا مؤخرا وهو انقسام سياسي لا اجتماعي .. وعليه ، فليس من السهولة اندلاع حرب أهلية في العراق كالتي تقول عنها الآن .. وثق بأن اغلب العراقيين لا يريدون أي تدخلات ولا أي اختراقات من دول الإقليم من اجل أن يفتحوا طريقا لهم للمستقبل ولتعلم بأن العراقيين يدركون أن مصيرهم سيكون موحدّا شاءوا أم أبوا ، فلا يمكن أبدا الرهان على تمزيق العراق !
إنني أهيب بكم سيادة الرئيس أن تعلن تراجعك عن تصريحاتك من اجل تعزيز لحمة العراق ومصر ، ومن اجل كسب كل الموقف ومن اجل توثيق أواصر المجتمع العراقي أن كنتم تعتزون به ولابد أن تعملوا من اجل أن يبدأ العراق تاريخه الجديد بعد أن انتهى تاريخه في القرن العشرين .. أتمنى أن يسود العقل في أطلاق الكلام وان لا يكون على عواهنه .. أتمنى لمصر العزيزة وكل الأخوة المصريين التقدم والتجديد .
وتقبلوا خالص الاحترام والتقدير
سّيار الجميل
ايلاف 10 ابريل 2006

شاهد أيضاً

زعامات ورزايا .. ورئاسات بلا مزايا

 الزعامة غير الرئاسة، والرئاسة غير الإدارة، والإدارة غير القضاء. لقد مضى زمن الزعامات الحقيقية، وماتت …